أصدرت الدار المغربية العربية للنشر كتاب "الفقيه المتنور: الحجوي الثعالبي"، الذي ألفه الدكتور الزبير مهداد. "الحجوي الثعالبي" مصلح خلف آثارا علمية كثيرة ومشروعات إصلاحية على جانب كبير من الأهمية، وترك بصماته بارزة على كثير من نواحي الحياة التربوية والثقافية العلمية والسياسية المغربية، ودعا إلى الإصلاح وجاهد في سبيله، ودافع عن التجديد دفاعا مستميتا كلفه كثيرا من العناء والمشقة مضحيا بكثير من الامتيازات والمصالح الشخصية. وكان ذلك طيلة توليه الوظائف الإدارية والقيادية مدة تزيد على نصف قرن. الكتاب يعرف بأفكار محمد بن الحسن الحجوي، الفقيه السلفي المتنور أول وزير للتعليم بالمغرب الحديث، وخططه الإصلاحية في حقل التعليم وأهدافها، وما حققه من نجاح أو لقيه من فشل في سبيلها. هذا العالم الذي طاوله النسيان ونسج الإهمال حوله خيوطا سميكة، رغم أن كتبه ما زالت حية تدرس وما زالت آراؤه في الدين والثقافة والسياسة ملهمة حية. ورغم ذلك، إلا أن الحجوي المفكر لم ينل بعد حظه من العناية والاهتمام، بقدر ما تعرض فكره للحجب والتهميش وتعرضت آثاره للطمس والإقصاء بسبب حسابات إيديولوجية سياسية ضيقة الأفق، وللدور الذي لعبه ابنه عبد الرحمن في حكومة ابن عرفة ومواقفه من الوطنيين. وفَضْلُ الكَشْفِ عن آثار هذا المفكر الفذ ولَفْتِ الأنظار لإنتاجه العلمي الغزير وآرائه الوازنة، يحوزه بعض الباحثين الفضلاء أمثال عبد الله العروي وسعيد بن سعيد العلوي وغيرهما. يشرح الكتاب الظروف التاريخية والاجتماعية لدخول التعليم الحديث للمغرب، والجهودِ التي بُذِلَت لترسيخه، وتأسيس نظمه، في المستويين الابتدائي والعالي، في فترة تاريخية تميزت بالدقة، وشهدت فيها البلاد تحولات عميقة سياسية واجتماعية وثقافية كان الحجوي شاهدا عليها بوعي ذكي وإدراك عميق لتبعاتها وتداعياتها؛ إذ عانى كثيرا خلال فترة ما قبل الاحتلال بما عاينه وشاهده-كذات مفكرة-لأحوال البلاد وظروف العباد، ووقوفه على التحرشات الاستعمارية، وردود فعل الإدارة المخزنية ممثلة في موظفيها السامين، ومواقف المواطنين من كل ذلك. وقد وثق جزءا كبير من ذلك في مذكراته وتقاريره ورسائله وما خلف من رصيد ما زال أكثره غميسا محاصرا في رفوف الخزانات. تم تقسيم الدراسة إلى مقدمة وخمسة فصول وخاتمة. كان الحديث في الفصل الأول عن الحجوي وحياته ومصنفاته وتوليه وزارة المعارف وجهوده الإصلاحية وفكره السلفي. ودار الكلام في الفصل الثاني عن استراتيجية الإصلاح عند الحجوي وبيان رأيه في شروط التقدم وسرد مخطط الإصلاح الذي وضعه. أما الفصل الثالث، فخصص لذكر جهود الحجوي في سبيل تطوير التعليم الأساسي وتعميمه، وتحديد مناهجه وإحصاء المشاكل التي واجهته، والإجراءات التي اتخذها لمواجهة هذه الصعوبات والتغلب عليها. وفي الفصل الرابع، تحدث المؤلف عن مساعي الحجوي لربط التعليم بمخططات التنمية، حتى يكون للتعليم دور فعال في قيادتها في دروب التحرر والتقدم، وما فعله في هذا الاتجاه من تعميم تعليم البنات، ونشر التعليم التجاري والمهني، وإدخال تعليم اللغات الأجنبية. وكان الفصل الخامس الأخير مخصصا لجهود الحجوي في سبيل تطوير التعليم العالي وتحديث مؤسساته، وهي إصلاحات مهمة كان لها صدى كبير في مسيرة القرويين خاصة، والحياة العلمية المغربية عامة. ثم ختم الكتاب ببيان معاناة الحجوي في إصلاحه، واستحضار أسئلته وهمومه في الزمن الحاضر. ويشير المؤلف إلى أن كتابه يأتي في سياق إعادة الاعتبار لهذا الفكر الوطني التقدمي، ورغبة في إنصافه والتعريف به، وإماطة الحجاب عن تجربة إصلاحية وطنية تقدمية ذات إشعاع وطني وقطري وقومي وضاء.