2/3 لن ينسى الجزائريون على مر السنين حرب الرمال، التي تعد من أكبر المواجهات العسكرية التي اندلعت بين المغرب والجزائر، والتي انتصر خلالها الجيش المغربي على نظيره الجزائري؛ فما كان منهم إلا ترديد المقولة الشهيرة التي قالها أيضا الرئيس الجزائري الراحل، أحمد بنبلة، آنذاك، وهي: "المغاربة حكرونا". ويبدو أن هذه الهزيمة العسكرية كانت من العوامل التي سهلت انقلاب بومدين على الرئيس بن بلة، الذي اتهم بالتقصير في إدارة الصراع مع المغرب؛ فكانت مساهمة سلطات الجزائر في مساندة بعض مكونات معارضة نظام الملك الراحل الحسن الثاني، وتسهيل اختراقها للحدود المغربية، للقيام ببعض العمليات المسلحة، كان آخرها عملية مولاي بوعزة، ضمن مخطط لزعزعة الاستقرار داخل المملكة، في انتظار عمليات عسكرية تمكنها من إلحاق هزيمة عسكرية بالقوات المسلحة الملكية، انتقاما لهزيمة الجيش الجزائري في حرب الرمال. وقد خلقت حرب الرمال، التي اندلعت بين الجزائر والمغرب في شهر أكتوبر من سنة 1963، والتي كانت أول مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين، وانتهت بوساطة من منظمة الوحدة الإفريقية، من خلال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 20 فبراير 1964 في مدينة باماكو، عاصمة مالي، توترا سياسيا مزمنا في العلاقات المغربية الجزائرية؛ وبالتالي فبعد 13 سنة، وبالضبط في 27 من شهر يناير من سنة 1976، تجددت المواجهات بين جيشي البلدين في واقعة أمغالا. ويبدو أن قرار الملك الراحل الحسن الثاني استرجاع المناطق الصحراوية التي كانت تحت السيطرة الإسبانية بعد استرجاع كل من منطقتي طرفاية وسيدي إفني، دفع نظام بومدين إلى استغلال ذلك، ومحاولة إلحاق هزيمة بالجيش المغربي. وهكذا، بعدما تبين لنظام الرئيس الراحل بومدين أن الملك الراحل الحسن الثاني نجح في الضغط على السلطات الإسبانية من خلال تحريك المسيرة الخضراء للتفاوض حول الجلاء من المناطق الصحراوية التي كانت تحتلها، وعدم تنفيذ وعيدها بالتصدي عسكريا لإيقاف هذه المسيرة، قامت قوات من الجيش الجزائري صبيحة 15 فبراير 1975، في محاولة لاستباق الأحداث، بهجوم عسكري على منطقة أمغالا، لتنشب معركة أمغالا الأولى التي استطاعت فيها القوات المسلحة الملكية بعد يومين فقط من هذا الهجوم تطهير هذه المنطقة نهائيا من الجنود الجزائريين والقيام بأسر 101 جندي. وعقب تعهد الرئيس الجزائري بومدين، في مؤتمر قمة أمام رؤساء الدول العربية، بألا يكرر غاراته على المغرب، خاصة أن أمغالا تراب مغربي يبعد عن الحدود الجزائرية ب 300 كلم، قامت قوات عسكرية من الجيش الجزائري ليلتي 15 و14 فبراير 1976 بهجوم ثان على منطقة أمغالا، بعد أن غادرتها وحدات القوات المسلحة الملكية، فتم قتل 120 مغربيا وأسر 25 جنديا آخرين، انتقاما من النظام الجزائري لهزيمته في معركة أمغالا الأولى. وحسب الرواية المغربية فقد قام اللواء الأول للمشاة بالجيش الجزائري بالهجوم على بلدة أمغالا، في حين قام لواء آخر بالهجوم على منطقة تفاريتي، وتمركز لواء آخر للمدرعات بمنطقة المحبس المحاذية للحدود الموريتانية؛ بينما قام لواء رابع بمركزة مدفعيته الثقيلة على الأراضي الموريتانية، وبالتحديد بمنطقة "كارة فوق كارة"، والتي تبعد لمسافة 6 كيلومترات عن أمغالا. ولمواجهة هذا التموقع العسكري الجزائري، توجهت وحدات من الجيش المغربي لصد هذا الهجوم في قوة تضم وحدة تحت قيادة النقيب حبوها لحبيب، وفيلقين للمشاة يقودهما الكولونيل بن عثمان، قائد وحدة السمارة، مدعومين بقوة للمدرعات تتكون من 36 دبابة؛ في حين لعب سلاح الجو العسكري دورا كبيرا في هذه المعركة، إذ قام بقصف مواقع المدفعية الجزائرية وقتل الضابط المسؤول عنها، ما جعل الجيش الجزائري يفر من ساحة المعركة تاركا وراءه الكثير من السيارات والمعدات. وتحدث الجانب المغربي عن مقتل 200 جندي من الجزائر والبوليساريو، وأسر 109 آخرين. ويبدو أن هذا الانتصار العسكري في معركتي أمغالا دفع بالنظام الجزائري إلى تحويل حربه مع المغرب إلى حرب بالوكالة، من خلال الدفع بجبهة البوليساريو إلى إعلان، من مخيمات تندوف في 27 فبراير 1976، قيام "الجمهورية العربية الصحراوية"؛ ولجأت إلى حرب العصابات التي سبق لجبهة التحرير الجزائرية أن انتهجتها في حربها ضد القوات الاستعمارية الفرنسية . وقد واجه الجيش المغربي في بداية هذه الحرب صعوبات كبرى في التصدي لقوات البوليساريو التي تبنت هذا النوع من الحروب الذي لم يتمرس عليه من قبل؛ فمعظم الضباط الكبار في القوات المسلحة الملكية لم يسبق لهم أن حاربوا في مسرح عمليات بالصحراء، بل حارب أغلبهم في مسرح عمليات مختلف كفيتنام والهند الصينية أو أوربا؛ وكانت ساحة المعارك تتمثل في الأراضي الغابوية وفي السهول، ولم يتصارعوا في الصحراء الشاسعة المنبسطة، ما جعل الجيش المغربي أمام تكتيك جديد لم يسبق أن تمرن عليه من قبل، فضلا عن سياسة الألغام التي باشرتها القوات العسكرية الجزائرية والبوليساريو المدعومتان آنذاك من طرف نظام القذافي، الذي اعتمد في عقيدته العسكرية على مساندة منظمات التحرير وتبنيها لحرب العصابات. لكل هذا عملت القيادة العليا للجيش على إيجاد تكتيك مضاد لتأمين الحدود المغربية من جهة الجزائر، ومن جهة موريتانيا بعدما تخلت عن المناطق التي حددت لها بمقتضى اتفاق مدريد. وقد قام هذا التكتيك العسكري على المرتكزات التالية: *تحسين الأداء الجوي لمراقبة شساعة الصحراء عبر اقتناء طائرات عسكرية جديدة، كطائرات الاستطلاع والنقل لتأمين تنقل الجنود بسرعة والقيام بالمسح الجوي لتأمين مرور القوات البرية أو مطاردة قوات البوليساريو المتحركة. * إحداث مطارات عسكرية في العيون وإنزكان (ثم بالداخلة بعد استرجاعها عام 1979)، كانت لها أدوار هامة على المستوى اللوجستيكي والحربي، خاصة بعدما اتخذ قرار بجعل أكادير مقرا للقيادة الجنوبية لإدارة العمليات العسكرية بالصحراء. * تطوير خبرة فرق الهندسة العسكرية المغربية وتزويدها برادارات وأجهزة إلكترونية وأجهزة خاصة بالدفاع والقدرة على إدارة عشرات الآلاف من الجنود في تنسيق متناغم. إنشاء تشكيلات مصفحة تتميز حسب قول الملك الراحل الحسن الثاني بشخصية خاصة في المناورة والعراك معا؛ بالإضافة إلى إحداث مجموعات من القوة المختلطة مزودة بالوسائل القوية السريعة، قادرة وحدها على العمل بمعزل عن المجموعات الأخرى. *بناء جدران عسكرية. شرع في بناء أول هذه الجدران المحاذية للجزائر من جهة الزاك (طول الحزام الأول 600 كلم) نحو السمارة في غشت 1980، وانتهى العمل به يوم 14 ماي 1981 (ذكرى تأسيس القوات المسلحة الملكية)؛ لتتوالى الأحزمة (6 أحزمة) في ما بعد طوال النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين. وقد أثمر هذا التكتيك العسكري، خاصة بناء مختلف الجدران العسكرية لتأمين التجمعات الحضرية والمنشآت الاقتصادية بالمناطق الصحراوية المسترجعة، عن التحكم في الوضع العسكري والأمني بالأقاليم الصحراوية الجنوبية، ما عبر عنه الملك الراحل الحسن الثاني بوصفه القائد أعلى للقوات المسلحة بالقول سنة 1980: "إن المغرب أصبح سيد الميدان عسكريا بالصحراء". وبالتالي فقد شكلت هذه السنة المنطلق الرئيسي لتحكم عسكري مغربي بالمطلق في الصحراء، توج بإعلان القذافي عام 1984 تخليه عن دعم البوليساريو والجزائر في حرب الصحراء بعد إبرام اتفاقية وجدة مع المغرب. كما اضطرت الجزائر إلى المطالبة بوقف إطلاق النار عام 1991 بعدما أغلقت القوات المسلحة الملكية بإحكام كل المنافذ التي يمكن أن تتسرب منها الوحدات العسكرية للبوليساريو، ليتم بعد ذلك التوصل إلى عقد هدنة عسكرية بين الجانبين بوساطة من مصر وتونس والجامعة العربية، ما جسد انتصارا عسكريا آخر للقوات المسلحة الملكية على الجيش الجزائري، بعد هزيمة هذا الأخير في حربي الرمال في أكتوبر 1963، ومعركتي أمغالا في بداية 1976. 1/3- المغرب والجزائر .. من الحرب العسكرية إلى المعركة الاستعراضية