"نحنُ في حالة حداد"، يقولُ "فرانك"، وهو اسم مُستعار اخْتارهُ هذا المهاجر الإفريقي، الذي وَصلَ مُؤخراً إلى مدينة طنجة قادماً إليها من تزنيت (جنوب المغرب)، وهُوَ يفصحُ عما يختلجُ في نفْسهِ من أحاسيسَ بعد وفاةِ اثنين من رفاقه الذين اشْترك معهُم مرارةَ المَسيرِ نحو حلمٍ استبدَّ بهم وأخْرَسَ كلَّ محاولاتهم للعبورَ إلى "الفردوس الأوروبي"؛ وذلك خلالَ مُداهمات قامت بها قوات الأمن لمساكن المهاجرين شمال البلاد. ووفقاً لما نقلتهُ منظمة كاميناندو فورنتيراس، وهي واحدة من أنشط المنظمات غير الحكومية في معارضة ما يسمى "العودة الساخنة" والرفض الفوري للمهاجرين على حدود سبتة ومليلية، فإنَّ "المهاجر المدعو مومون كانَ من بين الأفارقة المُستبعدين من مدنِ الشمال الذين لقوا حتْفهم خلال عملية الترحيل صوب الجنوب المغربي"، مضيفةً أن "صبياً قاصراً آخر توفي ولم تحدد هويته، وذلك بعد أيامٍ من دخوله في غيبوبة". بصوتٍ مبْحوحٍ تتخلله طبقات سميكة من الخجل يحكي مهاجر آثر عدم ذكر اسمه لجريدة "أولديارو" الإسبانية، وهو من أصدقاء أحد المتوفين: "لقد ماتَ صديقي". ويعتبر مومون الذي قدمَ من صحراء مالي الكبرى أول شخص يُقتل خلال عملية الترحيل التي تمت خلال الأسبوع الماضي، والتي استهدفت آلاف المهاجرين الذين استوطنوا مدن الشمال المطلة على البحر الأبيض المتوسط، خاصة طنجةوالناظور. وقالَ المنبر الإسباني إن "الحملة التي شنّتها السلطات ضد المهاجرين في منطقة الشمال جاءت عقب توصل دول الاتحاد الأوروبي بمعية المغرب إلى اتفاق يحدُّ من تدفق المهاجرين المتزايد على أوربا؛ وذلك بزيادة الأموال المخصصة للمملكة، لتصل حوالي 35 مليون أورو، ستخصص لاقتناء الموارد اللوجيستيكية التي تساهمُ في عملية الضبط". وحسبَ تقرير منظمة كاميناندو فورنتيراس، الذي اطلعت عليه الجريدة الإسبانية، فإنَّ "فيديو على الشبكات الاجتماعية يظهر مومون ملقى على الأرض ومقيّد اليدين مع الشاب الآخر المتوفى..كلاهما يظهران بشكل واضح مع كسور في الرأس". ووفقاً للعديد من الشهادات التي استقتها المنظمة فإن الوفاة كان بسبب عمليات الطرد التي تعرض لها المهاجرون داخل أحياء طنجة. مومون، الذي كانَ يكْتري رفقة أصدقائه الأفارقة شقةً في حي مسنانة بطنجة، كانَ يتحيّنُ الفرصة لقطع البحر المتوسط عبر قارب للوصول إلى إسبانيا، وخلال المداهمات، تعرّض لهجومٍ أزْهقَ حياتهُ. وقال رفيق مومون: "جاءت الشرطة وكسرت بابنا لإبعادنا عن المدينة، رغم أننا لم نقم بسرقة أو قتل أي شخص". وكانت السلطات الأمنية المغربية، بحضور أفراد من القوات المساعدة، قامت في وقت مبكر من الخميس بتمشيط غابة بكويا في الناظور، وألقت القبض على عشرات المهاجرين ونقلتهم في حافلات إلى جنوب البلاد؛ وفي الساعة العاشرة ليلاً من اليوم نفسه قامت بالتخلي عنهم في بنجرير. وكانت الحملةُ الأمنية اسْتهدفت مئات المهاجرين في الأيام الماضية بمدينتي طنجةوالناظور، اللتين تمثلانِ نقطتين ساخنتين تجذبان الباحثينَ عن فرص العُبورِ إلى الجنوب الأوروبي. ووفق ما كشفته مصادر فرنسية، نقلاً عن مصادر مسؤولة، فإن هذه العمليات "تندرج في سياق جهود المغرب لمحاربة الهجرة غير الشرعية"، مشيرة إلى أنّ "عدد المرحلين يتراوح بين 1600 و1800 شخص".