وجّه بعض العائدين من محنة سنوات الرصاص انتقادات لاذعة إلى تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب، معتبرين أنها "لم تنجح في مصالحة الضحايا مع ماضٍ أسود من تاريخ الدولة، تميّزت ملامحه بالوحشية والرعب"، مطالبين بإعادة النظر في طريقة تعامل مختلف الحكومات المتعاقبة مع هذا الملف الحقوقي الثقيل. وقال محمد قنزوز، الذي وقع ضحية لأحداث 14 دجنبر 1990 بمدينة فاس، إن "العدالة الانتقالية لم تُطبق إلى حدود الساعة، رغم مرور عقدين على الهيئات الرسمية التي أُحدثت بغرض طي صفحة الماضي بصفة نهائية، والتي لم تنجح في مصالحة الضحايا مع حقبة تاريخية ملؤها الاضطهاد والاعتداء على الحقوق الإنسانية، بعدما نهجت مقاربة انتقائية في طريقة اختيار الملفات، إلى جانب غياب الإدماج الاقتصادي والاجتماعي". من جهته، قال مبارك أفكوح، الذي يُصنف ضمن العائدين من سجون مغرب ما بعد الاستقلال، بحيث اعتقل رفقة أسرته سنة 1973 بعدما جرى اتهام والده بالتنسيق مع الفقيه البصري في ما بات يعرف ب "أحداث مولاي بوعزة"، (قال) إن "المغاربة استبشروا خيرا في البداية بتأسيس مجموعة من المؤسسات التي أسندت إليها مهمة التسوية العادلة لماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، متمثلة في هيئة التحكيم المستقلة وهيئة الإنصاف والمصالحة". وأضاف أفكوح، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الضحايا كُثر للغاية، لكن هيئة الإنصاف والمصالحة وضعت سقفا لوضع الملفات، ما تسبب في حرمان المئات من التعويضات المالية، علما أن وسائل الإعلام الوطنية لم تقم باطلاع المعنيين على آجال دفع الملفات. وقد كانت هيئة التحكيم المستقلة متخصصة في التعويض المادي فقط، بحيث كانت المعايير التي تتبناها غير واضحة للأسف". وأبرز العضو السابق في المكتب التنفيذي للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف أن "هيئة الإنصاف والمصالحة وضعت معايير مضبوطة؛ إذ كانت تعنى بجبر الضرر والإدماج الاجتماعي وتسوية الوضعية الإدارية خلافا للهيئة السابقة، لكن الحقيقة الكاملة تبقى غائبة، لأنه لم يتم العثور على جثث مئات الضحايا، التي كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقبله المجلس الاستشاري، يتتبعها خطوة خطوة، ما يستوجب الإشارة إلى الحالات العالقة في تقاريره الوطنية، حتى يعرف الرأي العام مصير المنفيين والمختطفين". وأشار سفير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان في شمال إفريقيا إلى كون "الملفات التي صنفت خارج الآجال ليست من اختصاص المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإنما تبقى بين يدي أعلى سلطة في البلاد، باعتبار أن الضحايا لا يطالبون بدراسة الملفات مثلما سبق، بل ينشدون الإدماج الاجتماعي فقط بما يضمن لأسرهم العيش الكريم، ما يستدعي تضافر جهود جميع الأطراف من أجل الوصول إلى صيغة توافقية تنهي هذا الجدل الذي عمّر لفترة طويلة أكثر مما يستحق في الحقيقة". وهناك العديد من الملفات العالقة التي تقف عقبة أمام إنجاح تجربة المصالحة مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومن ثمة تفعيل العدالة الانتقالية باعتبارها آلية أساسية للانتقال الديمقراطي المنشود، في مقدمتها ملفات كل من المهدي بن بركة وعمر الوسولي والحسين المانوزي وغيرهم، فضلا عن إشكالية الملف العالق المتعلّق بمدرسة أهرمومو العسكرية، ثم قضية 20 يونيو 1981، بحيث تطالب العائلات بتحديد أمكنة رفات بقية الضحايا. وقالت جمعية 20 يونيو 1981، في بيان سابق توصلت هسبريس بنسخة منه، إن "لجنة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة عرفت تمييزا وتعثرا كبيرين على مستوى التعويض الهزيل، وكذلك بخصوص مقترحات الإدماج الاجتماعي الذي لم يستوف شروط الكرامة التي أقرها التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، إضافة إلى حرمان العديد من الضحايا من أحقيتهم في الإدماج الاجتماعي". وطالبت الجمعية ب "تسليم هوية الرفات المُستخرج من المقبرة الجماعية، وتحديد قبور الشهداء كما هو موثّق في المقررات التحكيمية التي سُلِّمت إلى ذوي حقوق الشهداء، ثم كتابة الأسماء بشكل صحيح عليها، حتى يتسنى للعائلات الترحُّم عليهم، فضلا عن إدماج أبناء الشهداء". عبد الكريم المانوزي، عضو لجنة ضحايا الاختفاء القسري، قال إن "تسوية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مرّت عليها حاليا عشرون سنة، بدءا من هيئة التحكيم المستقلة التي أحدثها الحسن الثاني، وصولا إلى هيئة الإنصاف والمصالحة، لكن شريحة الضحايا والجمعيات المدنية تجمع على أن العدالة الانتقالية لم تتحقق بعد في المغرب، سعيا إلى بناء الدولة الديمقراطية أكثر من السعي إلى جبر الضرر الجماعي". وأضاف المانوزي، في تصريح لهسبريس، أن "العدالة الانتقالية لم تتخذ المنحى الذي رسمته الفعاليات الحقوقية في بداية المسار، لأن الحقيقة كانت مغيّبة في حالات كثيرة، وجبر الضرر الفردي كان محدودا، أما جبر الضرر الجماعي فإنه منعدم أيضا، بينما التكفل الصحي غاب في مقاربة الموضوع ككل، ذلك أن هيئة الإنصاف والمصالحة أوصت ببناء مركز وطني للتكفل بضحايا الانتهاكات، إلا أنه لم ير النور أبدا". وختم الكاتب العام للجمعية الطبية لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب تصريحه بالقول: "يوجد عدد ضخم من الحالات الإنسانية، منها خمسون ألف ضحية مباشرة وخمسمائة ألف ضحية غير مباشرة، شريحة عريضة توفيت والباقي يعاني في صمت بدون معيل. وبالتالي، فإن المركز الوطني من شأنه أن يساهم في الاعتناء بهذه الفئة التي عاشت أهوال السجون".