تعتبر سلسلة الشمندر السكري من أهم القطاعات المنتجة على صعيد جهة بني ملال – خنيفرة، فهي تساهم بحوالي 26 في المائة من الإنتاج الوطني للسكر، وتضطلع بدور هام في تنمية الاقتصاد المحلي والجهوي، مما جعلها تحظى بأهمية خاصة في إطار المخطط الفلاحي الجهوي، وباهتمام وتتبع دائمين من طرف اللجنة التقنية الجهوية للسكر، المكونة من المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتادلة، وجمعية منتجي الشمندر السكري، ومعمل وحدة سوتا لإنتاج السكر بأولاد عياد. وقد مكنت التدابير التقنية والتنظيمية المتخذة من طرف هذه اللجنة، خلال الموسم الفلاحي 2018/2019، من إنجاز مساحة 15.100 هكتار من الشمندر السكري مقابل 13.522 هكتارا خلال الموسم الماضي، بزيادة 12 بالمائة، مع اعتماد البذور ذات النواة الواحدة، وتعميم الزرع الميكانيكي لجميع المنتجين من أجل إنجاح عملية الإنبات، حسب ما قاله احساين رحاوي، المدير الجهوي للفلاحة، بصفته رئيسا للجنة التقنية. وتميز الموسم الفلاحي الحالي، حسب معطيات رسمية، بظروف مناخية استثنائية، تمثلت في غياب الأمطار لمدة أربعة أشهر متتالية، بالإضافة إلى كون انخفاض درجة الحرارة الدنيا لمدة تفوق الشهر بمنطقة بني عمير، وحوالي 20 يوما بمنطقة بني موسى والمنطقة، التابعة للمديرية الإقليمية للفلاحة، كان له تأثير سلبي على النمو الطبيعي لزراعة الشمندر بالجهة. واستحضارا لخصوصية هذا الموسم، طالب عبد الكريم حرشيش، وهو من فلاحي جماعة أولاد ناصر بالفقيه بن صالح، الجهات المسؤولة عن القطاع بتعويض الفلاحين ومنتجي مادة الشمندر السكري عن الخسائر التي لحقت بهم جراء تأخر عملية القلع أو بسبب الظروف المناخية التي عرفتها المنطقة خلال بداية الموسم الفلاحي، التي كان لها تأثير نسبي على تراجع المردودية، حيث كشف أن دخل الهكتار الواحد من الشمندر السكري في العديد من الضيعات الصغرى لم يتمكن في أغلب الأحوال من تغطية تكاليف اليد العاملة والأسمدة ومياه الري، مما يبرز أهمية التعويضات لدى المزارعين المتضررين. وطالب حرشيش بتمثيلية الفلاح الصغير في جمعية منتجي الشمندر السكري، وتأدية مستحقات الفلاح عن منتوج الشمندر السكري في ظرف أسبوع أو أكثر بقليل، وتحديد ثمن الشمندر للطن. كما دعا إلى ضرورة مراقبة جودة البذور وتخفيض ثمن الأسمدة والمبيدات، التي يتجاوز سعرها ما هو متعارف عليه عند الخواص، مؤكدا أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه جمعية منتجي الشمندر السكري بالمنطقة في مثل هذه الظرفية المناخية. وأوضح أن تأسيس هذا الإطار جاء ليس فقط بغرض تذويب مشاكل الفلاح- الذي يشكو من معاناة أخرى ترتبط بفواتير مياه السقي وتأخر عملية القلع والشحن والمكننة- مع إدارة المعمل، وإنما أيضا من أجل الدفاع عن مطالبه، وإيصال رسالته إلى الجهات المختصة، والوقوف على الإشكالات الحقيقية التي تحول دون جعله شريكا فعالا في منظومة الإنتاج بهذا القطاع الحيوي، الذي يعرف في الواقع طفرة نوعية، لكن بمنأى عن هموم المزارعين. ودعا حرشيش الجهات المسؤولة عن القطاع إلى تشجيع اليد العاملة عوض الاعتماد على المكننة، التي تسببت، حسبه، في عطالة العشرات من العمال بجهة بني ملالخنيفرة، واختتم تصريحه بالتساؤل عما استفادت منه الجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني المتضررة بيئيا من تدخلات هذه المقاولة الاقتصادية الكبرى، خاصة على المستويين الاجتماعي والبيئي. فيما أكد الشرقي القادري، وهو فاعل جمعوي من جماعة حد بوموسى، بعد ما أقر بأهمية البعد الاجتماعي لشركة سوتا، المتجسد في الدورة الاقتصادية الشاملة لزراعة الشمندر السكري، على ضرورة انخراط الشركة في حلحلة عشرات الإشكالات المطروحة على المستوى المحلي، من خلال دعم كل مبادرات الحفاظ على سلامة البيئة والتظاهرات الرياضية والحملات الإحسانية، وأيضا من خلال تحفيز جمعيات المجتمع المدني والتعاونيات الحاملة لمشاريع فلاحية أو العاملة في إطار التكوين والتأطير الفلاحي. ومقارنة بما تنتجه هذه المقاولة الوطنية من زراعة الشمندر السكري بالمنطقة، انتقد الحقوقي ذاته ما أسماه الاعتمادات المحتشمة المخصصة لقطاع التعليم بجماعة أولاد عياد، وبعض المبادرات المعدودة على رؤوس الأصابع، التي يستفيد منها أبناء الفلاحين المتفوقين، داعيا الشركة إلى الاهتمام أكثر بالتنمية البشرية والبحث العلمي والصحة والبيئة والطرق، وإلى الانخراط في الأوراش التنموية الكبرى، التي يمكن أن تجسد سياستها الاجتماعية بشكل قوي على أرض الواقع. وأقرّ الحقوقي ذاته بأهمية سلسلة الشمندر السكري في تحريك عجلة عدد من المقاولات الخاصة بالتشغيل الذاتي، وعدة مراكز لتوزيع البذور والأسمدة والأدوية، وعدد لا يستهان به من وسائل النقل، بالإضافة إلى اليد العاملة التي كانت تفوق مليون يوم عمل في السنة. ودعا القادري مسؤولي القطاع إلى الاهتمام بالفلاح الصغير وكذا المتوسط، باعتبارهما دعامتين أساسيتين في الاستقرار الاجتماعي، وحذر من خطورة تدهور وضعيتهما جراء عدم قدرتهما على مسايرة كبار الفلاحين، الذين يملكون السلطة والمال/ الإمكانات، مختتما تصريحه بالقول إن زراعة الشمندر ستبقى رافعة أساسية للتنمية المحلية شريطة استهدافها كل الفئات المجتمعية المحلية. من جانبه، أعرب مستريح البوهالي، وهو من مزارعي الشمندر السكري بالمنطقة، عن ارتياحه للنتائج المسجلة على مستوى القطاع بمنطقة بني موسى، مضيفا أن المناخ العام الذي يعمل فيه أعضاء اللجنة التقنية الجهوية للسكر، والمتسم بروح المسؤولية والانضباط، وكذا جودة الخدمات المقدمة للمنتجين، خاصة في جانبها المتعلق ببرمجة عمليات الزرع والقلع والسقي واستقبال المنتوج، من الأسباب الرئيسية في الحصيلة الإيجابية لهذا الموسم. وانتقد البوهالي بعض الآراء الذي تنتقد سلسلة الشمندر السكري، واصفا أغلب المشتكين بغير المهتمين بالإجراءات والتدابير التي تتخذها اللجنة التقنية، وذهب إلى حد القول بأن بعض هؤلاء يتلاعبون ب"الزريعة والأسمدة"، التي توفرها "كوسومار" للفلاح، حيث غالبا ما يتم توظيفها لأغراض أخرى. كما شدد على أهمية المواكبة المستمرة والوقاية القبلية في الحد من بعض الأمراض الفطرية، التي غالبا ما تكون غير معروفة لدى الفلاح، مما يؤثر سلبا على المردودية بسبب تأخر مراحل المعالجة. وحذر البوهالي من تكلفة الإنتاج التي، حسبه، ارتفعت بشكل صاروخي في السنوات الأخيرة مقارنة بثمن المنتوج الذي حافظ على إيقاعه منذ أزيد من نصف عقد، مما اعتبره تحديا كبيرا لاستمرار هذا النوع من الزراعة في حال ما استمرت الدولة في سياستها الحالية الرافضة لدعم منتجي الشمندر السكري والاكتفاء بدعم كوسومار. وأكد مستريح، وهو من الفلاحين المستفيدين من تجارب بعض المعاهد الزراعية المهتمة بالسلاسل الفلاحية، أن سلسلة الشمندر السكري بالمنطقة صارت رافعة للتنمية المحلية، وأنه بدونها سيصعب على الفلاح مواكبة باقي السلاسل الأخرى بالنظر إلى مردودية هذا المنتوج مقارنة بباقي الزراعات الأخرى، قائلا إن ما تحقق على مستوى هذا القطاع فاق بكثير الأهداف المسطرة لهذه السلسلة في إطار المخطط الفلاحي الجهوي لجهة بني ملال – خنيفرة. وأشاد مستريح بالوقع الإيجابي الذي خلفته عائدات هذه الزراعة على المنتجين، رغم بعض الإكراهات الناتجة عن الارتفاع الاستثنائي لدرجات الحرارة الصيفية وقلة الموارد المائية أحيانا، يضيف مستريح، مشيرا إلى أن زراعة الشمندر تعد من القطاعات الاجتماعية والواعدة، بما أنه يسهم، في حل مشاكل البطالة ويوفر مدخولا قارا للفلاحين. من جانبه، كشف احساين رحاوي، المدير الجهوي للفلاحة، أهمية الاستراتيجية التي وضعتها اللجنة التقنية الجهوية للسكر لتنمية هذه السلسلة، والتي تتمأسس، حسبه، على عدة محاور، أهمها استعمال أصناف البذور ذات النواة الوحيدة، ومكننة المسار التقني لزراعة الشمندر السكري، وتفعيل الوقاية الصحية لهذه الزراعة، والتأطير الهادف، والمحكم ومواكبة المنتجين، وكذا ضبط عمليات الصيانة، ومحاربة الأمراض والحشرات، ومعالجة الأعشاب الضارة. وبخصوص هذا الموسم، أشار رحاوي إلى أن عملية قلع الشمندر شملت إلى حدود تاريخ 24 يونيو 9.994 هكتارا، بنسبة 66 بالمائة من المساحة المنجزة، فيما بلغ معدل المردودية 62 طنا/ه، مع تسجيل نسبة الحلاوة في 18,6 بالمائة، و17,67 بالمائة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، وشدد على أهمية المكننة في التخفيف من عبء المصاريف عن الفلاح . وأضاف رئيس اللجنة التقنية أن هذه المؤشرات عرفت تحسنا خلال الفترة المتبقية من عملية القلع، حيث من المرتقب -حسب قوله- إنتاج مليون طن بمعدل مردودية في حدود 65 طنا في الهكتار، نتيجة التأثيرات الإيجابية لتحسن الظروف المناخية في شهر ماي، وبالنظر إلى التدابير الاحترازية المتخذة من طرف اللجنة التقنية، والمتمثلة في عمليات المداواة الجماعية للحشرات والأمراض، بالإضافة إلى البرنامج المحكم الذي تم وضعه لتدبير الحصص المائية لسقي المزروعات، خاصة زراعة الشمندر السكري.