تعتبر مناقشة قضية وضعية الأمازيغ بالمغرب من القضايا المطروحة اليوم ضمن قضايا المغرب المعاصر الطامح إلى الانتقال نحو الديمقراطية ودولة القانون، خصوصا وان الأمازيغ هم ضحايا الاستعمار والاستقلال معا وان المناطق الأمازيغية هي الأكثر تضررا من السياسات الاجتماعية والاقتصادية المطبقة. فمن هم الأمازيغ المغاربة؟ ماذا يريدون؟ وما السبيل إلى تحقيق أهدافهم؟ ما هو الموقع الذي يحتله الأمازيغ حاليا في الرهانات السياسية التي تحكم موازن القوى داخل المغرب؟ تلكم بعض الأسئلة الإشكالية التي تتوخى الورقة التالية محاولة الإجابة عنها. 1) من هم أمازيغ المغرب؟ "منذ ما يزيد عن ثلاثة آلاف سنة والإنسان الأمازيغي يصنع تاريخه وحضارته العريقة على طول وعرض أرض شمال أفريقيا، تاركا بصماته وآثاره في كل بقاع المنطقة، ما بين أحجار وواحات الصحراء الكبرى، وكهوف ومغارات جبال أهكار وتاسيلي والأطلس والريف. تنوعت هذه الآثار القديمة ما بين الرسوم بمختلف أنواعها، والتي تجسد جوانب من حياة قدماء الأمازيغ؛ من رعي وقطف وزراعة وحصاد وحروب... وغيرها من مظاهر وتجليات الحياة اليومية لإنسان المرحلة القديمة، وكذا معتقداته الروحية... إلى جانب الرسوم ترك لنا الأمازيغ القدماء ما يعد بآلاف القطع المنقوشة بحروف تيفيناغ التي عرفت صيغتها الأولى في المصادر التاريخية بالحروف اللوبية، ثم سميت بتيفيناغ في مرحلة لاحقة..." (منشور في مجلة تافسوت العدد الأول ربيع 2007). إن الأمازيغ هم سكان شمال إفريقيا الأصليون الذين استوطنوا في رقعة جغرافية تمتد على 10 مليون كيلومتر مربع تشمل جزر كناريا والمغرب والجزائروتونس وليبيا وواحة سيوة في مصر ومناطق أخرى في القارة السمراء. جميع مؤرخي شمال إفريقيا يؤكدون بالحجج العلمية الدامغة على أن الشعب الأصلي لشمال إفريقيا ومن ضمنه المغرب هم الأمازيغ، بحيث يؤكد ابن خلدون أن الأمازيغ سكنوا جبال وسهول وهضاب المغرب مند القدم وتكلموا اللغة الأمازيغية واعتنقوا ديانات مختلفة وكان لهم ملوك ورؤساء مختلفين، كما أكد المؤرخ "شارلي أندري جوليان" charle André Julian" في كتاب له بعنوان "تاريخ شمال إفريقيا" المنشور سنة 1931 أن ما يسمى اليوم بالمغرب والجزائروتونس هويتها وأرضها أمازيغية رغم نسبها قسرا إلى العرب وسكانها الأصليين هم الأمازيغ، كل هذه الحقائق يجملها المؤرخ " غابرييل كامب Gabriel Camps " في كتابه " البربر ذاكرة وهوية" عندما يقول ( لقد استوطنت ساكنة من البيض من النوع المتوسط لآلاف السنين من عصور ما قبل التاريخ، ولقرون مظلمة من الحقبة قبيل التاريخية، بلاد البربر، وكانت تشترك في لغة واحدة قد تفرعت دون شك مند بداياتها إلى لهجات شتى، وهي التي نسميها البربرية). لكن رغم هذه الشهادات التاريخية عن عراقة وأصالة الأمازيغ بالمغرب، إلا أن التاريخ الرسمي المغربي ما يزال يروج وقائع تاريخية غير دقيقة من حيث انحدار الأمازيغ من مناطق أخرى غير مناطقهم الأصلية. وفي مداخلة حول نمط الإنتاج الأمازيغي، قال الدكتور إبراهيم فوكيك إن نمط الإنتاج عند الأمازيغي نمط جماعي، حيت أن الأرض وكل وسائل الإنتاج تسير بشكل جماعي، و أن توزيع الموارد والثروة يتم بشكل جماعي وعادل، مبرزا أن النظام الاجتماعي الأمازيغي عموده ينطلق من الأسرة إلى القبيلة ثم إلى كنفدرالية القبائل. وأشار إلى أن مبدأ القبلية عند الأمازيغ لا يقوم على العرق، كما هو الشأن عليه لدى القبائل العربية في الشرق أو بعض القبائل الأخرى في أمريكا اللاتينية، بقدرما يقوم على أساس الانتماء للأرض او الحيز الجغرافي، كمحدد أساسي للانتماء للقبيلة حيث تجد داخل قبيلة واحدة، سكان بيض وسود، ينتمون لنفس القبيلة. الباحث إبراهيم فوكيك: حول نمط الإنتاج عند الأمازيغ. 2) نبذة تاريخية عن الحركة الأمازيغية: عندما نتحدث عن الحركة الأمازيغية فنحن نقصد بها الحركة الثقافية والسياسية التي شارك فيها الأمازيغ في صراعهم من اجل إقرار حقوقهم التاريخية والمشروعة على أرضهم ، أي أن الحركة الأمازيغية تجمع بين نضالات المثقفين والمفكرين والنخبة الأمازيغية كما تضم نضالات الحركات السياسية التاريخية التي قاومت الاستعمار الفرنسي والاسباني والدولة المخزنية في أن واحد، وسنعرج فيما يلي على أهم المحطات التاريخية التي قطعتها الحركة الأمازيغية في تاريخها النضالي من اجل إقرار الحقوق الثقافية واللغوية والاقتصادية والاجتماعية للاما زيغ بالمغرب. في سنة 1912 كان المغرب في وضعية حماية فرنسية اسبانية في إطار تقسيم النفوذ الاستعماري بين الدولتين الاستعماريتين فرنساواسبانيا في المغرب مستغلتين ضعف وتفكك جهاز الدولة السلطاني ، وبادرت سلطات الحماية منذ البداية إلى تقويض قوة القبائل والجماعات الأمازيغية الطامحة إلى حقها في السلطة والثروة ورفض الانصياع للدولة السلطانية ، مما جعل فرنسا تواجه عسكريا المقاومة المسلحة الأمازيغية مستعينة بالدولة المخزنية السلطانية وقد انهزمت فرنسا في معركة تاريخية ضد المقاومة المسلحة بقيادة "موحى احموا الزياني" في معركة الهري الشهيرة "وفي فترة بناء الدول الوطنية في الستينات بعد الاستقلال فان الدولة – الأمة في المغرب تبنت كل القوانين التي وضعتها دولة الحماية الفرنسية واعتبرت نفسها وريثة لها في تملك الأراضي والموارد والأقاليم والغابات التي كانت تخضع إلى حدود دخول الحماية للقوانين العرفية الأمازيغية في المغرب وتدخل اغلبها في ملكية القبائل واتحادات القبائل الأمازيغية، وكانت الملكية الجماعية منظمة بقوانين عرفية قديمة جدا منها ما هو مكتوب ومنها ما هو شفوي بجانب أنظمة قضائية عرفية لحل النزاعات بإصدار قرارات من هيئات منتخبة في إطار التداول الدولتي بمشاركة ممثلي كل العائلات والمجموعات داخل الإطار الجغرافي للجماعات الأصلية أو اتحاد القبائل الأمازيغية." ذ.حسن ادبلقاسم تقرير حول وضعية اللغة الأمازيغية بالمغرب وشمال إفريقيا المقدم أمام اللجنة الدائمة للشعوب الأصلية من 08 إلى 10 يناير 2008 بنيويورك. وفي سنة 1921 انهزمت اسبانيا أمام المقاومة المسلحة الأمازيغية بالريف بقيادة "محمد عبد الكريم الخطابي" في معركة أنوال الشهيرة، هذه الانتصارات المتتالية للمقاومة المسلحة الأمازيغية دفعت اسبانياوفرنسا إلى التحالف ضد المقاومة الأمازيغية. في سنة 1922 أصدرت فرنسا ظهير 15 يونيو 1922 الذي استهدف القضاء على القوانين والأعراف الأمازيغية المنظمة للجانب العقاري مما سمح لفرنسا بمصادرة أملاك عدد كبير من القبائل الأمازيغية. ومايزال هذا الظهير الاستعماري حيز التطبيق في مغرب الاستقلال. في سنة 1930 اصدر المقيم العام الفرنسي ظهير 30 ماي 1930 الذي بموجبه حاولت فرنسا تقسيم المغرب بين بلاد سيادة القانون والشرع المخزني وبلاد العرف. وقد استغل هذا الظهير من طرف بعض المشككين في نضال الامازيغ لاتهامهم بالتعاون مع المستعمر ، لذلك سموه بالظهير البربري. في سنة 1934 انهزمت القوات الفرنسية في المغرب الشرقي في معركة بادو الشهيرة بقيادة المقاوم الأمازيغي "عسوا اوبسلام". في سنة 1956 مباشرة بعد الاستقلال قامت الدولة المغربية بإصدار ظهير 25 غشت 1956 الذي بموجبه تم إلغاء المحاكم العرفية الأمازيغية والمدارس الفرنسية الأمازيغية، كما شنت في نفس السنة حروب ضد جيش التحرير المكون أساسا من الأمازيغ في شمال المغرب وجنوبه مما أدى إلى تصفية عدد كبير من القيادات الأمازيغية أبرزهم "عباس المساعدي". في سنة 1959 تم قمع انتفاضة القبائل الأمازيغية بالريف بالحديد والنار من طرف دولة الاستقلال مما خلف جرح عميقا بين الدولة المركزية وقبائل الريف، نفس الشيء وقع مع قبائل الأطلس المتوسط أثناء قمع انتفاضة "عدي اوبيهي" و"حسين اليوسي". في سنة 1962 تم إقرار أول دستور بالمغرب ورغم أن أكثر من ثلثي المغاربة أمازيغ فان هذا الدستور جعل اللغة العربية لغة رسمية ولم يشر من بعيد ولا من قريب للهوية الثقافية الأمازيغية ولا للغة الأمازيغية. في سنة 1967 ظهرت أول جمعية أمازيغية تعنى بالدفاع عن الثقافة الأمازيغية في الوسط المديني وهي الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي. وفي بداية الثمانينات وتحت تأثير أحداث "الربيع الامازيغي" بالقبايل ( ابريل 1980) تأسست" الجامعة الصيفية" باكادير والتي منعت دورتها الأولى سنة 1981 حيث ستصبح فضاء للنقاش الفكري والتناول الأكاديمي لقضايا الثقافة الشعبية بالمغرب طيلة عقد الثمانينات . في سنة 1991 بدأت بوادر وعي أمزيغي نخبوي في الوسط الجامعي ووسط الطبقة المتوسطة خصوصا بالمدن الكبرى توج بإصدار مجموعة من الجمعيات الأمازيغية لميثاق أكادير التاريخي الذي تضمن مطالب بالاعتراف باللغة والثقافة الأمازيغية ومطالب أخرى متعلقة بضرورة إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام. وبضرورة إحداث معهد وطني للدراسات والأبحاث بخصوص الأمازيغية، وقد تكاثرت الجمعيات الأمازيغية بعد ميثاق اكادير بشكل كبير على طول التراب الوطني رغم المنع والتضييق الممنهجين. سنة 1993 أصدرت مجموعة من الجمعيات الأمازيغية مذكرة مطلبية تضمنت مجموعة من المطالب الأمازيغية كما تناولت أوجه السياسة الاحتوائية المنتهجة ضد الأمازيغ بالمغرب أثناء انعقاد المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان بجنيف ما بين 14 و25 يونيو 1993. وكان المؤتمر مناسبة لإعلان الحركة الأمازيغية انخراطها الفعلي في الحركة الحقوقية الدولية والنضال من اجل تدويل القضية الأمازيغية. في سنة 1994 أسست الجمعيات الأمازيغية مجلسا وطني للتنسيق من اجل تجميع وتوحيد نضالاتها لفرض مطالبها على الدولة المغربية ومباشرتها نقاشا دستوريا من اجل الاعتراف بالأمازيغية في الدستور. وكان المجلس الوطني للتنسيق فضاءا للحوار والترافع الجماعي لإقرار الحقوق الأمازيغية ، كما فسح المجال أمام الجمعيات الأمازيغية للتداول حول الطرق المتاحة لتحقيق أهداف الحركة الأمازيغية بكل مكوناتها وتفرعاتها المناطقية والمجالية. في ماي 1994 تم اعتقال سبعة مناضلين أمازيغ منتمين للجمعية الأمازيغية تيليلي خلال احتفالات فاتح ماي بعد رفعهم لافتات مكتوبة باللغة الأمازيغية "تيفيناغ" مطالبة بتدريس الأمازيغية، أدى اعتقالهم إلى تعبئة كبيرة وطنية ودولية فرضت على الدولة إطلاق سراحهم. وكان بداية الاستشعار الرسمي بتنامي المطلب الثقافي والهوياتي الامازيغي في أوساط النخب المثقفة الواعية. في غشت 1994 ألقى الملك الراحل الحسن الثاني خطاب تعهد من خلاله بتدريس اللهجات بالمدارس المغربية لكن هذا الخطاب لم يترجم بشكل عملي واكتفت التلفزة المغربية بنشرة اللهجات. وفي سنة 1995 تم تدويل المسألة الأمازيغية بتأسيس المؤتمر العالمي الأمازيغي المكون من جمعيات تنتمي إلى دول عدة منها : مالي- المغرب- النيجر – الجزائر – تونس ودول المهجر وتبعه إنشاء صحف طالبت بتقنين ومعيرة اللغة والثقافة الأمازيغية وأكدت على راهنية المسالة الأمازيغية في كل إصلاح. كما بدأ بث عدد من الإذاعات عبر شبكة الانترنيت. في سنة 1996 اصدر مجلس التنسيق الوطني للجمعيات الأمازيغية بيان بخصوص ضرورة الاعتراف باللغة الأمازيغية في الدستور وأرسل رسالة إلى الأحزاب السياسية والبرلمان والحكومة يوم 06 يناير 1996 حول ضرورة إدماج الأمازيغية في الدستور الجديد، كما راسل الديوان الملكي بتاريخ 22 يونيو 1996 حول نفس الموضوع، لكن دستور سنة 1996 كان مخيبا للآمال وأبان عن هوة كبيرة بين الفاعل السياسي الحزبي المتمترس حول خلفيات سياسية واديولوجية معادية للتعدد الثقافي واللغوي بالمغرب. مند سنة 1997 بدأ النقاش بين الفعاليات الأمازيغية والجمعيات الأمازيغية في التفكير باستراتيجيات جديدة للعمل مع محدودية المكتسبات الواقعية التي حققها النضال الأمازيغي بطريقته التقليدية المعتمدة على التراكم الثقافي والأدبي واستمرار التمسك بالشعارات الأولى المهيكلة التي تقول بان الأمازيغية مسؤولية وطنية وان التسييس والتحزيب يضران بالأمازيغية أكثر مما ينفعانها ، في خضم هذا النقاش تفرعت مقترحات واستراتيجيات جديدة للعمل النضالي الأمازيغي فهناك من يقترح العمل بجناحين الجناح الثقافي والسياسي كما هو حال الأستاذ حسن ادبلقاسم بدون إهمال العمل الثقافي الضروري لتطوير الهوية الأمازيغية واعد وثيقة بهذا الاتجاه وهناك تيار أخر يعتبر أن عمل الجمعيات الأمازيغية يجب أن يبقى ثقافيا باعتبار أن ذلك منسجم مع الشعار الأساسي للحركة، الأمازيغية مسؤولية وطنية، وهو توجه أساسي للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وبعض المقربين من الدولة كالأكاديمي الشهير "محمد شفيق". هذا التراوح بين السياسي والثقافي دفع الحركة الأمازيغية والجمعية المغربية للبحث والتبادل تحديدا إلى تنظيم ندوة أيام 12، 13 دجنبر 1998 بحضور مجموعة من الفاعلين الأمازيغ لمناقشة استراتيجيات النضال الأمازيغي في تنزيل المطالب الأمازيغية على ارض الواقع، لكن الحركة الأمازيغية عرفت انقسامات كبيرة واختلافات في وجهات النظر مباشرة بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني وإصدار مجموعة من الفعاليات الأمازيغية القريبة بعضها من مراكز القرار الرسمي ، بيان حول الاعتراف بأمازيغية المغرب والذي يحمل في ديباجته مجموعة من الوقائع التاريخية التي تثبت أمازيغية المغرب وشرعية المطالب الأمازيغية كما يشمل زيادة على ذلك الحقوق الثقافية واللغوية وضرورة ترسيم اللغة وإدماجها في المقررات الدراسية وإعادة كتابة تاريخ المغرب، كما طالب البيان الدولة إلى وضع برنامج اقتصادي وتنموي من اجل تنمية المناطق الأمازيغية .وقد تأسست لجنة البيان الأمازيغي في ماي سنة 2000، لكن هذا البيان تعرض لانتقادات كبيرة من طرف مجموعة من الأطراف الأمازيغية المعروفة باليسار الأمازيغي ممثلة بالأستاذ "احمد ارحموش" أو الأطراف الأمازيغية الأخرى المطالبة بضرورة التفكير بالعمل السياسي المباشر وفق تصور مجتمعي شامل هذا التصور كان يقوده الأستاذ "احمد الدغرني" الذي ضمن وجهة نظره في وثيقة سماها "البديل الأمازيغي". في 14 أكتوبر من سنة 2000 مباشرة بعد الندوة الصحفية التي نظمتها لجنة البيان الأمازيغي (المنعقدة يوم 12 شتنبر 2000) بادرت مجموعة من الفعاليات الأمازيغية إلى الدعوة لمسيرة وطنية سميت فيما بعد ب "تاودا" للتعريف بالأمازيغية في الفضاء العمومي ونقل النضال الأمازيغي من الصالونات والمكاتب والمقرات الجمعوية إلى الشارع وكانت هذه المسيرة إيذانا بانتقال الوعي الأمازيغي من مرحلة المطالبة الرخوة إلى مرحلة الاحتجاج والضغط في الشارع. بتولي العاهل المغربي محمد السادس زمام الحكم بالمغرب سنة 2001 ، استبشر الأمازيغ خيرا بقدوم ملك شاب حداثي متشبع بالفكر الليبرالي الذي يرى في التعدد الثقافي غنى وثروة وطنية، لكن ممانعة ومقاومة الحقوق الأمازيغية مستمرة من قبل معظم النخب السياسية الرسمية والحزبية. في أكتوبر 2001 وبمناسبة خطاب العرش ألقى العاهل المغربي خطابا تاريخيا اعتبر فيه الأمازيغية قضية وطنية وملك لجميع المغاربة، وفي نفس المنوال خطا العاهل المغربي في خطابه الهام في منطقة أجدير ذات الرمزية التاريخية، حيث حمل الخطاب رسائل إلى الداخل والخارج على أن المغرب بدأ في ورش مصالحة مع تاريخه وهويته الأمازيغية، ودعا الخطاب إلى رد الاعتبار للشخصية الوطنية والإقرار بمقومات الهوية والتاريخ الجماعي للكيان المغربي في ظل مشروع حداثي ديموقراطي عام ، حيث تم بعد هذا الخطاب تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وبداية تدريس الأمازيغية في بعض المؤسسات التعليمية وبدأ نقاش وطني كبير حول الأمازيغية لدى النخب السياسية التي فاجأها التوجه الدولتي الجديد اتجاه التعاطي مع خطاب امازيغي كان يشكل بالنسبة للنخبة السياسية المغربية طابوها ومسكوتا عنه وأطلقت السنة نخب كانت إلى حد كبير معادية للتعدد الثقافي واللغوي ومتماهية مع الخطابات القومية الآتية من الشرق، هذه الخطوات الايجابية تجاه الأمازيغية لم تكن كافية لرفع أثار عقود من التهميش والإقصاء الذي طال الهوية والمناطق الأمازيغية باستمرار سياسات التعريب ومنع الأسماء الأمازيغية، تعثر تدريس الأمازيغية ناهيك عن تفشي الفقر بالمناطق الأمازيغية،واستمرار حرمان المناطق الامازيغية من الاستفادة من الثرواث الطبيعية والمنجمية والبحرية... ومنع بعض الجمعيات الأمازيغية من ولوج الفضاءات العمومية، متابعة واعتقال نشطاء من داخل الحركة الطلابية وخارجها ومحدودية الصلاحيات والمهام الموكولة للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية في صياغة سياسة لغوية امازيغية بديلة وفعالة وعادلة، مما ولد لدى الأمازيغ إحساسا بالحكرة والتمييز نتج عنه نقاش سياسي حول سبل تجاوز هذه الوضعية ومنه أتى مشروع الحزب الديمقراطي الأمازيغي الذي تم منعه شهر ابريل سنة 2008 بدعوى انه حزب اثني رغم تواجد احزاب تعمل تحت يافطة العروبة والاسلام ، واستمرت سلسلة من التراجعات عن المكتسبات الأمازيغية المحققة خلال السنوات الفارطة ومع هبوب رياح الربيع الديمقراطي بمنطقة شمال إفريقيا، انخرط الأمازيغ بقوة في حركة عشرين فبراير، التي حلحلت مجموعة من العقد السياسية وطرحت ملفات متعلقة بالثروة والسلطة والهوية مما اجبر الدولة المغربية على الاستجابة الجزئية لبعض المطالب التي تناضل من اجلها الحركة الأمازيغية لعقود داخل المغرب وخارجه وتحديدا مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور الذي كان استجابة مشروطة بقانون تنظيمي يفرغ الدستور من محتواه. بوصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية التشريعية لسنة 2011 تم التراجع الكلي عن المطالب الأمازيغية وتأجيل جميع القوانين المتعلقة بالأمازيغية والإجهاز على ما تبقى من تدريس الأمازيغية، في ظل الوضع التنظيمي الذي تعيشه الحركة الأمازيغية المتسم بالتشردم والتشتت وضبابية الرؤية وفي ظل سيطرة التيارات المحافظة والمعادية للامازيغ والامازيغية مع اختلال موازين القوى وتراجع النضال الامازيغي وانكفأت التنظيمات الامازيغية على نفسها. هذا الانسداد في الأفق يسائلنا جميعا كفعاليات أمازيغية في مختلف المشارب والمواقع، فما هي ياترى الآليات التنظيمية الكفيلة بجمع شمل الأمازيغ وتوحيد كلمتهم قصد إعادة الاعتبار للامازيغية والأمازيغ عبر تمكينهم من حقهم التاريخي في المساهمة السياسية الفاعلة في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة الضامنة لتوزيع عادل للثروات الوطنية؟ ولكن قبل الإجابة عن هذا التساؤل الإشكالي لابد أن نعرج على بعض المطالب الأساسية للحركة الأمازيغية بالمغرب. 3) ماذا يريد الأمازيغ المغاربة؟ الإجابة على ما يريده أمازيغ المغرب يجب أن ينطلق من مسلمة رئيسية أن أمازيغ المغرب لا يريدون الانفصال أو تكوين كيان خاص بهم لأنهم ببساطة هم الشعب الأصلي للمغرب ، فكيف سينفصل شعب عن ارض هي أرضه ؟ إذا جميع الاتهامات المجانية لامازيغ المغرب بأنهم انفصاليين أو معادين للوحدة الوطنية، دعاوى أيدلوجية تستهدف زرع الشقاق بين الأمازيغ والدولة وتخويف بعضهم من بعض. كما أن من يربطون نضال الأمازيغ بأجندات أجنبية ويتهمهم بالباطل بأنهم عملاء إسرائيل والغرب، يهدفون من نشر هذه المغالطات تأليب الرأي العام على مطالب الأمازيغ وتشويه نضالتهم المشروعة من اجل التحرر والانعتاق من أثار الإيديولوجيات المتحجرة والمتكلسة والتي تستمرئ الاستبداد و والاضطهاد وتنبذ التعددية والانفتاح على الثقافات والآراء المختلفة ومن بين مطالب الأمازيغ المستوحاة من بعض مذكرات الجمعيات الأمازيغية بالمغرب نذكر ما يلي : تمزيغ الحياة العامة (إدماج الأمازيغية في الإدارات العمومية : المحاكم، المستشفيات، التشوير الطرقي...) الحق في إعلام عمومي، فرغم إنشاء قناة أمازيغية خاصة إلا أن واقع الإعلام العمومي المغربي يعرف تمييزا ضد الأمازيغية. إلغاء جميع القوانين الاستعمارية التي تمنع على السكان الأصليين أرضيهم. حيث أن المدونة العقارية المعمول بها والمستندة إلى ظهائر استعمارية مجحفة تستغل من طرف بعض إدارة الدولة لحرمان الساكنة الأمازيغية من حق استغلال الأراضي والانتفاع بها. الحق في تسمية الأمازيغ لأبنائهم. بحيث لا تزال بعض مكاتب الحالة المدنية بالمغرب تمنع بعض الأسماء الأمازيغية . إقرار برنامج اقتصادي وتنموي للمناطق الأمازيغية المهمشة. حيث أن المناطق الأمازيغية وخصوصا القروية تعيش تهميشا وإقصاءا حقيقيا من كل ثمار التنمية كما تعرف معدلات هدر مدرسي مرتفعة خصوصا في صفوف التلميذات القرويات اللواتي تجبرن على الزواج المبكر ومغادرة صفوف المدرسة. كتابة تاريخ المغرب بطريقة علمية وذات مصداقية ومراجعة جميع المناهج الدراسية خصوصا وان مقررات التاريخ المدرسي ما تزال تحمل معطيات مغلوطة عن تاريخ المغرب وعن مقاوميه الحقيقيين وتزييفا لوقائع تاريخية لفائدة نظرة تاريخية تقزيمية للدور الأمازيغي في صنع تاريخ المغرب. الحق في تأسيس الأحزاب الجهوية. إعطاء الساكنة الأمازيغية حق استغلال موروثها الطبيعي والمنجمي والبحري وضرورة اخذ رأي وموافقة الجماعات الأصلية في كل ما يتعلق بالمناجم التي توجد في أراضي الساكنة الأصلية. اعتماد العدالة المجالية والتضامن بين الجهات. ودعم الجهات الفقيرة إعادة الاعتبار للأعراف الأمازيغية الايجابية وإدماجها في التشريع الوطني. الاعتراف بالتقويم الأمازيغي واعتماد فاتح السنة الأمازيغية عيدا وطنيا. برمجة ميزانية خاصة لتفعيل الأمازيغية على مستوى التعليم والإعلام والفضاءات والإدارات العمومية. إقرار جهوية سياسية مكان الجهوية الإدارية الحالية على الصعيد المحلي، في أفق بناء دولة فيدرالية وطنية، وإقرار دستور ديمقراطي على أساس الشراكة في القيم والشراكة في السلطات والشراكة في الموارد والثروات. 4) كيف سيحقق الأمازيغ المغاربة ما يريدون ؟ يطرح تحقيق مطالب الأمازيغ اليوم بالمغرب تشابك العلاقة بين المطلب الثقافي والسياق السياسي مما يستدعي ضرورة التجديد والإبداع في صيغ التعامل مع هذا السؤال انطلاقا من التلازم القوي بين الثقافة والسياسة في مختلف التجارب التاريخية التي عرفتها الإنسانية على مدى التاريخ، فإقصاء الأمازيغ اليوم وبالأمس كان دائما بقرارات سياسية وبرامج سياسية تنهجها الدولة والأحزاب السياسية اتجاه الأمازيغ. والامازيغية، فهل يمكن الركون دائما إلى المقاربة الثقافية وحدها لتحقيق المطالب الأمازيغية المشروعة وترك الجانب السياسي المحدد للسياسات العامة جانبا ؟ ولكن أليس الأمازيغ هم من يسيرون كثير من الأحزاب السياسية المغربية اليوم؟ فلماذا فشلوا في نقل المطالب الأمازيغية إلى مستوى تضحيات الأمازيغ من اجل استقلال المغرب؟ يتغيأ مشروع هذه الورقة المساهمة في بلورة نقاش عمومي حول الاستراتيجيات الضرورية لوصول الأمازيغ إلى مرحلة الاستفادة من الثروة الوطنية والمساهمة الفاعلة في القرار العمومي كامازيغ ، أي محتفظين بهويتهم الثقافية والفكرية المميزة ، فصحيح أن كثير من الناطقين بالأمازيغية والذين أصولهم أمازيغية يسيرون الأحزاب السياسية المغربية لكنهم في الحقيقة لا يتملكون وعيا امازيغيا ولا غيرة على امازيغيتهم والأدهى من ذلك أن بعضهم يعادي المطالب الأمازيغية ، وهذا ما يبرر تلكؤ الأحزاب السياسية المغربية عن تحقيق المطالب الأمازيغية وتبني شرف الدفاع عنها.لذلك فمشروع الورقة يخاطب الأمازيغ المقتنعين بامازيغيتهم الممتلكون لارادة قوية من اجل أن يعاد صياغة مغرب المستقبل على أسس عادلة تضمن العدالة المجالية والعدالة اللغوية وتعطى للامازيغ حقهم التاريخي المسلوب. وأمام رهان إعادة الحقوق الأمازيغية عن طريق البوابة السياسية ثلاث مداخل ورهانات احتمالية، و كل مدخل له ما له وعليه ما عليه. المدخل الأول :هو تأسيس الأمازيغ لحزب سياسي يتبنى موقفهم ويدافع عنهم . وستبقى إشكالية الصدام مع الدولة قائمة منذ البداية نظرا لوجود تجربة سياسية سابقة شبيهة بهذا المدخل. المدخل الثاني : هو الانخراط المكثف في حزب سياسي معين قريب من مطالب الأمازيغ والتفاوض حول الشروط الضامنة لبرنامج سياسي يضمن حقوق الأمازيغ. وهذا المدخل سبق أن جربته الحركة الإسلامية المغربية وكان ايجابيا بالنسبة لها. المدخل الثالث : هو تشكيل تيارات سياسية داخل كل الأحزاب السياسية المشتغلة في الحياة السياسية لاعتبار أن اغلب المنخرطين في هذه الأحزاب أمازيغ فرقتهم الانتماءات السياسية المعادية للأمازيغ ومحاولة هذه التيارات الأمازيغية فرض تبني المطالب الأمازيغية على أجندة البرامج السياسية للأحزاب. يبقى أن نقول بان النقاش الموسع بين الفعاليات الأمازيغية من جمعيات وأفراد ومهتمين ومناضلين هو الذي سينضج أكثر هذه الورقة التي يقف هدفها في إثارة النقاش ومحاولة تجميع نضال الأمازيغ ليحملهم من واقع التشتت والتيهان إلى مرحلة تسيير القرار العمومي وجعل الأمازيغ بالمغرب في صدارة المشهد السياسي. تم إعداد هذه الورقة من طرف كل من : الاسم الكامل: رقم الهاتف: البريد الإلكتروني: أنغير بوبكر 0661093037 [email protected] عبدالله لهنود 0672124220 [email protected] محمد المزهري 0653620054 [email protected]