نظم المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف مؤخرا بمراكش, مائدة مستديرة تمحورت فعاليتها حول تقييم حصيلة تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان, بعد مرور سبع سنوات على تقديم هيئة الإنصاف والمصالحة لنتائج عملها، خاصة في مجالات الكشف عن الحقيقة وتوفير ضمانات عدم التكرار وحفظ الذاكرة. شارك في اللقاء ممثلون عن عدد من المنظمات الحقوقية وباحثون جامعيون وفعاليات من المجتمع المدني وإعلاميون وطلبة من جامعة القاضي عياض، وقد ساهم في تأطير النقاش كل من الإعلاميين عبد الصمد الكباص عن جريدة الاتحاد الاشتراكي ومصطفى غلمان عن إذاعة إم إف إم أطلس(MFM) . حيث طرحا على المتدخلين عددا من الأسئلة الهامة التي تشغل بال الرأي العام الوطني والدولي والتي ركزت بشكل عام على تقييم نتائج ومآل تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلادنا، خاصة من خلال الأعمال التي قامت بها كل من هيئة التحكيم المستقلة وهيئة الإنصاف والمصالحة لمعالجة الآلاف من ملفات الضحايا الذين اكتووا بنار الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والإعدام خارج نطاق القانون والنفي الاضطراري وغيرها من الانتهاكات التي عاش المغرب على إيقاعها على مدار أزيد من أربعة عقود متتالية. هذه المائدة حاولت الإجابة عن الكثير من الأسئلة العميقة التي طرحتها أرضيتها التي جاء فيها: منذ الإعلان عن استقلاله سنة 1956، شهد المغرب على مدار أزيد من أربعة عقود متتالية فصولا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تمثلت على الخصوص في حملات من الاعتقالات الجماعية التعسفية والاختفاءات القسرية والقتل الجماعي والإعدام خارج نطاق القانون والتعذيب. وفي سياق بعض المبادرات التي أقدمت عليها الدولة المغربية منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، خاصة في مجال حقوق الإنسان، تم إنشاء الهيئة المستقلة للتحكيم ثم هيئة الإنصاف والمصالحة وذلك من أجل معالجة وتسوية ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وبعد مرور حوالي 12 سنة على أول مبادرة في هذا المجال ومرور 7 سنوات على تقديم هيئة الإنصاف والمصالحة لتقريرها النهائي، فإننا في المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف وفي الحركة الحقوقية المغربية عامة نتساءل: -إلى أي حد يمكن اعتبار ما تم إنجازه في مجال تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خطوة حقيقية نحو القطع النهائي مع انتهاكات الماضي وفتح آفاق جديدة أمام بلادنا نحو ترسيخ دولة الحق والقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان ؟ -لماذا ظلت الحقيقة غائبة في العديد من الملفات والأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدتها بلادنا، خاصة ما يتعلق بملفات الشهداء المهدي بن بركة و عمر بن جلون و محمد كرينة و عبد اللطيف زروال، وملفات عدد من مجهولي المصير من أمثال الحسين المانوزي وعبد الحق الرويسي وعبد الحق الوسولي وملفات الأحداث التي شهدتها منطقة الريف والصحراء وغيرها؟ -لماذا لم يتم تحديد المسؤوليات المؤسساتية بدقة وتم القفز على تحديد المسؤوليات الفردية فيما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؟ ولماذا لم يفتح القضاء المغربي ملفات المتابعة القضائية في حق المتورطين في هذه الانتهاكات؟ -في أي سياق يمكننا فهم ما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في معالجة تداعيات العمليات الإرهابية ل16 ماي 2003 وفي مواجهة العديد من الاحتجاجات الاجتماعية في مختلف المناطق؟ -أية تدابير حقيقية لحفظ ذاكرة ما حدث من انتهاكات باعتبارها ذاكرة جماعية وجزءا من تاريخ بلادنا؟ وهل يندرج ترك أماكن الاحتجاز السري تؤول إلى السقوط والاندثار في إطار إطباق النسيان على ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؟ الإنصاف والمصالحة وآفاق المستقبل الدكتور: محمد نشناش* لقد كان لإحداث هيأة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 أثر قوي في المجتمع المغربي,حيث أنها عبرت عن أمة قررت بشجاعة مواجهة ماضيها المؤلم، والعمل على إنصاف الضحايا والبحث عن كشف حقيقة ما جرى من تجاوزات وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان, تجلت في العنف الممنهج ضد المواطنين والتعسف السلطوي أدى إلى الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب بكل أشكاله. وأنشأت الهيأة بطلب ملح من المنظمات الحقوقية المغربية وعلى رأسها منتدى الحقيقة والإنصاف إثر المناظرة الوطنية لماضي الانتهاكات التي عقدت سنة 2001. وحددت صلاحيات هذه الهيأة في طلبات الضحايا اثر الممارسات غير القانونية لأجهزة الدولة من بداية الاستقلال إلى سنة 1991. 1. التقصي والتحريات 2. توثيق الشهادات والبيانات من أجل حفظ الذاكرة 3. تنظيم جلسات عمومية وفردية 4. جبر الضرر الفردي والجماعي، بالتعويض الحالي، ورد الاعتبار وإعادة الإدماج. تقرير ختامي وتوصيات من أجل الإصلاحات الضرورية للمؤسسات والأجهزة لضمان عدم التكرار، وإصلاح دستوري من أجل سمو المواثيق الدولية الوطنية، وإقرار الشفافية في تدبير الشأن العام. وتميزت الهيأة بصفتها أسلوبا للعدالة الانتقالية بعدم إمكانية التوجه إلى القضاء أو تحديد المسؤولية الفردية، بل اكتفت بتحمل أجهزة الدولة مسؤولية لتجاوزات الماضي. ووجدت الهيأة تعاونا إيجابيا من طرف بعض الوزارات والإدارات بينما كان الباب موصدا من طرف الأجهزة الأمنية، مما جعل الوصول إلى الحقيقة أحيانا أمر صعب للغاية. وقد كانت للجلسات العمومية والجلسات الفردية أهمية كبيرة للوصول إلى معرفة جزئيات كبيرة عن الأحداث وظروفها. ومن صفات عمل الهيأة محدودية الزمن في اختصاصها مما جعلها لا تدرس انتهاكات جديدة حدثت بعد 1999. وإذا كانت قد قدمت علاجات طبية للحالات المستعجلة، فإنها أوصت باستمرار الرعاية الصحية للضحايا وذويهم، لكننا نلاحظ حاليا عدم الاهتمام بالجانب النفسي للمخلفات، ولم تنشأ وحدات للعلاج النفساني، بل يوجهون المتضررين إلى مستشفيات الأمراض العقلية وهذا خطأ كبير. وكشفت الهيأة على مئات الحالات من المنفيين والقتلى في المدافن السرية والجماعية، لكنها لم تصل إلى كل الحقيقة وبقيت ملفات عالقة على رأسها حالات المهدي بنبركة، والحسين المانوزي وعبد الحق الرويسي. والأهم الآن هو تفعيل كل توصيات الهيأة المدرجة في التقرير النهائي حتى نضمن عدم التكرار والمصالحة مع الاعتذار عن الجرائم المرتكبة في حق الأفراد والجماعات. إن تفعيل التوصيات سيدخل المغرب في عهد جديد يضمن الحريات ويربط المسؤولية بالمحاسبة، وإصلاح القضاء وملاءمة القوانين المغربية بالمواثيق الدولية. لكننا نلاحظ الآن أن عددا من الضحايا لأسباب متعددة بقوا خارج الاهتمام ويجب على المجلس الوطني لحقوق الإنسان بصفته الوصي على تطبيق التوصيات، على إيجاد السبل لإنصافهم. ويبقى التعرف على الحقيقة كاملة مدخلا أساسيا للمصالحة مع الماضي من أجل الإقفال النهائي لهذا الملف الأليم من تاريخ المغرب. وإذا كانت الدولة هي الطرف المسؤول عن تفعيل التوصيات, فإن للمجتمع المدني دور المتابعة ورصد الانتهاكات الجديدة. ويمكننا أن نتساءل الآن كيف يمكن التعويض عن الحياة وضياع الفرص والصحة وفقدان الفرص والتعرض للتعذيب ومخلفاته؟ وكيف يعوض المغاربة الذين عاشوا حالات الاستثناء غير المبررة وحرمانهم من العيش الكريم والتعليم والممارسة الحقة للحريات مع التعسف وتزوير الانتخابات؟ وبعد ذلك يفرض على الشعب تعويض الضحايا بينما يبقى الجلادون ورؤسائهم يحتفظون بالامتيازات والثروات التي أخذوها ظلما وعدوانا وبدون أي حق. ورغم ذلك, فإننا نعتبر التعويضات وجبر الضرر الفردي والجماعي جزءا من التضامن الوطني. وما علينا إلا أن نستمر بنبذ العنف بكل أشكاله والعمل على بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي يتمتع بالحرية والعدل والمساواة. *طبيب، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان هل تمت تجربة هيأة الإنصاف و المصالحة على مفهوم العدالة الانتقالية؟ الأستاذ محمد الغالي* يحيل إحداث هيأة الإنصاف و المصالحة كتجربة فريدة من نوعها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الى مفهوم العدالة الانتقالية كإجراء أو سياسة لمواجهة تداعيات ماضي سياسي عنيف تميز بمجموعة من التجاوزات التي تصنف في باب الانتهاكات الجسيمة في ضوء معايير وقيم حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية ودولة القانون. و من بين التساؤلات التي طرحت تركز اساسها في: الى أي حد شكل احداث هذه الهيأة قطيعة مع الماضي الأليم و صفحة جديدة في اتجاه ترسيخ دولة المؤسسات و الحريات و الحقوق بناء على قواعد الديمقراطية و الشفافية و تحصين البلاد من تكرار مثل تلك الأعمال و التصرفات التي تصنف بكونها جسيمة و مخلة بأدمية الانسان؟ و مادامت التجربة المغربية تشكل حدثا فريدا بكل المقاييس سواء من حيث قراءة نقط قوتها أو ضعفها ايجابياتها أو سلبياتها نطرح الملاحظات التالية التي تشكل بكل تأكيد زاوية النظر لتقييم هذه التجربة. 1. تشكل هيئة الإنصاف و المصالحة فعلا عموميا متوافق عليه بين اطراف متعددة، أتى بعد حوالي ستة سنوات من تجربة التناوب التوافقي الذي عرفه المغرب بعد دستور 1996 و بعد تعيين الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي بمقتضى ظهير 16 مارس 1998. 2. احداث هيئة الانصاف و المصالحة تتعلق بحدث سياسي في اطار الاستمرارية، و لا تتعلق في التجربة المغربية بقطيعة أملتها ظروف جد استثنائية تتمثل من خلال ثورة أو انتفاضة، أو الخروج من حرب أهلية. 3. احداث هيئة الانصاف و المصالحة لا يتعلق بملفات قضائية وبتقنيات ومساطر معينة لجبر الضرر الجماعي، كما لا يتعلق بمعالجة عقابية لماضي كامل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، اعترى عمل الهيأة مجموعة من النواقص التي تمثلت في: 1. لم تدرج الهيأة في صلاحياتها فئات مهمة من الفئات التي تعرضت لانتهاكات حقوق الإنسان، كحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، مما أدى إلى استبعاد نظر طلبات عديدة. 2. لم يتمتع عمل اللجنة بنشاط ذي طابع تحقيقي مما لم يساعد على كشف مجموعة من الاختلالات. 3. طبيعة تركيبة الهيأة لم تسمح بتوفر الخبرات اللازمة لكشف الانتهاكات التي تميزت بقدرة عالية من حيث اخفاء معالمها. و عليه كل هذه المعطيات أثرت سلبا في مجموعة من جوانب عمل الهيأة: 1. فرغم المجهودات التي تم القيام بها للوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو غيرها في الانتهاكات والوقائع موضوع التحريات. الا انها لم تستطع الالتزام بفكرة كون عملها الأخلاقي و السياسي لا يعني تحصين المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة من العقاب. 2. رغم ما قامت به الهيأة في مجال جبر الأضرار وإنصاف الضحايا، و البت في الطلبات المعروضة عليها والمتعلقة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت ضحايا الانتهاكات الجسيمة أو ذوي حقوقهم. الا أن معايير تقدير التعويض لم تخضع لمنطق موحد سليم و مفهوم من لدن الجميع على اعتبار أن مبدأ تكافؤ الفرص لم يحترم للفارق المهم بين نفس الضحايا فيما يتعلق بتقدير التعويض. 3. رغم ما قامت به الهيأة في باب تقديم المقترحات والتوصيات من أجل إيجاد حلول لقضايا التأهيل النفسي والصحي والإدماج الاجتماعي، الا أن الواقع العملي يبقى بعيدا عن السير في هذا الاتجاه مما يعتبر عائقا كبيرا امام تحصين البلاد من تكرار مثل الأحداث التي قادت الى الانتهاكات الجسيمة. 4. تبقى المشاكل الإدارية، الوظيفية والقانونية لبعض الضحايا، والقضايا المتعلقة بنزع الممتلكات لازالت قائمة و تفتقر الى الفورية في ارجاع الحقوق الى بعضها مما يسيئ الى التجربة و يفقدها قيمتها كتجربة مدنية حقوقية و يعيد طرح النقاش من جديد حول جدوائيتها و كلفتها على مستوى السلم و الأمن الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي. 5. رغم محاولة دستور 2011 ترجمة مجموعة من التوصيات على المستوى الحقوقي و السياسي و الاجتماعي و الانتقال من مرحلة العجز الذي كان يختصر الحقوق و الحريات العامة و الفردية في الاقرار الذي لا يتجاوز النصوص الى تحصينها بالضمانات القضائية و العمل على جعلها متاحة و ميسرة أمام الجميع بغض النظر عن اعتبارات الجنس او النوع. فإن الأمر يتطلب بذل الجهود بكل جرأة و موضوعية و بشكل يحرر ممارسة الحقوق بما يحد من التحكم المطلق للجهاز التنفيذي على اعتبار ان المفارقة تكمن في كون دستور 2011 غني في تنصيصه و ضمانه لمجموعة من الحقوق التي وردت في توصيات الهيأة لكنها معلقة على اصدار القوانين التنظيمية التي تعتبر عملا حكوميا بامتياز. و عليه, فإن عمل الهيأة و توصياتها لازال يحتاج الى ضخ جديد للرغبة والارادة السياسيتين اللازمتين بما يضمن عدم التكرار و القراءة الايجابية البعيدة عن دس الحقد و الكراهية بين مختلف مكونات الشعب المغربي. *أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض1 لازالت التوصيات معلقة بخصوص ترسيخ مبادئ سمو القانون الدولي وترسيخ سلطة القضاء واستقلاليته لازالت التوصيات معلقة بخصوص ترسيخ مبادئ سمو القانون الدولي وترسيخ سلطة القضاء واستقلاليته لازالت التوصيات معلقة بخصوص ترسيخ مبادئ سمو القانون الدولي وترسيخ سلطة القضاء واستقلاليته تأتي هذه المائدة المستديرة التي ينظمها الفرع الجهوي للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف بمراكش في موضوع «تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان في المغرب: الكشف عن الحقيقة ضمانات عدم التكرار حفظ الذاكرة منسجمة مع متطلبات السياق الحقوقي اليوم بالمغرب، ومع المطالب الراهنة للحركة الحقوقية المغربية، فهي تأتي: بعد مرور سبع سنوات على تقديم هيئة الإنصاف والمصالحة لتقريرها الختامي وهو ما يشكل مسافة زمنية مناسبة لقراءة استرجاعية ونقدية لعمل الهيئة. في سياق الإعداد للمؤتمر الوطني للمنتدى بما يتطلبه من تكثيف للتداول حول قضايا الضحايا. في سياق الإعداد للمناظرة الوطنية الثانية حول الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان، وما يقتضيه ذلك من تحيين في المهام والمطالب. في ظل وجود مطالب حقوقية معلقة بخصوص ملف الانتهاكات الجسمية. في ظل الارتباكات الحاصلة بخصوص تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. واستنادا إلى المتابعات والتقييمات التي أنجزتها العديد من المنظمات الحقوقية المغربية (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف وجمعية الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان...)، فإن العديد من النواقص اعترت عمل الهيئة، وتتجلى هذه النواقص على مستوى إجلاء الحقيقة، وعلى مستوى جبر الضرر، وعلى مستوى ضمانات عدم التكرار... فعلى مستوى الحقيقة، لم يتم استجلاء الحقيقة كاملة عن وقائع عديدة تخص الفترة السياسية التي عاشها المغرب ما بين سنتي 1956 و 1964، سواء تعلق الأمر بالفاعلين الدولتيين أو الفاعلين غير الدولتيين، وكذا عن السياقات السياسية المصاحبة للانتهاكات الخاصة بالمجموعات ذات الصلة بضحايا الاختفاء القسري، وكذا الظروف السياسية المرتبطة بالأحداث الاجتماعية لسنوات (1965 1981 1984 1990)، كما لم يتم إجلاء الحقيقة كاملة أو إضافة معطيات جديدة حول الملفات ذات الرمزية والوضعية الاعتبارية مثل ملف المهدي بنبركة وملف عمر بنجلون وملف المانوزي وملف الرويسي... كما أن اعتماد مراكز الاحتجاز مدخلا للبحث عن الحقيقة كثيرا ما غيب الهوية السياسية للضحايا...إن الحقيقة تبقى في حاجة لاستكمال لاسيما وأن الهيئة أقرت بهشاشة الشهادات الشفوية وبرفض بعض المسؤولين وبحالة الأرشيف الوطني. وبخصوص جبر الضرر، بقيت بياضات عديدة فيما يتعلق بتفاوتات التعويض المادي والوحدات الحسابية الخاصة ومقاربة النوع فيه، فضلا عن نواقص على مستوى تسوية الأوضاع القانونية للضحايا ولأوضاعهم.. الوظيفية (الإدارية والمالية) والإدماج الاجتماعي واسترجاع الممتلكات والتأهيل الصحي والنفسي، والتعويض عن ضياع فرص/ مشاريع الحياة، بالإضافة إلى الطلبات التي تم رفضها من طرف الهيئة بالحفظ أو بصرف النظر أو بعدم الاختصاص، أو لأن ملفات أصحابها ناقصة. وعلى مستوى جبر الضرر الجماعي سجلت الجمعيات الحقوقية استمرار التعثر في اقتراح وإنجاز مشاريع برامج التنمية السوسيو الاقتصادية والثقافية لفائدة مدن وجماعات الدارالبيضاء والريف والأطلس المتوسط.. والتعثر في ترميم مراكز الاعتقال غير القانونية، وفي اعتبار الأبعاد الرمزية وحفظ الذاكرة لجبر الضرر الجماعي... وفيما يتعلق بضمانات عدم التكرار، لازالت التوصيات معلقة بخصوص ترسيخ مبادئ سمو القانون الدولي وترسيخ سلطة القضاء واستقلاليته، وإلغاء عقوبة الإعدام والانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، والانطلاق في وضع إستراتيجية لعدم الإفلات من العقاب والإصلاحات في مجال الحكامة الأمنية وإعادة تأهيل السياسة والتشريع الجنائي. *الأستاذ عادل عبد اللطيف* *عضو اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان على الدولة أن تتحمل كامل مسؤولياتها وترفع السرية على كل الأرشيف المتعلق بالاختطافات والاغتيالات السياسية.. العودة للحديث عن ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عاش المغرب على إيقاعها منذ سنة 1956 ، لا يعد تقليبا للمواجع أو إيقادا للضغائن أو تصفية للحسابات، بل هو أمر يفرضه واجب الذاكرة , تجاه الضحايا الذين قضوا برصاص القوات العمومية أثناء ممارسة حقهم الطبيعي في التظاهر والتعبير عن احتجاجهم على تردي أوضاعهم الاجتماعية، وتجاه الذين تعرضوا للإختطاف والاغتيال على يد أجهزة المخابرات، وتجاه الذين أخذ منهم الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والنفي الاضطراري زهرة شبابهم. وتحضرني هنا تلك المقولة الشهيرة للفيلسوف جورج سانتيانا حيث قال:» إن الذين لا يتذكرون الماضي، محكوم عليهم بإعادته». فلكي لا يعود هذا الماضي الأليم الذي أصبح جزءا من تاريخنا وذاكرتنا الجماعية، لا يجب علينا أن ننسى ما حدث في هذا الماضي حتى نظل يقظين ومتأهبين باستمرار لمواجهة الأسباب السياسية والإيديولوجية والثقافية التي شكلت التربة الخصبة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي لم تقف انعكاساتها وتداعياتها الخطيرة عند حدود الضحايا المباشرين، بل تجاوزتهم لتطال الشعب المغربي برمته من جراء ما عاناه إبان سنوات الجمر والرصاص من فساد واستبداد. لذلك, فإن الدولة المغربية المسؤولة سياسيا وجنائيا وأخلاقيا على حماية كافة مواطناتها ومواطنيها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان باعتبارها جرائم ضد القانون الدولي لحقوق الإنسان، مطالبة بأن تعالج هذا الماضي من خلال تحقيق التسوية الشاملة والعادلة والمنصفة، وذلك أولا من خلال التنفيذ الكامل لتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة كالتزام أخلاقي تم التعبير عنه بمصادقة الملك محمد السادس على التقرير النهائي للهيأة، وثانيا من خلال الاستجابة لمطالب وانتظارات الضحايا وكافة مكونات الحركة الحقوقية والقوى الديمقراطية في هذا المجال، وثالثا من خلال الكف ثالثا على معالجة ما تشهده بلادنا بين الفينة والأخرى من أحداث وتوترات باللجوء إلى سياسة العصى الغليظة والخروج عن الإطار القانوني والحقوقي لتدبير الأزمات عوض معالجة أسبابها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والاحتكام إلى قواعد الحوار المسؤول والهادف والديمقراطي في احترام تام لمرتكزات وأسس دولة الحق والقانون. إننا في المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، كجمعية تمثل ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، على موعد مع مؤتمرنا الوطني الرابع الذي سينعقد خلال شهر مارس من السنة الجارية، وعلى موعد مع المناظرة الوطنية الثانية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي سيشارك فيها مكونات الحركة الحقوقية والأحزاب الديمقراطية والمركزيات النقابية وجمعيات المجتمع المدني, بالإضافة إلى شخصيات وازنة وممثلين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبعض القطاعات الحكومية. حيث ستشكل هاتين المحطتين فرصة للوقوف على ما تحقق وما لم يتحقق على مسار تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبالتالي بلورة خريطة طريق جديدة لتصحيح ما شاب التسوية من اختلالات وتجاوز ما اعترضها من عراقيل وذلك تأسيسا على مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان وقياسا على معايير ومرتكزات العدالة الانتقالية. وهنا لابد أن أذكر قبل حلول هذين الموعدين الهامين، بأن الدولة المغربية قد انخرطت في مسلسل من المبادرات منذ التسعينات من القرن الماضي, خاصة في مجال تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. هذه المبادرات التي حظيت باهتمام المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف من خلال ما عكسته بياناته وتقاريره في العديد من المناسبات. لكننا في نفس الوقت، أكدنا على أن التسوية التي قامت بها الدولة من خلال الهيئة المستقلة للتحكيم وهيئة الإنصاف والمصالحة رغم كونها تتم في إطار استمرارية نفس النظام السياسي على عكس ما حدث في كل تجارب العدالة الانتقالية على الصعيد الدولي، فإن هذه التسوية قد أخلت ببعض المرتكزات والمبادئ الأساسية والضرورية لتحقيق نوع من العدالة والإنصاف ارتكازا على معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان. وهو ما يفرض علينا كمنتدى وكحركة حقوقية وكقوى ديمقراطية العمل على تدارك هذه الاختلالات والنواقص وذلك من خلال تحقيق الغايات والأهداف التالية: 1- استكمال الكشف عن الحقيقة الكاملة حول ما حدث من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وملء البياضات التي تركتها الدولة في ما يتعلق بالعديد من الأحداث السياسية والاجتماعية التي تخللتها تلك الانتهاكات. وفي هذا السياق يجب العمل على إماطة اللثام على كل المعطيات والمعلومات والمستندات المتعلقة بظروف وملابسات ما حدث من اختطافات واغتيالات سياسية طالت بعض قادة المعارضة السياسية وبعض المناضلين من أمثال المهدي بن بركة والحسين المانوزي وعبد الحق الرويسي وعبد الحق الواسولي وعبد اللطيف زروال وغيرهم من الضحايا. على أن تتحمل الدولة كامل مسؤولياتها لحث كافة أجهزتها الأمنية والمخابراتية على رفع السرية على كل الأرشيف المتعلق بهؤلاء الضحايا وبكل ما شهدته بلادنا من أحداث مؤلمة خدمة للحقيقة ومن أجل توضيح وتدقيق المسؤوليات سواء المؤسساتية منها أو الفردية. 2- مناهضة أي شكل من أشكال الإفلات من العقاب وحماية حق الضحايا أو ذوي حقوقهم في الولوج إلى العدالة من أجل متابعة المتورطين في ما تعرض له الضحايا من انتهاكات جسيمة، وذلك على قاعدة المعطيات والمعلومات والشهادات والمستندات المتوفرة سواء لدى الأجهزة الأمنية والمخابراتية أو لدى بعض الإدارات والمصالح العمومية أو لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو لدى الجمعيات الحقوقية والضحايا. 3- تعميم الحق في جبر الضرر ليشمل كافة الضحايا من خلال البت في كل الملفات التي توصلت بها هيئة الإنصاف والمصالحة والمجلس الاستشاري والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والتي تجاوزت 50 ألف ملف. وهو ما يفرض فتح آجال جديدة لمعالجة تلك الملفات ،خاصة منها ملفات بعض الفئات من أمثال التلامذة الضباط وضباط الصف بالمدرسة العسكرية أهرمومو وضحايا الاعتقال التعسفي بمعتقل تاكونيت وملفات ضحايا اخرين من مختلف المجموعات. كما أنه من باب الإنصاف العمل على تصحيح الاختلالات المترتبة عن عدم تطبيق نفس المعايير على كافة الضحايا لتحديد مبالغ التعويض والإقرار بحق الإدماج الاجتماعي والتغطية الصحية لكافة الضحايا الذين فوت عليهم الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وما تعرضوا له من تعذيب وسوء المعاملة فرصا للعيش الكريم والاندماج في المجتمع بشكل طبيعي. كما أن جبر أضرار الضحايا يتطلب تقديم الاعتذار الرسمي والعلني من طرف الدولة لكافة الضحايا وحفظ ذاكرتهم من خلال حفظ وصيانة الأرشيف المتعلق بما حدث لهم من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتنظيم الولوج إليه في إطار الحق في الوصول إلى مصادر المعلومة واعتبار هذا الأرشيف جزءا من التراث الوطني والعالمي و التحفظ على كل الأماكن التي شكلت مسرحا لما حدث من انتهاكات جسيمة ومنع تفويتها أو طمس معالمها وترميمها وتحويلها إلى مراكز للذاكرة وتهيئ وترميم كل أماكن دفن الضحايا المتوفين احتراما لكرامتهم ولمشاعر عائلاتهم وإطلاق أسماء الشهداء من الضحايا على بعض المؤسسات والشوارع والأماكن العمومية وإقرار يوم وطني لإحياء ذاكرة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. على أن يتم إشراك المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف في إعداد وتنفيذ كل المشاريع المتعلقة بحفظ ذاكرة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. 4- توفير الضمانات اللازمة من أجل عدم تكرار ما حدث في الماضي من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وذلك من خلال القيام بالإصلاحات السياسية والدستورية والقانونية والتربوية اللازمة، وهو ما يفرض على الدولة في المقام الأول المصادقة على كافة الاتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان وكل البروتوكولات المتعلقة بها وملاءمة القوانين الوطنية مع التشريعات الدولية لحقوق الإنسان والإقرار بسمو الأخيرة على الأولى، وتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالحماية والنهوض بحقوق الإنسان وإصلاح منظومة العدالة والإقرار بالسلطة المستقلة للقضاء، وبإصلاح الأجهزة والسياسات الأمنية في إطار الحكامة الأمنية وجعل كل هذه الأجهزة تحت المسؤولية المباشرة للسلطة التنفيذية للحكومة وتحت مراقبة السلطة التشريعية للبرلمان، وإدماج ثقافة حقوق الإنسان ضمن البرامج والمناهج التعليمية والتكوينية للناشئة بصفة عامة ولأطر وموظفي الأجهزة والقوات العمومية بصفة خاصة. وفي الختام، أعتبر بأن هذه التدابير تختزل فلسفة ومضمون العدالة الانتقالية التي تؤكد على أن أية تسوية تتغيا الانتقال ببلد شهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان إلى وضع جديد يوفر الحماية والنهوض بهذه الحقوق، لابد أن ترتكز إلى أربعة مرتكزات وهي: * الحق في معرفة الحقيقة * الحق في جبر الضرر * الحق في العدالة * الحق في ضمانات عدم التكرار لذلك, فإننا في المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف نعمل من خلال هذه المقاربة على وضع بلادنا على السكة الحقيقية للقطع النهائي مع مآسي الماضي والتوجه نحو مستقبل خال من أقدار تكرار هذا الماضي. الأستاذ عبد الحق عندليب* *عضو المكتب التنفيذي للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف خطوط حمراء حدّت من أهمية تجربة الإنصاف و المصالحة ترتبط العدالة الانتقالية بالتحوّل والانتقال السياسيين؛ سواء تعلق الأمر بالانتقال من الحرب إلى السلم؛ أو من أجواء الشمولية والاستبداد إلى الممارسة الديمقراطية؛ فهي وسيلة لتجاوز الإكراهات والمشاكل في مختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. التي عانت منها الدولة والمجتمع.. وآلية فعالة للتخلص من التراكمات السلبية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بالصورة التي تسهم في حدوث انتقال متدرج نحو الديمقراطية بناء على أسس متينة؛ توفر شروط التسامح والمصالحة والشرعية والتعددية والاستقرار.. داخل المجتمع. وعادة ما ترتبط العدالة الانتقالية بمرحلة حاسمة من تاريخ الحياة السياسية للدول؛ ذلك أنها تؤمن انتقالا من مرحلة غالبا ما تحيل إلى القمع والشمولية والاستبداد إلى مرحلة ديمقراطية؛ ترسخ فيها دولة المؤسسات واحترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية.. إنها وسيلة لرأب الصدع وتوحيد المجتمع ومنع تكرار التجارب الإنسانية المؤلمة في المستقبل؛ كما تعد أيضا وسيلة لتجاوز الجمود السياسي داخل الدول السائرة نحو الديمقراطية. وبالرغم من وجود مبادئ كونية للعدالة الانتقالية؛ فإن تطبيقاتها تخضع في كثير من الحالات لظروف وخصوصيات الدول وطبيعة الصراعات والمشاكل القائمة فيها.. وتتنوع أشكال هذه العدالة بحسب الخلفيات التي تحددها والأهداف المتوخاة منها أيضا؛ وعادة ما تتركز آلياتها في إحداث لجان لتقصي الحقائق بصدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكشفها بتفصيل أمام الرأي العام؛ أو من خلال المقاربة القضائية ومحاكمة الجناة أمام القضاء المحلي أو الدولي؛ أو عبر تقديم تعويضات مادية (أموال وخدمات اجتماعية وتربوية ونفسية وصحية..) ومعنوية (تقديم اعتذار رسمي للضحايا وحفظ الذاكرة..) وجبر الضرر للضحايا عما لحق بهم من مآس ومعاناة؛ أو بإعمال إصلاحات مؤسساتية تسمح بتعزيز دولة المؤسسات وترسيخ سيادة القانون وتجاوز سلبيات الماضي وإكراهاته وتدبير التنوع المجتمعي بمختلف مظاهره العرقية والإثنية والدينية والثقافية.. بصورة ديمقراطية على أساس العدالة والمساواة. والحرية، أو بالسعي لتحقيق مصالحة بين مختلف الفرقاء السياسيين؛ علاوة على إقامة النصب والمتاحف لحفظ الذاكرة؛ بالإضافة إلى منع المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من تولي مناصب حكومية أو ذات طابع سلطوي داخل مؤسسات الدولة.. ويمكن إجمال أسس ومرتكزات لجان الحقيقة والمصالحة في مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني؛ وأحكام وقرارات القضاء الدولي والإقليمي في مجال حقوق الإنسان؛ والاجتهادات الفقهية ذات الصلة؛ وتراكمات أعمال لجان الحقيقة والمصالحة.. في مناطق مختلفة من العالم؛ والتشريعات القانونية الوطنية التي تنسجم ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.. وإذا كان البعض يرجع أصولها إلى محاكمات «نورمبورغ» التي لحقت مجرمي الحرب في ألمانيا النازية في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ فإن ملامحها برزت بصورة أكثر نضجا وتطورا خلال منتصف السبعينيات من القرن المنصرم كسبيل للتخلص من الحكم العسكري في الأرجنتين ومحاكمة جرائمه ضد الإنسانية؛ قبل أن يتعزز الأمر بمجموعة من التجارب على امتداد مناطق مختلفة من العالم. فخلال العقدين الأخيرين؛ تزايد لجوء كثير من الدول التي ترسخت لديها القناعة ببناء أسس بناءة لانتقال ديمقراطي سلس وبناء؛ إلى نهج مداخل وسبل مختلفة تندرج ضمن العدالة الانتقالية تسمح بالحسم مع تركات الماضي؛ وتفتح آفاقا ديمقراطية واعدة أمام الشعوب؛ وهو ما سمح بمراكمة تجارب وممارسات أسهمت في تطوير هذه الآلية؛ وعزز من فرص اللجوء إليها من قبل عدد من الدول الطامحة للتغيير والإصلاح. وفي هذا السياق؛ برزت تجارب متباينة في أهميتها على امتداد مناطق مختلفة من العالم؛ سواء في أمريكا اللاتينية (الأرجنتين سنة 1983؛ والشيلي سنة 1990 والبيرو سنة 2001).. وفي إفريقيا (جنوب إفريقيا سنة 1994؛ والمغرب سنة 2004).. وفي أوربا الشرقية (بولونيا سنة 1997؛ وصربيا سنة 2004).. وفي آسيا (تيمور الشرقية سنة 2002).. وعلى الرغم من أهمية تجربة الإنصاف و المصالحة ؛ ضمن سياقها الإقليمي؛ فإن هناك مجموعة من «الخطوط الحمراء» حدّت من أهميتها من قبيل: - اختزال مجمل الانتهاكات في الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وإقصاء مظاهر أخرى من الانتهاكات الجسيمة.. - عدم تحديد المسؤوليات الفردية عن هذه الممارسات؛ واستبعاد المقاربة القضائية؛ - عدم استحضار الحقيقة في تسمية الهيئة؛ - وجود ممارسات وقعت بعد 1999 لم تتناولها الهيئة؛ - عدم كفاية المدة التي اشتغلت فيها الهيئة؛ - اشتغال الهيئة على ملفات بموجب طلبات من الضحايا أو ذويهم؛ ولم تتحرك تلقائيا.. وأمام هذه المعطيات؛ وتميّز التجربة المغربية بكونها مرّت في إطار نفس الإطار الدستوري والسياسي.. وعلاوة على عدم تنفيذ مجموعة من توصيات الهيئة وعدم «دسترتها» إلا في أعقاب الحراك الذي قادته حركة 20 فبراير؛ واستمرار وجود اختلالات مختلفة بمنظومة القضاء؛ وعدم مصادقة المغرب بعد على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية..؛ يمكن أن نتساءل: عن مدى أهمية التجربة في سياقها المقارن واستحضارا لمبادئ العدالة الانتقالية كما هي متعارف عليها عالميا؟ وعن مدى جدية هذه الخطوة ومساهمتها في ترسيخ بناء أسس تدعم الانتقال نحو الديمقراطية؟ لقد توّجت الهيئة عملها بتقديم تقرير للملك في 30 نونبر من سنة 2005، حمل بين طياته مجموعة من المعطيات المرتبطة بالانتهاكات التي مورست في حق العديد من الضحايا من قبيل الاختفاء والدفن الجماعي والتعذيب؛ ومعلومات وافية عن سجون ومعتقلات سرّية.. مع تلافي توجيه المسؤولية لأشخاص محددين، إلى جانب اقتراح مجموعة من التوصيات التي تكفل منع تكرار هذه الممارسات في المستقبل، ويمكن تصنيف هذه التوصيات إلى: - توصيات مرتبطة بجبر الضرر في صورها الفردية والتعويض المالي وجبر الضرر الاجتماعي المرتبط بخلق مشاريع رمزية لحفظ الذاكرة؛ - توصيات تتعلق بكشف الحقيقة التي تهم مجموعة من الحالات التي لم يتم الكشف عنها وتولى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أمر البحث فيها؛ - توصيات لها علاقة بمختلف الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية والمتعلقة بالحكامة الأمنية. إن تجربة الإنصاف والمصالحة ؛ هي تجربة شجاعة؛ سواء على مستوى إحداث الهيئة في حد ذاته أو على مستوى بلورة النتائج والتوصيات التي خلصت إليها، وهي خطوة تقتضي بأن يعززها فتح أوراش إصلاحية في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والقضائية والإدارية.. الأمر الذي يجعل ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ وعلى الرغم من أهمية هذه الجهود، مفتوحا ويتطلب مقاربة أكثر شمولية وديمقراطية. * أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض، مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات الأستاذ إدريس لكريني*: