منذ اثني عشر يوما، دخل مجموعة من المواطنين من مدينة الجديدة في اعتصام مفتوح أمام مقر بلدية المدينة، لمطالبة المسؤولين القائمين على تدبير الشأن المحلي بتوفير مقبرة لدفن موتاهم. ويقول المواطنون المعتصمون، الذين يمثلون كافة سكان مدينة الجديدة، إنهم لن يفضوا هذا الاعتصام إلا إذا بادر المسؤولون المعنيون إلى الاستجابة إلى مطلبهم المتمثل في إنشاء مقبرة عمومية. ووقّع سكان مدينة "مازاكان"، عبر التنسيقية الممثلة لهم، عريضة موجهة إلى مسؤولي المدينة، من مجلس بلدي وسلطة محلية، بلغ عدد الموقعين عليها إلى حد الآن أزيد مِن أربعة آلاف شخص، يطالبون فيها بتفعيل قرار تحويل وعاء عقاري مساحته 22 هكتارا إلى مقبرة، كما هو متضمّن في تصميم التهيئة منذ سنة 2009. ويتخوّف سكان مدينة الجديدة من أن يفقدوا هذا الوعاء العقاري الذي كانوا يطمحون إلى أن يدفنوا تحت ثراهُ موتاهم، لكون القانون ينص على أنه في حال عدم تفعيل مسطرة نزع الملكية لتحويل وعاء عقاري إلى المنفعة العامة، في غضون عشر سنوات، فإن العقار يعود إلى مُلاكه الأصليين. ولم يتبقّ على انصرام المهلة التي قد تُفقد سكان مدينة الجديدة أيّ أمل في تحويل الوعاء العقاري المخصص لإحداث مقبرة سوى ستة أشهر، إذ ستنتهي يوم 23 أبريل 2019. ويتساءل السكان المعتصمون عن السبب الذي يحُول دون تفعيل مسطرة نزع الملكية لتحويل الوعاء العقاري سالف الذكر إلى مقبرة. عبد الرحيم مديحي، الناطق باسم تنسيقية ساكنة مدينة الجديدة، قال، في تصريح لهسبريس، إن السبب الذي جعل مسؤولي المجلس البلدي لمدينة الجديدة يتماطلون في تفعيل مسطرة نزع ملكية الوعاء العقاري سالف الذكر وتحويله إلى مقبرة "هو خضوعهم لضغوطات لوبيات العقار الطامعة في الأرض المفروض أن تتحول إلى مقبرة". وسبق أن خرج سكان مدينة الجديدة للاحتجاج في الشارع السنة الماضية، طلبا لإحداث مقبرة. وغداة الاحتجاج، استقبل رئيس المجلس البلدي ممثلين عن السكان، وتعهد بإخراج مشروع المقبرة إلى حيّز الوجود، وصوّت أعضاء المجلس في دورة فبراير 2017 على هذا المشروع بالإجماع؛ لكن سكان الجديدة ما زالوا ينتظرون خروج مشروع إلى حيّز الوجود. وحسب إفادة عبد الرحيم مديحي، فإن رئيس المجلس البلدي يعلل عدم تفعيل مسطرة نزع الملكية لإحداث المقبرة "بوجود صعوبات وإكراهات السيولة المالية، ومنْع مُلاك الوعاء العقاري المفروض أن يتحول إلى مقبرة المهندس الطوبوغرافي من القيام بعمله"؛ لكن هذه التبريرات، يضيف مديحي، "واهية، فنحن في دولة الحق والقانون، وبإمكان المجلس البلدي أن يطبق إجراءات نزع الملكية، وفق ما ينص عليه القانون". من جهته، انتقد محمد الدهلي، فاعل جمعوي، ما سمّاه "التسويف الذي ينهجه المجلس البلدي لمدينة الجديدة إزاء مطالب سكان المدينة بإحداث مقبرة لدفن موتاهم"، مضيفا: "رئيس المجلس أعطى وعْدَ شرف بإنشاء المقبرة في لقاء مع ممثلي السكان سنة 2017، وفي دورة المجلس شهر فبراير من السنة نفسها جرت المصادقة على إخراج مشروع المقبرة إلى حيّز الوجود، ومنذ ذلك الحين ونحن ننتظر". واعتبر الدهلي أن التبريرات التي يعلل بها رئيس المجلس البلدي لمدينة الجديدة عدم تفعيل مسطرة نزع ملكية الوعاء العقاري المفروض أن يتحول إلى مقبرة "استغباء لساكنة مدينة الجديدة"، موضحا "إذا كان المُلّاك يتعرضون للمهندس الطوبوغرافي، فما عليه سوى أن يستعين بمفوض قضائي لتحرير محضر، وتقديمه إلى وكيل الملك وسيأمر بإنجاز المهمة تحت حماية القوة العمومية". وتسود قناعة وسط سكان مدينة الجديدة من أن سبب عدم تحويل الوعاء العقاري الموجود في تخوم المدينة إلى مقبرة راجع إلى "أطماع لوبيات العقار". وفي هذا الإطار، يشير محمد الدهلي إلى أن "هناك دواوير عمّرها سكانها منذ عقود منذ عقود ومع ذلك نزعت منهم ملكيتهم لها لصالح المصلحة العامة"، وأردف متسائلا: "فكيف يدعي رئيس المجلس البلدي عدم قدرته على تفعيل نزع مسطرة وعاء عقاري لا يتعدى عدد ملاكه بضعة أفراد؟". واستعانت تنسيقية ساكنة مدينة الجديدة بجثمان عبارة عن مجسم اصطناعي ملفوفة وسط كُفن وبجانبه إكليل ورد وضعته على الرصيف المقابل لمبنى المجلس البلدي لإيصال رسالتها إلى من يهمّهم الأمر، وعلى سياج المجلس علقوا لافتة سوداء مكتوب عليها "ساكنة مدينة الجديدة تستنكر وبشدة سياسة التماطل الممنهجة من طرف المجلس البلدي لمدينة الجديدة لإخراج المقبرة المسطّرة في تصميم التهيئة لسنة 2009". ويكابد سكان مدينة الجديدة الأمرّين في سبيل دفن موتى المدينة، إذ يضطرون إلى قطع مسافة عشرين كيلومترا، لدفنهم في مقبرة تقع بتراب جماعة مولاي عبد الله، وهي مقبرة قال محمد الدهلي إنها لا تتوفر على حراسة؛ وهو ما يشكل خطرا على أهالي الموتى أثناء زيارة المقبرة، فضلا عن كون الوصول إليها يقتضي التوفر على وسيلة نقل، نظرا لوجودها في منطقة نائية. وتعتزم تنسيقية ساكنة مدينة الجديدة، المطالبة بإحداث مقبرة، الاستمرار في الاعتصام الذي تخوضه أمام المجلس البلدي، على الرغم من التطمينات الصادرة عن باشا المدينة ورئيس المجلس الجماعي بكون مسطرة نزع الملكية ستأخذ مجراها؛ لكن المعتصمين يرفضون تعليق اعتصامهم خوفا من أن تتبخّر وعود مسؤولي المدينة. "نريد أن نوقع محضرا يلتزم فيه رئيس المجلس البلدي بإخراج مشروع المقبرة إلى حيّز الوجود، لأن الساكنة ما بقاتش دايرة فيه الثقة"، يقول محمد الدهلي، مضيفا: "عدم تفعيل هذا المشروع إهانة لساكنة مدينة الجديدة"، بينما قال عبد الرحيم مديحي إن لقاء يُرتقب أن يجمع التنسيقية الممثلة لساكنة مدينة الجديدة مع عامل الإقليم، "ونتمنى أن تكون هناك نتيجة"؛ لكنه شدد على "أننا بعزيمة قوية ما زلنا هنا من أجل المقبرة، ولم نفك هذا الاعتصام حتى يتحقق مطلبُنا".