قتل أكثر من 60 شخصاً في غضون 48 ساعة في العراق خلال تظاهرات تطالب ب"إسقاط النظام" شهدت إحراق مقار أحزاب سياسية وفصائل مسلحة ومنازل مسؤولين محليين. وتعتبر هذه الموجة الثانية من الاحتجاجات غير المسبوقة في البلاد التي انطلقت أولى صفحاتها في الأول من أكتوبر الحالي وانتهت في السادس منه بمقتل 157 شخصاً، غالبيتهم من المتظاهرين، بحسب تقرير رسمي. وأما المرحلة الثانية، فاستؤنفت ليل الخميس بعد تعليق دام 18 يوماً لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين، وخلفت 63 قتيلاً وأكثر من ألفي جريح خلال 48 ساعة، وفق إحصاءات المفوضية العراقية لحقوق الإنسان. وشملت حصيلة السبت مقتل ثلاثة متظاهرين في بغداد. لكن معظم الضحايا سقطوا في المناطق الجنوبية التي يشكّل الشيعة غالبية سكانها. في الناصرية (جنوب)، أفادت مصادر أمنية وطبية أن ثلاثة أشخاص قتلوا بالرصاص خلال إقدام محتجين على اقتحام منزل رئيس اللجنة الأمنية في محافظة المدينة وإضرام النار فيه. وقتل أكثر من عشرين من الضحايا الجمعة، خلال أحداث عنف شكلت منعطفاً جديداً تمثل بإحراق واقتحام مقار في جنوبالعراق لأحزاب سياسية ومكاتب نواب ومقار فصائل مسلحة تابعة لقوات الحشد الشعبي. ومن بين الضحايا، أكثر من 12 متظاهراً قضوا في تلك الحرائق التي وقعت مساء. وتوعد قادة الفصائل المسلحة العراقية المقربة من إيران والتي تعرضت مقارها لهجمات ب"الثأر"، ما أثار مخاوف من تصاعد العنف. وأعربت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت عن قلقها "العميق إزاء محاولة كيانات مسلحة عرقلة استقرار العراق". ولم تشهد بغداد وقوع مثل تلك الهجمات، فيما واصل محتجون السبت التجمع في تظاهرة "سلمية" دعت إلى "إسقاط الحكومة". وأحضر عشرات منهم فرشات وبطانيات للنوم وانتشر مئات آخرون في ساحة التحرير، المركز الرئيسي للاحتجاجات في وسط بغداد عند جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة والبرلمان وسفارات أجنبية. ويطالب المتظاهرون في عموم العراق باستقالة الحكومة وسن دستور جديد وتغيير الطبقة السياسية الحاكمة في هذا البلد الذي يحتل المرتبة ال12 بين الدول الأكثر فساداً في العالم. "فخ" من جهته، دعا رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى إصلاح نظام التعيينات في الخدمة المدنية وخفض سن المرشحين للانتخابات في العراق الذي تشكّل نسبة الشباب بعمر 25 عاما نحو 60 بالمئة من سكانه. وقالت احدى المتظاهرات يرافقها ابنها "قالوا للشباب: ابقوا في بيوتكم سنجد لكم حلول و رواتب. لكن هذا فخ". من جانبه، دعا آية الله العظمى علي السيستاني، أعلى سلطة شيعية في العراق، عبر خطبة صلاة الجمعة إلى الإصلاح ومحاربة الفساد عبر تظاهرات سلمية، فيما طالب الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر باستقالة الحكومة مهدداً بمشاركة أنصاره في التظاهرات. وأطلق أحد المتظاهرين في ساحة التحرير، صيحات تقول "الصدر (...) السيستاني، عار"، وفقاً لما أفاد شهود عيان. وتابع هذا الرجل الذي ذكر بأنه "ليس لديه فلس واحد"، بعصبية "يكفي، أطلقوا علينا قنابل صوتية ودخانية". ويعتبر المتظاهرون أن السلطات السياسية التي تولت قيادة العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وخلال 16 عاما الماضية غرقت البلاد في فساد كلّف وفقا لمصادر رسمية 450 مليار دولار، أي ضعف الناتج المحلي للعراق الذي يعد ثاني بلد منتج للنفط في منظمة أوبك. بدوره، قال متظاهر آخر في ساحة التحرير رفض كشف اسمه "هذا يكفي! سرقة وبنوك وعصابات ومافيا وأكثر (...) اخرجوا نريد دولة لا أكثر، الناس تريد أن تعيش". وأصيب عشرات المتظاهرين الشباب لدى محاولتهم عبور جسر الجمهورية بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، التي أدت الجمعة إلى مقتل عدد منهم، وفقا للمفوضية العراقية لحقوق الإنسان. "ثأر" وعلى مسافة قريبة من ساحة التحرير، كان مقرراً أن يعقد مجلس النواب السبت اجتماعاً عند الواحدة ظهراً (10,00 ت غ)، بهدف "مناقشة مطالب المتظاهرين وقرارات مجلس الوزراء وتنفيذ الإصلاحات"، بحسب جدول أعمال المجلس، غير أنه أعلن تأجيلها إلى أجل غير مسمى، لعدم اكتمال النصاب. وحتى الآن، أصيب البرلمان بالشلل بسبب الانقسامات بين كتله السياسية، ولم يتمكن من التصويت على تعديل وزاري لعدم اكتمال النصاب القانوني في أكثر من مناسبة. وفي جنوب البلاد، تصاعدت وتيرة العنف التي أدت لوقوع عدد كبير من القتلى والجرحى اثر اقتحام مقار حزبية وأخرى لفصائل في الحشد الشعبي. وقال حارث حسن الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن "الغضب الشعبي توجه ضدهم (...) لأنهم يمثلون الواجهة البارزة للنظام السياسي، الأمر الذي دفع آخرين للمشاركة في هذا العنف". ورأى الباحث بأن مصدر العنف هم "مؤيدو مقتدى الصدر" الذين اعتبر أنهم "وجدوا فرصة لاتخاذ إجراءات ضد الفصائل المنافسة مثل عصائب أهل الحق وبدر وكتائب حزب الله" التي تعد الأقوى بين قوات الحشد الشعبي.