(إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ). سورة القصص الحقيقة التي لا يماري فيها أحد هو أن تحسن مؤشرات التنمية الدولية يلعب دورا أساسيا في جذب الاستثمار الخارجي كدعامة للدبلوماسية الاقتصادية الجديدة في خلق فرص الشغل وتجويد نوعية الصادرات وتحسين وضعية الميزان التجاري والقدرة التنافسية في غزو الأسواق الخارجية وتحقيق التنمية الشاملة في البلاد . غير أنه لا يمكن لنا أن نتكلم اليوم عن تحسن مناخ الأعمال دون ربطه بكافة مؤشرات التنمية الإنسانية الدولية والوطنية المجاورة وغيرها المتعلقة بمجال تقييم السياسات العمومية من جهة وطرح إشكالية الآثار الملموسة للترتيب الدولي عام 2020 وآثاره على تحسن نوعية الاستثمار وقيمته المضافة وتجويد الإنتاج وخلق الثروة والنمو ونحن نقفز من الدرجة 128 عام 2010 إلى الدرجة 53 عام 2020، من خلال تبني 31 إصلاح وربح 75 رتبة. وهذا إيجابي عندما يكون هذا التأثير فعليا على تطوير منظومة الإنتاج، فكرا وممارسة. إلا أنه يحق لنا أن نتساءل عن مدى موضوعية وحياد هذا التصنيف الدولي الذي منحه لنا البنك الدولي في هذه الرتبة بالذات ونحن في علاقة تبعية تمويلية معه؟ باعتبار أنه هو مقرضنا وشريكنا الأساسي !! . فما هي مخاطر هذا الترتيب بحكم هذه التبعية الاقتراضية ؟؟ وما هي حدود الخطاب الإيديلوجي الذي يريد أن يمرره البنك من خلال هذه الدرجة المتقدمة التي منحها لنا بناء على مؤشرات هو ضابطها؟ ألا يشكل جود هذا الترتيب عربون اعتراف بالجميل، اتجاه حسن سلوك الحكومة في الامتثال لتوصيات البنك العالمي والإخلاص في أداء الديون الخارجية، رغم الأزمة والخصاص؟ الواقع ، التكلم عن تحسن مناخ الأعمال ومكاسبه الدبلوماسية لا ينبغي أن يصدنا عن معرفة حقيقة وقدرة تصنيفنا العالمي البارز على مواجهة الهشاشة المتزايدة للاقتصاد الوطني وعدم قدرته اليوم، حسب كل التقارير، سواء منها الوطنية أو الدولية، على خوض غمار المنافسة الدولية في مجال التصنيع وامتلاك التكنولوجيا، مادامت تجارتنا الخارجية أصبحت تعاني منذ عدة سنوات من عجز بنيوي متزايد وكبير . كما لا تتعدى احتياطات العملة الصعبة، حسب تقديرات بنك المغرب، 239 مليار درهم عام 2019 والتي ستنخفض إلى 234 مليار درهم عام 2020، وهي لا تغطي اليوم إلا مدة 05 أشهر فقط من الواردات. فضلا عن معضلة المديونية 91 % من الناتج الاجمالي الخام، وتنامي ظاهرة إفلاس المقاولات المغربية (حسب بعض الإحصائيات المقلقة، كما أوردتها جريدة ليكونمست، فإن في كل ساعة يتم فيها إفلاس شركة) حيث شمل الإفلاس 2988 مقاولة عام 2015 ليرتفع إلى 4104 حالة إفلاس في بداية 2019. وتسارع هذا الإفلاس خلال الستة أشهر الأخيرة بنسبة تفوق 9% ليصل إلى ما يقدر في 4500 إفلاس... الظاهر، أن هناك قطيعة مع مؤشر الترتيب الدولي للمغرب في رتبة 53 وواقع المقاولات المغربية، لاسيما في ما يتعلق بتعثر العدالة التجارية وتوتر خزينة هذه المقاولات وحكامتها. على سبيل المثال، استناد دائما لجريدة "ليكونمست"، عرفت أكثر من 1200 مقاولة عقارية الإفلاس عام 2019. والشركات المتضررة تنتمي إلى قطاع التجارة (2022 حالة إفلاس) والبناء والأشغال العامة 895 حالة إفلاس. بإيجاز شديد، التجارة والعقار وشركات البناء والأشغال العامة تمثل نسبة 72% من هذا الافلاس المتزايد . لهذه الأسباب وما يكملها نهمس في مسامع ومجالس الحكومة التي روجت كثيرا لتصنيفنا الدولي الجديد في مجال مناخ الأعمال أن المناخ الحقيقي للأعمال هو الذي يوجد على أرض الواقع، ويطمئن كل المستثمرين ويفرح كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين قاطبة. لذلك لا يجوز، على ضوء المؤشرات الداخلية والوقائع والمعطيات الإحصائية المؤلمة المذكورة، على الحكومة أن تفرح لوحدها وإلا سيكون حكمها، حسب ما جاء في قصة قارون: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ).