يعيش سكان الجماعات الثلاث المكونة لدائرة النيف، بإقليم تنغير، منذ عقود من الزمن، في دوامة من التهميش والإقصاء، وركود تنموي مخيف، منتظرين زيارة مسؤول باستطاعته نفض غبار الحكرة والتهميش عنها، وإيصالها إلى ركب التنمية وإنصافها وإعطائها حقها المفقود في جميع المجالات. دائرة النيف، بجماعاتها الثلاث احصيا ومصيصي والنيف، عجوز شاخت ملامحها وتعيش التهميش والإقصاء والإهمال من لدن المسؤولين المحليين المتعاقبين على تدبير شؤون المنطقة، إذ تفتقر إلى أبسط ضروريات العيش الكريم، فضلا عن معاناة السكان مع القطاعات الحيوية، مثل الصحة والتعليم والطرق، إلى درجة أن "الزائر" يحسب أنه أمام بنية ترابية تحتضر وأن المنطقة خاوية على عروشها ولا يسكنها بشر بل أشباح. بلهجة متحسرة ومتذمرة وساخطة على الوضع المعيشي الذي يتخبط فيه سكان دائرة النيف منذ عقود، اتهمت مجموعة من النساء ممن تحدثت إليهن جريدة هسبريس الإلكترونية المسؤولين المحليين بعدم الاهتمام بمشاكل السكان القاطنين بالنفوذ الترابي للجماعات الثلاث المكونة للدائرة سالفة الذكر، حيث كشفت هؤلاء النساء أن السكان يعيشون حرمانا حقيقيا من أبسط ضروريات العيش الكريم، مذكرات بأنهم راسلوا الجهات المسؤولة محليا وإقليميا ووصفوا لهم حياتهم المتردية في هذه المناطق النائية، وطالبوا بوجوب استدراك النقص الحاصل في جميع المجالات؛ إلا أن الظاهر هو أن تلك المراسلات يكون مصيرها سلة المهملات، ولا تحمل على محمل الجد، ولم توقظ الضمير المهني، لمن صوتوا عليهم ذات يوم وولوهم زمام أمورهم، حسب تعبير المتحدثات. الصحة "مراسلاتنا وطلباتنا تلقى في المهملات"، بهذه العبارة بدأ "محمد. ك"، وهو فاعل جمعوي ينحدر من جماعة احصيا إحدى الجماعات الثلاث التابعة لدائرة النيف، حديثه مع جريدة هسبريس الإلكترونية، مشيرا إلى أن المسؤولين يقدمون وعودا معسولة للسكان إبان الأعراس الانتخابية، ويحلفون بأغلظ الأيمان أنهم سيقومون بتحسين الظروف المعيشية للناخبين ودفع عجلة التنمية بالمنطقة، مذكرا أن تلك الوعود الشفهية تبقى شفهية ولا تتجسد على أرض الواقع، بدليل غياب مرافق اجتماعية ضرورية بالمنطقة، حسب تعبير المتحدث. وأبدى المتحدث ذاته استياءه من سياسة التهميش والإقصاء والتجاهل التي تنهجها السلطات المنتخبة والإدارية في حق السكان، مستغربا ومتسائلا في الوقت نفسه عن الأسباب التي حالت دون استفادة دائرة النيف من البرامج التنموية، شأنها شأن باقي المناطق الأخرى بإقليم تنغير، مذكرا بأن قطاع الصحة لوحده يعاني أزمة حقيقية بهذه الدائرة. الفاعل الجمعوي المنحدر من جماعة احصيا إحدى الجماعات الثلاث التابعة لدائرة النيف قال، في تصريح لهسبريس، إن غياب التجهيزات الطبية والأطر الطبية والأدوية الضرورية، مثل أمصال العقارب والأفاعي، يجعل السكان يعيشون في دوامة الخوف، خصوصا مع اقتراب فصل الصيف. وفي هذا السياق، أشار المتحدث إلى أن جماعة احصيا تعاني خصاصا مهولا في الجانب الصحي، ويتمثل بالأساس في الطبيب الحاضر الغائب ونقص شديد في الأدوية وغياب الأطر في دار الولادة التي بنيت منذ زمن. الحاج محمد بوعزمة، فاعل جمعوي بالنيف، كشف أن واقع الصحة بالنيف والجماعات المجاورة "ليس بخير" مبرزا أن عددا كبيرا من المواطنين يتعرضون للسعات العقارب ولدغات الأفاعي كل فصل صيف، حيث يتم توجيه أغلبهم إلى الرشيدية أو ورزازات، نظرا إلى غياب أمصال هذه السموم بالمراكز الصحية الموجودة بدائرة النيف، متسائلا عن جدوى بناء كل هذه المراكز الصحية وهي خاوية على عروشها من الأطر الطبية والأدوية وغياب التجهيزات. وذكر المتحدث، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن أغلب الحالات المرضية القادمة من احصيا أو مصيصي أو النيف نفسها يتم توجيهها إلى مستشفى تنغير، ليتم توجيهها مجددا إلى ورزازات أو الرشيدية، واصفا المستشفى الإقليمي بمحطة الاستراحة، لبدء معاناة جديدة مع التنقل لمئات الكيلومترات، مطالبا من وزارة الصحة بضرورة إيجاد حلول ناجعة ومستعجلة للمشاكل التي يتخبط فيه القطاع الصحي بدائرة النيف، خاصة وإقليم تنغير عموما، مردفا "نخشى على أبنائها، ولا نريد تكرار المآسي.. موت الطفلة ايديا تقول لهم: أيها المسؤولين، روحي وأرواح اللاحقين من الأبرياء على عاتقكم". خديجة الهشمي، مواطنة من نواحي مصيصي، قالت إن الوضع الصحي بهذه الجماعة لا يختلف عن باقي الجماعتين الأخريين التابعتين لدائرة النيف، مؤكدة أن ساكنة مصيصي تعاني بدورها مشاكل مختلفة؛ كغياب أمصال العقارب والأفاعي، غياب المولدات. المواطنة المنحدرة من نواحي مصيصي حملت المسؤولية في الوقت نفسه إلى الحكومة الجديدة والحكومات المتعاقبة في ما يعانيه المواطنون في هذه الربوع من المغرب المنسي، في قطاع الصحة الذي وصفته بأنه ضمن أولويات والضروريات. "نحن في أمس الحاجة إلى بناء مستشفى إقليمي مجهز بأحدث التجهيزات الطبية وبأطر طبية عالية الكفاءة"، تقول المتحدثة. تهيئة المراكز والطرق مشكل اهتراء الطرقات واحد من بين المشاكل المطالب بحلها من قبل سكان بالنيف واحصيا ومصيصي، من أجل تسهيل تنقلاتهم سواء على أرجلهم أو على العربات. وقد كشف السكان عن الحجم الكبير من المعاناة والعذاب مع طرقات لم تعرف يوما تعبيدا أو تزفيتا، لا سيما خلال فصل الشتاء حيث تتحول تلك الطرقات إلى أوحال يعجزون عن استعمالها وتجبرهم على انتعال الأحذية البلاستيكية. وتبقى الجماعة القروية احصيا من بين الجماعات الأكثر تضررا من حيث غياب الطرقات المعبدة. وفي هذا السياق، يشدد محمد العلوي، فاعل جمعوي، على أن المنطقة في أمس الحاجة الى تعبيد الطرقات، وربطها بالجماعات الأخرى المجاورة، كجماعة تغبالت بإقليم زاكورة، فضلا عن توسيع الطريق الرئيسية التي تخترق مركز احصيا، انطلاقا من الطريق الوطنية رقم 12 الرابطة بين النيف وتزارين في اتجاه تسمومين، وربط بعض الدواوير بتلك الطريق، الدوار اكديم والفشت وايت سعيد اعلي وخينك. وذكر العلوي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن الجماعة القروية مصيصي لا تختلف عن الجماعات الأخرى، خصوصا في ما هو متعلق بالمسالك الطرقية، حيث أشار إلى أن أغلب الدواوير الواقعة بالنفوذ الترابي لجماعة مصيصي تعاني غياب الطريق، خصوصا مع كل فصل شتاء أو مع أولى قطرات الأمطار، مطالبا جميع المتدخلين بتنزيل مخطط إستراتيجي تنموي خاص بدائرة النيف، لانتشالها من قوقعة التهميش والإهمال، وتنزيل برامج تنموية جادة ومشجعة لفائدة هذه المناطق المغضوب عليها منذ عقود من الزمن. وبجماعة النيف، هناك العديد من الدواوير تعاني بدورها غياب المسالك الطرقية الصالحة للاستعمال، إلا أن التهيئة الحضرية للمركز تعتبر من بين النقط التي تثير استنكار المواطنين، حيث اتهموا المجلسين الجماعيين الحالي والسابق بعدم الاهتمام بواجهة المركز وتركه على حاله دون تهيئته. وفي هذا الصدد، قالت مواطنة تقطن بمركز النيف، في حديثها مع الجريدة، أن "أهم ما يتحسر عليه سكان مركز الجماعة هو الحالة التي توجد فيها الأزقة والشوارع"، فضلا عن غياب الماء الصالح للشرب في بعض المنازل خصوصا مع فصل الصيف، مشيرة إلى أن السكان يجدون أنفسهم في صراع مستميت مع رحلة البحث عن قطرة ماء بين الصهاريج واقتناء المياه المعدنية التي كثيرا ما تسبب في إفراغ جيوبهم. واتهمت المتحدثة المسؤولين بالجماعة الترابية النيف وعمالة إقليم تنغير بالتخاذل والتقاعس عن أداء مهامهم والصمت وإهمال مطالبهم ووضعهم المزري، وحذرت من "مغبة استغفالهم ومواصلة سياسة سد الآذان حيال مطالب السكان، باعتبارهم لن يبقوا صامتين بل سيخرجون لا محالة ذات يوم عن صمتهم"، وفق تعبيرها. التعليم لا تزال ذاكرة سكان الجنوب الشرقي للمغرب تحتفظ بوقائع حادثة سير التي وقعت خلال شهر مارس من السنة الماضية، والتي أودت بحياة تلميذة وتسببت في بتر يد تلميذ آخر، إثر اصطدام شاحنة كانت تقل ما يزيد عن أربعين تلميذا بسيارة رباعية الدفع، في طريق عودتهم من المؤسسات التعليمية لقضاء عطلة نهاية الأسبوع رفقة ذويهم، بنواحي فزو جماعة مصيصي؛ وهو ما خلف في نفوس عدد من التلاميذ وأوليائهم حالة من الخوف والرعب، تسبب لبعضهم خاصة الفتيات في الانقطاع عن الدراسة، ودفع البعض الآخر بالهجرة إلى المراكز الحضرية لتمكين فلذات كبده مواصلة الدراسة والتحصيل العلمي. وبالرغم من المجهودات المبذولة من لدن السلطات الإقليمية ومتدخلين آخرين في توفير سيارات النقل المدرسي لفائدة تلاميذ دواوير مصيصي، ما زال السكان يسجلون نقصا في هذا الشأن ويطالبون بتعميم هذه الخدمة في جميع الدواوير وتمكين التلاميذ غير المستفيدين من الخدمة الاستفادة من الإيواء والمأكل في دور الطالب والطالبة. ويطالب سكان احصيا، بدورها، المديرية الإقليمية للتربية الوطنية بتنغير بدراسة إمكانية إيجاد حلول لمشاكل الاكتظاظ في المؤسسات التعليمية، فضلا عن الخصاص المهول في الأساتذة ونقص الحجرات الدراسية، مشددة على ضرورة بناء ثانوية تأهيلية بالمنطقة تستجيب لمتطلبات وانتظارات التلاميذ وأولياء أمورهم. ظاهرة الاكتظاظ بالحجرات الدراسية لم تقتصر على احصيا أو مصيصي؛ فجماعة النيف لها نصيبها من هذا الإشكال، حيث تعاني مجموعة من المؤسسات التعليمية، بعمار وتيزي ومركز الجماعة وتيكرنة واشبارو...، اكتظاظا واهتراء بعض الحجرات؛ وهو ما يستوجب التسريع بإيجاد حل جذري ومستعجل لإصلاح المنظومة التعليمية ومرافقها، حسب تعبير أستاذة تدرس بمجموعة مدارس بوكافر بالنيف. شباب تنخره البطالة الشباب، بدورهم، يعانون مشاكل البطالة وغياب مرافق للترفيه، بالرغم من مرور عقود من الزمن على إحداث الجماعات الترابية المكونة لدائرة النيف، التي ما زالت لم تجد لنفسها مخرجا، خاصة في ظل سياسة التهميش واللامبالاة التي تنهجها الدولة في حق أبناء الجنوب الشرقي عموما. واستنادا إلى تصريحات الشباب، فإن كل ركن من أركان الجماعات الثلاث يئن في صمت بعيدا عن أعين المسؤولين، خاصة أن المنطقة تفتقد إلى العديد من المرافق العمومية، ناهيك عن البطالة التي نخرت أجساد الشباب الذين يجهلون مصائرهم المستقبلي، ليبقوا في قوقعة وبيئة منعزلة ولغياب الوعي وارتفاع نسب الهدر المدرسي بها. وفي السياق ذاته، أكد ناشط جمعوي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن نسبة البطالة بالمنطقة جد مرتفعة إلى جانب ارتفاع نسبة الهدر المدرسي؛ وهو ما جعل الشباب يقعون فريسة في أيدي مجموعات من المنحرفين، حسب تعبيره. وقال المتحدث ذاته إن "الوضع بالنسبة إلى الشباب لم يتغير منذ عقود ومع تعاقب المجالس المنتخبة والحكومية"، مضيفا "أن العديد من الشباب لا يجيد القراءة والكتابة لمغادرتهم مقاعد الدراسة باكرا ويعانون من البطالة التي نخرت أجسادهم، ومنهم من أسعفه الحظ للهجرة إلى الخارج"، حسب تعبير المتحدث. وتابع قائلا: "وما زاد من تدهور وضع الشباب، الذي راح ضحية الآفات الاجتماعية من جهة أخرى، غياب مرافق ثقافية وشبابية من شأنها توعية الشباب وفتح الآفاق أمامهم"، مؤكدا أن الجماعة تفتقر إلى مثل هذه المراكز التي تعتبر متنفسا لصقل مواهبهم. ممثل جماعة النيف يجيب حاولت هسبريس، منذ يومين، الاتصال بأحد رؤساء الجماعات الثلاث؛ غير أن هواتفهم ظلت ترن دون مجيب، فربطنا الاتصال بأحد نواب رئيس المجلس الجماعي للنيف، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، وأشار إلى أن دائرة النيف عرفت في السنوات الأخيرة تطورا نسبيا وانطلاقة مشاريع تنموية همت المجالين الطرقي والرياضي، بفضل تضافر جهود عدة متدخلين على الصعيد الإقليمي والجهوي. وذكر المتحدث أن الجماعات الثلاث المكونة لدائرة النيف تعاني قلة الإمكانات المالية الكفيلة بالاعتماد عليها في تجسيد مشاريع ذات الوقع الاقتصادي والاجتماعي بالمنطقة، مضيفا أن هناك تضافرا للجهود وتنسيقا بين الجماعات المذكورة للترافع من أجل بناء مستشفى محلي كبير بالنيف، وتجهيزه بالتجهيزات الطبية الضرورية، داعيا المسؤولين الإقليميين إلى مد يد العون لإنجاح هذه المبادرة. وزاد المسؤول الجماعي ذاته أن "المكتب المسير لجماعة النيف سيقوم بتنزيل مجموعة من المشاريع التنموية التي انتظرها المواطن منذ سنوات". وحصر المتحدث هذه المشاريع في إنجاز مشروع الصرف الصحي لسكان المركز، وتهيئة الأزقة والشوارع، وتدعيمها بالإنارة العمومية، مؤكدا عزم المجلس في المساهمة في إصلاح المستشفى الحالي وتجهيزه والترافع من أجل توفير الأدوية الضرورية خاصة أمصال سموم العقارب والأفاعي. وفي انتظار تحقيق هذه الوعود التي لا تختلف عن تلك "التي يقدمها بعض المسؤولين لسكان الجماعات الثلاث التابعة لدائرة النيف إبان الأعراس الانتخابية، ويحلفون بأغلظ الأيمان أنهم سيقومون بتحسين الظروف المعيشية للناخبين ودفع عجلة التنمية بالمنطقة"، كما ورد على لسان هو فاعل جمعوي ينحدر من جماعة احصيا خلال حديثه مع جريدة هسبريس الإلكترونية؛ يأمل السكان أن تحظى المنطقة بمرافق اجتماعية ضرورية تقطع مع سياسة التهميش والإقصاء والتجاهل التي تنهجها السلطات المنتخبة والإدارية في حق السكان"، وفق تعبير الفاعل الجمعوي ذاته.