لم يكن أندري أزولاي فقط أولَ رجل سياسة وإعلام واقتصاد يهودي نُقش اسمه في تاريخ الملك الراحل الحسن الثاني؛ من خلال اضطلاعه بمهمة ضبط علاقاته الخارجية وعلاقاته مع وسائل الإعلام الفرنسية، وليس فقط مستشارا للملك محمد السادس، ولكنهُ رجل ثقافة بامتياز، فهو مؤسس جمعية "الصويرة موغادور"، ومن مؤسسي مهرجان كناوة، منذ سنة 1998، والذي يُقاوم بالصويرة، مسقط رأسه. أزولاي من النخب السياسية التي بصمت تاريخ المغرب منذ التسعينيات إلى اليوم، وفي الوقت ذاته وضعت يدها من أجل بسط إشعاع ثقافي، انطلق وهجُه من مدينة الصويرة، ليُعلن بذلك توطيد علاقات التلاحم والتآخي بين المسلمين واليهود. "موغادور" في قلب أزولاي لم يخلف أزولاي، البالغ من العمر 77 سنة، موعد مهرجان كناوة وموسيقى العالم رفقة زوجته، في يونيو الماضي، كما أشارت جريدة "لوموند" الفرنسية، إذ حرص على تسجيل حضوره، مبديا سعادته بعد ثلاثة أيام من عرس الموسيقى العالمية بالقول: "مُبهرٌ جدا أن نرى آلاف الناس في شوارع الصويرة، من كل الأعمار، والألوان، والجنسيات". وحسب "لوموند"، فإن المصرفي السابق ب" BNP Paribas"، الذي يُثقن فن الكلام المختصر والدال، علق على الحركات الاحتجاجية الأخيرة التي عرفها المغرب، بالقول: "الناس يتظاهرون بالمغرب، وهذا أمر جيد". وبالنسبة لأزولاي، فوجود هذه الحركات الاحتجاجية يعني أن الدولة تسمح بها. ويفتخرُ اليهودي المغربي بتجربة 27 سنة قضاها مُستشارا بالقصر الملكي، إذ تولى مكانة الرجل الرئيسي في نظام الملك الحسن الثاني، ثم مستشارا من الدرجة الثانية، بعد تسلم الملك محمد السادس زمام الحكم، موضحا: "لا يوجد اليوم مستشار خبير، والمستشارون ليست لديهم مسؤوليات تنفيذية، ولكنهم ينخرطون في عملية التفكير والاقتراح". توثيق الذاكرة أزولاي مقتنعٌ بأن مدينة الصويرة، التي تحتضن الجالية اليهودية وتستضيفُ ما يقرب 400 ألف زائر خلال مهرجان كناوة، معقل التفكير الثقافي، وستصير مستقبله، وهو الذي فكر في تأسيس جمعية "الصويرة موغادور"، منذ عام 1992، من أجل "وضع سياسة لتنمية التراث الثقافي والفني للمدينة، وتعزيز انصهار وتمازج الثقافات والأديان"، مُسجلا، في حديثه إلى جريدة "لوموند"، حالة الاكتئاب العميق التي تعرفها الصويرة، ما يُثير استياء السياح. ومن أجل صون الذاكرة يدعو أزولاي، الذي ناضل، منذ خمسين سنة، من أجل إنشاء دولة فلسطين، إلى توطيد العلاقات بين المسلمين واليهود، موضحا أنه "قبل 15 سنة، كان المهرجان الأندلسي الأطلسي يوحدُ في منصته الفنانين اليهود والمسلمين". ويرفض المتحدث التوقف على مسألة المواجهة بين الديانتين، مشددا على أهمية المهرجانات في تكريس احترام الحساسيات وتاريخ كل الديانات. "كتبتْ زوجتي كتابين حول مدينة الصويرة، وقد عرفا نجاح باهرا"، يقول أزولاي، الذي أكد أن الثقافة، في وسطه العائلي، إرثٌ، في إشارة إلى زوجته الكاتبة "Katia Brami" التي تزوجها سنة 1966، وابنته الصغرى " Audrey"، التي تولت منصب وزيرة الثقافة لدى الرئيس الفرنسي السابق "فرانسو هولاند"، قبل أن يتم تعيينها على رأس اليونيسكو في نونبر 2017. وكان أزولاي أطلق، منذ ثلاث سنوات، في جمعية "الصويرة موغادور" ورش "بيت الذاكرة"؛ وهو بيت سيضم معبدا لليهودِ، وقاعات للمعارض ومركزا للأبحاث لدراسة العلاقات بين الإسلام واليهودية، وهما الديانتان، اللتين اعتبرهُما المتحدث، تضررتا بشكل كبير، آملا أن يُفتح "بيت الذاكرة" في وجه الجميع، خاصة المسلمون. وإذا لم يعد عمل أزولاي بارزا في الجانب السياسي، باعتباره مستشارا ملكيا، فإنه اليوم، في قلب الدبلوماسية الثقافية، أول سفير للتلاحم اليهودي الإسلامي، وهي الرسالة التي تُكرس انفتاح المغرب، وحداثته واعتداله في الوقت نفسه، إذ لا تمثل له الثقافة هدفا سياسيا فقط، وإنما مُحيطا شاملا لمقاومة الأفول والانحطاط، ومضادا للرياح السيئة. *صحافية متدربة