"العالم القروي والفلاحة المغربية شهدا تحولا كبيرا لم يعرفاه منذ الاستقلال، خصوصا خلال السنوات العشر الأخيرة 2008-2018، التي عرفت إطلاق مخطط المغرب الأخضر"، هذه واحدة من أبرز الخلاصات التي كشف عنها التقييم المنجز من قبل مصالح وزارة الفلاحة والصيد والتنمية القروية والمياه والغابات، لكن كيف يقيم الفلاح الصغير المنخرط في التعاونيات الفلاحية هذا التحول في مجال شهد استثمارا بغلاف مالي تجاوز 100 مليار درهم في عشر سنوات؟ هناك شبه إجماع من قبل الفلاحين الذين التقتهم هسبريس على هامش ثلاثة معارض دولية للفلاحة، هي معرض برلين ومعرض أبوظبي ومعرض باريس، على أن التعاونيات الفلاحية التي تضم الآلاف من الفلاحين الصغار استطاعت أن تنتقل من دواوير ومداشر بمختلف المناطق المغربية إلى الأسواق العالمية، بعدما ذاع صيتها في الأسواق الوطنية نتيجة للمشاركة في مختلف المعارض الوطنية. من الدوّار إلى الأسواق العالمية فتْح المجال للفلاحين الصغار لنقل منتوجاتهم المجالية من أصغر القرى في المغرب، ومنها زيت الزيتون والأركان والتمور والزعفران، وغيرها، جاء ضمن مخطط المغرب الأخضر الذي خصص دعامته الثانية لمواكبة الفلاحة التضامنية الصغيرة، وفي مقدمتها العصرنة، بغية محاربة الفقر، وإدماج هذه المحاور داخل استراتيجية مندمجة للتنمية القروية وتطوير موارد بديلة للمداخيل. وتهم إجراءات هذه الاستراتيجية، وفقا للمعطيات الرسمية للوزارة الوصية، ما بين 600 و800 ألف فلاح، عبر تخصيص استثمارات تقدر قيمتها ب15 مليار درهم، مما سيسمح بتحسين شروط عيش 3 ملايين شخص من الساكنة القروية للمملكة، عبر تحسين الإنتاجية والتثمين وعمليات التأطير، وكذا التحويل نحو القطاعات الواعدة. خلال آخر معرض فلاحي دولي شارك فيه المغرب، احتضنته مدينة باريس الفرنسية نهاية فبراير الماضي، تم تنظيم أزيد من 300 لقاء تجاري بين العارضين المغاربة والأجانب، وهو ما أدى إلى توقيع العديد من عقود التصدير بين التعاونيات المغربية وشركاء أجانب، على غرار ما تم خلال السنوات الماضية، وكذلك المعارض الدولية التي تشارك فيها وكالة التنمية الفلاحية. هذه اللقاءات التي تكون ثمرة جميع الملتقيات الفلاحية، اعتبرها مصطفى، رئيس إحدى أكبر التعاونيات في منطقة أصيلة بشمال المغرب، مناسبة لإحياء منتوجات محلية اقتربت من الزوال، مشيرا إلى أنها تحولت من مواد تستعمل بين أفراد المداشر إلى مواد دخلت المطاعم والبيوت في العالم. مصطفى يرى أن منتوج نوع من "القرع" كاد أن يتم القطع مع زراعته منذ سنوات، لكن بفضل مخطط المغرب الأخضر عاد إلى الواجهة بقوة، مؤكدا أن هذا المنتوج لم ينحصر في المغرب فقط بعد زراعته في مساحة تتجاوز الأربع هكتارات، بل تحول إلى منتوج عالمي بفضل المشاركات المتعددة في معارض متنوعة عالمية وجهوية، فضلا عن الحضور الدائم في جل المعارض الوطنية. تسويق حديث وإنتاج مهيكل في سنوات المغرب الأخضر التي انخرطت التعاونيات خلالها في عملية الإنتاج المهيكل والتسويق الحديث، استطاع آلاف الفلاحين الصغار الذين كانوا يعتمدون فقط الفلاحة العائلية أن يحسنوا من دخولهم بمستويات قياسية، حسب ما كشفت عنه أكثر من رئيس تعاونية فلاحية في حديث مع هسبريس. ورغم تحفظ الكثير من مسؤولي التعاونيات عن الكشف عن رقم معاملاتهم المالية السنوية، إلا أن المعطيات التي حصلت عليها هسبريس، بناء على التقييم الذي أنجزته وزارة الفلاحية، تؤكد أن دخل بعض المنخرطين تجاوز 300 في المائة خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، اعتبرت أمل، وهي رئيسة تعاونية نسائية في منطقة تيزنيت، أن الرفع من معاملات هؤلاء الفلاحين نتيجة مباشرة لانفتاح منتوجاتهم على الأسواق العالمية، التي تكون مناسبة لإبرام اتفاقيات مع شركات دولية، موضحة أن استفادة المرأة القروية من هذه التعاونيات أصبحت ملموسة، وضمنها 400 امرأة تمثلهما التعاونيات المشاركة في معرض باريس للفلاحة الذي يعد محطة عالمية كبيرة. منتوجات مغربية خالصة وتتنوع المنتوجات التي يتم الترويج لها في المعارض الدولية الكبرى مثل باريسوبرلينوأبوظبي، حيث تجاوزت، حسب المعطيات التي حصلت عليها هسبريس، 100 منتوج مجالي ذي قيمة تسويقية عالية، خصوصا المنتوجات المجالية الحاملة للبيان الجغرافي المحمي أو لتسمية المنشأ المحمية أو للرمز الجماعي. وفي هذا الصدد، أعلنت كالة التنمية الفلاحية أن هذه المجهودات التي تقوم بها وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات تهدف إلى مواكبة صغار الفلاحين والمنتجين من أجل تسويق أفضل لمنتوجاتهم وضمان تحسين مداخيلهم وظروف عيشهم. وبهذا الخصوص، قال المهدي الريفي، المدير العام لوكالة التنمية الفلاحية، في تصريح لهسبريس، إن "الهدف من المشاركة هو تقديم المنتجات المغربية الأصيلة ذات الجودة الرفيعة إلى العالم"، مبرزا أن وزارة الفلاحة ووكالة التنمية الفلاحية تهدفان إلى دفع هذه التعاونيات إلى تحسين دخل المنخرطين فيها. ويرى الريفي أن "هذه المشاركات تعبير عن تأهيل التعاونيات على مستوى الإنتاج والجودة، وكذلك توضيب المنتوج وتقديمه للزبون في حلل ممتازة"، مبرزا أن "المؤسسة التي يرأس هدفها تمكين هذه التعاونيات من ولوج الأسواق الدولية". رغم المجهودات التي تحدث عنها مدير وكالة التنمية الفلاحية، إلا أن التعاونيات الفلاحية مازالت تواجهها العديد من التحديات في التسويق الخارجي، منها تكوين العنصر البشري الذي يحتاج إلى مزيد من التأهيل، وهو ما عبرت عنه فاطمة، إحدى المنخرطات في تعاونية فلاحية لإنتاج الصبار، في تصريح لهسبريس بالقول: "هناك إشكالية في التسويق، لكوننا لم نصل بعد إلى ما نطمح إليه". تسويق بدون وسطاء "في السابق كان هناك وسطاء ينقلون المنتوجات المغربية إلى المستهلك في الخارج، لكن اليوم تغير الوضع بشكل كبير"، تقول فاطمة وهي تشرح التحول الكبير الذي تعرفه التعاونيات رغم الإشكاليات التي تواجهها، مبرزة أن "حضور مثل هذه المعارض يفتح المجال أمام الفلاح الصغير للانتقال من الدوار إلى الأسواق العالمية، ويفتح له المجال لمزيد من الاتفاقيات مع العديد من الشركات العالمية". من جهته، يرى الحاج إبراهيم، رئيس تعاونية لإنتاج الزعفران، أن الهدف هو تعريف العالم بالمنتوج المغربي الذي يتميز بالجودة، مشيرا إلى أن "التحولات الكبيرة التي شهدتها الفلاحة المغربية انعكست بشكل كبير على التعاونيات الفلاحية". وتعتبر الوزارة الوصية على القطاع، على لسان كاتبها العام في الفلاحة محمد الصديقي، أن "هذه المعارض تسمح لهذه التعاونيات التي تضم الفلاحين الصغار بالولوج إلى الأسواق الدولية"، مشيرا إلى أن مثل هذه المشاركات تدعم تثمين المنتوج المحلي المغربي. وأكد الصديقي أن هذه المعارض يكون لها انعكاس على سلاسل الإنتاج المغربية والمنتوجات المحلية، التي تأخذ طريقها لتدعيم التنمية في المغرب، مبينا أن "الأرقام التي جاءت خلال تقييم مسلسل المغرب الأخضر توضح أن هناك انعكاسا كبيرا على الساكنة، وكذلك خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة". كلام الصديقي عن تثمين المنتوج المغربي في الأسواق العالمية أكده محمد، رئيس تعاونية لإنتاج العسل حضر في معارض عدة، ضمنها معرض أبوظبي، مبرزا في حديث لهسبريس أن "السوق العالمية تطلب العسل، ولهذه المادة آفاق كبيرة"، وهو الرأي نفسه الذي شددت عليه الغالية، إحدى المنخرطات في تعاونية لصناعة الكسكس الخماسي. الغالية أوردت أن المغرب لا يطرح إشكالية التسويق بالنسبة للمنتوجات التي تنتجها التعاونيات، موضحة أن "التحدي اليوم هو أن تجد هذه المنتوجات المغربية مكانة ضمن السوق العالمية، وهو ما تسعى إليه مشاركتنا في المعارض الدولية".