كانت مداخلتا إدريس بنزكري، رئيس هيئة الانصاف والمصالحة الافتتاحية والختامية، أثناء المنتدى الوطني لجبر الضرر، الذي اختتم أشغاله الإثنين 3 أكتوبر 2005 بالرباط، تحمل الكثير من الدلالات وعلامات الاستفهام. فحسب الكثير من الملاحظين، فإن الكلمتين كانتا تتضمنان خلاصة التقرير النهائي المقرر أن تتقدم به هيئة الإنصاف والمصالحة، وفق ما ينص عليه قانونها الأساسي، إلى الملك محمد السادس في نهاية نونبر المقبل. هيئة الإنصاف والمصالحة تؤِسس إذن مقاربتها لجبر الضرر والعدالة الانتقالية، ومن ثم خلاصة تقريرها المرتقب، على معطى مفاده أن التعويض المادي لضحايا انتهاكات الماضي أصبح قاصرا عن أداء مهمة جبر الضرر وتحقيق المصالحة، وسيظل كذلك مالم يرتبط مسلسل الإنصاف والمصالحة بإقرار العدالة والمسؤولية المشتركة للدولة وللأطراف الأخرى، ثم إجراء إصلاحات هيكلية تضمن الوصول إلى دولة الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أن جبر الضرر وفق هاته المقاربة يجب أن يشمل ما هو رمزي ثم ما هو مادي تنموي اجتماعي. في هذا السياق يمكن التأكيد على أن مقاربة هيئة الإنصاف والمصالحة من أجل طي صفحة الماضي تعتمد على أربع مرتكزات: أولاها تتمثل في حق الضحية في التعويض، وكون التعويض المادي حق أساسي للضحية وليس منحة. ثانيا أن تعويض الضحايا يعد بمثابة إقرار بمسؤولية الدولة عن الانتهاكات التي طالت مجال حقوق الإنسان في الماضي. المرتكز الثالث يتأسس على كون التعويض يمثل مدخلا أساسيا للقيام بإصلاحات تضمن عدم تكرار ما جرى. أما المرتكزالرابع فهو يراعي مسألة التضامن المجتمعي بغاية تمويل مسلسل التعويض وجبر الأضرار. من جانبها اعتبرت هيئة المتابعة لملف الانتهاكات أنه بالرغم من أن إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة انبنى على مقاربة أشمل من تلك التي اعتمدت في 2 أبريل ,1999 في إطار تسوية ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، باعتمادها المرجعية الدولية وربطها مسار تسوية الملف ببناء مجتمع ديمقراطي، وبإقرارها للدور الاقتراحي للحركة الحقوقية، وإعلانها في نظامها الأساسي على وضع خطة للتواصل تجاه كافة مكونات المجتمع المدني. فإن التخوف يظل حاضرا، لا سيما وأن هيئة الإنصاف والمصالحة بصدد صياغة تقريرها النهائي، ولم تعلن عن أية نتائج جزئية للعائلات في ملف مجهولي المصير، كما أنها لم تستطع الحسم في موضوع رفاة المتوفين، خاصة المعروفة أماكن دفنهم. كما لم تتواصل مع الحركة الحقوقية التي تجهل ما إذا كانت هيئة الإنصاف والمصالحة قد تمكنت من الحصول على أرشيفات الدولة. هيئة الإنصاف والمصالحة إذن بنت خلاصاتها على أربعة مرتكزات أساسها جبر الأضرار، وتحمل المسؤولية المشتركة عن الانتهاكات، مع ضرورة القيام بإصلاحات مؤسساتية لضمان عدم تكرار ما جرى. لكن السؤال الذي ظل حاضرا في مجمل أشغال المنتدى الوطني لجبر الضرر هو ماذا بعد تقديم هيئة الإنصاف والمصالحة لتقريرها النهائي، وكيف يمكن معالجة مخلفات الانتهاكات التي حصلت أثناء فترة انتدابها؟