شهد إقليم تنغير، في الأيام الأخيرة، زخات مطرية رعية قوية، تسببت في عزل ساكنة بعض المناطق لساعات عديدة، نتيجة تضرر البنية التحتية الطرقية. كما أدت إلى إتلاف منتوج التفاح والبطاطس، مقابل تسجيل وفاة شخص واحد، بأحد الأودية بضواحي أمسمرير. لا يأتي موسم التساقطات المطرية حتى تعاود مشاعر القلق والمخاوف سكان جماعات تنغير خصوصا القاطنين بالجبال، خشية تكرار كوارث ومآسي سابقة أودت بحياة كثيرين؛ بسبب الفيضانات والسيول الجارفة التي يعرفها إقليم تنغير، نتيجة ضعف البنية التحتية ووجود عدد من السكان على جنبات الأودية. الفيضانات لم يخف عدد من الجمعويين، الذين حاورتهم جريدة هسبريس الإلكترونية خلال إعدادها لهذا الربورتاج، أن الأمطار التي يشهدها إقليم تنغير تسببت في خسائر مادية كبيرة للمواطنين، وفي بعض الأحيان يتم تسجيل خسائر بشرية، موضحين أن الإقليم مهدد بالجفاف وفي الوقت نفسه مهدد بالسيول الجارفة. أحمد أومومن، فاعل جمعوي من ضواحي أمسمرير، قال إن الساكنة المتضررة من الفيضانات والسيول وضعف البنية التحتية هي ساكنة الجبال، مبرزا أن الخوف يجاور سكان هذه المناطق طيلة فصل الشتاء، خوفا من تكرار مآس وفواجع إنسانية. المتحدث ذاته أضاف، في تصريح لهسبريس، أن الأمطار الطوفانية والفيضانات المصاحبة لها لم تصمد أمامها هشاشة التجهيزات والبنيات التحتية المتآكلة، مشيرا إلى أن الأسباب التي تؤدي سنويا إلى تكرار تلك الفيضانات وبالمناطق عينها تعود إلى الإهمال واللامبالاة داخل بعض الإدارات العمومية بمختلف تخصصاتها التي تتقاطع مع الظاهرة. من جهته، أكد عبد المجيد ايت صابر، باحث في مجال البيئة، أن هذه الفيضانات والسيول الجارفة لا تنفع الطبيعة والفرشة المائية، مشيرا إلى أن المغرب لا يستفيد من هذه الأودية سوى الخسائر المادية التي تلحقها بالفلاحين، لافتا إلى أن الجزائر هي الدولة الوحيدة التي تستفيد من أودية الجنوب الشرقي، ولديها مخزون مهم من المياه، وفق تعبيره. وشدد المتحدث ذاته على أن الوقت لم يعد يسمح بضياع ولو قطرة واحدة من الماء، ويجب على الجهات المختصة الوعي بخطورة الجفاف المحدقة بهذه المناطق خلال السنوات المقبلة، إن لم تتدخل في بناء السدود بمختلف أحجامها وأنواعها، لافتا إلى أنه "على الرغم من هذه الفيضانات التي تعرفها هذه المناطق كل فصل الشتاء، فإن المياه الجوفية لا تصمد كثيرا، حيث مع بداية فصل الصيف تبدأ معاناة المواطنين مع الماء الصالح للشرب". العزلة الشتوية التساقطات المطرية التي يشهدها إقليم تنغير، كل سنة، تتسبب في عزل ساكنة المناطق النائية والجبلية، نتيجة انقطاع المسالك الطرقية التي تربط بينها وبين الجماعات الترابية التابعة لها؛ وهو ما يجعل هؤلاء المواطنين يعانون الأمرّين وتفاقم معاناتهم. جمال موعلي، من ساكنة جماعة إكنيون، أكد أن ساكنة مجموعة من المناطق بالجماعة سالف الذكر تعاني عزلة شتوية قاتلة، مشيرا إلى أن المسالك الطرقية تضررت بشكل كبير نتيجة عدم تدخل المصالح المختصة لإعادة بفتحها، خصوصا المسالك المؤدية من إكنيون إلى ألنيف. وتابع المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، بالقول إن المسالك الطرقية غير المصنفة ليست من اختصاص وزارة التجهيز؛ لكن هناك آليات تابعة لمجموعة الجماعات والجماعة يجب تسخيرها لفتح تلك الطرق، مشيرا إلى أن هناك مناطق أخرى بجماعات أخرى تئن تحت وطأة التهميش والنسيان، خصوصا في هذا الوقت العصيب، وفق تعبيره. بناء السدود تعاني مناطق عدة بإقليم تنغير، في السنوات الأخيرة، من بوادر ظهور أزمة الماء. وتبرز هذه البوادر من خلال النقص الحاصل في الموارد المائية، على الرغم التساقطات المطرية المهمة التي يشهدها الإقليم كل سنة؛ وذلك راجع بالأساس إلى غياب سدود كبرى بالمنطقة بإمكانها أن تسهم في إنعاش الفرشة المائية وتخزين مياه الأودية. وأجمع عدد الباحثين في المجال، الذين حاورتهم هسبريس، على أن مشكلة ندرة الماء بمناطق إقليم تنغير بالخصوص هي "حقيقة معاشة بدأت في التفاقم"، موردين أن "سوء استغلال الإمكانات المائية المتوفرة من بين الأسباب القوية لهذه المشكلة التي بدأت تتفاقم من خلال عدم التوازن بين الموارد المائية والاحتياجات المحلية من هذه المادة الحيوية الأساسية للتنمية المستدامة والمندمجة". وعلى الرغم من بعض المنجزات التي تمت على أرض الواقع في قطاع الماء بالإقليم ذاته، فإن هذا القطاع ما زال يواجه إكراهات عدة، خصوصا انخفاض الواردات المائية وتفاقم حدة الظواهر القصوى نتيجة التغيرات المناخية مقابل ارتفاع الطلب والاستغلال المفرط للثروة المائية الجوفية وضعف تثمين المياه المعبأة. ومن أجل تجاوز هذه الأزمة على المدى القريب والمتوسط والبعيد، يرى عبد الصمد أيت علي، فاعل جمعوي من تنغير، ضرورة بناء سدود كبرى وصغرى على طول الأودية التي تعرف حمولة قياسية أثناء تهاطل الأمطار، مشيرا إلى أنه "بدون سدود كبرى وسدود تحويلية وبناء حواجز مائية لا يمكن حل المشكل، بل يمكن أن يتفاقم مستقبلا". ولفت المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أن مجهودات الدولة في ما يخص قطاع الماء بمناطق إقليم تنغير تبقى محدودة وضعيفة، بالرغم من أن ساكنة هذه المناطق هي الأكثر تضررا من جراء هذه الأزمة خلال السنوات الأخيرة، موضحا أن "مياه الأودية والشعاب تضيع في صحاري ما بين المغرب والجزائر، ولا يستفيد منها المغرب شيئا إلا الفيضانات والانجرافات"، على حد تعبيره. ودعا الفاعل الجمعوي الدولة إلى "تجميع جميع البرامج الحكومية وإعطاء الأولوية لبناء السدود من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، موضحا أن "سياسة بناء السدود، التي أطلقها في وقت سابق الراحل الملك الحسن الثاني، يجب العمل بها في هذه المناطق؛ لحماية الفرشة المائية وتطعيمها بالأودية والشعاب، وحماية الأراضي الفلاحية وبيوت المواطنين من الفيضانات". رأي المسؤول مصدر مسؤول بعمالة تنغير أوضح أن الإقليم شهد تساقطات مطرية قوية هذا الأسبوع، مشيرا إلى أن هذه التساقطات التي لم يشهدها الإقليم من قبل أدت إلى قطع عدد من الطرقات وارتفاع منسوب المياه إلى أعلى مستوياته. المتحدث ذاته أكد، في تصريح لهسبريس، أن السلطة الإقليمية وضعت، بتنسيق مع جميع المصالح المعنية، خطة عمل استباقية لتفادي وقوع فواجع إنسانية بسبب هذه الفيضانات والسيول الجارفة، مشددا على أن لا أحد يمكنه أن يحاصر السيول لكي لا تمر وسط الأراضي الفلاحية؛ لكن الأهم هي الأرواح البشرية أن تكون بعيدة عن الخسائر، وفق تعبيره. وأضاف المصدر سالف الذكر أن حسن الزيتوني، عامل إقليم تنغير، راسل الوزارات المعنية بخصوص مياه هذه الأودية التي تضيع دون أن يستفيد منها الإقليم؛ من أجل تعزيزه بسدود أخرى للمساهمة في إنعاش الفرشة المائية، وحماية ممتلكات المواطنين من الفيضانات، لافتا إلى أن "هناك بوادر إيجابية في هذه المبادرة التي قام بها العامل"، وفق تعبيره. ودعا المسؤول ذاته المواطنين إلى توخي الحيطة والحذر وتجنب الجلوس بالقرب من الأدوية في هذه الأيام، مشيرا إلى أن الأرصاد الجوية لا تزال تحذر من قدوم زخات مطرية رعدية قوية. كما دعا مختلف المتدخلين، من سلطات وجماعات وجمعيات مدنية، إلى توعية المواطنين بضرورة الابتعاد عن الأودية وعدم المغامرة. واختتم المتحدث أن عامل إقليم تنغير أعطى تعليماته إلى مسؤولي التجهيز والجماعات الترابية وباقي الشركاء من أجل الحرص على فتح الطرقات التي تقطع أمام حركة السير في أسرع وقت ممكن، والحضور الدائم والمستمر إلى جانب المواطنين المتضررين من هذه الفيضانات.