دعا باحثون في علم مقارنة الأديان إلى تبني المشترك الديني لتحقيق ثقافة الحوار، والتأسيس لثقافة التعايش بين أتباع الأديان السماوية الثلاث، مؤكدين أن ما يُنسب إلى الأديان من عنف ارتكب باسمها، قديما أو حديثا، لا يعدو أن يكون نتيجة قراءة معينة للنص الديني، ومجمعين على أنه لا يُعقل أن يكون الدين، بكل خطاباته التي تدعو إلى السلم والحب والخير والتعايش، سببا في اقتتال أتباعه. جاء ذلك خلال انعقاد الملتقى الدولي الخامس للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان، المنظم من طرف مختبر الخطاب والإبداع والمجتمع، التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس، والذي أعطى بفضاء قاعة جماعة فاس، خلال هذه المناسبة التي اختتمت ظهر اليوم الجمعة، بعد أن تواصلت على مدى يومين، الكلمة لحوالي أربعين باحثا من جامعات مغربية مختلفة، ومن الجزائر وتونس وموريتانيا والسودان وإيطاليا، يجمعهم هاجس البحث العلمي في علم مقارنة الأديان. ووفق رئيسة اللجنة المنظمة، الدكتورة كريمة نور عيساوي، أستاذة تاريخ الأديان بكلية أصول الدين وحوار الحضارات بتطوان، فإن هذا الملتقى يأتي في إطار الأنشطة التي دأب فريق البحث في علم مقارنة الأديان على تنظيمها منذ تأسيسه، مشيرة، في تصريح أدلت به لهسبريس، إلى أن من بين خصوصيات ملتقى مقارنة الأديان استضافته طلبة من خارج المغرب لتقديم أبحاثهم في مجال علم مقارنة الأديان وتاريخ الأديان، وأساتذة من جامعات عربية ودولية من أجل تقييم البحوث التي يشرف على تأطيرها مختبر الخطاب والإبداع والمجتمع. وأضافت نور عيساوي: "أصبح الملتقى يتخذ طابعا دوليا. وقد اخترنا 'المشترك الديني والإنساني: خطوة نحو الحوار' موضوعا لهذه الدورة، نظرا لكون معرفة الآخر المختلف دينيا ضرورة لتحقيق ثقافة الحوار معه..والملتقى يمد جسور التواصل بين مختلف الديانات". إلى ذلك، أشارت رئيسة اللجنة المنظمة للملتقى الدولي الخامس للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان إلى أن الدورة الحالية لملتقى مقارنة الأديان أكدت ضمن توصياتها على ضرورة إنشاء كلية متخصصة في علم مقارنة الأديان؛ "لما لعلم الأديان، الذي يدرس عبارة عن مادة فقيرة ضمن شعبة الدراسات الإسلامية، من أهمية كبرى للتعرف على الآخر المختلف عن قرب، من خلال الاطلاع على لغته وديانته". من جانبه، أكد الدكتور سعيد خال الحسن، أستاذ النظرية السياسية وأستاذ كرسي الحضارة الإسلامية والمشترك الإنساني بجامعة محمد الخامس بالرباط، على أن الملتقى الدولي للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان فرصة لتعميق الحوار بين أبناء الديانة الثلاث، مشيرا في تصريح لهسبريس إلى أن "الملتقى يتحدث عن خطوة نحو الحوار، وهذا نوع من التجاوب الموفق مع حدث مهم جرى قبل أيام، وهو ذلك النداء، نداء القدس، الذي أطلقه أمير المؤمنين، ملك المغرب، والبابا فرانسيس، بابا الفاتكان". وأبرز الدكتور سعيد خال الحسن، الذي ترأس الجلسة الافتتاحية للملتقى، أن نداء القدس تم التأكيد فيه على أن القدس ليست حكرا على ديانة من الديانات، بل هي فضاء روحي مشترك للديانات التوحيدية الثلاث، مؤكدا أن "هذا فيه إشارة قوية ترفض، إلى حد الإدانة، المحاولات الصهيونية لتهويد القدس، وجعلها مدينة يهودية على حساب هويتها المسيحية الإسلامية المشتركة، وعلى حساب ذلك التعايش الطويل الذي تعرفه المدينة". وأضاف أستاذ كرسي الحضارة الإسلامية والمشترك الإنساني بجامعة محمد الخامس بالرباط، وهو يتحدث لهسبريس: "من هنا تأتي أهمية هذا الملتقى؛ لأنه من جهة يؤكد على المشترك الإنساني والحوار بين المشارب والتوجهات الدينية المختلفة، وفي الوقت نفس يؤكد على الحقوق والهوية الحضارية الحقة للقدس الشريف". يذكر أن الدورة الخامسة للملتقى الدولي للطلبة الباحثين في علم مقارنة الأديان تميزت بتنظيم سبع جلسات علمية، تناولت محاور مختلفة، وهي: "المشترك الديني على مستوى الأديان السماوية"، و"حدود المشترك الديني على مستوى الأديان بشكل عام"، و"المشترك الديني ما بين الرؤية الإسلامية وعلم الأديان"، و"المشترك الإنساني: ما بين الرؤية المقاصدية ورؤية علم الأديان"، و"نماذج تطبيقية من المشترك الإنساني"، و"المشترك الإنساني ودوره في تحقيق ثقافة الحوار"، و"المشترك الديني خطوة نحو تأسيس ثقافة التعايش".