اعتبر الفقيه محمد بن الحسن الحجوي أن الرقي لن يحصل دون تهذيب المرأة وتعليمها تعليماً متوسطاً ينطبق على مقتضيات القرآن والسنة وعمل السلف، ويأخذ بعين الاعتبار قابلية أمتنا. واعتبر الحجوي التعليم شرطاً أساسياً لركوب الحداثة لذلك طالب بإصلاحه وتعميمه، وبالأخذ بالعلوم العصرية والانفتاح على اللغات الأجنبية دون التخلي عن اللغة العربية، التي يجب تطويرها وجعلها لغة قادرة على استيعاب التجديد ودون إهمال للعلوم الدينية والأدبية. وأولى أهمية كبرى للتعليم العملي في مدارس متخصصة تهتم بكل الميادين التجارية منها والفلاحية والصناعية. وفيما يلي مقتطف من كتابه تعليم الفتيات لا سفور المرأة: إن فكري في هذه تعليم الفتيات ومشاركة المرأة الرجل في الحياة الاجتماعية مشهور لديكم منذ جهرت به سنة 1341 ه بالمؤتمر الذي انعقد هنا بالرباط في محاضرتي التي سارت بها الركبان وهو أن يعلمن تعليما عربيا إسلاميا، على نحو تعليم السف الصالح نساءهم، من غير أن يؤدي ذلك إلى السفور ورفع الحجاب الذي يأباه الدين والقرآن، ومكارم الأخلاق وحفظ النسل لأنه مثير للشهوة مضاد للحياء والحشمة. وقد دللت على ذلك بأدلة بسطتها في المسامرة السالفة التي طبعتها النهضة التونسية في نفس الجريدة ثم طبعتها طبعة خاصة ونشرتها وتقبلها العالم الإسلامي شرقا وغربا بأكمل قبول. ويأتي لنا ترجمة ماذا تتعلم الفتاة، وحدود تعليمها، ففيه زيادة وبيان. أدلته: ألأول: أني لم أقف في الكتاب والسنة على دليل يمنع المرأة من العلم، أي علم، أو يوقفها عند حد محدود في التعليم العربي الديني. بل الأصوليون صرحوا أن المرأة يجوز أن تصل إلى رتبة الاجتهاد في علوم القرآن والسنة وما يوصل إليهما من العلوم الإسلامية حتى تكون كمالك والشافعي وأضرابهما كما كانت عائشة الصديقية التي كان أعلام الصحابة يستفتونها في المهمات وكانت أعلم أهل زمانها بالشعر والأدب والطب وغيرها كما وصفها الزبير بن العوام وغيره... الثاني: إن الإسلام ثقافة وعلم وتهذيب وأخلاق، فكيف يتصور عاقل أن يمنع من تعلم المرأة ويترك نصف المتدينين به خلوا من الثقافة والفضيلة؟ وفي الصحيح:ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وبمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت له أمة فأدبها وأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران فإذا كان الإسلام يندبنا إلى تعليم الإماء، حفظا لمجتمعنا من مفسدة جهلهن، فما ظنك بتعليم الحرائر بناتنا وأعز ما لدينا وذلك كله في تعليم ديننا وآدابنا ولغتنا وما ينفعهن من علوم الدنيا مما لا يكون ذريعة إلى خلع جلباب الحجاب ولا للسفور الممقوت المخل بالحياء والحشمة والنزاهة والطهر وصون النسل المقدس؟ الثالث: قوله عليه السلام: طلب العلم فريضة على كل مسلم ... وقد ألحق بعض المصنفين بآخر الحديث ومسلمة. وليس لها ذكر في شيء من طرقه. ثم أقول: إن هذه الزيادة غير محتاج إليها إذ كل حكم ورد في الشريعة لمسلم أو مؤمن إلا والمسلمات والمؤمنات داخلات فيه إما بطريق اللفظ أو القياس، لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما ورد فيه استثناء: كأحكام الحيض والنفاس. الرابع إن الأمة مجمعة على أن لا يجوز لامرئ مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، وأن الله لا يعبد إلا بالعلم، والمرأة داخلة في ذلك بلا شك ويجب على وليها تعليمها. فإن فرط في ذلك فعلى الزوج تعليمها. وهذا من ضروريات الفقه والدين. فهذا الدليل، والذي قبله، ينتجان وجوب تعليمها. الخامس: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل لهن يوما مخصوصا لتعليمهن وكانت تأتيه نسوة الأنصار يسألنه عن الدين، وهو في جمع من الصحابة، من غير أن ينكر عليهن. كما كن يأتينه في منزله الشريف لذلك. ففي الصحيح قالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين وقال عليه السلام: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها الحديث. وكان عليه السلام إذا خطب الرجال ووعظهم تقدم للنساء فطبهن ووعظهن وعلمهن. وهذا كله معلوم في الصحاح وكتب السير لا يمتري فيه مسلم.... السادس: إن النساء شاركن في أعمال عظيمة في تأسيس الإسلام ولم يؤذن لهن فيها إلا ليكن على علم من أحكامها ودقائق مسائلها ومقاصدها. قال الله تعالى: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن. الله أعلم بإيمانهن، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار وقال:إذا جاء المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن.. الآية. فما من منقبة سبق الرجال إليها، كالهجرة والبيعة والجهاد والنصرة في الدين وإعلاء شأنه ونشره والدعاية إليه إلا وكان للنساء حظهن في ذلك. ويظهر في لفظ القرآن الكريم والسنة النبوية أنهن تسابقن إليه اختيارا منهن للفضيلة والمشاركة للرجل في الخير. فليست خديجة عليها السلام إلا كأبي بكر في سبقها للإسلام وتقديم مالها ونفسها لله تعالى. وكم فيهن من مهارجات للحبشة كأم سلمة وأم حبيبة زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء بنت عميس زوج جعفر بن أبي طالب وغيرهن. وقد حضر لبيعة العقبة الثانية بضعة وسبعون رجلا وامرأتان، والكل بايع على الذب على الإسلام وحمايته من أعدائه ونشر دعوته. وإحدى المبايعات أم عمارة الأنصارية النجارية، ليلة العقبة، وشهدت مشاهد معه صلى الله عليه وسلم وجرحت في غزوة أحد وشهدت غزوة اليمامة بعده صلى الله عليه وسلم فجرحت اثنتا جراحة وقطعت يدها وقتل ولدها. والخنساء تماضر، الشاعرة، كذلك حضرت الغزو وأولادها الأربعة في القادسية وحرضتهم على القتال فماتوا هنالك جميعا في قضية طويلة. وكم فيهن ممن كن يحضرن الغزوات يداوين المرضى ويضمدن الجرحى كما فعلت فاطمة بنت رسول الله بأبيها في غزوة أحد، وكما كانت أم عطية وغيرها يفعلن في سائر المغازي وكن يغزون حتى في البحر كما وقع لأم حرام بنت ملحان التي غزت قبرص مع زوجها عبادة بن الصامت وماتت هناك أو ببيروت عند أوبتها، وهي التي طلبت النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بأن تكون من أول من يغزو في البحر كما في البخاري. فقبل الحجاب كن يداوين الجرحى ويغزون وهن غير محجبات، وبعده كن يفعلن ذلم محجبات. ولا تدل هذه الأعمال على رفع الحجاب أصلا كما أن الحجاب ليس مانعا لهن من ذلك...