لم يعد يفصلنا عن شهر مارس إلا أيام معدودات ،ولم يعد يماري أحد أنه شهر بطعم أنثوي لمصادفته اليوم العالمي للمرأة .وهي محطة للاحتفاء بالنساء وبإنجازاتهن ،كما نتذكر فيه بعض المناضلين والمدافعين عنها وعن قضاياها .ومن المفكرين الذين يحتلون واسطة العقد في قضية المرأة المفكر المصري قاسم أمين المتوفى عام 1908 م الذي اشتهر في ربوع الوطن العربي من خلال كتابه (تحرير المرأة) و رغم أنه خصص حديثه في هذا الكتاب عن المرأة المصرية لكن أفكاره كتب لها الرواج في كل الربوع العربية، والمغرب من الأوطان التي قررت بعض نصوص الكتاب في مقرراتها الدراسية . في غياب شبه تام لمفكرين وعلماء مغاربة أدلوا بدلوهم في هذه قضية .لذلك يمكن القول إن المغرب زخر بعلماء أفذاذ أرقهم واقع أمتهم فأنتجوا أفكارا نيرة إلا أنهم لاقوا التهميش المريع ،وأهيل على كتابتهم تراب كثيف يصعب اليوم نفضه للكشف عن جهودهم ،لذلك سأحاول في هذه الإطلالة الخفيفة على العالم الجليل محمد الحجوي الثعالبي لتسليط بعض الضوء على أفكاره الإصلاحية في قضية المرأة مع كل الرجاء أن يتم الترويج لأفكار علمائنا و العهد مازال قريبا بزمانهم وإلا سيسقطون في مهاوي النسيان البعيدة التي يستحيل معها تذكرهم. يعد الحجوي الثعالبي صاحب كتاب (الفكر السامي في الفقه الإسلامي والمتوفى عام 1956م )من أبرز العلماء الذي انتبه إلى مكامن الداء والمعضلات المفضية إلى التخلف وقد نظر بعين البصيرة إلى قضية التعليم باعتبارها ركيزة للنهوض مدرجا المرأة في صلب العملية الإصلاحية مبينا : 1_ أنها صنو الرجل في البناء الحضاري : إذ اعتبرها شريكا أساسيا لأخيها ولا يمكن النظر إليها بمعزل عنه لأن ذلك سيزيد من إرهاق المجتمع ومن نكوصه الحضاري فطالب بإجبارية التعليم للنساء والرجال معا يقول رحمه الله مبديا إعجابه بما رآه في أوربا “فالتعليم عندهم إجباري على الرجال والنساء ،فكل صبي بلغ سن التعليم لابد أن يدخل المدرسة ويتعلم التعليم الابتدائي :القراءة والكتابة ومبادئ الحساب … لذلك نرى قدرا من العلم اشترك فيه الذكر والأنثى والغني والفقير ” (من كتابه الرحلة الأوربية ) ولكي يعزز كلامه وهو الفقيه العالم فقد رجع إلى صفحات السيرة النبوية يقلبها ليرد بها على خصومه الذين أغلظوا له القول واشتد نكيرهم عليه فاستنتج أن” الإسلام ثقافة وعلم وتهذيب وأخلاق ،فكيف يتصور عاقل أن يمنع من تعلم المرأة ويترك نصف المتدينين خلواًمن الثقافة والتهذيب ” (من كتابه تعليم البنات ) ويقول كذلك”العلم يصون المرأة وينفعها ،والجهل هو سبب المعرة العظمى” (المصدر نفسه ص115 ) 2- أن تعليم المرأة ضمان لجيل صالح وناصح : لا يفتأ الحجوي يذكر جدته التي كان لها الفضل الكبير في تكوينه والتأثير الإيجابي على حياته، ومما لا شك فيه أن هذه المرأة الفاضلة كانت متعلمة فبذرت في حفيدها حب المعرفة والتربية الحسنة فنشأ على قدر كبير من الهمة العالية فأراد أن لا تبقى حكرا عليه بل يشرك فيها أبناء وطنه يقول رحمه الله :”تأثير هذه التربية الأولى على حياتي هي التي أوضحت لي أن تربية الأمهات لها دخل كبير في تهيئة الرجال النافعين وإعداد الأمم للنهوض ،لذلك أرى وجوب تعليمهن وتهذيبهن تعليما يليق بديننا ويزين مستقبل أولادنا” (من كتابه تعليم البنات ) 3- أن تستر المرأة ضمان لصلاح المجتمع : لم تكن دعوة الحجوي لإشراك المرأة في الإصلاح رعناء هوجاء تربط تخلفها بحجابها وتطالب بسفورها حتى تستطيع مواكبة التطور والتقدم وإنما كانت دعوته أصيلة تريد الاستفادة من خير ما وصلت إليه أوربا من رقي حضاري وترك كل ما يزري بهذه الحضارة لذلك قال عن النساء الفرنسيات :”فقد خلعن ربقة الحياء وتبرجن تبرجا لا يتصور فوقه إلا فساد الحيوانات في الطرق جهارا ” (من كتابه الرحلة الأوربية) ثم ترتفع لهجته بشكل قوي يظهر معه رفضه للسفور بل يراه معيبا للمرأة نفسها يقول : “وإنما السفور ويل وثبور على المرأة نفسها ذاهب بشرفها وعائق لها عن وظيفتها ” (من كتابه تعليم البنات) ويرى الحجاب واجبا لكنه يجب أن لا يمنع المرأة من العلم لأنه” لمحل العورة لا للأحوال كلها ” .و هذه هي النقطة التي يختلف فيها اختلافا شديدا مع قاسم أمين ويوجه له لوما مقرعا في كتابه تعليم البنات. هذه بعض الومضات من فكر هذا العالم الغيور أردت بها الكشف اليسير عن آرائه التي إن فسح لها مجال التطبيق كانت ستحفظ للمغرب خصوصيته الأصيلة وستضمن للمرأة حرية مهذبة وسيسبق المغرب بها ما فرض عليه من دخول في نظام المستعمر الغالب في قضية المرأة .ولكن تسلط المتسلطين منعها وكتم أنفاسها وعلى رأسهم الصدر الأعظم محمد المقري العميل الفرنسي الذي كان من أشد الرافضين لدعوته بل بلغ به الحد أن منعه من زيارة مدارس البنات. وأختم بأبيات شعر من نظم عالمنا يرد فيها على معارضيه : يراني أناس بالخطأ متقلدا//وإن كنت لا أبني إلا المجد والعلا فيسعون في ذمي ونسف عزائمي//ويأبون إلا أن أكف وأهملا ولكن صدري لا يضيق بحالهم//فشيمتهم جهل وحسبي أن أعملا فأي غيور لا يفدى ويزدري؟//وكل الذي يسعى إلى الحق يبتلى 1. وسوم