يتميز إقليم الفقيه بن صالح، حديث النشأة بالتقسيم الترابي لسنة 2009، بمؤهلات فلاحية مهمة، تُجسدها قطاعات الفلاحة والصناعة والسياحة، ما جعل منه قطبا اقتصاديا قادرا على المساهمة في تسريع وتيرة التنمية الجهوية والوطنية. وتعتبر الفلاحة النشاط الاقتصادي الأول بإقليم الفقيه بن صالح، حيث تناهز المساحة الصالحة للزراعة 200 ألف هكتار من مجموع 570 ألف هكتار المتواجدة بجهة بني ملالخنيفرة، فيما تبلغ مساحة الإقليم ككل 3250 كلم مربعا، أما السكان فقد تجاوز عددهم 460 ألف نسمة، وينحدرون أساسا من قبيلتي بني عمير وبني موسى. وتعد الحوامض والحبوب-المسقية والبورية-والزيتون والشمندر والسمسم، من أهم المنتوجات النباتية بالإقليم، وتساهم سلسة الشمندر السكري لوحدها بحوالي 26 في المائة من الإنتاج الوطني للسكر، ما جعلها تتجاوز الأهداف المسطرة لها في إطار المخطط الفلاحي الجهوي في أفق 2020، بحسب معطيات رسمية، كما يُعتبر الحليب من أبرز المنتوجات الحيوانية بإنتاج يصل إلى 150 مليون لتر سنويا. ويشهد إقليم الفقيه بن صالح، إلى جانب هذه المنتجات الفلاحية، زراعات تضامنية متنوعة، من ضمنها زراعة السّنّوت (الشمر-النافع) الفتية بالإقليم، التي أقبل عليها عدد من الفلاحين الصغار والمتوسطين، خاصة بجماعة أولاد ناصر، بعد بروز بعض الإكراهات المرتبطة بسلسلة الشمندر السكري (غلاء عملية الزرع وشراء البذور-تأخير عملية الجني أحيانا، الارتباك في عمليات النقل والتوصيل واحتساب نسبة عالية من الأوساخ وقلة ماء السقي)، وسلسلة الحبوب (أصبح الكيلوغرام الواحد من هذا المنتوج يكلف الفلاح حوالي 04 دراهم عوض درهم واحد، ناهيك عن ارتفاع أثمنة الأدوية وفواتير السقي مقارنة مع السنوات الماضية)، علاوة على متطلبات باقي السلاسل الأخرى. وتشكل هذه الاكراهات، بحسب تصريحات عدد من الفلاحين ممن استمعت هسبريس الى آرائهم، عوامل قاهرة جعلت الفلاح المتوسط والصغير على وجه الخصوص يُفكر في أنشطة فلاحية موازية بأقل تكلفة، بعدما أنهكته المواسم الفلاحية الأخيرة بسبب تغير المناخ، كما حدث مع عدد من مزارعي جماعة أولاد ناصر الذين فضلوا الإهتمام بزارعة "النافع" كمنتوج إضافي لضمان "ربح مريح"، بعيدا عن بعض الالتزامات والاشتراطات التي أرهقتهم دون أن تُحسن من مردودية الكثيرين منهم. يقول أسدير عبد الهادي، مزارع يقطن بجماعة أولاد ناصر: "دخلت غمار تجربة زراعة النافع في السنوات الماضية القليلة، كباقي الفلاحين بالمنطقة، بعدما اكتشفت أن مردودية هذا المنتوج تأتي في الوقت الميت من السنة، حيث يكون الفلاح في أمس الحاجة الى دعم مادي لاستكمال مشواره الفلاحي". وذكر أسدير أن فترة زراعة النافع تمتد ما بين شهري أكتوبر ويناير (عمليات الحرث والزرع)، فيما يكون الجني أو الحصاد خلال أبريل وماي، وشدد على أهمية العناية المستمرة التي يتطلبها هذا المنتوج، خاصة في فترة الزرع بالأحواض وبعدها، وكذا أثناء خروج "النّوارة والحب"، حيث يكون في أمس الحاجة الى السقي المنتظم. ورصد المزارع ذاته فوائد أزهار "النافع" لدى مربي النحل، وأهمية أعشابه بعد الجني أو الحصاد في إغناء علف المواشي، وتسميد التربة، على خلاف بعض الزراعات الأخرى التي تؤثر بقاياها سلبا على الأرض وتتطلب سنويا مساحات جديدة بأسمدة داعمة لتوفير الإنتاج. ووصف أسدير إحداث سوق محلي بمركز دوار آيت بن اسعيد بجماعة أولاد ناصر لتسويق المنتوج كل يوم أربعاء وجمعة من الأسبوع، ب"المؤشر القوي" على الاهتمام المتواصل بهذا المنتوج الذي بدأ يقول يجلب تجارا من مناطق محلية بالإقليم (تاخصايت ولبرادية) إلى جانب مهتمين آخرين من منطقة الشاوية وضواحيها". ووصف حرشيش عبد الكريم، رئيس تعاونية لاستخراج الزيوت النباتية بجماعة أولاد ناصر، زراعة "النافع" ب" البديل المناسب" لزراعات أخرى (منيورة مثلا) التي أرهقت الفلاح دون تحقيق مردودية ايجابية، بالنظر إلى طبيعة مناخ إقليم الفقيه بن صالح وتربته اللذين يتلاءمان وهذا النوع من الزراعات التضامنية، وبالنظر إلى كون المزارعين أنفسهم بدؤوا يدركون أهمية "النافع" بعد انخراط تعاونيات وجمعيات في تسويقه وإبراز أهميته سواء في انتاج حلويات من النوع الرفيع أو من خلال توظيف زيوته في أغراض متنوعة، منها التجميل والعلاج الطبيعي. ودعا المتحدث المسؤولين إلى الاهتمام بهذه السلسلة من خلال دعم التعاونيات المهتمة بالقطاع، ووضع استراتيجية محكمة لتثمين المنتوج الذي بات يميز الفقيه بن صالح، تفاديا لتكرار تجربة الحوامض بالإقليم التي كبدت المزارعين خلال المواسم الأخيرة خسائر بالجملة بالنظر الى بعض التدابير غير المجدية. وقال حرشيش إن الحل الوحيد للنهوض بالاقتصاد المحلي بجماعة أولاد ناصر هو تشجيع تعاونيات فلاحية صغيرة لتثمين المنتوجات الفلاحية، مثل البحث في الزيوت الأساسية والصيدلية والعطرية، وتعليب أو تصبير مجموعة من المنتجات الفلاحات كالحوامض والجزر والطماطم. وذكر مسكي صالح، وهو من منتجي "النافع" بدوار الخلالطة، أن أصعب ما يواجهه مزارعو هذا المنتوج هو إشكالية السقي التي تتطلب الاعتماد على إمكانيات ذاتية (الآبار) عوض انتظار ساعات مكتب الاستثمار الفلاحي المخصصة للزيتون و"الفصة"، مشيرا إلى أن زراعة "النافع" يُمكن أن تكون بديلا لعدد من الزراعات التضامنية التي شهدت ركودا في السنوات الأخيرة، شريطة دعم الفلاح بماء السقي ومواكبته بالتأطير والتكوين لتطوير منتوجه الذي ما يزال إلى حد الساعة في طور التجربة. وأضاف مسكي أن "النافع" لا يتطلب مصاريف كثيرة، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لزراعة "المنيورة" والشمندر السكري، إنما يواجه إكراه اليد العاملة التي تأخذ من المزارعين حوالي ثلثي أرباح المنتوج السنوي، بما أن جني هكتار واحد من "النافع" يتطلب ما بين 50 و60 عاملا مياوما، بتكلفة تتراوح ما بين 60 و70 درهما للفرد يوميا. وكشف بنّور الشرقي، مزارع يهتم ببيع وشراء "النافع"، أن الهكتار الواحد من هذا النوع من الزراعة يمكن أن ينتج ما بين 200 و500 كيلوغرام، بحسب طرق اشتغال كل فلاح، والبعض يُنتج أزيد من طنيْن ونصف الطن في الهكتار الواحد، ما يوفر مدخولا مُهمّا لعدد من المهتمين بهذه الزراعة الحديثة بالمنطقة. وأوضح الشرقي أن المنتوج الجيد الذي يتميز بالخضرة والرقة، ويتم ّجنيه باليد، يصل سعره إلى أزيد من 50 درهما للكيلوغرام، في حين لا يتجاوز ثمن "النافع" الذي يتم حصده بآلات الحصاد أو يتمّ جنيه في المراحل الأخيرة من شهري أبريل وماي 20 درهما أو أكثر بقليل. ويُراهن المهتمون بهذه الزراعة التي ظهرت بالمنطقة خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة، خاصة بتراب دواوير الخلالطة وأولاد قيشو وأولاد فرج وأولاد إيلول، التابعة إداريا إلى جماعة أولاد ناصر بإقليم الفقيه بن صالح، قبل أن تمتد إلى مناطق أخرى بالإقليم، منها أولاد عيسى الواد وتارماست والعين الزرقة، (يراهنون) من خلال تصريحاتهم لجريدة هسبريس الإلكترونية، على تدخل السلطات المحلية والمؤسسات العمومية الوصية على القطاع لإيجاد حلول لتسويق المنتوج وتثمينه. ويطالبون بإحداث تعاونيات للتعريف بأهمية "النافع" وفوائده الصحية، ويدعون إلى مواكبة الإنتاج خاصة في الفترة الراهنة، حيث تكسرت طموحات كثيرين منهم مع بعض السلاسل الفلاحية التي تراجعت مردوديتها في زمن المكننة والإجراءات التدبيرية شبه الجوفاء، وفق إفاداتهم.