نعم، المغرب أجمل بلد في الدنيا ؟ هكذا يتهكم الناس بنكتهم اللاذعة. أحد الكوميديين المغاربة، أوجد لهذا تفسيرا معينا. الجمال، مصدره السيبة أو الأرض الفارغة. ذلك، أن الشعب المسكين، لم يسمع سابقا أو حاضرا وربما لاحقا، أن مسؤولا من مسؤولي البلد السعيد، سواء كبر مقداره أو صغر، قد خضع فعلا للمساءلة والمحاسبة والمحاكمة. تقول الحكاية : "اسرق مائة مليار، وانفذ بجلدك !". اطمئن، فلن يلاحقك أحد. بل، أكثر من هذا، اللصوص و المفسدون والمنافقون والمتزلفون والتافهون ، يحظون بأسمى اعتبار وتقدير، ويستوفون بقدرة قادر، أوصاف كبار ، من الطراز النادر، مثل تلك الفرية التي تنخر وعينا حتى اللحظة. فالكادحون، الذين كانوا وقودا لتحرير المغرب من الفرنسيين، تلقوا فيما بعد هدية ثمينة تكفل بها جحيم السجون والمنافي والتهميش والضياع، بينما العملاء والوشاة ومن ظلوا يتمتعون بسحر العواصم الأوروبية خلال الفترة، تحولوا إلى أبطال ووطنيين استثنائيين.. لاشك، أن ملفات الفساد كثيرة ومتعددة، لكن الأيادي السحرية تسرع بها نحو مقبرة النسيان، بدعوى "السلم الاجتماعي" والتكافل الاجتماعي"، و"الإفراط في حك الجلد يدمي" و "انظر دائما إلى نصف الكأس الممتلئة" و"الخصوصية المغربية"، وغيرها من أحجيات طبقة سياسية متكلسة وغارقة في مستنقع الانتهازية، ما دام أن الهم الوحيد لمكوناتها يبقى أولا وأخيرا ، الظفر بكرسي من تلك الكراسي المشروخة التي تقذف بها وجوههم، بعد أن تطلى بسم الإهانة وموت الضمير، ويتمثلوا جيدا لغة الخفافيش. لا ديمقراطية، بدون سلطة زاجرة، رادعة، تستند في شرعيتها على القانون والمؤسسة. لو كان الحال كذلك، عندنا، وشعروا فعلا بأن المسؤولية سيف يسلط على الرقاب، لما عشنا هذا العبث، ونحن شاهد حشودا تتسابق تسابق الثيران الهائجة، نحو الاستوزار. كل من وجد نفسه في طبخة صالونية (نسبة إلى الصالون) ((مناضلا فذا، وعضوا قياديا، أسقط بمظلة، يستوعب اختيارات المغرب أكثر من باقي المتخلفين، ويقشر في الفرنسية...)) أراد أن يكون وزيرا. طبعا الوزارة لدينا مثل البرلمان والمناصب الرسمية بساط أحمر، وجهة مغارة علي بابا. نتذكر جميعا جريمة النجاة، التي تعود وقائعها إلى سنة 2002، حينما وقع اتفاق بين الوكالة الوطنية للتشغيل والشركة الإماراتية "النجاة"، بهدف تشغيل 30 ألف شاب مغربي. عباس الفاسي "ابن المدرسة الاستقلالية، والمتشبع حد التجشؤ بتعادلية علال الفاسي"، وزير التشغيل حينئذ، والأمين العام للحزب "المحافظ، الإسلامي الوطني.." ثم الوزير الأول بعد انتخابات "شاهد ماشافش حاجة" لسنة 2007، والصدر الأعظم أو رئيس الحكومة في دستور "سير حتى تجي"، قلت بقي صاحب المواهب المتعددة يبصم بالخمسة، على صحة العملية وجديتها، وأن "النجاة" طوق نجاة للمعذبين، وإن تبين للعالم أجمع، حتى جدتي الأمية : النجاة للشحن البحري، مجرد شركة وهمية للنصب والاحتيال،ضحكوا بها على العباد. انتحر من انتحر، وتبخرت سرابا، أحلام قسم واسع من أبناء المغاربة. صارت الحناجر مبحوحة جراء هستيريا الصراخ والتنديد، لكن وحدها المحيطات احتضنتها، وعوض محاسبة صاحبنا صار أستاذا وحكيما، ولا قوة ستمنعة من العودة إلى حكومة بنكيران ك "خبير دولي". كل الاحتمالات جائزة في هذا البلد. فقط، القانون البيولوجي للموت، لم يعثروا له عن تأليف مغاير. وبما أن دار لقمان، على وضعها، فلا مانع أبدا، أن يجد عبد السلام البكاري أحد مريديه و بلغة البروتوكول "مستشاره" في تشغيل أصحاب الشواهد العليا، النموذج والسند، كي يفعل ما بدا له حسب مزاجه وأهوائه ومعارفه ومقربيه، ويتأبط أقدار الناس متبخترا مزهوا يوزع رضاه كيفما أراد، ويتبجح بالحقوق على مستحقيها كأنهم عبيد لديه أو يتصدق عليهم من ممتلكاته الخاصة. في حين وضعه الاعتباري لا يتجاوز كونه من موظفي الدولة، يتقاضى أجرته من دافعي الضرائب، أوكلت إليه مهمة محددة، وينبغي مراقبته ومتابعته ومحاسبته في آخر المطاف، حسب ما قدمت يداه إيجابا أو سلبا. أما أن يتفرد بإدارة قضية مصيرية من هذا الحجم، تهم حياة آلاف العائلات المغربية، ومرتبطة بالأمن القومي، فأظنه غاية الاستخفاف والازدراء، لذلك كان حتميا، أن يصير الملف مبتذلا جدا ويفقد كل دواعي زخمه. اليوم، وإن حصلت على دكتوراه في الميكانيكا الفضائية من جامعة كامبردج، وكان حظك عاثرا، ثم رجعت إلى المغرب كي تبحث عن وظيفة، فحتما ستكتشف أن مصيرك عالقا بين أصبع رجل من القوات المساعدة في ثكنة بالرباط، وعامل المدينة أو حارس لسيارات موظفي الوزارة الأولى، أو مداوم مقر الحزب الحاكم. تماما، كما أن أعقد القضايا القابعة في سراديب المحاكم المغربية، يملك شفرة أسرارها، ربما البستاني البسيط الذي يشتغل في حديقة بيت القاضي. من حسنات الربيع العربي، إسراع الحكومة المغربية، إلى اتخاذ قرار جامع مانع، بغية امتصاص أعداد الجامعيين العاطلين عن العمل، وبالضبط أصحاب الماستر والدكتوراه، الذين شرعوا في الاعتصام أمام البرلمان، منذ أواسط التسعينات، ثم تعاقبت حشود، تذوقت عظام جل أفرادها بركة المخزن، المقصود بها، تلك العصا الأسطورية التي كلما تطورت فعاليتها استوردوا منها حمولات إضافية، كي يحسموا بها قضاء حوائج الخلق. هكذا، صدر مرسوم استثنائي زكاه المجلس الوزاري ليوم 2011/04/08، قضى بتوظيف 4304 من حملة الشواهد العليا، بالتالي، إنهاء الماراطونات الحقيرة لشوارع العاصمة، التي أضحت قنبلة موقوتة تضحك الأمم على مغرب ، يعاني أقصى درجات الترهل في كل الميادين، ويشرئب مع ذلك أن تكون له مهرجانات سينمائية توازي نظيراتها الهوليودية ؟ ! وخطوط قطار "التي جي في"، تنافح ما تزخر به جغرافية أوروبا ؟ ! أو مركبات سياحية، ليس باستطاعة سندباد أن تطأها أقدامه ؟ أو مراكز تجارية لم يحلم بها قطعا شهبندار التجار ؟ ! ، بينما المنظومة المجتمعية عاجزة كل العجز، عن توفير أبسط شروط الحياة لأبنائها !! لذلك، فأبناء الفيودال والإقطاع، الذين يسخرون من خريجي المعاهد المغربية باعتبارهم حثالة وأغبياء، ويمنعون عن الدولة بكل قوة كي لا تحتضنهم، بدعوى أن معارف هؤلاء بالية جدا لا تتلاءم وسوق الشغل، وفي أحسن الأحوال يجدر بهم إشعال النار في شواهدهم ويتحلقون حولها كي تحميهم زمهرير شتاء اعتصامهم. إن كان الأمر كذلك، فإننا نتطلع في المقابل، ونحن الفقراء البلهاء، إلى عقول أينشتاين ونيوتن وماكس بلانك...، التي تتدبر أحوالنا، كي تقدم لنا دليلا واحدا عن بريقها ولمعانها، وترتقي بنا إلى السلم القابل للوجود. لكن للأسف، لم نكتشف معهم غير موهبة فضائحهم المالية والسياسية، وانبطاحهم المخزي بأي الطرق صوب الكراسي... إذن، كان يفترض التحاق المعطلين بوظائفهم بداية شهر أبريل أو ماي على أبعد تقدير بناء على منطق التعبئة، الذي ينبغي أن تعبر عنه مجموع القطاعات الحكومية، لكن حدث العكس، حيث بدأ الاعوجاج والتأتأة والضحك على الذقون والضرب من تحت الحزام، تحت مبررات مختلفة، وفي أغلب الأحيان هكذا بدون مبرر، مما يؤكد، بأن الوطنية عندنا مجرد أسطوانة مشروخة، يرددها علية القوم حينما تنتفخ بطونهم أكلا و أشياء أخرى خلال ولائم سهرات الأسبوع، لكن واقع الحال، يجسد بامتياز بنود شريعة الغاب. ولكي تتضح الرؤية للرأي العام الوطني، فرقم 4304 المبشر به أواخر شهر مارس، بقي مجرد استهلاك إعلامي، لا مقابل له على أرض الواقع، على الأقل بالشكل الذي تصورناه. إضافة إلى التعيينات الأولى التي اتسمت بالفوضوية والارتجالية، وخضعت لبيروقراطية متعفنة، فإن أكثر من 130 عاطلا، اندرجوا رسميا في لوائح المرسوم الوزاري، لازالوا في مهب الريح، ظلما دون سبب يذكر، يطرقون يوميا أبواب الوزارات كأنهم يتسولون الصدقة أو يطلبون إحسانا، خاصة وأن تضليلات عبد السلام البكاري المكلف بالملف، لم تتوقف كذبا وبهتانا، بطريقة حقا تثير الشفقة على مصير وطن يتصف مسؤولوه بهذا القدر من الجبن. رفضت قطاعات السكك الحديدية ووزارة الخارجية والدفاع الوطني الإدماج متنكرة لمرسوم الوزير الأول رقم 988 المتعلق بتوظيف الأطر، مما يطرح بحدة التساؤل حول التضامن الحكومي، واحترام السلطات العمومية لسلطة القانون من خلال التراتبية التنظيمية للقرارات الإدارية. هكذا، نظم المنبوذون اعتصاما مفتوحا، فوق سطح ملحقة الوزارة الأولى. بتاريخ 21 يوليوز، أقدم أحد المعتصمين على محاولة الانتحار، بالارتماء من السطح حينما كانت قوات التدخل السريع في حالة تأهب قصوى. بعد مرور، 14 يوما، ونقل أربعة معتصمين إلى المستشفى نتيجة تأزم حالتهم الصحية، حضر البكاري ومحمد ركراكة كي يهددا باستعمال القوة من أجل فض الاعتصام، لكن حين عجزهما، اضطرا إلى فتح حوار مع ممثلي المعطلين توّجه توقيع محضر، تلتزم في إطاره الحكومة بحل كافة المسائل التقنية التي تشكل عقبة أمام فورية الالتحاق بالمناصب، وتم الاتفاق تبعا للمحضر الموقع على تحديد 18 غشت كآخر أجل للإعلان عن نتائج التسوية النهائية. لكن في انتظار غودو (بطل مسرحية المرحوم بيكت) الذي لن يأتي أبدا. ثم جاءت المسيرة السلمية نحو حي باب الحد، وبالضبط مقر حزب الاستقلال من أجل استفسار البكاري عن سبب إخلاله بالموعد. الجواب، تدخل همجي لرجال الأمن، حيث أصيب العديد من المحتجين واعتقل ثلاثة آخرين. عندما بدأت تتشكل ملامح أجواء 25 نونبر، ولأغراض انتخابوية ضيقة وبئيسةحقا، التجأ البكاري إلى حيلة الطمأنة والمهادنة واكتساب الود، باختراعه ملاذ وزارة التعليم، على اعتبار أن التشرد سينتهي بالتحاق الجميع بالثانويات. العجيب، وبتوظيف مسرحية محبوكة العناصر والشخصيات، اتصلت الوزارة الأولى، هاتفيا، بكل مترشح كي تخبره نهائيا ورسميا، بسعة صدر مؤسسة العلم في المغرب كي تستوعب الجميع، والمسألة لن تتجاوز بضعة أسابيع لا غير، كي يسدل الستار عن هذه المأساة الإنسانية. طبعا، صدق المنتظرون، وطبيعيا، لم يحضر غودو مرة ثانية، ثم استمر الاستخفاف بإيقاع لانهائي. لم يعد السياق، يتحمل أي تعليق، اللهم إشارة لعزيز بنبين أوردها في كتابه "تازماموت" (ترجمة عبد الرحيم حزل، ص 108). ((إذا وقعت تحت رحمة أخيك المغربي ولم يقتلك، فلقد كان بك رحيما)). [email protected]