بعد التدخين على مدى 26 عاما، أقلع ديب لاما، المقيم في كانبيرا، عن التدخين في مايو الماضي بعد اتباعه وصفة طبية لمدة 12 أسبوعا لمساعدته في التخلي عن إدمان تعاطي النيكوتين. يقول الرجل البالغ من العمر 42 عاماً، وهو أب لطفلين، إن ارتفاع أسعار السجائر في أستراليا كان أحد الدوافع الرئيسية للإقلاع عن التدخين. ويتابع: "كنت أنفق حوالي 250 دولارا أستراليا (183 دولارا أمريكيا) شهرياً على السجائر-50 دولارا أكثر مما كنت أنفق قبل ثلاثة أعوام". وفي عام 2010، رفعت حكومة حزب العمال آنذاك قيمة ضريبة التبغ على نحو مفاجئ بنسبة غير مسبوقة بلغت 25%، وهي الأعلى من جانب أي حكومة في العالم. وقوبلت هذه الخطوة بدعم نادر من الحزبين الرئيسيين في البلاد. وبعد عامين، أعلنت الحكومة عن قانون للتعبئة والتغليف-هو الأول من نوعه في العالم-يقضي بأن ينطوي سطح العلبة الخارجي على صور وألوان غير محببة، وأن تحمل العلبة تحذيرات صحية صارمة، مثل "التدخين يضر بالأجنة" و"التدخين يسد الشرايين" و"التدخين يسبب العمى"، فضلا عن صور بيانية، دون علامات تجارية. ومنذ عام 2013، تواصل الحكومة الليبرالية المحافظة زيادة قيمة الضرائب على السجائر ومنتجات التبغ بنسبة 12.5% كل عام، وسيستمر ذلك حتى عام 2020. وزاد ثمن علبة السجائر، اعتبارا من الأول من سبتمبر الجاري، بحوالي ثلاثة دولارات في المتوسط. وارتفع ثمن علبة سجائر تحتوي على 20 سيجارة تنتجها شركة "وينفيلد"، واحدة من العلامات التجارية الأكثر شعبية في أستراليا، من 21.30 دولارا إلى 23.90 في العام الماضي. ويقول جميل سراج، صاحب متجر "فري تشويس توباكونيست" في كانبيرا، إن سعرها وصل حاليا إلى حوالي 27 دولارا. ويقول كولن مندلسون، أستاذ الصحة العامة في جامعة نيو ساوث ويلز، إن أسعار السجائر في أستراليا هي الأعلى على مستوى العالم. ووفقاً لقاعدة بيانات عالمية لأسعار المستهلكين "نمبيو"، فإن علبة سجائر "مارلبورو" التي تحتوي على 20 سيجارة تكلف 27 دولاراً في أستراليا، مقابل 10 دولارات في ألمانيا و1.4 دولار في كازاخستان. ويقول برامود شارما، خبير صحي زميل جامعة تشانسيلور في جامعة سيدني للتكنولوجيا: "تعد زيادة الضرائب إحدى الاستراتيجيات الأساسية والفعالة للحد من التدخين، لكن الإقلاع عن التدخين يعتمد على عوامل متعددة ومتشابكة داخل المجتمع". ويقول مندلسون إن عدد المدخنين الأستراليين لم ينخفض بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة على الرغم من الارتفاع الهائل في الأسعار. وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي، كان ربع عدد سكان أستراليا يدخنون. ووفقا لتقرير صادر عن المعهد الأسترالي للصحة والرعاية الاجتماعية عام 2016، فإن 15.6% من البالغين، فوق ال18 عاما، أو حوالي 3 ملايين أسترالي، يدخنون بانتظام يوميا أو بصورة غير منتظمة، مقابل 14.1% في الولاياتالمتحدة و15.1% في المملكة المتحدة. ويقول مندلسون: "في الفترة بين 2013 و2016 لم يتراجع معدل المدخنين في أستراليا بدرجة كبيرة. وصلنا إلى معدل ثابت". ويتابع: "في الواقع، ارتفعت نسبة المدخنين في ولاية نيو ساوث ويلز، أكبر الولايات في استراليا، من 13.5% من البالغين-فوق سن 16 عاما-في عام 2015 إلى 15.1% في عام 2016". ويضيف مندلسون أن "زيادة سعر التبغ هي استراتيجية مؤكدة للحد من معدلات التدخين، ولكن لم يسبق لأي دولة أن ذهبت إلى هذا المستوى المرتفع (من ارتفاع الأسعار) من قبل. لقد أصبح لها الآن تأثير في تراجع أعداد المدخنين". ويشير إلى أن "سعر السجائر تضاعف منذ عام 2008. ومن الواضح أن هناك العديد من الأشخاص سوف يواصلون التدخين بغض النظر عن أسعار السجائر". ويقول مندلسون إن زيادة الضريبة على السجائر "لا تستهدف خفض أعداد المدخنين بقدر ما تهدف إلى زيادة دخل الحكومة". في السنة المالية الماضية، حصلت الحكومة على 12.5 مليار دولار من ضرائب التبغ، أو 3% من إجمالي الإيرادات. ومن المتوقع أن ترتفع إلى 17 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020. بالنسبة للأستراليين، يتصدر التبغ قائمة المصروفات الأسرع ارتفاعًا وبفارق كبير حتى الآن. ومنذ يونيو 2008، ارتفع الإنفاق على التبع بنسبة 202.5% مقارنة ب"البيرة" التي زادت بنسبة 39% فقط. وخلال تلك الفترة ارتفعت أيضا أسعار الكهرباء، التي تعد مصدر قلق كبير للناخبين، بنسبة 117%. وأعربت أليس ليلي، وهي إحدى المدخنات من عملاء متجر "آي جي إيه إكسبريس" في كانبيرا، عن غضبها على الحكومة بسبب زيادة سعر السجائر كل عام، وقالت: "أنا أعيش من مبلغ الرعاية الاجتماعية نصف العام. الحكومة تستعيد معظم هذا المبلغ في صورة ضرائب على السجائر". ويقول مندلسون إن ارتفاع الأسعار، بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون الاقلاع عن التدخين، يخلق "معاناة مالية كبيرة". ويؤكد مندلسون أن "ارتفاع الأسعار لا يعني بالضرورة الإقلاع عن التدخين ... نحن بحاجة إلى منحهم المزيد من المساعدة للإقلاع -وليس فقط معاقبتهم -وتوفير بدائل لهم أكثر أمانًا، مثل السجائر الإلكترونية". وفي أستراليا، تعد السجائر الإلكترونية المزودة بالنيكوتين غير قانونية، ويعاقب حائزها بغرامة قد تصل إلى 45 ألف دولار، وما يصل إلى السجن لمدة عامين في بعض الولايات. ويقول مندلسون: "هناك تأثير مهم وغير مرغوب فيه" لرفع الأسعار، هو "النمو المتسارع لصناعة التبغ غير القانونية". ويتابع: "إننا نواجه مشكلة كبيرة في تهريب التبغ، حيث يساهم ذلك في تمويل الجريمة المنظمة. إنه نشاط عالي الربحية ومنخفض المخاطر". ويقول نات أوبينشو، مدير شركة بريتيش أمريكان توباكو أستراليا (باتا)، لوكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ"، إن مستوى تهريب التبغ ارتفع من 9% عام 2009 (وهو العام الذي سبق زيادة ال25%) إلى 15% في عام 2017. *د.ب.أ