ضرب العاشق موعدا مع معشوقته، التي ظل يترقب طلعتها البهية عليه في فصل خريف... خريف قد يتمرد على الطبيعة... فهذا الفصل يتميز عن غيره بإسقاطه لأوراق الأشجار، وإنضاجه لبعض الفواكه.... وبات يحلم به وقد تحول إلى ربيع يكلل رأس هذه المعشوقة بأزهاره الفواحة ووروده اليانعة، ويرصع عشبه الأخضر البساط الذي تتهادى فيه وهي ترتدي جبة الحرية وتتمنطق بالكرامة وتنتعل العدالة الاجتماعية... حوّله الترقب إلى المهووس الذي يخاطب كل شيء، غير مبال بالزمان ولا بالمكان، ولا آبه بمن يحيطون به ولا مميز بين القبيح ولا الطيب من الأقوال والأفعال الصادرة عنهم ومنهم.... بدأ يعد طقوس ومستلزمات الاحتفال مواكبة لاستعدادات أهل المعشوقة الصالح منهم والفاسد، الطيب والخبيث، الشريف العفيف والانتهازي الوصولي.. فكان البون شاسعا في طريقة الاستعداد، فهو كان يتأهب بقلبه وجوارحه ما ظهر منها وما بطن... أما هم وبالخصوص الصنف الذي على البال والذي تيسر له أطراف؟! الحصول على أفضل النتائج لكي لا تصل المعشوقة إلى الربيع المنتظر، فكان المين والضحك على الذقون باسم المعشوقة هو رائدهم، بحيث يظهرون للعامة الصفاء والطهرانية، بينما يخفون المكر والخديعة.. فكان صاحبنا يلهث وراء ظل المعشوقة تراوده أحلام وأحلام... بينما الآخرون إياهم فكانوا يسعون إلى تحقيق نزواتهم بكل السبل والطرق، الحلال منها والحرام... وتركوه قائما.... جاء الموعد المنشود في عز الخريف الذي كان يتصوره صاحبنا ربيعا هذه المرة.... وكان يرى فيه المعشوقة وهي ترتدي فستان العرس الذي طال انتظاره.... لكنهم ذبحوها ذبحا، وسلبوها سلبا، بل نهبوها نهبا، وتركوه قائما.. نعم حل الموعد ليجد العاشق دم معشوقته البريئة على الزجاج الشفاف الذي كان يطل من خلاله على متيمته، ولطخوه بحبر الصين المزيف ليتستروا على فعلتهم؟! *معلم متقاعد