تمكن المشاركون في المائدة المستديرة حول موضوع: "الإعلام المغاربي والحركات الاحتجاجية" التي نظمها المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال، أمس الأربعاء 17 أبريل 2019 بالرباط، من طرح الاسئلة الحارقة للتحولات المجتمعية التي تشهدها المنطقة المغاربية في الوقت الراهن، وذلك على ضوء انعكاسات وتأثيرات الحراك الشعبي الذى تشهده حاليا الجزائر. وقد تميز هذا اللقاء الذى القيت خلاله مداخلات من لدن 10 صحفيين، من منابر اعلامية مختلفة ( سمعية بصرية ووكالة أنباء وصحافة الكترونية )، فضلا عن باحثين في علم الاجتماع والحقوق تنتمى لأجيال متنوعة، بمقاربة اشكالية الاعلام والحركات الاحتجاجية من زوايا متقاطعة، وذلك عبر تسليط الضوء على تناول ومعالجة وسائل الإعلام لمجريات الحركات الاحتجاجية بالمنطقة المغاربية، بداية من سنة 2011. وعلى الرغم من تزامن هذه الندوة مع الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر منذ 22 فبراير الماضي، الذى اندلعت شرارته الأولى بالاحتجاج على العهدة الخامسة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والمطالبة بتغيير النظام السياسي، وإقرار الديمقراطية، وتجديد النخب التي ظلت منذ الاستقلال تهيمن على مجريات الساحة السياسية بهذا البلد المغاربي، فان المشاركين في هذا النقاش العلمي ، استحضروا تعامل وسائل الاعلام المغربية مع محطات رئيسية من الحركات الاحتجاجية بالمغرب خاصة "حراك الريف" و" حركة 20 فبراير" و" حملة المقاطعة" ... وإذا كانت السياقات التي جرى ويجرى في ظلها الحراك الشعبي بالجزائر، تختلف في من قطر لآخر، وطبيعة وحجم ونوعية احتجاجات وسقف المطالب تختلف هنا وهناك - كما جاء في الأرضية المؤطرة للقاء- فإن المنطقة المغاربية برمتها تشهد زخما في الحركات الاحتجاجية الشعبية، التي تعتمد في إيصال رسائلها "لمن يهمه الامر" أسلوبا ونمطا غير مسبوق ، منه اللجوء الى أكبر وسيلة ضغط، متمثلة في وسائط التواصل بالفضاء الازرق، وهو ما يجعل نظرية جاك مينو صاحب الكتاب الشهير " الجماعات الضاغطة" متمثلة في الهيئات السياسية والنقابية والمنظمات الاجتماعية وسلطة المال..، تصبح موضع تساؤل وتجاوز، في سياقنا، بسبب سطوة الثورة الرقمية في الزمن الراهن، ولجوء "الجماهير" المكثف الى العالم الافتراضي للتعبير عما يخالجها ولتصريف مواقفها للتأثير على أصحاب القرار. وبصفة عامة، فهذه الحركات الاحتجاجية بالفضاء المغاربي، تمكنت من التأسيس لجيل جديد من الحراك بالمنطقة المغاربية، نتج عنه عدة قطائع جذرية خاصة منها الأساليب التقليدية المعتمدة في الحركات الاحتجاجية خلال المراحل السابقة، حيث طالت هذه المتغيرات جوانب الشكل والمضمون و التأطير والتأثير والتواصل والتعبئة. بيد أنه إذا كان هناك اختلاف في سياقات، هاته الحركات الاحتجاجية بالمنطقة المغاربية، إلا أنه يلاحظ أنه على مستوى وسائل الإعلام، هناك اجماع على استهجان، ما تقدمه وسائط الاتصال بالفضاء المغاربي من برامج وما تنشغل به من قضايا ومواضيع، لا تتلاءم في غالبيتها مع رغبات الرأي العام المغاربي وتستجيب لحاجياته وتطلعاته. كما أن هذه الحركات الاحتجاجية تجرى وقائعها في ظل حريات نسبية، وضعف مهني اعلامي ملحوظ وخصاص في منسوب استقلالية هيئات التحرير ، وتعددية شكلية، وهو ما يجعل البلدان المغاربية، تصنف وباستمرار في مراتب متدنية، وفق مؤشرات الهيئات والمنظمات الدولية المهنية. وفي ظل هذا الخصاص الإعلامي الكبير، بالبلدان المغاربية الخمس، تستأثر بالمقابل قضايا الفضاء المغاربي الحيوية، باهتمامات ومتابعة القنوات الأجنبية التي تخصص لها حيزا مهما في برامجها، وتعطى لها الأولوية في نشراتها خاصة باللغة العربية، وبمعالجة مهنية، تقربها من الجمهور المغاربي. وإذا كان التحول نحو الديمقراطية، غالبا ما يفضى إلى حالات من التوتر والنزاع بين السلطات ووسائل الإعلام، على مفاهيم وأهداف ممارسة حريات التعبير وفي مقدمتها حرية الصحافة، فإن تنامي الاحتجاجات الشعبية الاجتماعية، يضع على عاتق مختلف وسائل الإعلام، مسؤوليات جسام منها ضرورة التعاطي مع القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية الراهنة، بموضوعية وحياد ونزاهة، مع تجنب أساليب التعتيم والتضليل. فالمشاركين في لقاء الاعلام المغاربي والحركات الاحتجاجية، لم يولون كبير اهتمام لطبيعة ومرامي وتداعيات الحركات الاحتجاجية بالمنطقة المغاربية وخصوصياتها ومآلاها ؟، بل جعلوه مناسبة لفتح نقاش مهني غائب في وسائل الاعلام خاصة العمومية منها، وفرصة لتبادل وجهات النظر بين الإعلاميين والمختصين والمهتمين، حول اشكاليات تناول الإعلام لهذه الحركات الاحتجاجية بالمنطقة المغاربية، وذلك من خلال التساؤل عن: · مدى حضور أو غياب الحركات الاحتجاجية في الإعلام بالمنطقة المغاربية؟ · ما هي طبيعة وحجم ونوعية حضور الحركات الاحتجاجية في وسائل الإعلام المغاربية؟ · هل تمكنت وسائل الإعلام، من التعامل بمهنية وموضوعية مع هذه الاحتجاجات؟ ·هل تمكن مختلف الفاعلين من الولوج إلى وسائل الاعلام العمومية والخاصة، للتعبير عن آرائهم بخصوص هذه الحركات الاحتجاجية؟ · هل استطاع الصحفيون والإعلاميون، من ربح رهان استقلالية هيئات التحرير، وضمان الرأي والرأي الآخر خلال؟ وانطلاقا من هذه التساؤلات، وتساؤلات أخرى عديدة، تطرق سعيد بنيس الأستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس بالرباط الى موضوع " الاعلام المغاربي والحركات الاحتجاجية بين الفاعلية والثورة الرقمية" في حين تناول كلا من الاعلاميين محمد احداد صحفي بجريدة "المساء" عنوانا لمداخلته ب" الاعلام المغربي والحركات الاحتجاجية.. المهنية على محك الاختبار.." وعلي بن ستيتو الصحفي السابق بوكالة المغرب العربي للأنباء" الحركات الاحتجاجية: يوميات صحفي.. ثورة الياسمين بتونس نموذجا" ومحمود معروف رئيس مكتب المغرب العربي لجريدة "القدس العربي" اللندنية.." الحراك المغاربي في الاعلام.. محاولة للفهم". أما عبد العزيز كوكاس اعلامي وكاتب رأي فاختار لمداخلته عنوان" احتجاجات الربيع العربي ودور الاعلام في استعادة الفضاء العام" وعمر أشن الاعلامي كاتب رأي بموقع "كود" " الحركات الاحتجاجية: فا يسبوك حزبنا الكبير .." ومصطفى بوبكراوي صحفي مراسل سابق لوكالة المغرب العربي للأنباء بالقاهرة، " اكراهات التغطية الاعلامية للحراكات المجتمعية"، في حين اختار كلا من عبد الحق بلشكر صحفي بجريدة "أخبار اليوم" زاوية " الاعلام وحركة 20 فبراير بين التشكيك والدعم" وعبد الرحيم تافنوت الصحفي والسابق بالقناة الثانية 2m.." الاعلام المغاربي من اعلام السلطة الى اعلام المجتمع". وفي مقاربته لموضوع اللقاء اعتبر الاستاذ سعيد بنيس الباحث في السوسيولوجيا، في مستهل مداخلته أن الدولة تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الشارع سواء على مستوى شكله الاحتجاجي العمومي المناطيقى ( الريف، جرادة، وطاط الحاج، زاكورة ..) أو على مستوى الاحتجاجات القطاعية ( الأساتذة المتعاقدون نموذجا)، وهو ما فتح أفقا جديدا خاصة في ظل غياب واضح لهيئات الوساطة من أحزاب سياسية ونقابية ومنظمات المجتمع المدني. وبعدما أكد أن الإعلام المغربي ومنه المغاربي يعرف مرحلة انتقالية ، بفعل هذه الحركات الاحتجاجية التي لعبت أدورا أساسية في اعادة تشكيل اهتمامات الرأي العام وعلاقاته بالسلطة الرابعة وطبيعتها، لاحظ أن السلطة تعمل على اختلاق قضايا هامشية لتوجيه الرأي العام حتى لا يواكب الحركات الاحتجاجية، التي غالبا ما تعبر عن سخطها على مستوى أداء وسائل الإعلام. التأثيرات المتبادلة بين السياسة والاعلام واشكاليات الحياد والموضوعية والاستقلالية ،ووضعية الصحافة والصحافيين ، والاشكاليات التي تطرحها الثورة الرقمية وتداول المعلومات وانعكاساتها على مستقبل مهنة الصحافة، جانبا من اهتمامات المشاركين في هذه المائدة المستديرة التي عرفت حضورا كبيرا من الاعلاميين والطلبة الباحثين. وتجدر الاشارة الى أن المركز المغاربي للدراسات والابحاث في الاعلام والاتصال الذى نظم في 10 دجنبر الماضي، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان، ندوة حول بعنوان "أية خدمة عمومية بالإعلام السمعي البصري بالفضاء المغاربي، يهدف بالخصوص الى نشر الوعي العلمي لدى مكونات الإعلام والاتصال بالمنطقة المغاربية، وتنوير الرأي العام بالقضايا الحيوية للإعلام والاتصال. *كاتب صحفي رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال