قال محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث المتخصص في التراث الإسلامي، إن شعوب المنطقة لم تتجاوز بعد سؤال الحداثة والدين، مشيرا إلى أن ذلك يتكرر بشكل شبه دوري خلال مختلف اللقاءات والمحاضرات. وأوضح أن فكرة الحداثة أكبر من التكنولوجيا وترتبط بأفكار عظيمة يعتبر التصنيع مجرد نتيجة لها. وقال رفيقي، الذي كان مساء الجمعة في ضيافة جمعية "الجامعة للجميع للتعلم مدى الحياة" بمدينة القصر الكبير، إن علاقة الإسلام بالحداثة متشعبة، وتستوجب تحديد أي إسلام يتم الحديث عنه، بحكم تعدد فرق المسلمين، مشيرا إلى أن الاحتكاك الأول للفقهاء مع الحداثة اتسم بتحريم كل ما جاءت به. وأوضح رفيقي أنه على سبيل المثال فُتح نقاش كبير إبان عهد السلطان الحسن الأول حول استخدام التلغراف، وإن كانت تجوز عملية المراسلة به، فضلا عن تحريم السكر، وعدم اعتماد شهادة متناوليه، مشيرا إلى أن المجتمعات اتجهت فيما بعد إلى قبول فكرة الحداثة وبعض من منتوجاتها، بفضل العديد من العلماء الذين كان لهم دور كبير في الأمر. وأكد رفيقي أن الزمن كفيل بتبديد كثير من المفاهيم، مستشهدا بواقع حال حركات الإسلام السياسي، التي غيرت كثيرا من مواقفها، وأصبحت بدورها تتحدث عن الديمقراطية، بعد أن اكتشفت أنها ستكون خارج النسق إن لم تقبل بالمشاركة والمساهمة. وأوضح الباحث في التراث الإسلامي أن الوهابية، التي تتبناها أغلب المجتمعات في المنطقة، ليست هي الإسلام، متهما إياها بالوقوف في وجه التحديث. وأضاف أنه يستوجب وضع العقل على رأس كل المعاملات الدنيوية، مشيرا إلى أنه "لا تصادم بين الدين والحداثة إلا في القراءة الوهابية للإسلام". وسجل رفيقي أن مجتمعات المنطقة تعيش حالة من التخلف، مشيرا إلى أن التاريخ لا يعود إلى الوراء، وأن المسلمين لا يمكنهم أن يبقوا على معزل عن العالم، وأن عليهم التعامل مع الحداثة بشرط استيعابها للدين الإسلامي. وانتقد الباحث المتخصص في التراث الإسلامي بعض دعاة الحداثة، الذين ينفرون الناس منها بحكم أنهم يعملون على تصويرها كأداة لمعاداة الأديان. ودعا إلى تحقيق نوع من التوافق بين الحداثة والإسلام، واستيعاب المعاني الحقيقية للحداثة، والبحث عن المشترك داخلها، وتبيان أنها لا تعود إلى الغرب ولا إلى المسلمين، وإنما هي مشترك كوني ساهم فيه الجميع، مشددا على ضرورة التخلي عن النظرة الاستعلائية وتصوير المسلمين على أساس أنهم القوم الناجون، وأن الجميع يسير نحو الهاوية. وطالب رفيقي بما أسماه أنسنة العلوم الدينية، وتمكين الجميع منها من أجل إيجاد فقه يلائم العصر الحالي، مشيرا إلى أنه من غير المقبول أن يعيش الإنسان في القرن الواحد والعشرين ويفكر ويفسر الواقع المعيش بفقه يعود إلى القرن الثاني ويساهم في تعطيل المجتمع.