البوليساريو من رفض الانتخابات في الصحراء إلى مقاطعتها تشكل دعوة البوليساريو إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية في الأقاليم الجنوبية قضية محورية في تطور مطالب جبهة البوليساريو، التي دأبت على بعث رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة تدعوه إلى التدخل لوقف إجراء الانتخابات في أقاليم الصحراء، على اعتبارها أرضا تندرج في إطار قضايا تصفية الاستعمار، وأنها قضية نزاع دولي، إلا أنها اليوم، وحينما لم يتجاوب المجتمع الدولي مع مطالبها ركبت سفينة الحركات والأحزاب الداعية إلى مقاطعة الانتخابات ل 25 نونبر 2011. إن التطور في طبيعة تعاطي جبهة البوليساريو مع الحراك السياسي المغربي حولها إلى شبه جماعة مغربية معارضة "مسلحة"، وهو ما أفقد استقلاليتها ككيان "تحرري يطالب بإقامة دويلة مستقلة جنوب المغرب". تطور زاوية تعاطي البوليساريو مع الشأن السياسي المغربي عكسه أيضا انخراط إعلامها في تغطية أحداث الداخل المغربي، فتحولت وكالة أنبائها (وكالة الأنباء الصحراوية) إلى شبه وسيلة إعلام مغربية معارضة، تغطي أنشطة حركة 20 فبراير، وجماعة العدل والإحسان، وحزب النهج الديمقراطي، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان وباقي الأحزاب المقاطعة للانتخابات التشريعية. والحق أن هذا التطور لا يكون عفويا بل فرضته طبيعة الأحداث التي ذهبت بالقذافي كبير حلفائها، إضافة إلى تبعات الربيع العربي على المنطقة المغاربية. وهو الأمر الذي لم تتفاعل معه جبهة البوليساريو لأنه ذهب بالعديد من مؤازريها، فضلا عما راكمه المغرب من تقدم في مواقفه السياسي والدولية، ولا سيما التطور الحاصل في طبيعة المواقف المغرب والجزائر عقب انعقاد الاجتماع العربي-التركي بالرباط، حيث دعا وزير خارجية المغرب والجزائر إلى عقد اجتماع وزراء خارجية المغرب العربي، عدا تزايد تبادل الزيارات بين وزراء المغرب وجبهة البوليساريو. وكذا بعد دخول المغرب مربع دول الربيع العربي. وإذا كانت البوليساريو لم تستطع تقوية موقفها التفاوضي برهانها على المنتظم الدولي لوقف إجراء الانتخابات في الأقاليم الجنوبية منذ سبعينيات القرن الماضي، فإنها لا تضمن تقويته بالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، التي سبقتها إليها أحزاب وحركات وجماعات مغربية معارضة. إن هذا التطور في موقف جبهة البوليساريو يعكس حالة الارتباك والاحتقان السياسي الذي تعيشه جبهة البوليساريو، وهو ما عكسه تراجع الإشعاع المصاحبة لعملية التحضير لمؤتمرها ال 13 الذي سيكون وبدون شك باهتا جدا، أو مرحلة حاسمة في استمرار الجبهة في مواقفها التقليدية أو تطوير مواقفها للانخراط في مقترح الحكم الذاتي التي قدمه المغرب منذ 2007. ومن مؤشرات ذلك، تخلي جبهة البوليساريو عن لغة التهديد بالعودة إلى حمل السلاح في وجه المغرب والدعوة إلى اعتماد الثورة السلمية لتحرير الصحراء من الاحتلال. لقد ظل ارتفاع نسبة المشاركة في الحياة السياسية للصحراويين في الأقاليم الجنوبية، يربك الموقف السياسي للجبهة، حيث يعتبره المغرب مؤشرا قويا على نجاحه في عملية إدماج الصحراويين في قضايا الوطن ووحدته الترابية، وينزع بذلك شرعية تمثيلية الجبهة للصحراويين. وهو ما حذا بالمملكة المغربية إلى تأسيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، "كوركاس"، ليكون ممثلا لصحراويي الداخل، وقد تمكن المغرب من جعل المجلس حاضرا في مختلف المفاوضات التمهيدية التي أشرفت عليها الأممالمتحدة لحل النزاع في الصحراء. إن جبهة البوليساريو تعيش اليوم ارتباكا سياسيا واجتماعيا داخل مخيمات تندوف، بالتزامن مع التحضير لانعقاد مؤتمرها 13 في شهر دجنبر المقبل، يهددها بانفجارها من الداخل. ولذلك فهي تحاول توجيه الرأي العام لمخيمات تندوف إلى القضايا الخارجية، وكذا بعد تراجع أدائها الدبلوماسي وانحساره بعد سقوط القذافي، فإنها تسعى إلى إعادة إثارة قضية النزاع في الصحراء على مستوى الرأي العام الدولي. *محلل سياسي المختص بقضايا الصحراء [email protected]