أضحت متابعة مباريات فريقي برشلونة والريال الاسبانيين تستأثر باهتمام فئات عديدة من الشباب وشرائح كثيرة من المجتمع المغربي، حتى صار الأمر بمثابة ظاهرة حقيقية باتت تنتشر بحدة بين ملايين المشجعين لفريق البارصا وآخرين لفريق الريال بالمغرب. وتخصصت مَقاه عديدة في بعض المدن الكبرى، سيما في مدينتي طنجة وتطوان شمال البلاد، في بث مباريات الفريقين الاسبانيين، ويحضر الزبناء إلى المقاهى التي يتجمع فيها أنصار كل فريق على حدة، فانتشرت مَقاه تابعة لأنصار البارصا ومقاه لمحبي الريال. وأفضى الإقبال الشعبي المتزايد على مباريات الغريمين التقليديين في الدوري الإسباني إلى تحويل نشاط بعض القاعات السينمائية إلى نقل هذه المنافسات الكروية لجلب الزبائن كحل لمشاكلهم المادية بسبب ضعف ارتياد المغاربة للقاعات السينمائية في السنوات القليلة الأخيرة. تعويض وبديل وعزا عبد الكبير النجا، رئيس جمعية رياضية، في تصريحات لهسبريس ظاهرة متابعة فئات واسعة من المغاربة لمباريات البارصا والريال إلى الاختلاف الشاسع بين مستوى الدوري المغربي والاسباني، حيث إن الأول يعاني من ضحالة في المستوى ونقص في البنيات التحتية، في حين أن الثاني يتمتع بارتقاء المستوى وتوفر جميع الإمكانيات التي تؤدي إلى مستوى كروي ذي معايير احترافية عالية. وأضاف المتحدث بأن المتابعة الساحقة لشباب المغرب لهذين الفريقين يجسد نظرية اتباع الغالب للمغلوب وانبهاره به، وبكل ما ينتجه ويفرزه حتى لو كان كرة قدم، أو أسماء لاعبين كبار، أو أسعار انتقالاتهم في بورصة الكرة العالمية. ومن جانبه برر الحسين، من أنصار وعشاق فريق البارصا، الاتجاه العارم للشباب نحو حب لفريقين الاسبانيين إلى ما أسماه المتعة التي يخلقها لاعبو البارصا خاصة، والفرجة التي يمنحونها للمتفرج، مُردفا أن المغاربة حين يقبلون على أطباق الناديين، فإنهم بذلك يعوضون خيبات أملهم في فرقهم المحلية، وفي النتائج الكارثية التي كان يحصل عليها المنتخب الأول.. وزاد الحسين بأن هذه الظاهرة تفسر أيضا إلى حد كبير رغبة الجماهير المغربية، سواء كانت شغوفة بالكرة أو حتى الأقل شغفا بها، في إيجاد نوع من البديل أو التنفيس لمشاعر الغضب والاحتقان التي تضيق بها صدروهم بسبب مستوى كرتهم ورياضتهم في السنوات الماضية.. وأشار الحسين إلى أن هذا الإقبال الشعبي يترجمه الحضور الجماهيري الهائل في مقاه عديدة بمختلف المدن الكبرى مثل طنجة وتطوان شمال البلاد بحكم القرب الجغرافي لهاتين المدينتين من إسبانيا، ثم مدن الرباط والدار البيضاء وغيرهما، موضحا أن العديد من المقاهي تخصصت في بث مباريات الفريقين، وتحولت بعضها إلى مَقاه خاصة بأنصار فريق العاصمة الاسبانية، وأخرى خاصة فقط بأنصار البارصا. ودفعت ظاهرة البارصا الريال بعض مسيري قاعات السينما إلى تغيير أنشطة تلك القاعات السينمائية إلى أمكنة لبث مباريات الفريقين كل أسبوع للجماهير المحبة لهما، كشكل من أشكال جلب الزبائن لتغطية خسائرهم المادية في استقطاب الجمهور للأفلام المعروضة، بسبب كساد سوق قاعات السينما بالبلاد. مشكلة الانتماء ولمعرفة التفسير العلمي لظاهرة شغف الشباب المغربي لدرجة الهوس بالفريقين الاسبانيين، يؤكد الدكتور محمد عباس نور الدين، الباحث الاجتماعي، أن الشاب بصفة عامة يشعر بحاجة إلى الانتماء لطائفة أو جماعة معينة، فهو لم يعد طفلا ولا يريد أن يكون كذلك، ولكنه أيضا لم يصبح بعد مقبولا في عالم الكبار الرشداء. ويضيف الأخصائي المغربي بأن الحاجة إلى الشعور بالانتماء تزداد لدى الشاب إذا كان ارتباطه بالمجتمع هشا وضعيفا، كأن يكون منقطعا عن الدراسة أو عاطلا أو يعاني من مشاكل أسرية.. لذلك نرى تعلق هؤلاء الشباب بفرق رياضية يكسبهم هذا الشعور بالانتماء، مما يجعلهم يبالغون أحيانا في الحماس لفريقهم المفضل، وفي نفس الوقت يبالغون في نظرتهم العدائية إلى الفرق الأخرى التي تواجه فريقهم.. وأشار الباحث المغربي إلى أن علماء النفس الاجتماعي أكدوا على أن "الفرد الذي عجز عن أن يحتل مركزا اجتماعيا معينا أو خاب في فرض شخصيته في العالم اليومي يلتجئ غالبا إلى الثقافة الخاصة بكرة القدم قصد محاولة الحصول على إحساس بالقيمة الشخصية وبالشهرة والنجاح"، كما أن ثقافة ملاعب كرة القدم تمثل مهربا لشباب الطبقة الكادحة الذين يعانون من حياة مملة تبعث على النفور". ويرى محمد عباس نور الدين أن الشباب المُهمش يشعر بالحاجة إلى الإثارة لكون واقع التهميش الذي يعيشه يجعله يشعر باللا جدوى والملل، ويصبح كما لو كان له "قضية" يدافع عنها وتشكل همه الرئيسي، فلا حديث له إلا عن الفريق المفضل وانتصاراته وانهزاماته وما يرتبط به من ذكريات، فهو يعتبر انتصار فريقه انتصارا له وانهزامه هزيمة له تشعره بالإحباط والفشل". *[email protected]