نفى حسن رشيق، الأنثروبولوجي المغربي، أن يكون للمغاربة مزاج واحد، وأضاف: "إذا كان الآخرون يروننا كلنا رماديين فأنا قريب وأرى ألوانا عديدة"، وزاد مبيّنا أن هذا "تعميم لا يصلح لأنثربولوجي؛ فليست هناك فرادة لشعب عن شعب آخر". وفي سياق حديثه عن مؤلّفه "القريب والبعيد: قرن من الأنثروبولوجيا بالمغرب"، إلى جانب مترجِمِه من الفرنسية إلى العربية، بقاعة ابن رشد برواق وزارة الثقافة والاتصال في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالبيضاء، استشهد رشيق ببحث الأنثروبولوجي كيلفورد غيرتز حول "منطق سوق صفرو" واستنتاج هذا الباحث أن هذا السوق المغربيّ قائم على كون "المعلومة غير موثوق بها"؛ فيمكِن أن يُخسَرَ الميزانُ أو يُغَشّ المبتَاع، وهو ما يجعل المغاربة، بالنسبة له، مفاوِضِين في البيع والسياسة والزواج، ويجعل "طبعهم أنهم يتفاوضون بكثرة". واستدرك الأنثروبولوجي المغربي موضّحا أنه رغم اتفاقه مع قراءة تفاوض المغاربة فإن مردّه لعدم موثوقية المعلومة، بينما حينما يذهب المغاربة إلى سوق ممتاز يبتاعون الأغراض دون تفاوض. ووضّح رشيق أن "التفاوض يغيب عندما تتمّ مأسسة السياسة، ومأسسة السوق، ومأسسة الزواج؛ لأن سبب اللجوء إلى الزبونية هو عدم الثّقة في الدولة والمؤسّسات، بينما تجعل المأسسة الإنسانَ يلجأ إلى المؤسّسات لا إلى العلاقات الشخصية". ورأى الأنثروبولوجي المغربي أنه "في سنوات الستين كان هناك نقد جد متسرع وساذج للإنتاجات الأنثروبولوجية الكولونيالية"، قبل أن يستدرك موضّحا أن هذا "مفهوم عند جيل لم يعش الاستعمار"، وأن "على عاتقنا مناقشة هذا الإرث الأنثربولوجي من زاوية علم اجتماع المعرفة بتقييم العمل بناء على المفاهيم التي يستعملها". وفي سياق جوابه عن سؤال وجّه إليه حول استعماله الفرنسية لغة للكتابة، قال رشيق إنه "عند الكتابة في العلوم الاجتماعية، خصوصا في الأنتروبولوجيا، يشتغل على جماعات تتكلم بالأمازيغية؛ وسيطرح المشكل نفسه عند المرور من كلمة أمازيغية أو دارجة إلى العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية"، مضيفا أن هذا السؤال من الناحية الأنثروبولوجية "لا معنى له"، وداعيا السائل إلى رؤية رهان "ماذا ستربح إذا كتب الجميع باللغة العربية؟". ووضّح المترجم حسن الطالب أنه دهش عند قراءة الكتاب باللغة الفرنسية، وعبّر عن تعجّبه من كون مجموعة من كتب حسن رشيق غير مترجمة إلى اللغة العربية، رغم أنها تتحدّث عن العمق المغربي والأنثروبولوجيا المغربية، ورغم أن كاتبها محاضرٌ في مجموعة من الجامعات العالمية. ووضّح مترجم "القريب والبعيد" أن هذا الكتاب يتضمّن آليات لتفكيك الخطاب الأنثروبولوجي طيلة مائة سنة، مضيفا أن رشيق فكّر أن يكتب كتابا نسقيا فيه وجهة نظر باحث أنثروبولوجي اختار الأنثروبولوجيين الكبار بناء على مكانتهم الأكاديمية، مقسّما نصوصَهم إلى نصوص ما قبل الحماية أو الاستعمار، وفي ظل الحماية أو الاستعمار، وما بعد الحماية أو الاستعمار. ورأى حسن الطالب في الكتاب الذي ترجَمَه "متعة وفائدة كبيرة، فهو يدقق ويؤوّل نظرة الأنثروبولوجيين الكبار للمغاربة عقلا ولباسا وتديّنا"، وزاد: "في "القريب والبعيد" نقرأ كيف نظر إلينا الآخر، ونرى الهوية المغربية منظورا إليها من الخارج، مع بحث في الآليات والمفاهيم بمتعة جعلته تحليلا من أهم ما كتب"، معبّرا عن غبطته كمترجِم لحياة المترجَم له، لإمكان الرجوع إليه كلّما أحسّ بقلق في العبارة أو الفهم.