أخلت السلطات التونسية، أمس الأربعاء، سبيل المرشح الرئاسي نبيل القروي، بعد أن قضى فترة الدعاية الانتخابية في زنزانة بالسجن، ومع ذلك تمكن من احتلال المركز الثاني في الجولة الأولى وسيدخل جولة إعادة مع المحامي المستقل قيس سعيد في 13 أكتوبر الجاري. ورغم إطلاق سراحه، فمن المحتمل أن يؤدي هذا الوضع الغريب إلى أزمة دستورية في وقت تحاول فيه تونس تعزيز ديمقراطيتها بعد ثماني سنوات من الثورة التي أنهت حكما استبداديا استمر عشرات السنين وأطلقت شرارة انتفاضات الربيع العربي. من هو نبيل القروي؟ يراه أنصاره علمانيا ليبراليا نصيرا للفقراء في تونس، في حين يراه منتقدون شعبويا طموحا فاسدا. يملك القروي تلفزيون "نسمة"، وهو منفذ إخباري تونسي يحظى بمتابعة المشاهدين أكثر من غيره. وكان دعم القناة التلفزيونية عاملا أساسيا في مساعدة حزب علماني على الفوز في الانتخابات البرلمانية في 2014 رغم أن القروي انفصل فيما بعد عن قيادة الحزب. وأسس القروي جمعية خيرية للعمل على التخفيف من الفقر، كما كانت هذه القضية محورا أساسيا في تغطية تلفزيون "نسمة" الذي يبث تقارير تنتقد الحكومة ويدعم أعمال القروي الخيرية. وليس لتلفزيون "نسمة" ترخيص رسمي، لكن القروي تجاهل أوامر السلطات المنظمة لوسائل الإعلام في تونس بالتوقف عن البث، وقال إن هذه المطالب لها دوافع سياسية. كما أقر البرلمان تشريعا يحظر مشاركة المرشحين الذين تلقوا تبرعات من الخارج أو تبرعات خيرية في السنة السابقة على الانتخابات، وهو ما يسري على القروي. غير أن الرئيس السابق توفي في يوليو تموز قبل المصادقة على هذا القانون. لماذا دخل السجن؟ رفعت جماعة "آي ووتش" التونسية المناهضة للفساد، المعتمدة لدى منظمة الشفافية الدولية، دعوى قضائية على القروي في 2016 تتهمه فيها بغسل الأموال والاحتيال الضريبي. وقبل ثلاثة أسابيع من الجولة الأولى من الانتخابات في 15 سبتمبر، ألقت السلطات القبض على القروي بسبب هذه الدعوى، وظل وراء القضبان محبوسا إلى حين محاكمته، حتى يوم الأربعاء، وهي فترة تغطي الدعاية الانتخابية بالكامل حتى الآن. وقد نفى القروي ارتكاب أي مخالفات، واتهم أتباعه القضاء بإصدار الأمر باعتقاله بإيعاز من منافسيه السياسيين لإبعاده عن السلطة. وفي الأسبوع الماضي، ذكر موقع إخباري إقليمي أنه تم توقيع عقد مع شركة كندية لحسابه لشرح قضيته في الكونجرس الأمريكي وكسب التأييد لها. وإذا تأكد هذا الأمر، فمن الممكن تفسيره بأنه خرق للقواعد الانتخابية. ونفى القروي ضلوعه في ذلك. كيف يمكن له بعد كل ذلك خوض الانتخابات؟ رفض قضاة مطالب بالإفراج عن القروي أربع مرات قبل يوم الأربعاء، وأمروا باستمرار حبسه إلى حين صدور حكم في القضية رغم أن موعد صدور الحكم يكتنفه الغموض. وقال محاميه لرويترز إن محكمة استئناف أخلت سبيله يوم الأربعاء، لكنه لم يذكر تفاصيل أخرى. وقضت المفوضية المستقلة للانتخابات بأن من حق القروي خوض الانتخابات ما دام لم يصدر بحقه حكم قضائي. كما قضت بأن استخدامه لتلفزيون "نسمة" غير المرخص لا يعد إخلالا يستوجب شطبه من قائمة المرشحين. وفي الأسبوع الماضي، قال الرئيس المؤقت، محمد الناصر، إن استمرار حبس القروي وعجزه عن المشاركة في الدعاية الانتخابية أضر بمصداقية الانتخابات. ما هي أهمية الأمر؟ بعد مرور ثماني سنوات منذ الإطاحة بالرئيس الدكتاتور زين العابدين بن علي، ما تزال تونس تحاول ترسيخ الأعراف الديمقراطية. ويحتاج اقتصادها لاهتمام خاص من الحكومة في وقت يطالب فيه المقرضون الأجانب بإحكام السياسة المالية، وتصل فيه البطالة إلى 30 في المئة في بعض المدن. وقد تم تخفيف صلاحيات الرئيس بعد انتفاضة 2011. لذا، فإن الفائز في الانتخابات لن يتولى مباشرة سوى السياستين الخارجية والأمنية. وللبرلمان الحق الأول في اختيار رئيس الوزراء الذي تسيطر حكومته على كل الحقائب الأخرى تقريبا. غير أن البرلمان الجديد الذي انتخب في السادس من أكتوبر يعاني من انقسام شديد، الأمر الذي يعقد عملية تشكيل ائتلاف حاكم، وهو ما قد ينطوي على منح الرئيس المزيد من السلطات. وإذا لم يستطع الحزب الرئيسي في البرلمان تشكيل ائتلاف، يتولى الرئيس تسمية مرشحه لمحاولة القيام بتلك المهمة. وفي حالة فشل هذه المحاولة، تجرى انتخابات برلمانية أخرى. وإذا وصلت الأمور إلى إعادة الانتخابات الرئاسية بسبب وضع القروي القانوني، فقد يطلق ذلك أكبر أزمة في تونس منذ الثورة. هل يمكن أن يفوز القروي؟ حصل القروي على 15.6 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، محتلا المركز الثاني بعد سعيد الذي حصل على 18.4 في المئة. وفي الانتخابات البرلمانية، يوم الأحد الماضي، شارك حزب "قلب تونس" الذي يتزعمه القروي بمرشحين في مختلف أنحاء البلاد. عجز القروي عن المشاركة في حملة الدعاية بنفسه أثناء اللقاءات الجماهيرية أو في أول مناظرة تلفزيونية في الانتخابات الرئاسية في تونس، الشهر الماضي، أو في المقابلات مع وسائل الإعلام. ومع ذلك كانت حملته الانتخابية نشطة في مختلف أنحاء تونس، وكثر ظهور زوجته، سلوى السماوي، في وسائل الإعلام. وأوقف سعيد حملته الانتخابية قائلا إن الانتخابات يجب أن تجرى على قدم المساواة. ما الخطوة التالية؟ إذا خسر القروي في الانتخابات ربما تكون لديه مبررات للطعن في النتيجة لأنه أمضى معظم فترة الحملة الانتخابية وراء القضبان. وسبق أن حذرت مفوضية الانتخابات من أن احتجازه يعد مخالفة للوائح الانتخابات. كذلك يمكن لسعيد أن يطعن في فوز القروي، خاصة إذا ثبتت صحة الادعاءات فيما يتعلق بالعقد الخاص بالشركة الكندية. وإذا اعتقل القروي مرة أخرى وفاز في الانتخابات، فليس من الواضح ما إذا كان من الممكن أن يؤدي اليمين دون الخروج من زنزانته لحضور المراسم في البرلمان. وإذا ما أدين فيما بعد بغسل الأموال والاحتيال الضريبي، فليس من الواضح ما إذا كانت الحصانة الرئاسية ستسري على جرائم ارتكبت قبل الانتخابات. وينص دستور 2014 على ضرورة تسوية المنازعات من خلال محكمة دستورية. لكن لم يتم إنشاء هذه المحكمة بعد بسبب انقسام البرلمان وعدم الاتفاق على القضاة. وإذا لم يؤد الرئيس اليمين خلال 45 يوميا، يتعين على التونسيين الإدلاء بأصواتهم في انتخابات جديدة. *رويترز