"المثمر" يواكب الزيتون بمكناس .. والمنصات التطبيقية تزيد مردودية الجَني    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    لمياء الزايدي .. الصوت الذي يأسر القلوب ويخطف الأنفاس    محاكمة إسكوبار الصحراء .. الدفاع يشكك في المحاضر و الشهادات    ‪المغرب وإسبانيا يعززان تعاون الصيد    اعتقال المعارض التونسي أحمد نجيب الشابي    مقتل "أبو شباب" إثر "ضربات كليلة" في غزة بعد شجار داخلي مع مجموعته    أمن شفشاون يرفع درجة اليقظة مع اقتراب رأس السنة الجديدة ويشدد الخناق على مخالفي قانون السير    كأس العرب لكرة القدم (قطر 2025).. المنتخب الفلسطيني يخلق المفاجأة ويتعادل مع نظيره التونسي (2-2)    كيروش: منتخب المغرب اختبار قوي    أخنوش وسانشيز يرسمان ملامح مرحلة متقدمة بين المغرب وإسبانيا    مدريد.. التعاون الثنائي محور سلسلة مباحثات مغربية-إسبانية على المستوى الوزاري    السلطات تُطلق حملة لإيواء الأشخاص بدون مأوى بجهة طنجة    في إطار الدورة 13 للاجتماع رفيع المستوى المغرب – إسبانيا.. أخنوش يجري مباحثات مع بيدرو سانشيز    تاريخ تسريح اللاعبين ل "كان 2025" يتغير.. فيفا يصدر قرارا جديدا يخدم الأندية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    إيطاليا ماريتيما تطلق خطا بحريا مباشرا بين المغرب وإسبانيا    عام 2024 هو الأشد حرارة على الإطلاق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026    التامني: غلاء أسعار السكن و"النوار" يفرغان الدعم المباشر من أهدافه وعلى الوزارة التدخل    المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج يجدد التأكيد على مغربية الصحراء ويرحب بقرار مجلس الأمن 2797    "المستشارين" يقر مشروع قانون المالية    العنف النفسي يتصدر حالات العنف المسجلة ضد النساء    أشادت إسبانيا بالإصلاحات التي قام بها المغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وكذا بالمبادرات الملكية من أجل إفريقيا    شهادة في حق الفنانة خلود البطيوي بمناسبة تكريمها في الدورة 14 للجامعة السينمائية بمكناس    شهادة في حق الأستاذ حفيظ العيساوي الرئيس الأسبق للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب    حميد بناني: شاعر الصورة وفيلسوف الوجود    سانشيز يشيد بالروابط القوية مع المغرب    مبادرة "Be Proactive" تعزّز الوقاية من حساسية الأسنان في عيادات المغرب        مونديال 2026 .. أنظار العالم تتجه صوب واشنطن لمتابعة سحب قرعة مرتقب بشدة    وزير الخارجية الإسباني يستقبل بوريطة ويؤكد: العلاقات مع المغرب تعيش لحظة تاريخية    بين الراي والراب الميلودي... Wrapped 2025 يرصد التحولات الموسيقية بالمغرب    المغرب وإسبانيا يُعززان تعاونهما القضائي عبر مذكرة تفاهم جديدة    تعزيز التعاون المائي محور مباحثات مغربية–صينية في المؤتمر العالمي التاسع عشر للمياه بمراكش        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ماكرون قلق بعد سجن صحافي بالجزائر    تقرير يكشف ضغط ترامب على نتنياهو بشأن غزة وسوريا    كورتوا: محظوظ لأن مبابي يلعب معي وليس ضدي    "فيفا" يعلن عن منع الزمالك من التعاقدات لثلاث فترات    "حبيبتي الدولة".. من تكون؟!: في زمن التشظي وغياب اليقين    قرار قضائي يهزّ جامعة الكراطي... والصباري يعيد الاعتبار لجهات الجنوب    "قمة دول الخليج" تشيد بجهود الملك    إصابتان في معسكر "المنتخب الوطني" بقطر..    مشاهير عالميون يطالبون إسرائيل بإطلاق سراح القيادي الفلسطيني البارز مروان البرغوثي    الصين: مدينة ايوو تسجل رقما قياسيا في حجم التجارة يتجاوز 99 مليار دولار    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق  .. الإجهاض المشروع .. الإجهاض الحرام! أي مصير ينتظر النساء المغربيات؟

تفيد العديد من الدراسات والإحصاءات أن عدد وفيات النساء الحوامل من جراء الإجهاض هو 600 في كل 100000 إجهاض في البلدان التي تحرم الإجهاض وتجرمه. ويتقلص هذا العدد إلى 1,2 وفيات كأقصى حد في كل 100000 إجهاض في الدول الستين التي تبيح الإجهاض وتنظّمه.
وأمام هذه التباين في الأرقام تكون النتيجة الحتمية هو أن خطر الموت المرتبط بالإجهاض يرتفع كلما كان الإجهاض ممنوعا؛ وبالتالي فإن المنع لا يؤدي إلى تقليص الإجهاض بقدر ما يؤدي إلى حدوثه في ظروف غير سليمة وتشكل خطرا على صحة المرأة الحامل وعلى حياتها. وهذا ما ينطبق على المغرب. فرغم الترسانة القانونية المغربية التي تجرم الإجهاض، تتم يوميا ما يفوق 1000 عملية إجهاض سرية، تموت بسببها يوميا أكثر من امرأة رغم أن معظم عمليات الإجهاض يقوم بها أحيانا أطباء ومولدات محترفات. أكثر من ذلك، يبقى التجريم القانوني حبرا على ورق إذ أن الحالات المجرمة فعلا على الصعيد القضائي المغربي لم تتعد 46 حالة سنة 2009 فيما لم تتعد أكثر من 75 حالة سنة 2011.
الاتحاد الاشتراكي تفتح اليوم هذا الملف من أجل تعميق النقاش حول موضوع لم تتضح معالمه بالشكل الذي يجب باستثناء التحريم الديني...
قبل سنة تم اعتقال طبيبة مختصة في أمراض النساء بالجديدة بعد أن اعتادت إجراء عمليات إجهاض بعيادتها بمساعدة مساعدتها، حيث أدانت المحكمة الجميع بالحبس النافذ. ونفس الشيء حدث بآسفي والبيضاء ومراكش وطنجة... وما خفي أعظم بكل جهات المغرب، حيث نلاحظ أن الإجهاض يسير في خط تصاعدي. وسنحاول جاهدين أمام هذه المعطيات، عرض نقط أساسية تعتبر دينامو لتيمة الإجهاض. ومن بين هذه النقط موقف القانون الجنائي المغربي الذي جرم الإجهاض وحرمه، بل شدد العقوبة على مقترفيه كما سنثير موقف المنظمات الدولية التي تعتبر في أدبياتها منع الإجهاض خرقا لحقوق الإنسان في جانبها المتعلق بالنساء، أما النقطة الثالثة فستتعلق بتعريف بعض المواقف لشخصيات مستقلة وأخرى تمثل بعض الجمعيات التي تتبنى حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، حيث تعمل على تشييعه في المجتمع المغربي الذي يتخذ من الفقه المالكي مرجعه الإسلامي الوحيد في التعامل مع الإجهاض.
الإجهاض في القانون المغربي
خصص القانون الجنائي المغربي في بابه الثامن المخصص للجرائم ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة عشرة فصول واضحة في مجال الإجهاض والتي انطلق العمل بها منذ 1963. وقد عدلت بعض نصوص هذا الباب بمرسوم في 01/ 07/ 1967، على رأسها تعديل الفصل 453 المتعلق بحالات عدم تجريم الإجهاض وتعديل الفصل 455 المتعلق بالتحريض على الإجهاض. وألغى هذا التعديل ظهير 10 يوليوز 1939 الذي كان يعاقب على الدعاية والتحريض على التقليل من الإنجاب والتناسل بعد أن تم تشجيع وسائل منع الحمل، لكنه يجرم الإرشاد إلى الوسائل التي تحدث الإجهاض ولا يعتبرها من وسائل منع الحمل.
إلا أن سنة 1967، كانت هي السنة الأخيرة التي عرفت تعديل الفصول الخاصة بالإجهاض، حيث منذ ذلك الحين لم تخضع نصوص القانون الجنائي المتعلقة بالإجهاض إلى أي تعديل. وتبقى أهم الفصول الخاصة بالإجهاض هي الفصول التالية:
- الفصل 449: «من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. وإذا نتج عن ذلك موتها، فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة».
- الفصل 453: «لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج. ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر. غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم. وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج من إعطاء موافقته أو عاقه عن ذلك عائق، فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتّب عنه الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج».
- الفصل 454: «تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، كل امرأة أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك أو قبلت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما رشدت إليه أو ما أعطي لها لهذا الغرض».
من الفصل 449 يتبين أن الإجهاض أو حتى محاولته فعل مجرم بقوة القانون. واعتبر القانون أن الجريمة قائمة منذ تلقيح البويضة داخل رحم المرأة. أيضا، لا يعتبر القانون أن اختيار المرأة للإجهاض حق لها. فبمجرد وقوع الحمل، لا يبقى للمرأة الحق في اتخاذ قرار توقيفه عندما يكون الحمل عاديا لا يشكل خطرا على صحتها أو على حياتها، وذلك بغض النظر عن حالتها الزوجية. بتعبير آخر، يعمل القانون على الحفاظ على الحمل الحاصل وإن كان غير شرعي، أي غير ناتج عن علاقة زوجية. في هذه الحالة، يشكل الحمل دليلا على أن المرأة ارتكبت فسادا جنسيا . وبالتالي تنال المرأة عقابين إذا ما قامت بإجهاض نفسها ، الأول خاص بالفساد الجنسي والثاني خاص بالإجهاض أو محاولته؛ وبالتالي فإن موافقة المرأة على الإجهاض يعتبر مساهمة في الجريمة وفعل يعاقب عليه القانون.
علما أن العقوبة التي يصدرها القضاء في مواجهة المشرفون على الإجهاض لا تختلف ولا تهم الوسيلة التي تستعمل لإحداث الإجهاض بمعنى أن العقوبة لا تختلف طبقا للوسائل المستعملة ودرجات خطورتها، فالطبيب الأخصائي ينال نفس العقاب الذي تناله «القابلة» أو يناله بائع الأعشاب أو الفقيه أو المولدة، مما يعني أن المشرع المغربي وضعهم جميعا في ذات السلة.
أما الفصل 453، فيبيح الإجهاض في حالة ضرورة المحافظة على صحة المرأة الحامل؛ وذلك بموافقة الزوج؛ وبالتالي فإن المرأة غير المتزوجة لا تستفيد من هذا الفصل، ولا يمكن أن تطالب بالإجهاض حفاظا على صحتها ما دامت لا تتوفر على زوج يأذن لها بذلك. والفصل نفسه يبيح الإجهاض في حالة خطر موت المرأة الحامل رغم عدم موافقة الزوج. فهل يعني هذا أن الإجهاض مباح لغير المتزوجة في حالة تعرضها لخطر الموت؟
وانطلاقا من الفصل المذكور فلا وجود لعامل الصحة بشكل صريح بالنسبة للإجهاض فيما يخص المرأة غير المتزوجة، حيث لا يأخذ بعين الاعتبار العامل النفسي للحامل المغتصبة أو الفتاة المغرر بها أو عاملات الجنس، حيث يقود الحمل غير الشرعي في أحايين شتى إلى الانتحار، علما أن القانون لا يأخذ بعين الاعتبار خطر الموت الناتج عنه، والذي تتعرض له اليوم المرأة غير المتزوجة، . فالحمل غير الشرعي وإن كان لا يؤدي إلى خطر الموت في أحيان كثيرة، فإنه يؤدي إلى خطر من نوع خاص تتعرض له المرأة الحامل بشكل غير شرعي يتمثل أساسا في الإقصاء والتشريد ويصل أحيانا إلى الانتقام العائلي كالقتل أو الطرد من دفء العائلة وهو ما لم يتطرق له القانون الجنائي المغربي في فصوله الخاصة بالإجهاض.
قالت نزهة الصقلي إنها لا تفهم لماذا كلما طرح النقاش حول ظاهرة الإجهاض إلا وتم تركيز الحديث على الجنين ومصير الجنين...، وتساءلت حول سبب عدم الحديث عن محاربة ظاهرة الإجهاض السري ومحاربة نتائجه وانعكاساته السلبية، وكذا الوقاية من ظاهرة التخلي عن الأطفال وقتلهم التي أصبحت واقعا اجتماعيا، وقالت في ندوة احتضنتها الجديدة مؤخرا إن الحديث عن تفشي ظاهرة أطفال الشوارع، لا يعني الأطفال الصغار فقط، بل الفتيات من ذوي 15 و16 سنة والحاملات ومتخلى عنهن من طرف أسرهن، أو يتم طردهن إلى الشارع، وهن ضحايا لأنهن طفلات، كما تحدثت عن مصير الحمل الناتج عن حالات زنا المحارم وحالات اغتصاب الفتيات القاصرات والمختلات عقليا اللواتي يحملن نتيجة هذا الاغتصاب، إضافة إلى تساؤلها حول الكيفية التي يمكن من خلالها الوقاية من تفشي ظاهرة الأمهات العازبات. كما تساءلت الصقلي عن غياب القوانين التي تحمي الفتاة من العنف والاغتصاب، وقالت إن التربية الجنسية في المؤسسات التعليمية شبه منعدمة. وأكدت أنها ترفض أن يتم نعت الإجهاض بالجريمة الإنسانية، واستشهدت بالقوانين الموجودة ببعض الدول المسلمة التي راجعت موقفها من قضية الإجهاض كتركيا التي قالت إنها تسمح بالإجهاض إلى الأسبوع العاشر من الحمل مع موافقة الزوج في حال وجوده، وتونس كذلك التي يسمح فيها بالإجهاض إلى حدود الشهر الثاني، وبالطوغو قالت إنه مسموح به في حالات الاغتصاب وحالات زنا المحارم... كما رفضت الصقلي أن يتم تحميل المرأة الضريبة القاسية لفعل غير مرغوب فيه هو في الأصل نتيجة فعل قام به رجل وامرأة، وطالبت الوزيرة السابقة بالاجتهاد أكثر لإيجاد حلول لظاهرة الإجهاض الموجودة، وقالت إنه يجب تجاوز المقاربة «السياسوية» للموضوع، لأن الأمر يتعلق بمسألة إنسانية، تتطلب مراجعة قوانين الإجهاض خاصة في حالات الاغتصاب وفي حالات زنا المحارم وفي حالات حمل المختلات عقليا... ويجب على القانون أن يدخل مقاربات جديدة حول القضية، بناء على بحوث طبية واجتماعية في القضية
قالت «إن خطاب الداعين إلى تقنين الإجهاض أو تحريره، هو خطاب يركز على المرأة وظروفها ومشاكلها... ويتم التسويق له بطريقة مؤثرة»، مؤكدة أن الأمر لا يتعلق فقط بحقوق المرأة، واعتبرت الإدريسي التي كانت تشارك هي الأخرى في ندوة الجديدة أن كل إجهاض هو جريمة قتل في نظرها، كيفما كانت ظروف هذا الحمل، وقالت إنها ترفض أن يكون الجنين هو الثمن لحل مشاكل المجتمع؛ وبالتالي ترفض رفضا باتا تقنين الإجهاض، واستشهدت الإدريسي بمواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تركز على العناية بالطفل قبل وبعد الولادة، وضمان حقه في الحياة، مؤكدة في الوقت ذاته أن الجسد يعد ملكا لخالقه الذي خلقه، ولا يحق لأي كان أن يتصرف، وأن الجنين هو مستقل عن أمه بالرغم من وجوده في رحمها، وأن العلم اكتشف أن الابن في بطن أمه يفرز مناعته الخاصة للدفاع عن نفسه من أجل الحياة، ويعيش حياته في استقلال تام عن حياة أمه، وليس «مصرانة زيادة « يتم التخلص منها بسهولة، فقد يمرض الجنين ولا تمرض الأم والعكس كذلك. كما اعتبرت الإدريسي الإجهاض نوعا من العنف الجسدي والنفسي الممارس على المرأة، ودعت المرأة إلى احترام جسدها وذاتها، وضبط سلوكها الجنسي، قبل الوقوع في حبال الهوى وحبال الوعود الكاذبة، وإلى احترام السلوك الجنسي المسؤول سواء عند الرجل أو عند المرأة، وحذرت من تقنين الإجهاض الذي يعد تشجيعا على الحمل وتحريرا للرجل من مسؤوليته تجاه المرأة وتجاه الجنين، كما اعتبرت الدعوة إلى تقنينه رميا بالمسؤولية كاملة على المرأة وإعفاء للدولة والمسؤولين من تحمل مسؤولياتهم في الظاهرة وإعداما لجميع الحلول المتاحة لتجاوزها... واقترحت الإدريسي تهذيب النزوات والرغبات عند الإنسان سواء عبر المدارس أو عبر الإعلام... وقالت إن الإجهاض تحول لدى بعض الأطباء إلى شبه «وصفة طبية» تحرر بسهولة. وتطرقت الإدريسي إلى انتشار بعض المسلسلات التي تعرض على شاشات الإعلام العمومي التي قالت إنها تساهم في شيوع ثقافة الإجهاض... ودعت إلى مد يد المساعدة إلى المرأة التي تقع في حمل، وتقديم المساعدات النفسية لها بدل توجيهها إلى طريق الإجهاض، كما دعت إلى تجاوز مسألة الخوف من الفضيحة. والتركيز على الجانب التربوي والإعلامي والأسري.
وقالت الإدريسي إن توزيع العوازل الطبية على الذكور وحبوب منع الحمل على الفتيات ليس حلا، بل يعد في نظرها تشجيعا على ممارسة الجنس خارج إطار العلاقة الزوجية، وطالبت الإدريسي بضرورة التفكير في المطالبة بقوانين تنصف المرأة وتساعدها على القيام بدورها في الأمومة بالشكل السليم، وكذا تسريع مسطرة نظام الكفالة كي لا يبقى هؤلاء الأطفال في الشوارع وعرضة للتشرد.
الإجهاض في التشريعات الدولية
لا يتعارض منطق الحفاظ على حقوق النساء مع منطق الدفاع عن الحق في الحياة الخاص بالطفل والمنصوص عليه في «معاهدة حقوق الطفل» بالنسبة لمنظمة الأمم المتحدة. إن حق الطفل في الحياة لا يؤخذ بعين الاعتبار إلا بعد ولادته. أما حماية الحياة منذ الإخصاب أو منذ مرحلة معينة من الحمل فمبدأ لم يقبل على الصعيد الدولي. وسارت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في هذا الاتجاه حيث أنها رفضت اعتبار الجنين مواطنا له حقوق. وقد نصت اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان على أن عبارة كل شخص لا تنطبق على الطفل الذي سيولد.
بالنسبة للجنة الأمم المتحدة الخاصة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء، يدل منع الإجهاض على تمييزٍ ضد النساء وهدرٍ لحقهن في الحياة والصحة. فمنع الإجهاض يعني شيئا واحدا هو دفع النساء إلى الإجهاض السري، أي إلى تعريض أنفسهن إلى خطري المرض والموت. فحين تضطر المرأة الحامل للاحتفاظ بحملها رغما عنها، فإن الحمل لا يمر في ظروف سليمة وتحت المراقبة الطبية، كما أن الولادة تتمّ بدورها في سرية وكل ذلك يشكل مصدر خطر ولا شك أن الظروف التي يتم فيها الإجهاض السري تضاعف من خطر الموت جراء النزيف الدموي أو الإصابة بمرض ما.
إن الأمومة اختيار حر، وذلك حقّ أساسي من بين حقوق الإنسان الأساسية. ف «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» التي اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34/180 المؤرخ في 18 كانون الأول/ديسمبر 1979، تنص في المادة 16 على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية. وعلى أساس المساواة بين الرجل والمرأة
تمديدا لهذا الموقف، ألزم المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (القاهرة 1994) كل الدول بضمان العلاج والمعلومات الضرورية لكل النساء اللواتي يلجأن إلى الإجهاض. وأقر «برنامج العمل للمؤتمر الدولي للأمم المتحدة للنساء» (بكين 1995) في الفقرة 97 تمكين النساء من التحكم في خصوبتهن. أكثر من ذلك، اعتبر هذا التمكين قاعدة مهمة للتمتع بحقوق أخرى.
أما الفقرة 223، ففيها تنصيص على أن لكل شخص الحق في التمتع بأكبر قدر ممكن من الصحة الإنجابية والجنسية، وفي اتخاذ قرارات في ميدان الإنجاب دون أن يكون موضوع تمييز أو إكراه أو عنف». وهذا ما ينطبق بالضبط على حق المرأة في الإجهاض إذا كان الحمل غير إرادي وغير مرغوب فيه. وفي توصياته، ألزم «برنامج العمل» الدول بمراجعة كل القوانين المجرمة للنساء اللواتي يلجأن إلى الإجهاض قصد التخلص من حمل غير مرغوب فيه.
وبدوره يوصي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الخاص بحقوق المرأة في إفريقيا (الاتحاد الإفريقي 2003) بتمكين النساء من الإجهاض المطبب في حالات الاعتداءات الجنسية (اغتصاب) والعلاقات مع محرم، وكذلك حين يشكل الحمل خطرا على صحة الأم البيولوجية والعقلية أو خطرا على حياتها؛ وبالتالي ماذا يعني اعتراف المنظمات الدولية بحق المرأة في الإجهاض؟ أساسا، يعني أن الأمومة ليست فعلا بيولوجيا آليا يفرض نفسه على المرأة جراء علاقة جنسية. «إن الأمومة ليست معطى مباشرا للأنوثة» حسب الأنتربولوجية نيكول ماتيو، والإجهاض بالضبط يشهد على ذلك.
أمام التناقض الذي تعرفه القوانين وعمليات الإجهاض السرية التي تجري بالعشرات يوميا ما الجدوى من تجريم الإجهاض بحكم أن الحالات المعروضة على القضاء تشكل نسبة ضئيلة جدا مقارنة مع العدد الإجمالي للإجهاضات التي تحدث بشكل يومي؟ ذلك أن تجريم الإجهاض في القانون يبقى غير ذي فعالية، بحكم أنه لم يحد من ارتفاع الظاهرة. ونظرا لأن حالات الإجهاض المعروضة على القضاء نادرة جدا، فإن الاجتهاد القضائي في الموضوع نادر بدوره.
ويبقى الحل الوحيد أمام ارتفاع حالات الإجهاض هو تعديل فصول القانون الجنائي لتشمل مدلولي الصحة النفسية والاجتماعية للحامل خاصة تلك التي حبلت خارج مؤسسة الزواج، دون إباحة الإجهاض وتحويله إلى وسيلة من وسائل منع الحمل.
وفي ذلك رأي يجب أن تشارك فيه جميع الفعاليات بعيدا عن أي تشنج خدمة لمصلحة المرأة والمجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.