قال رشيد حموني رئيس الفريق النيابي لحزب "التقدم والاشتراكية" إن الطبقة الوسطى التي طالما حملت عبء وهَمَّ بناء الديموقراطية، غارقة اليوم بعد تدهور قدرتها الشرائية، في "حسابات نهاية الشهر وتكاليف المعيشة" ومنسحبة من الفضاء السياسي بشكل مقلق ومُخيف. وتساءل حموني في مقال على صفحته الرسمية بعنوان " تأملات في الوضع السياسي الراهن"، هل الفضاء السياسي بخير؟ وهل نسيرُ في الطريق الصحيح؟ هل الجميعُ يقومُ بدوره كما يجب؟ هل مواطن اليوم له الرغبة والقدرة والمِزاج للإقبال على الفعل السياسي؟ وهل يمارسُ الفاعلُ السياسة بالحدِّ المطلوب من النبل والأخلاق وتناغم الأقوال مع الأفعال؟.
وأضاف " هل نحن في مستوى دستور 2011؟ هل ممارساتُ الحكومة والبرلمان والأحزاب، وخطاباتها، والوُجوهُ التي تملاُها والعروضُ التي تقدمها اليوم هذه المؤسسات السياسية، تُعطي صورةً جاذبةً لملايين الشباب نحو فضاء السياسة والانتخابات؟ هل كلُّ واحدٍ منا، مواطنين عاديين وفاعلين حزبيين مؤسساتيين، يقومُ بما يلزمُ من نقدٍ ذاتي، لتصحيح المسار بأفق استعادة المصداقية والثقة؟. وأكد حموني أن مقاولين شباب يحاربون من أجل البقاء في ظل مناخ أعمالٍ غير سليم، وبالمقابل هناك رجالَ أعمال الريع "يربحون" في حقل الاقتصاد و"ينافسون" أيضاً، بشكلٍ خطير، في "جبهة الاختراق" للحصول على مقاعد في البرلمان ومناصب في الحكومة ومسؤوليات في الأحزاب، وعلى رئاسة جماعات ومقاعد في كل شيء يتحرك، فقط لتوسيع نفوذهم وأموالهم من خلال "مواقع القرار السياسي". وسجل أنه في مقابل هذا الوضع، هناك فقراء ومهمشون ومستضعفون، من مواطنينا ومواطناتنا، منهم من يؤدي ثمن الحفاظ على كرامته وكبريائه، ومنهم من يُفرِّطُ مرغماً فيهما، ليسقط ضحيةَ بيعِ ذمته في الانتخابات للمفسدين الذين بأقصى مهارة يصنعون كل شروط "استدامة البؤس" ليستغلوها بأبشع الطرق. وشدد على أن هناك مثقفين وشباب ونُخب ومناضلين، في كل مناطق وطننا الغالي، منعزلين ومعزولين، منسحبين أو منبوذين، بدعوى أنهم غير قادرين على النجاح في الانتخابات في نظر القيادات، وأيضاً هم أنفسهم صاروا يَشكُّون في ذواتهم، ويسألون عن الجدوى من النضال والتطوع واعتناق فكرة "المصلحة العامة"، وذلك بفعل سنواتٍ وعُقودٍ من التبخيس والتيئيس، ومن سنوات الإحباط وخيبات الأمل، ولأن المجتمع أيضاً اخترقته قيم الفردانية، والبراغماتية النفعية، وتحولاتٌ قيمية أخرى عميقة. ودعا حموني إلى تغيير الخطاب السياسي لأنه لم يعد مقبولاً من الحكومة مثلاً أن تدعي "بلا حيا بلا حشمة" أنها ناجحة بمنجزات غير مسبوقة، وهي ترى أن الناس تعاني في الواقع أكثر من أي وقتٍ مضى، ولم يعد مقبولاً أيضا من أيِّ حزبٍ سياسي أن يدعي أنه "حزب الملائكة" من دون أخطاء، وليس مقبولاً من أحزابنا أن تجعل من هاجس الفوز بالمقعد أولويةً وحيدةً تفوقُ مستلزمات الحفاظ على الهوية والمرجعية ومتطلبات الاستقامة والنزاهة. وانتقد كيف أن مؤسسة البرلمان تحولت لفضاء للفُرجة السخيفة، بل مؤسسة للنقاش الجدي ولتصارُع الأفكار والبدائل وللتداول الحقيقي في مشاكل الناس، مع إعطاء القدوة والنموذج في أدبيات وأخلاقيات الحوار وتقبُّل الرأي الآخر، دون تغول ودون شخصنة. وخلص حموني إلى أنه لم يعد مقبولا السماح بتسوناني المال والمصالح يغزو الانتخابات والأحزاب والمؤسسات المنتخبة، وعلى الدولة أن تقوم بدورها الحازم والكامل بهذا الصدد، ليس فقط احتراماً للقانون، ولكن أيضاً حفاظاً على حاضر ومستقبل الوطن وسمعته وصورته.