يرتبط مقدم شهر رمضان الفضيل لدى الجالية المغربية المقيمة بالولاياتالمتحدةالأمريكية، فضلا عن أجوائه الروحية وطقوسه الوفية للتقاليد المغربية الأصيلة، بمبادرات ذات بعد تضامني وتكافلي تعكس المعدن الأصيل للإنسان المغربي المتشبع بقيم التآزر ومد يد العون للمستضعفين وذوي الحاجة لا سيما من بني وطنه. وتحرص ثلة من الفاعلين الجمعويين من أبناء الجالية المغربية، التي نذرت نفسها على مدى سنوات للعمل الاجتماعي التطوعي، على تكريس هذا المغزى النبيل للاحتفال برمضان، شهر البر والطاعات؛ من خلال مبادرات وأعمال تنهل من معين التعاليم والقيم الإسلامية الأصيلة، وتتأسى بعمل السلف الصالح في فعل الخير ورفع المعاناة عن الناس. واستبقت هذه الفعاليات، التي تنشط في العديد من الولاياتالأمريكية، حلول الشهر الفضيل بإطلاق مبادرة "قفة رمضان" التي تهدف إلى تقديم دعم مادي لعدد من الأسر المعوزة بالمغرب (59 أسرة) تم اختيارها من مناطق مختلفة وفق معايير وأولويات مضبوطة وبتنسيق مع فاعلين محليين. وتؤكد هذه الالتفاتة التضامنية، حسب القائمين عليها، ارتباط أفراد الجالية بوطنهم الأم وانخراطهم في المبادرات المماثلة التي تتصدى لمختلف مظاهر الهشاشة الاجتماعية، والتي يسهر عليها بانتظام الفاعلون المؤسساتيون أو ممثلو المجتمع المدني داخل المغرب. وقد لاقت هذه المبادرة تجاوبا من قبل أفراد الجالية المغربية، لا سيما النساء، تعبيرا منهم عن روح التضامن والتكافل التي طبعت حياة المغاربة على مر السنين والتي لا يزالون متشبثين بها وحريصين على إبقاء جذوتها متقدة على الرغم من الاغتراب وبعد المسافات. محمد العرايشي، الذي أطلق هذه المبادرة بمعية ثلة من النشطاء المغاربة بعدد من الولاياتالأمريكية، قال، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، "إن الأمر يتعلق ببادرة أولية ستتلوها مبادرات أخرى، لاسيما في المناسبات الدينية القادمة كعيد الأضحى"، معربا عن اعتزازه ب"الانخراط الكبير الذي أبداه أفراد الجالية الذين لم يترددوا في تقديم الدعم لإخوانهم". وأوضح العرايشي، وهو من قيدومي الجالية المغربية المقيمة في مدينة نيويورك، أنه من أجل إنجاح هذه المبادرة تمت الاستعانة بنخبة من الفعاليات المتمرسة في العمل الاجتماعي "مع الحرص على إحاطة عملية جمع المساهمات المالية بكافة شروط الشفافية والنزاهة التي تكفل انخرطا أقوى من لدن أفراد الجالية وتضمن تحقيق الهدف النبيل الذي نصبو إليه". وأكد أن النجاح، الذي لاقته هذه المبادرة في وقت وجيز، يعد حافزا قويا على القيام بمبادرات أخرى، مشددا على الحاجة إلى تكاثف جهود الجالية المغربية وتعزيز اللحمة بين مكوناتها "لتقديم صورة إيجابية عن المغرب وإبراز رصيده الحضاري كبلد للتعايش والإخاء والتضامن لاسيما داخل المجتمع الأمريكي الذي يعلي من شأن العمل الاجتماعي والتطوعي". وفي تصريح مماثل، اعتبرت نوال العمري الرسيمي، رئيسة جمعية "الأيادي الممدودة" وإحدى المساهمات في هذه المبادرة، أن العمل التضامني والاجتماعي، لاسيما في مناسبات دينية مثل شهر رمضان الفضيل، "هو من قبيل الواجب والأمانة التي تطوق أعناقنا كمسلمين أولا، وكجالية مغربية، تجاه إخوتنا في الوطن وكذا مع من نتقاسم معهم رحلة الاغتراب من الجاليات المسلمة وغير المسلمة"، مؤكدة أن "ما يثلج الصدر أكثر هو التفاعل التلقائي والفوري لأبناء الجالية المغربية مع كل المبادرات ذات الطابع الإنساني والتضامني". وقالت الرسيمي، التي تنظم على مدار السنة مبادرات إنسانية لفائدة الأشخاص بدون مأوى في واشنطن وضواحيها، إن إدخال الفرح على أسر معوزة في هذه المناسبة "هو الذي يعطي معنى حقيقيا لشعيرة الصيام في شهر رمضان ولمقاصد هذا الركن الديني". ونوهت الناشطة الجمعوية بالتنظيم المحكم والعمل الجاد الذي قام به المشرفون على هذه المبادرة، وحرصهم الكبير على إنجاحها والبناء عليها مستقبلا لاقتراح مشاريع وأعمال أخرى نبيلة المقصد. وبدورها، أكدت تورية حميين، عن جمعية "المرأة والأسرة" في نيويورك، أن الرسالة المراد إيصالها من خلال هذه المبادرة، "التي تظل رمزية في كل الأحوال"، هي أن الجالية المغربية في هذه الربوع "تشاطر المغاربة قاطبة أفراحهم وأتراحهم" وأن رسم الفرح على وجوه المحتاجين "عمل جليل لا ينبغي التردد في القيام به والسعي إليه بكافة السبل". وشددت، في هذا الصدد، على الحاجة الماسة إلى تعزيز ثقافة التطوع والتبرع في أوساط الجالية المغربية إسوة بباقي الجاليات في الولاياتالمتحدة والتي تقدم نماذج مضيئة في هذا المجال، مشيرة إلى الدور الكبير الذي تلعبه التربية في زرع بذرة التطوع وخدمة الآخر لدى الناشئة. وأبرزت تورية الدور الكبير الذي أضحت تلعبه وسائل الاتصال الحديثة ووسائط التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية في تيسير مثل هذه المبادرات من حيث التعبئة والوصول إلى أكبر عدد ممكن من أفراد الجالية المغربية وتعزيز التواصل والتنسيق بين الفاعلين الجمعويين في بلد مترامي الأطراف. *و.م.ع