أصيبت الكرة المغربية بانتكاسة جديدة إثر إقصاء المنتخب الوطني من دور ثمن نهائي كأس إفريقيا للأمم بعد أن مني بهزيمة غير متوقعة أمام منتخب البنين ومني معه الجمهور المغربي بخيبة أمل جديدة في رؤية فريقه يضيف لقبا قاريا جديدا إلى لقبه اليتيم المحرز قبل أربعة عقود. هدف هذا المقال ليس أن يكون سكينا ينضاف إلى مجموعة السكاكين التي تكثر حينما "تسقط البقرة"، كما يقول المثل الدارج، ولا الانضمام إلى جوقة المنددين بالمدرب الفرنسي هيرفي رونار واختياراته الفنية، أو نصب مشانق جديدة للاعب حكيم زياش على أدائه المخيب، أو الالتحاق قائمة المطالبين بتغيير الطاقم التقني أو لاعبي المنتخب بقدر ما هو مناقشة لمسلمة لطالما أثيرت وتثار كل ما حلت بنا "مصيبة" كروية جديدة، وما أكثر المصائب خلال العقود الماضية حين تعدها. إعادة النظر في هذه المسلمة يجعلنا أمام حقيقة واضحة وضوح الشمس وهي أن مرض المنتخب المغربي مزمن وأن سجله في الإخفاقات ثابت، ما يعني أنه يتجاوز مجرد تفضيل مدرب للاعب على آخر أو تضييع ركلة جزاء في الأنفاس الأخيرة من مباراة حاسمة. هذه المسلمة تقول بأن للمغرب "أمجادا" كرويا "وتاريخا" في مجال المستديرة، وبالتالي فإن التطلع من قبل عموم المشتغلين أو المنخرطين في مجال كرة القدم، من لاعبين سابقين ومدربين محليين ورجال إعلام، بالإضافة إلى الجمهور طبعا، هو أن يكون كل جيل يحمل قميص المنتخب على قدر المسؤولية لإعادة ما يرونه "أمجاد" من سبقوه، ويعيد للكرة المغربية إشعاعها القاري والدولي. لذلك، وانطلاقا من هذا التفكير، يصعب هضم خروج مبكر للمنتخب من بطولة إفريقيا التي لطالما يدخلها "أسود الأطلس" في ثوب المرشح للتنافس على كأسها الغالية، خاصة وأن مشاركة النخبة الوطنية تأتي عادة بعد مسار جد إيجابي في الإقصائيات ما يزيد من حماس الجمهور والمحللين والصحفيين، ويجعلهم يثقون في أن الكأس هذه المرة ستعود بها العناصر الوطنية إلى المغرب. هذا الوضع يستدعي من المرء لحظة للتوقف والتأمل. معذرة لمن كانت لهم قناعة راسخة بأن للمغرب "أمجادا كروية"، لكن هذا المقال يريد أن يضع هاته المسلمة موضع تساؤل وتشكيك. يا من ترددون على مسامعنا منذ سنوات طويلة بأن للمغرب باعا في كرة القدم الإفريقية، بالله عليكم ذكرونا بهاته الأمجاد وعددوها لنا. مطالعة بسيطة لدورات الكأس القارية منذ سنة 1990، أي 29 سنة، تفيد بأن المنتخب المغربي لم ينافس على لقب البطولة حقا سوى في مناسبة واحدة حينما وصل إلى نهائي 2004. ما عدا ذلك، فإنه في مجموع 15 دورة أقيمت خلال هاته الفترة، كان نصيب المنتخب المغربي إما الخروج من الدور الأول أو ربع النهاية أو الفشل في التأهل إلى الكأس القارية. بالله عليكم يا من تصرون على أن للمغرب باعا كرويا على المستوى الإفريقي، حبذا لو وضعتم لنا هاته الإنجازات في ميزان المقارنة مع إنجازات منتخبات مثل مصر، الحائزة على سبعة ألقاب، منها ثلاثة ألقاب متتالية ما بين 2006 و2010، أو الكاميرون، المتوجة بخمسة كؤوس إفريقية كان آخرها قبل سنتين، أو غانا أو نيجيريا الحائزتين على أربعة وثلاثة ألقاب لكل منهما. خلال العشرين سنة الماضية حققت مصر أربعة ألقاب وأحرزت الكاميرون ثلاثة. الفريقان التقيا في النسخة الماضي في نهائي البطولة ما يعني أن هذين المنتخبين هما في دائرة تنافس مستمر على الفوز بالكأس. عندهما يتساوى الماضي والحاضر. كما أن ماضيهما وحاضرهما يقول بأنهما في مرتبة أفضل منا كرويا، فماذا يبقى لنا إذن لنعتد به ونصنف أنفسنا بين كبار إفريقيا. لربما سيحتج البعض ويذكر بمشاركاتنا في كأس العالم، وبأن المغرب كان له السبق بين المنتخبات العربية والإفريقية بالتأهل للمونديال أو تجاوز عتبة الدور الأول. وبالرغم من أنه لا شك أنه لا ينبغي أن نبخس جيل السبعينات والثمانينات حقه، يبقى التساؤل هل يمكن أن نضع حقا ما حققه منتخبنا آنذاك في نفس المرتبة مع إنجازات مصر والكاميرون الممتدة عبر الزمن، خاصة في ظل واقع يقول بأن لدينا لقبا يتيما أحرزناه عام 1976، وهو ما لا يضعنا في مصاف المنتخبات سالفة الذكر. الحقيقية أن ما نراه في المغرب إنجازات كروية يجب أن تتم فيه إعادة نظر. قبل سنوات كان مدرب مغربي محقا للغاية حينما تساءل في تصريح لقناة خليجية لماذا عندما عاد المدرب عبد الله بليندة إلى المغرب بعد مشاركة مخيبة في مونديال 1994 "كاد أن يشنق"، في حين أنه عندما عاد هنري ميشيل إلى المملكة بعد مونديال فرنسا 1998 "استقبل استقبال الأبطال". "ربما الفرق كان في الأداء"، رد الصحفي محاول إيجاد مبرر لماء رآه الإطار الوطني كيلا بمكيالين. "لكن النتيجة كانت هي نفسها"، قال هذا الأخير. "في كلتا الحالتين فشل المنتخب المغربي في التأهل للدور الثاني من كأس العالم". أجل، في كلتا الحالتين، كما في كأس العالم الأخيرة بروسيا، فشل المنتخب المغربي في التأهل للدور الثاني. وأيا يكن الأداء، فالأداء لا يجب أن يعد إنجازا. ما يجب أن يذكره التاريخ لهنري ميشيل هو ليس كونه قاد المنتخب المغربي لفوز وتعادل وهزيمة بمونديال فرنسا، بل هو كون العناصر الوطنية فشلت في الحفاظ على تقدمها في مناسبتين أمام النرويج مهدية إياها التعادل على طبق من ذهب، وكون اللاعبين المغاربة انهاروا أما البرازيل التي عانت قبل الفوز على اسكتلندا التي تغلب عليها المنتخب بثلاثية نظيفة. في المونديال الأخير بروسيا هزم المنتخب نفسه بنفسه أمام إيران ولم يتمكن بالخروج بتعادل مع البرتغال، في حين فشل على الحفاظ على تقدمه أمام إسبانيا، مضيعا بذلك ثلاث نقط. بالعودة إلى هنري ميشيل، ما يجب أن يحفظه التاريخ للمدرب الفرنسي هو كيف فرط في التتويج بكأس إفريقيا بعد هزيمة في دور ربع النهاية أمام جنوب إفريقيا التي خسرت النهائي أمام مصر. هاته الأخيرة كانت هزيمتها الوحيدة أمام المنتخب الوطني بمقصية مصطفى حجي الخالدة. وفي حين احتفظت ذاكرة الجمهور المغربي بمقصية حجي، احتفظت خزانة المنتخب المصري بما هو أهم: الكأس القارية. تلك هي مفارقة الكرة المغربية. الفرح والتهليل بأداء "جيد" بين الفينة والأخرى، لا يسفر عنه حتى تأهل للدور الثاني بكأس العالم أو فوز بكأس إفريقيا، يصبح لدينا مدعاة للاحتفال باللاعبين وكأنهم عادوا وميداليات الذهب تطوق أعناقهم. وسرعان ما نضع ذلك ضمن خانة الانجازات وكأنه تذكرتنا لدخول نادي كبار إفريقيا، والقول بأننا مرشحون للتنافس على الكأس القارية. هل نسينا أم تناسينا أن المنتخب المصري لم يتأهل لكأس العالم طيلة دورات لكنه تسيد البطولة الإفريقية بطريقة يجب أن تجعلنا نخجل مما نسميه إنجازات. هل نسينا أم تناسينا أن منتخبات مثل الكاميرونونيجيريا والسينغال بصمت بدورها على أداء جيد بكأس العالم أعوام 1990 و1994 و2002، وأن نيجيرياوالكاميرون حققا الميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية عامي 1996 و2000، واستمرا في الصعود إلى منصة التتويج الإفريقي. في حقيقة الأمر إن كون المنتخب المغربي يفشل في الوصول إلى دور متقدم في كأس إفريقيا لا يجيب أن يصيبنا بالصدمة أو الدهشة، لأنه هو القاعدة وليست الاستثناء. يكفي أن نعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء ونطالع مشاركاتنا أعوام 1998 و2000 و2002 و2006 و2008 و2012 و2014 و2017 ونكتشف بسهولة كيف أننا لم نكن، طيلة هاته المشاركات، في مستوى التنافس على الكأس القارية. لعل الإقرار بهذا الواقع يعيدنا إلى جادة الصواب، ويجعل ننظر بتواضع إلى ما نسميه "إنجازات"، ويذكي في داخلنا الحماس للالتحاق بمن هم سبقونا بأشواط، بدل الإصرار على النظر إلى أنفسنا وإياهم وكأننا الند بالند. واقع الحال يقول إن خزائنهم ممتلئة بالكؤوس والميداليات، بينما في خزينتا لقب يتيم بعد بضع سنوات سيكون قد مر نصف قرن على إحرازه. *صحافي مغربي مقيم بأمريكا