تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال (بوريطة)    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟        عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة جدل تقنين الإجهاض إلى الواجهة

موازاة مع مناقشة مشروع القانون الجنائي في البرلمان، أعادت الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري موضوع تقنين الإجهاض إلى الواجهة للضغط على الحكومة من أجل التراجع عن التعديلات التي أُدخلت على قانون الإجهاض، وتشكيل نواة لتتبّع مساره.
وعبّر متدخلون في ندوة التي كانت قد نظمتها الجمعية في يونيو الأخير بشراكة مع تحالف ربيع الكرامة عن رفضهم التعديلات التي قدمتها الحكومة، والتي تمخّضت عن توصيات مسلسل تشاوري دعا إليه الملك، وأشرف عليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزارة العدل والحريات، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، داعين إلى اعتماد قانون «يضمن حق المرأة في الصحة وحريتها في التصرف في جسدها».
موازاة مع مناقشة مشروع القانون الجنائي في البرلمان، أعادت الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري موضوع تقنين الإجهاض إلى الواجهة للضغط على الحكومة من أجل التراجع عن التعديلات التي أُدخلت على قانون الإجهاض، وتشكيل نواة لتتبّع مساره.
وعبّر متدخلون في ندوة التي كانت قد نظمتها الجمعية في يونيو الأخير بشراكة مع تحالف ربيع الكرامة عن رفضهم التعديلات التي قدمتها الحكومة، والتي تمخّضت عن توصيات مسلسل تشاوري دعا إليه الملك، وأشرف عليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزارة العدل والحريات، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، داعين إلى اعتماد قانون «يضمن حق المرأة في الصحة وحريتها في التصرف في جسدها».
خديجة الروكاني، عضو تحالف ربيع الكرامة، انتقدت المذكرة التقديمية لمشروع قانون الإجهاض، قائلة إنها «تتحدث عن مكافحة الجريمة وليس حماية حق أو حرية معينة»، مضيفة أن القانون الجنائي المغربي «يعادي الحقوق والحريات، ومبني على ثقافة أبوية، ويضيق الخناق على النساء ولا يضمن حريتهن وحقوقهن».
في حين تطالب الجمعيات الحقوقية بأن يكون المبدأ الأساس لقانون الإجهاض حماية صحّة المرأة، قالت الروكاني إن الخلاصات التي تمخضت عن المشاورات الرسمية حول تقنين الإجهاض «لم تحمل أي بصمة لوزارة الصحة». وفي السياق نفسه قالت الفاعلة الجمعوية ليلى مجدولي: «كان على وزارة الصحة أن تقدم مشروعا متكاملا لحماية الصحة الإنجابية للنساء»
النائبة البرلمانية نزهة الصقلي انتقدت الخلاصات التي تمخضت عنها المشاورات الرسمية حول الإجهاض، قائلة: «صحيح أنّ الملك طلب أن تراعي الخلاصات احترام التعاليم الدينية، ولكنه حثّ أيضا على مراعاة التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي، والحرص على الحفاظ على صحة المرأة».
وانتقدت النائبة البرلمانية الإجراءات التي جاء بها مشروع تقنين الإجهاض، ومنها تخويل النيابة العامة النظر في الشكايات التي ترفعها النساء ضحايا الاغتصاب الراغبات في الخضوع للإجهاض، متسائلة: «آش جاب وكيل الملك يتدخل في الأمور المتعلقة بصحَّة المرأة؟.. هذا مجال خاص بالأطباء».
في السياق نفسه قالت خديجة الروكاني إنّ المشروع الحالي «يلزم الأطباء بالقيام بأدوار لا علاقة لهم بها، كأن يخبر المرأة الراغبة في الخضوع لعملية الإجهاض بوجود مؤسسات للرعاية الاجتماعية خاصة بالتكفّل بالأطفال»، واستطردت: «معنى هذا أن الطبيب كايقول للمرأة غير لعني الشيطان رَاه الإجهاض حرام، وهذا دور مؤسسات الوعظ والإرشاد وليس دور الأطباء. وقد كان عليهم أن يوكلوها إلى المجالس العلمية».
من جهته اعتبر محمد نشناش، الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن «القانون لن يحدّ من الإجهاض، بل سيؤدي إلى انتشار الإجهاض السري، والإجهاض التجاري، والتمييز بين المواطنين، بحيث تلجأ النساء اللواتي لديهن المال إلى الإجهاض في المصحات الخاصة، بينما تلجأ الفقيرات إلى الطرق التقليدية للإجهاض».
وفي حين تستعد الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري إلى الضغط على الأحزاب السياسية لحملها على تقديم مشروع يستجيب لتطلعات الجمعيات الحقوقية، استبعد نشناش أن تتمّ الاستجابة لمطالب هذه الجمعيات كلها، قائلا: «حنا عارفين هاد المطالب ما غاديش تحقق كلها، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله»
وفيات النساء الحوامل في الدول التي تحرم الاجهاض تتجاوز 600 في كل 100000حامل
تفيد العديد من الدراسات والإحصاءات أن عدد وفيات النساء الحوامل من جراء الإجهاض هو 600 في كل 100000 إجهاض في البلدان التي تحرم الإجهاض وتجرمه. ويتقلص هذا العدد إلى 1,2 وفيات كأقصى حد في كل 100000 إجهاض في الدول الستين التي تبيح الإجهاض وتنظّمه.
وأمام هذه التباين في الأرقام تكون النتيجة الحتمية هو أن خطر الموت المرتبط بالإجهاض يرتفع كلما كان الإجهاض ممنوعا؛ وبالتالي فإن المنع لا يؤدي إلى تقليص الإجهاض بقدر ما يؤدي إلى حدوثه في ظروف غير سليمة وتشكل خطرا على صحة المرأة الحامل وعلى حياتها. وهذا ما ينطبق على المغرب. فرغم الترسانة القانونية المغربية التي تجرم الإجهاض، تتم يوميا ما يفوق 1000 عملية إجهاض سرية، تموت بسببها يوميا أكثر من امرأة رغم أن معظم عمليات الإجهاض يقوم بها أحيانا أطباء ومولدات محترفات. أكثر من ذلك، يبقى التجريم القانوني حبرا على ورق إذ أن الحالات المجرمة فعلا على الصعيد القضائي المغربي لم تتعد 46 حالة سنة 2009 فيما لم تتعد أكثر من 75 حالة سنة 2011.
نقاش حول موضوع لم تتضح معالمه بالشكل الذي يجب باستثناء التحريم الديني...
قبل سنة تم اعتقال طبيبة مختصة في أمراض النساء بالجديدة بعد أن اعتادت إجراء عمليات إجهاض بعيادتها بمساعدة مساعدتها، حيث أدانت المحكمة الجميع بالحبس النافذ. ونفس الشيء حدث بآسفي والبيضاء ومراكش وطنجة... وما خفي كان أعظم بكل جهات المغرب، حيث نلاحظ أن الإجهاض يسير في خط تصاعدي. وسنحاول جاهدين أمام هذه المعطيات، عرض نقط أساسية تعتبر دينامو لتيمة الإجهاض. ومن بين هذه النقط موقف القانون الجنائي المغربي الذي جرم الإجهاض وحرمه، بل شدد العقوبة على مقترفيه كما سنثير موقف المنظمات الدولية التي تعتبر في أدبياتها منع الإجهاض خرقا لحقوق الإنسان في جانبها المتعلق بالنساء، أما النقطة الثالثة فستتعلق بتعريف بعض المواقف لشخصيات مستقلة وأخرى تمثل بعض الجمعيات التي تتبنى حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، حيث تعمل على تشييعه في المجتمع المغربي الذي يتخذ من الفقه المالكي مرجعه الإسلامي الوحيد في التعامل مع الإجهاض.
الإجهاض في القانون المغربي
خصص القانون الجنائي المغربي في بابه الثامن المخصص للجرائم ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة عشرة فصول واضحة في مجال الإجهاض والتي انطلق العمل بها منذ 1963. وقد عدلت بعض نصوص هذا الباب بمرسوم في 01/ 07/ 1967، على رأسها تعديل الفصل 453 المتعلق بحالات عدم تجريم الإجهاض وتعديل الفصل 455 المتعلق بالتحريض على الإجهاض. وألغى هذا التعديل ظهير 10 يوليوز 1939 الذي كان يعاقب على الدعاية والتحريض على التقليل من الإنجاب والتناسل بعد أن تم تشجيع وسائل منع الحمل، لكنه يجرم الإرشاد إلى الوسائل التي تحدث الإجهاض ولا يعتبرها من وسائل منع الحمل.
إلا أن سنة 1967، كانت هي السنة الأخيرة التي عرفت تعديل الفصول الخاصة بالإجهاض، حيث منذ ذلك الحين لم تخضع نصوص القانون الجنائي المتعلقة بالإجهاض إلى أي تعديل. وتبقى أهم الفصول الخاصة بالإجهاض هي الفصول التالية:
- الفصل 449: «من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. وإذا نتج عن ذلك موتها، فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة».
- الفصل 453: «لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج. ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر. غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم. وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج من إعطاء موافقته أو عاقه عن ذلك عائق، فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتّب عنه الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج».
- الفصل 454: «تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، كل امرأة أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك أو قبلت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما رشدت إليه أو ما أعطي لها لهذا الغرض».
من الفصل 449 يتبين أن الإجهاض أو حتى محاولته فعل مجرم بقوة القانون. واعتبر القانون أن الجريمة قائمة منذ تلقيح البويضة داخل رحم المرأة. أيضا، لا يعتبر القانون أن اختيار المرأة للإجهاض حق لها. فبمجرد وقوع الحمل، لا يبقى للمرأة الحق في اتخاذ قرار توقيفه عندما يكون الحمل عاديا لا يشكل خطرا على صحتها أو على حياتها، وذلك بغض النظر عن حالتها الزوجية. بتعبير آخر، يعمل القانون على الحفاظ على الحمل الحاصل وإن كان غير شرعي، أي غير ناتج عن علاقة زوجية. في هذه الحالة، يشكل الحمل دليلا على أن المرأة ارتكبت فسادا جنسيا . وبالتالي تنال المرأة عقابين إذا ما قامت بإجهاض نفسها ، الأول خاص بالفساد الجنسي والثاني خاص بالإجهاض أو محاولته؛ وبالتالي فإن موافقة المرأة على الإجهاض يعتبر مساهمة في الجريمة وفعل يعاقب عليه القانون.
علما أن العقوبة التي يصدرها القضاء في مواجهة المشرفون على الإجهاض لا تختلف ولا تهم الوسيلة التي تستعمل لإحداث الإجهاض بمعنى أن العقوبة لا تختلف طبقا للوسائل المستعملة ودرجات خطورتها، فالطبيب الأخصائي ينال نفس العقاب الذي تناله «القابلة» أو يناله بائع الأعشاب أو الفقيه أو المولدة، مما يعني أن المشرع المغربي وضعهم جميعا في ذات السلة.
أما الفصل 453، فيبيح الإجهاض في حالة ضرورة المحافظة على صحة المرأة الحامل؛ وذلك بموافقة الزوج؛ وبالتالي فإن المرأة غير المتزوجة لا تستفيد من هذا الفصل، ولا يمكن أن تطالب بالإجهاض حفاظا على صحتها ما دامت لا تتوفر على زوج يأذن لها بذلك. والفصل نفسه يبيح الإجهاض في حالة خطر موت المرأة الحامل رغم عدم موافقة الزوج. فهل يعني هذا أن الإجهاض مباح لغير المتزوجة في حالة تعرضها لخطر الموت؟
وانطلاقا من الفصل المذكور فلا وجود لعامل الصحة بشكل صريح بالنسبة للإجهاض فيما يخص المرأة غير المتزوجة، حيث لا يأخذ بعين الاعتبار العامل النفسي للحامل المغتصبة أو الفتاة المغرر بها أو عاملات الجنس، حيث يقود الحمل غير الشرعي في أحايين شتى إلى الانتحار، علما أن القانون لا يأخذ بعين الاعتبار خطر الموت الناتج عنه، والذي تتعرض له اليوم المرأة غير المتزوجة، . فالحمل غير الشرعي وإن كان لا يؤدي إلى خطر الموت في أحيان كثيرة، فإنه يؤدي إلى خطر من نوع خاص تتعرض له المرأة الحامل بشكل غير شرعي يتمثل أساسا في الإقصاء والتشريد ويصل أحيانا إلى الانتقام العائلي كالقتل أو الطرد من دفء العائلة وهو ما لم يتطرق له القانون الجنائي المغربي في فصوله الخاصة بالإجهاض.
نزهة الصقلي قالت إنها لا تفهم لماذا كلما طرح النقاش حول ظاهرة الإجهاض إلا وتم تركيز الحديث على الجنين ومصير الجنين...، وتساءلت حول سبب عدم الحديث عن محاربة ظاهرة الإجهاض السري ومحاربة نتائجه وانعكاساته السلبية، وكذا الوقاية من ظاهرة التخلي عن الأطفال وقتلهم التي أصبحت واقعا اجتماعيا، وقالت في ندوة احتضنتها الجديدة مؤخرا إن الحديث عن تفشي ظاهرة أطفال الشوارع، لا يعني الأطفال الصغار فقط، بل الفتيات من ذوي 15 و16 سنة والحاملات ومتخلى عنهن من طرف أسرهن، أو يتم طردهن إلى الشارع، وهن ضحايا لأنهن طفلات، كما تحدثت عن مصير الحمل الناتج عن حالات زنا المحارم وحالات اغتصاب الفتيات القاصرات والمختلات عقليا اللواتي يحملن نتيجة هذا الاغتصاب، إضافة إلى تساؤلها حول الكيفية التي يمكن من خلالها الوقاية من تفشي ظاهرة الأمهات العازبات. كما تساءلت الصقلي عن غياب القوانين التي تحمي الفتاة من العنف والاغتصاب، وقالت إن التربية الجنسية في المؤسسات التعليمية شبه منعدمة. وأكدت أنها ترفض أن يتم نعت الإجهاض بالجريمة الإنسانية، واستشهدت بالقوانين الموجودة ببعض الدول المسلمة التي راجعت موقفها من قضية الإجهاض كتركيا التي قالت إنها تسمح بالإجهاض إلى الأسبوع العاشر من الحمل مع موافقة الزوج في حال وجوده، وتونس كذلك التي يسمح فيها بالإجهاض إلى حدود الشهر الثاني، وبالطوغو قالت إنه مسموح به في حالات الاغتصاب وحالات زنا المحارم... كما رفضت الصقلي أن يتم تحميل المرأة الضريبة القاسية لفعل غير مرغوب فيه هو في الأصل نتيجة فعل قام به رجل وامرأة، وطالبت الوزيرة السابقة بالاجتهاد أكثر لإيجاد حلول لظاهرة الإجهاض الموجودة، وقالت إنه يجب تجاوز المقاربة «السياسوية» للموضوع، لأن الأمر يتعلق بمسألة إنسانية، تتطلب مراجعة قوانين الإجهاض خاصة في حالات الاغتصاب وفي حالات زنا المحارم وفي حالات حمل المختلات عقليا... ويجب على القانون أن يدخل مقاربات جديدة حول القضية، بناء على بحوث طبية واجتماعية في القضية
الإجهاض في التشريعات الدولية
لا يتعارض منطق الحفاظ على حقوق النساء مع منطق الدفاع عن الحق في الحياة الخاص بالطفل والمنصوص عليه في «معاهدة حقوق الطفل» بالنسبة لمنظمة الأمم المتحدة. إن حق الطفل في الحياة لا يؤخذ بعين الاعتبار إلا بعد ولادته. أما حماية الحياة منذ الإخصاب أو منذ مرحلة معينة من الحمل فمبدأ لم يقبل على الصعيد الدولي. وسارت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في هذا الاتجاه حيث أنها رفضت اعتبار الجنين مواطنا له حقوق. وقد نصت اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان على أن عبارة كل شخص لا تنطبق على الطفل الذي سيولد.
بالنسبة للجنة الأمم المتحدة الخاصة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء، يدل منع الإجهاض على تمييزٍ ضد النساء وهدرٍ لحقهن في الحياة والصحة. فمنع الإجهاض يعني شيئا واحدا هو دفع النساء إلى الإجهاض السري، أي إلى تعريض أنفسهن إلى خطري المرض والموت. فحين تضطر المرأة الحامل للاحتفاظ بحملها رغما عنها، فإن الحمل لا يمر في ظروف سليمة وتحت المراقبة الطبية، كما أن الولادة تتمّ بدورها في سرية وكل ذلك يشكل مصدر خطر ولا شك أن الظروف التي يتم فيها الإجهاض السري تضاعف من خطر الموت جراء النزيف الدموي أو الإصابة بمرض ما.
إن الأمومة اختيار حر، وذلك حقّ أساسي من بين حقوق الإنسان الأساسية. ف «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» التي اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34/180 المؤرخ في 18 ديسمبر 1979، تنص في المادة 16 على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية. وعلى أساس المساواة بين الرجل والمرأة
تمديدا لهذا الموقف، ألزم المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (القاهرة 1994) كل الدول بضمان العلاج والمعلومات الضرورية لكل النساء اللواتي يلجأن إلى الإجهاض. وأقر «برنامج العمل للمؤتمر الدولي للأمم المتحدة للنساء» (بكين 1995) في الفقرة 97 تمكين النساء من التحكم في خصوبتهن. أكثر من ذلك، اعتبر هذا التمكين قاعدة مهمة للتمتع بحقوق أخرى.
أما الفقرة 223، ففيها تنصيص على أن لكل شخص الحق في التمتع بأكبر قدر ممكن من الصحة الإنجابية والجنسية، وفي اتخاذ قرارات في ميدان الإنجاب دون أن يكون موضوع تمييز أو إكراه أو عنف». وهذا ما ينطبق بالضبط على حق المرأة في الإجهاض إذا كان الحمل غير إرادي وغير مرغوب فيه. وفي توصياته، ألزم «برنامج العمل» الدول بمراجعة كل القوانين المجرمة للنساء اللواتي يلجأن إلى الإجهاض قصد التخلص من حمل غير مرغوب فيه.
وبدوره يوصي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الخاص بحقوق المرأة في إفريقيا (الاتحاد الإفريقي 2003) بتمكين النساء من الإجهاض المطبب في حالات الاعتداءات الجنسية (اغتصاب) والعلاقات مع محرم، وكذلك حين يشكل الحمل خطرا على صحة الأم البيولوجية والعقلية أو خطرا على حياتها؛ وبالتالي ماذا يعني اعتراف المنظمات الدولية بحق المرأة في الإجهاض؟ أساسا، يعني أن الأمومة ليست فعلا بيولوجيا آليا يفرض نفسه على المرأة جراء علاقة جنسية. «إن الأمومة ليست معطى مباشرا للأنوثة» حسب الأنتربولوجية نيكول ماتيو، والإجهاض بالضبط يشهد على ذلك.
على سبيل الختم
أمام التناقض الذي تعرفه القوانين وعمليات الإجهاض السرية التي تجري بالعشرات يوميا ما الجدوى من تجريم الإجهاض بحكم أن الحالات المعروضة على القضاء تشكل نسبة ضئيلة جدا مقارنة مع العدد الإجمالي للإجهاضات التي تحدث بشكل يومي؟ ذلك أن تجريم الإجهاض في القانون يبقى غير ذي فعالية، بحكم أنه لم يحد من ارتفاع الظاهرة. ونظرا لأن حالات الإجهاض المعروضة على القضاء نادرة جدا، فإن الاجتهاد القضائي في الموضوع نادر بدوره.
ويبقى الحل الوحيد أمام ارتفاع حالات الإجهاض هو تعديل فصول القانون الجنائي لتشمل مدلولي الصحة النفسية والاجتماعية للحامل خاصة تلك التي حبلت خارج مؤسسة الزواج، دون إباحة الإجهاض وتحويله إلى وسيلة من وسائل منع الحمل.
وفي ذلك رأي يجب أن تشارك فيه جميع الفعاليات بعيدا عن أي تشنج خدمة لمصلحة المرأة والمجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.