بحضور ثلة من الأكاديميين والجامعيين والفاعلين في المجال التربوي، تم تقديم كتاب "العَرَبِيّةُ الدّارِجَةُ: إملائية ونحو، الأصوات، الصرف، التركيب، المعجم"، مساء الجمعة بالدار البيضاء، وهو مُؤلَّف يندرج ضمن الدراسات اللسانية الوصفية، ويُسلط الضوء على الدارجة المغربية في علاقتها البنيوية بالعربية الفصحى من الناحية التاريخية، ومن حيث التقائهما التدريجي فيما يُمكن تسميته ب"العربية الوسطى". الكتاب الذي ألفه الأستاذ الجامعي محمد المدلاوي المنبّهي، المتخصص في اللسانيات، عبارة عن دراسة لسانية وصفية للعربية المغربية الوسطى، بمعنى أنه يشير إلى ذلك السجل الأوسط الذي يستعمله المثقفون المغاربة في النقاشات العمومية، وحتى أغلب الأكاديميين والأساتذة الجامعيين في المحاضرات المفتوحة، أو حتى في المدرجات الجامعية والأقسام الدراسية، فضلا عن توظيفه من لدن الفاعل السياسي والحكومي في المشهد السياسي المغربي. وتبعا لذلك، يرصد الكتاب السجل الأوسط الذي يُجسّر ما بين مستوى اللهجات العامية المحلية القديمة من جهة، ومستوى اللغة العربية الفصحى من جهة ثانية، في إشارة إلى تجاوز مشكل ازدواجية المستويات اللغوية على صعيد تدبير شؤون التربية والتكوين والبيداغوجيا، تماشيا مع مختلف التصورات، التي كان أصحابها يدعون منذ أجيال إلى ما يسمونه "ترقية العاميات وتبسيط العربية الفصحى"، يقول المدلاوي، الذي يرى أن "هذا السجل لم يحظ بعناية دراسات وصفية أكاديمية جدية محررة بنفس ذلك السجل، أي عربية ميسرّة". ويتابع المنبّهي: "يتم بها (الدراسات) تحديد صوري دقيق ومضبوط للخصائص الصوتية والصرفية والتركيبية التي تميزه، ولما يقتضيه استعمال ذلك السجل بحكم خصائصه، من قواعد إملائية ملائمة تتجاوز في الوقت نفسه أعطاب الإملائية العربية التقليدية ونقائصها الذاتية في تدوين العربية الفصحى العتيقة نفسها"، لافتا الانتباه إلى أن "هذا القبيل من الدراسة الوصفية للعربية المغربية هو غاية الكتاب على مستوى لغة التحرير وإملائية التدوين". وبخصوص الغاية من تأليف الكتاب، يوضح الأكاديمي المغربي أنه "غير موجه إلى التلميذ بشكل مباشر، لأن هدفه في مرحلة أولى يتجسد في مساعدة الأستاذ على التحضير بالأقسام الأولية للتعليم، بشكل يضمن سلاسة التواصل مع التلميذ الذي ولج المدرسة للمرة الأولى، من خلال تماهي اللغة المستعملة في المدرسة مع تلك التي يتواصل بها في البيت أو بالحياة اليومية، ليتهيّأ بذلك ذهنيا ولسانيا لاكتساب العربية الفصحى نفسها وبقية اللغات بدون اضطراب ذهني- لساني". وقد صيغ الكتاب الجديد بطريقة إملائية مُبتكرة، حيث يُدون المُؤلِّف جميع الأصوات المنطوقة، بما فيها الحركات، ليستعمل بذلك حرف الألف (ا) للتدليل على الفتحة (َ)، وحرف الياء (ي) للدلالة على الكسرة (ِ)، ثم حرف الواو (و) للتدليل على الضمة (ُ). وعلى سبيل المثال، فكلمة "القيسم" تدل على مفردة "القِسم"، وكلمة "الموفردات" تدل على "المُفردات"، وكلمة "الطاريقة" هي مصطلح "الطَريقة". وأوضح المدلاوي أن "الدارجة تتوفر على هيكل منهجي بمفهومه العام على غرار ما وضعه سيبويه، أي الصرف والتركيب والمعجم والأصوات"، مضيفا أنه يقترح "منهجا معللا لكتابة الدارجة بشكل لا يترك القارئ مشتت الذهن"، أي أنه يركز على "الأفكار التي يريد تبليغها عوض التركيز على شكْل الكلمات". وأشار المتحدث ذاته إلى أن "التلميذ يواجه في بداياته الأولى صعوبة كبيرة حتى في بناء جمل منطقية ومتكاملة لغويا، مما يستدعي سجلا لغويا من شأنه تفادي هذه العرقلة لكي يستطيع استعادة قدراته التواصلية والتحلي بالثقة في اللغة التي يود الحديث بها"، مؤكدا أن "النظام الفِعلي عمل تقني"، قبل أن يورد ما معناه أن "هذه الدارجة مرحلة تدريجية للاستئناس وزرع الثقة في التعلم". وبشأن وجود دوارج مختلفة في ربوع المملكة، يرى الأكاديمي المغربي أن "مواقع التواصل الاجتماعي خلقت دارجة مشتركة ومفهومة بين المغاربة"، منبها إلى أن "الدارجة المغربية تتكون من المعجم الأمازيغي ومعجم اللغة العربية الفصحى وبعض اللغات الأجنبية مثل الإسبانية والفرنسية والبرتغالية". وأضاف المدلاوي قائلا: "خاصية الدارجة أنها تُسقط الحركات، بما فيها حركة الإعراب، حيث لم يعد هناك مشكل الفاعل المرفوع والمفعول به المنصوب والمضاف المجرور، أو المبتدأ الذي يتبعه الخبر، بل توجد لغة رتبة"، ضاربا المثال ب "مِسْطَرَة" التي أصبحت تنطق ب "مْسْطَرَة"، قبل أن تُنطق ب "مْسْطْرَة"، ثم "مْسْطْرْة" في مرحلة أخيرة. وأكد أن "ما تقترضه الدارجة من أفعال يخضع لنظام منهجي"، مشيرا إلى أن الكثير من المصطلحات المتداولة في المدرسة صارت تستعمل في معجم الدارجة.