لم يَكُن النشطاء الأمازيغ المُجتمعون في بوزنيقة، ذات مارس من سنة 2000، لإرسال "بيان أمازيغي" خطه المُفكر محمد شفيق، إلى القصر الملكي، على معرفة واعية بأنهم على موعد فينيقي يسترجعون خلاله "شيئا من ماسينيسا"، وأن حديثا حول اللغة والثقافة والإنسان سيتحول إلى "زلزال أخرج الجميع من حالة اللاموقف" بعد أن ظلت الأمازيغية عقودا حبيسة الصالونات، ورهينة التقاطبات الحزبية، التي لم تكن تخرجها من دوامة الشوفينية والتعصب. مسارٌ طويل قطعته الأمازيغية في طريقها إلى الاعتراف الرسمي، منذ ذلك الحين: خطاب ملكي بأجدير سنة 2001، وبداية ورش الإدماج المؤسساتي لغة وثقافة سنة 2003، ودسترة رسمية سنة 2011، بعد الخروج القوي ل"إيمازيغن" من أجل الاحتجاج ضد مسار "التراجعات التي طالت الأمازيغية في عهد الحكومات المتعاقبة". لقد ظلت الأمازيغية مرتبطة بأسماء الملوك على مر العصور إلى أن وصلت عهد "الاعتراف"، الذي لم يختلف كثيرا عن الماضي، فالفاعل السياسي والناشط الأمازيغي، على حد سواء، يقولان إنها ملف موكول للملك، هو من يُوجه سفينته، ويُقرر في مدى تقدمه واعتماده في مختلف مناحي الحياة، خصوصا في ظل التحفظ الشديد للأحزاب السياسية من مسألة دعم الأمازيغية، ليبقى بذلك القصر الباب الوحيد الذي يقصده كل راغب في إنصاف الأمازيغية. خلال 19 سنة من حكم الملك محمد السادس لمس النشطاء الأمازيغ أول تفاعل مع مطالب الحركة بشكل مباشر، حيث شكل خطاب أجدير انطلاقة قادتهم، في سعيهم لضمان المكتسبات، إلى المناداة بالدسترة، وهي التي ستأتي عقب حراك "20 فبراير"، لكن الفاعل الحكومي والتشريعي، حسب رأيهم، لم يكن في مستوى اللحظة التاريخية، فظل التنزيل متوقفا إلى حين. سعي للإنصاف عبد الله بادو، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، أكد أن "أهم الخطوات التي طبعت بداية مسار الملك في حكمه، هي خطاب أجدير يوم 17 أكتوبر 2001، الذي أكد فيه أن النهوض بالأمازيغية يحظى بعنايته الخاصة في إطار المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، القائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية، واعتبر أن النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية، لأنه لا يمكن لأي ثقافة وطنية التنكر لجذورها التاريخية". وأضاف بادو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "كل مكونات الحركة الأمازيغية تُجمع على أن ترسيم اللغة الأمازيغية يُعد استجابة لمطلبها التاريخي، وتتويجا لنضالاتها ونضالات حلفائها من منظمات المجتمع المدني المؤمن بعدالة مطالبها، كما أنه جاء كانخراط للدولة في سيرورة الاعتراف الرسمي والمؤسساتي بالأمازيغية، والذي شكل تحولا في تعاطي المؤسسة الملكية مع ملف الأمازيغية". واستطرد قائلا إن "مختلف مكونات الحركة الأمازيغية تُسجل اليوم، بعد مرور 18 سنة على خطاب أجدير و7 سنوات على دستور 2011، أن الأمازيغية تراوح مكانها ولم تتقدم قيد أنملة على ما كانت عليه، إن لم تكن قد تراجعت بالفعل، حيث لم تتجاوز منطق الاعتراف الشكلي المفتقر إلى تدابير وإجراءات عملية ومؤسساتية لأجرأته على أرض الواقع". وأضاف بادو "لا بد من الإقرار بمسؤولية الجميع في تعثر الورش التشريعي، فمشروعا القانونين التنظيميين، اللذين عبرنا، إلى جانب فئة عريضة من الفاعلين، عن رفضهما، نظرا لما يكرسانه من تمييز وإقصاء وحيف تجاه الأمازيغية بشكل يحُد من إقرار مبدأي المساواة والإنصاف بين اللغتين الرسميتين من حيث الأدوار والوظائف، سبق أن تم تداولهما في المجلسين الوزاري والحكومي قبل إحالتهما على البرلمان، الذي احتجزهما إلى يومنا هذا". ونبه بادو إلى أن "الوضع، اليوم، لا يحتمل المزيد من الاحتقان وصب الزيت على النار"، مضيفا أن "على الجميع تحمل المسؤولية في التعثر والإفشال الذي يطال الورش التشريعي المتعلق بالأمازيغية". وطالب ب"الإفراج الفوري عن مشاريع القوانين التنظيمية"، محملا الجميع "مسؤولية المسارات المستقبلية التي يُمكن أن تنحو إليها الأمور في ظل تنامي الإحساس بالتذمر والإحباط والحكرة لدى مكونات الحركة الأمازيغية وعموم المواطنين بسبب سياسة التجاهل والتماطل الممارسة تجاه الأمازيغية". ارتباك الدولة وقال الفاعل الحقوقي أحمد عصيد إن "المبادرات الملكية في مجال الأمازيغية كانت سباقة إلى الفعل على مستوى القضية الأمازيغية، عكس الفرقاء السياسيين، الذين يتمادون في رفضهم للأمازيغية، حد إجهاض كل المبادرات الملكية على الواقع، فالملاحظ حاليا هو وجود تراجعات كبيرة، بسبب المفارقة الغريبة التي تتعرض لها الأمازيغية، فالقوانين التي تحميها موجودة، لكن دون تفعيل حقيقي". وأضاف عصيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "بعد الخطوة التاريخية التي قام بها الملك، وحديثه عن الأمازيغية في أجدير، وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومباشرة تدريس الأمازيغية، أصبح الفاعلون الآن أمام خطر فقدان المبادئ التي انطلقنا منها، خصوصا في قطاع التعليم، وهي: إلزامية التدريس والتعميم أفقيا وعموديا بنشرها في المغرب كاملا، وفي مختلف الأسلاك الدراسية، وكذا تدريسها كلغة وليس لهجات، وبالحرف الأمازيغي تيفيناغ". وختم عصيد تصريحه قائلا إن "الدولة تعيش حالة ارتباك في علاقتها بالأمازيغية، فالحركة الأمازيغية نادت، منذ 2001، بتحصين الحقوق المكتسبة من خلال دسترة اللغة الأمازيغية، لكن الحاصل هو أن الوضع في تراجع مستمر، فالمجلس الأعلى للتعليم، على سبيل المثال، ذاهب نحو إقبار المكتسبات في التعليم، كما أن القانون التنظيمي الذي سَيَكفلُ حقوق الأمازيغية، على مستوى القضاء والتعليم وغيرهما من القطاعات، لم يخرج بعد إلى حيز الوجود".