قال سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن الطريقة التي دُبرت بها مسألة كتابة رموز العملة الوطنية مؤخرا بينت أن هناك مقاومات تروم إلغاء الواقع والدستور الذي نص على أن اللغة الأمازيغية هي لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. واستنتج بنيس من موقف بعض الأحزاب السياسية التي وقفت ضد تعديل مشروع القانون المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب، بما يُلزم بكتابة العملة الوطنية بالأمازيغية، أن المغرب "لم يبرح التمثلات الهوياتية لما قبل دستور 2011". وأوضح في ورقة قدمها ضمن ندوة حول موضوع "منظومة التربية والتكوين: رهانات إرساء سياسة لغوية تعددية ومنصفة"، نظمتها شبكة "أزطا أمازيغ"، أن "مسألة الثنائية اللغوية الرسمية لا تعدو أن تكون إعادة منطق المَغربة، ولم ترقَ بعد إلى جدلية التّمغربيت التي تعترف بالتعدد والتنوع المنصف". واعتبر بنيس أن تدبير إشكال التعددية والإنصاف اللغوي يُوجب، في المرحلة الأولى، جعْل السياسة اللغوية واضحة ودقيقة في مسألة المساواة والعدالة والمناصفة بين اللغتين الرسميتين، العربية والأمازيغية، لتمهيد المرور إلى تدبير الثنائية الرسمية في جميع مجالات الحياة العامة، كالتعليم، والفضاء العمومي، والإدارة، إلخ. ودعا بنيس إلى بلورة رؤى ومقترحات وتوصيات لتجويد السياسات اللغوية والثقافية لتكون عادلة ومنصفة وضامنة للتعدد اللغوي والتنوع الثقافي، ومحصِّنة للهوية الوطنية، وبلورة تصورات وبدائلَ لإرساء خيارات تربوية تروم تعزيز أدوار ووظائف اللغتين الرسميتين في المنظومة التربوية، ومنحهما شروط التنافس والمقومات الحيوية. بنيس توقف عند اختلالات السياسة اللغوية بالمغرب، وتساءل ما إذا كانت ستؤدي إلى احتباس لغوي، ويعني به فرملة مسلسل التعريب وإعادة الفرنسية إلى التعليم وحصر الأمازيغية كلغة تواصل، وخلق جُزر لغوية في الجامعة، وبالتالي تأثير هذا الاحتباس على المنظومة التربوية الوطنية. واعتبر المتحدث أن المغرب يعرف "تيْها تدبيريا" في ما يتعلق بالتنوع اللغوي، بسبب عدم احترام المقتضيات الدستورية، مشيرا إلى أن التخطيط للعدالة اللغوية والتماسك الاجتماعي وإنعاش اللغات يتطلب المعرفة العميقة بالوضعية اللغوية للبلاد، وبالرهانات المجتمعية. ويرى بنيس أن تدبير الثنائية اللغوية الرسمية في مجال التعليم يقتضي أن يُبنى على مبدأ الشخصانية، أو مبدأ التراتبية، من خلال ترابُطيةِ الدستورانية بالمؤسساتية، مبرزا أن هذين المبدأين يأخذان بعين الاعتبار عناصر الهوية المغربية كما هي مُعلنة في الدستور. واعتبر بنيس أن المدرسة المغربية لا يمكن أن تستوعب عناصر الهوية المغربية في ظل تركيزها على لغات أجنبية، والتركيز أكثر على لغة أجنبية واحدة هي الفرنسية، للتدريس، خاصة وأن السياق الاجتماعي ما بعد دستور 2011 نتج عنه انتقال هوياتي. هذا الانتقال الهوياتي، يوضح الأستاذ الجامعي، أحدث نقلة من انتماء وهوية مادّية يعبّر عنها بالانتماء الجغرافي (طنجة الگويرة) إلى انتماء وهوية رمزية (تمغربيت) تحتضن جميع أطياف الهوية المغربية. وتساءل بنيس في الختام: كيف يمكن فهم جدل لغة المدرسة في علاقته بالهوية من خلال مشروع القانون الإطار المتعلق بإصلاح المنظومة التربوية؟ ليجيب بالقول إن "اعتماد لغة أجنبية في التعليم يمكن أن يخلق حالة من اللا أمن اللغوي والثقافي (Insécurité linguistique et culturelle)". وأوضح أن هذا "اللا أمن اللغوي والثقافي" تنتج عنه انهزامية هوياتية تعدو معها اللغة الهوياتية لغة دونية ولغة محبطة، بل تحيل على مشاعر من قبيل اليأس و"الحكرة" والازدراء، وتولد شعور الانفصام اللغوي والانفصام الثقافي"، مشددا على ضرورة التفريق بين اللغات المدرّسة، حيث الانفتاح اللغوي "واجب حضاري"، وبين لغات التدريس.