ثلثا فلاحي جهة تادلة أزيلال أضربوا هذا الموسم عن زراعة الشمندر السكري بعدما لم يتوصلوا مع الجهات المسؤولة إلى صيغة توافقية تنقذ موسم زراعة الشمندر، حيث طالبوا بالزيادة في التعويضات التي يتلقوها عن هذه الزراعة وكذا الزيادة في الأثمان التي تقتني منهم بها شركة كوزيمار إنتاجهم. ونظرا للدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تضطلع به زراعة الشمندر السكري على الصعيد الوطني والجهوي، حيث تحظى هذه الزراعة بالتأطير الضروري والتنظيم الدقيق من أجل تموين المنتجين بعوامل الإنتاج وتحسين المردودية وتسويق المنتوج في أحسن الظروف، نستقرئ في هذا الملف أسباب عزوف فلاحي تادلة أزيلال عن زراعة الشمندر، وانعكاسات ذلك على اقتصاد الجهة، خصوصا وأنها تحتل المرتبة الثانية في هذه الزراعة وطنيا، حيث تساهم بنسبة 27 بالمائة من الإنتاج الوطني بعد جهة دكالة عبدة (32 بالمائة). لهذا قاطعنا الشمندر تفاجأت الجهات المسؤولة عن الفلاحة في جهة تادلة أزيلال لما وجدت نفسها أمام مساحة هزيلة من الأراضي التي قرر أصحابها زراعة الشمندر السكري، فمن أصل 195000 هكتار التي كانت مبرمجة للموسم الفلاحي الحالي وتم الاستعداد لدعمها بالأسمدة والبذور والأدوية ومياه السقي، لم يغط الفلاحون الذين قرروا زراعة الشمندر إلا مساحة 7700 هكتار، يقول مصدر من المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي، وهو ما يمثل نسبة الثلث تقريبا، وعلى غرار الموسم الماضي يضيف المصدر نفسه تم إعطاء الأولوية لزراعة الشمندر، حيث خصص لها 10 سقيات بالنسبة لبني عمير، وبني موسى، مع منح ساعتين إضافتين خلال الدورتين الأولى والثانية، إلا أن الفلاحين فاجأوا الجهات المعنية بمقاطعة ثلثين منهم هذه الزراعة. ويضيف مصدرنا أن عدد منتجي الشمندر بالجهة يبلغ 11000 مزارع (معدل 5 سنوات الأخيرة)، 8600 مزارع منهم (78%) بمنطقة نفوذ المكتب الجهوي لتادلة، و2400 مزارع (22%) بمنطقة المديرية الإقليمية للفلاحة ببني ملال. نتائج الموسم الفلاحي الماضي كانت من بين الأسباب التي لم تشجع الفلاحين لزراعة الشمندر هذا العام، فالإحصائيات الرسمية لموسم 2004 / 2005 تقول إن النتائج المحصل عليها تبقى فى مستوى أقل من معدل 5 سنوات الأخيرة من جهة، ولا ترقى إلى مؤهلات المنطقة من جهة أخرى، ويلخص تقرير رسمي في الموضوع أسباب هذا التراجع في عدم انتظام التساقطات وقلتها، إذ تراجعت بنسبة فاقت النصف مقارنة مع موسم 2003 / ,2004 بالإضافة إلى موجة الصقيع التي سجلت خلال شهري يناير وفبراير من سنة ,2005 وامتدت إلى 26 يوما، مقابل 6 أيام فقط سنة ,2004 كما بلغت درجة الحرارة خمس درجات تحت الصفر واستمرت 7 أيام. الفلاحون الذين التقتهم "التجديد" في كل من مدن بني ملال وسوق السبت والفقيه بنصالح يؤكدون أن السبب الرئيس في مقاطعتهم زراعة الشمندر، ليس ما سبق ذكره، ولكن كونهم لا يستفيدون من هذه الزراعة التي يعتبرون أنها غير ذات مدخول، ويقولون إن المستفيد الوحيد منها هو شركة كوزيمار التي تشتري منهم حسب تصريحاتهم شمندرهم بالأثمان التي تريد، ومنهم من صرح أن هذه الزراعة تخلف له خسارة مادية. أنا فلاح أمارس كل الزراعات التي أراها مدرة للدخل، يقول عبد اللطيف الإسماعيلي، وهذه السنة قاطعت زراعة الشمندر السكري لأسباب عديدة منها على الخصوص كثرة تكاليفه وهزالة الثمن الذي يقتنيه به منا معمل السكر، بالإضافة إلى غياب الأجهزة المهنية المسؤولة على تأطير الفلاح والضامنة لحقوقه، وخاصة جمعية منتجي الشمندر التي لا نرى لها أثرا ولا مساهمة في مصلحة الفلاح، ولا تظهر إلا في مناسبات قلع الشمندر وبيعه لتأخذ حصتها منه (درهمان عن كل طن)، أما مركز الاستثمار الفلاحي فهو في الحقيقة يقوم بمجهودات مشكورة لتأطير الفلاحين، وهو في خدمتنا ويقدم لنا التأطير اللازم. فلاح آخر صرح لالتجديد أنه نظرا لتدني ثمن اقتناء البضاعة من لدن الشركة، كما أنها هي التي تحدد نسبة الحلاوة ونسبة الأوساخ، فإن تكلفة الشمندر مرتفعة وأنا شخصيا كنت أنفق حوالي 20 ألف درهم على الهكتار الواحد من الشمندر، خصوصا وأن تكلفة الماء ارتفعت، إضافة إلى التزايد المطرد في أثمان البنزين، وهذا يزيد في إرهاق كاهل الفلاح، فبعدما وجدت أني لا أربح شيئا من وراء زراعة الشمندر، بل أحيانا أتعرض لأضرار وأكون خاسرا، قررت أن أغير زراعة الشمندر بزراعات أخرى، وخصوصا زراعة الكلإ، وهكذا أستغل البقعة الفلاحية مرتين في السنة عوض استغلالها مرة واحدة فقط في الشمندر، وألتمس من الجهات المعنية إعادة النظر في ثمن شراء الشمندر من الفلاحين. لم يحترموا المعايير مصدر من شركة كوزيمار فضل عدم ذكر اسمه قال لالتجديد في جواب على ما صرح به المقاطعون: الفلاحون لا يحترمون المعايير التي تلقن لهم في زراعة الشمندر، ومنهم من يستغل في زراعات أخرى جزءا من الأسمدة والمياه التي تخصص له لزراعة الشمندر، وهذا من العوامل المؤثرة في الإنتاج ونسبة الحلاوة، ويضيف: الشركة، من أجل تشجيع الفلاحين، عملت على الرفع بصفة استثنائية من قيمة السلفات النقدية من 1800 درهم إلى 2500 درهم للهكتار، وعملت على الرفع من حصة الأسمدة وجدولة الديون على مدى سنتين أو ثلاث سنوات حسب طلب الفلاح مع الأخذ بعين الاعتبار كل حالة على حدة، هذا بالإضافة إلى تكثيف التأطير التقني الجيد لتحسين المستوى التقني للفلاحين. وعن تحديد نسبة الأوساخ والحلاوة، قال المصدر نفسه إن ذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى جودة الشمندر، فإذا تتبع الفلاح الخطوات التي يشرحها له تقنيونا وتقنيو المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي، فإنهم لا محالة سيصلون إلى نسب جيدة، لكن الذي يقع أن الفلاح غالبا ما يسيء استعمال الأسمدة والأدوية ومياه السقي، ولا يحترم حجم الكثافة المطلوب، وهكذا يكون المنتوج أقل جودة ومردودية، مضيفا: أما نسبة الأوساخ فترجع بالدرجة الأولى إلى الطريقة التي يجني بها الفلاح غلته، حيث منذ سنتين تقريبا، أصبحت بذور الشمندر تصل إلى المعامل مليئة بالتراب وبالأوراق وأحيانا حتى بالأحجار، وهذا يرجع إلى تراجع جودة واحترافية اليد العاملة في هذا المجال. أضرار اقتصادية جسيمة مقاول من موزعي مواد زراعة الشمندر من أسمدة وبذور وآلات فلاحية، أكد لالتجديد أن مقاطعة زراعة الشمندر أثرت كثيرا على مقاولته فقال: كنا نستفيد ماديا في العلاقة بالمساحة المزروعة، أي كلما زادت المساحة المزروعة إلا وزاد هامش الربح عندنا، ففي المواسم الماضية كنا مثلا نوزع حوالي 12 طنا من الأسمدة في كل موسم، أما هذا الموسم فقد تراجع هذا العدد كثيرا، فنحن لم نتجاوز 2900 طن، وكل المستثمرين الذين لهم علاقة بزراعة الشمندر تأثروا بهذه المقاطعة التي ليست في مصلحة أحد، أما مصدر من المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي فقد قدر حجم الخسارة التي ستنجم عن هذه المقاطعة قائلا: إن قطاع زراعة الشمندر يعتبر من أهم القطاعات بجهة تادلة أزيلال، حيث يساهم برواج اقتصادي يقدر بغلاف مالي يناهز 47 مليار سنتيم، موزع، مع توفير ما يناهز 3 ملايين يوم عمل بالنسبة لعمليات الزرع والصيانة، بالإضافة إلى توفير المواد العلفية بعد التحويل (48000 طن من التفل و46000 طن من الميلاص وبقايا الورق)، ويمضي مصدرنا شارحا: مقاطعة ثلثي منتجي الشمندر هذا الموسم تعني حرمان جهة تادلة أزيلال من رواج اقتصادي بمبلغ 30 مليار سنتيم وضياع مليوني يوم عمل، ناهيك عن التبعات والأضرار الاجتماعية والتربوية التي ستنتج عن ذلك، بل إن هذا الضرر لن يشمل فقط الجهة المعنية، بل سينعكس على مناطق أخرى، فهناك مثلا المئات من العمال الموسميين الذين يحضرون من مناطق زاكورة وورزازات وقلعة مكونة وغيرها، ويقدرون بحوالي 1200 شخص يعيشون على موسم الشمندر هذا بالإضافة إلى أصحاب المقاهي المتنقلين وإذا مات هذا القطاع ستموت معه كل هذه المنافع لهذه الشرائح من المجتمع، ومنهم أسر تعيش العام كله على ما يجنيه أبناؤها من هذا العمل.