على مر التاريخ، لعبت المؤسسة الملكية أدواراً تحكيمية حاسمة في كثير من القضايا التي قسمت المجتمع المغربي بين مؤيد ومعارض، إذ حرص الملك محمد السادس، منذ توليه العرش، على ممارسة دور الحكم وضبط التوازن بعيداً عن مظاهر الصراع السياسوي أو الانتخابوي، وهو الدور الذي كرسه دستور 2011 في الفصل 42، الذي نص على أن رئيس الدولة هو الحكم الأسمى بين مؤسساتها. في هذه السلسلة الرمضانية، تستحضر جريدة هسبريس الإلكترونية أبرز المحطات التي تدخل فيها الملك محمد السادس لإنهاء الأزمات والخلافات في البلاد، أو تغيير قوانين مجحفة عمرت لعقود من الزمان دون أن تتجرأ الحكومات على الاقتراب منها أو النبش فيها. سنة 2015، اندلع نقاش مجتمعي محتدم حول الحق في الإجهاض، خصوصا بين الإسلاميين والحداثيين، وصل إلى النفق المسدود بعد مطالبة تنظيمات نسائية وحقوقية برفع التجريم الطبي عن الإجهاض بشكل نهائي، لكن هذا الأمر لاقى معارضة قوية من قبل حزب العدالة والتنمية، القائد للحكومة وقتها، الذي ظل ينتظر تحكيما ملكيا ينتصر لإمارة المؤمنين وتوجه الدولة الإسلامي. بعدما تطور النقاش في الفضاء العمومي، أمر الملك محمد السادس، في مارس 2015، كلا من المصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، وأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالإنكباب على دراسة موضوع الإجهاض، بالتنسيق والتعاون مع المجلس العلمي الأعلى. وخلصت اللجنة إلى أن "الأغلبية الساحقة تتجه إلى تجريم الإجهاض غير الشرعي، مع استثناء بعض حالاته من العقاب، لوجود مبررات قاهرة، وذلك لما تسببه من معاناة ولما لها من آثار صحية ونفسية واجتماعية سيئة على المرأة والأسرة والجنين، بل والمجتمع". وحددت اللجنة ثلاث حالات يمكن أن يسمح بها للقيام بالإجهاض، وهي: "أولا: عندما يشكل الحمل خطرا على حياة الأم أو على صحتها، ثانيا: في حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم، ثالثا: في حالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين". إثر ذلك صادقت الحكومة في مثل هذا الشهر من سنة 2016 على مشروع قانون هو الأول من نوعه حول تقنين ظاهرة الإجهاض بالمغرب، لكنه لازال معلقا في ذمة البرلمان إلى حدود اليوم، رغم المخاطر التي يشكلها الإجهاض غير الآمن، آخرها ما تفجر في مراكش قبل أيام عند انكشاف شبكة واسعة متخصصة في الإجهاض، تضم 3 أطباء وربان طائرة. وخلفت الحالات التي سمح الملك بإجراء الإجهاض بشأنها ارتياحا لدى التيار الإسلامي، الذي يقول إن الغالبية المتدنية في المغرب تدافع عن حق الجنين في الحياة، بينما يرى التيار الحداثي أن "التدخل الملكي لن يحد من ظاهرة الإجهاض السري"، وأن "حظر الإيقاف الإرادي للحمل يعد شكلا من أشكال التمييز ضد المرأة". وتعتبر الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، والتي كان لها الفضل في هذا النقاش، أن "الحالات التي حددتها الحكومة في مشروع المرسوم غير كافية للقضاء على ظاهرة الإجهاض السري"، وتشير إلى أن "الحالات التي جرى تقنينها لا تمثل سوى 10 في المائة من الحالات المتفشية في المجتمع". وتضيف الجمعية التي يقودها الطبيب شفيق الشرايبي أن مشروع القانون المعروض على البرلمان "لا يشمل حق القاصرات في الإجهاض، ولا الحمل غير المنتظر الذي قد يسبب الاكتئاب، إلى درجة انتحار الحامل، أو الفتاة المهددة بالقتل من طرف أهلها، أو المهددة بالطرد من البيت". وتقدر الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري عدد حالات الإجهاض غير الآمن في المغرب بما بين 500 و800 حالة يوميا. كما تطالب الجمعية بضرورة إخراج القانون، على علاته، إلى حيز الوجود، ما دام أطباء غير مختصين يقومون سرا بالإجهاض، ناهيك عن الإجهاض الذي يقوم به العشابة والمشعوذون، وفق تعبيرها. ومؤخرا، حول عشرات الأطباء في كبريات المدن المغربية عياداتهم الطبية إلى مراكز سرية لاستقبال الراغبات في الإجهاض الاختياري، رغم أن القانون المغربي يجرمه ويعاقب عليه بالسجن والغرامة. وتجرى في الغرفة الجنحية التلبسية بابتدائية مراكش محاكمة مثيرة للجدل، يتابع فيها أربعة أطر عليا في حالة اعتقال، وفاعل سياسي في حالة سراح، بجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة، تتعلق أساسا بالإجهاض السري.