لعل أي دارس لهذا الموضوع سيقف على قلة الكتابة النسائية بالأمازيغية، ومع ذلك لا يمكنه المرور على الإنتاجات الصادرة دون أن يعترف بجهدها الإبداعي ودورها المتميز في المشهد الثقافي الوطني. وهذا المقال يطرح إشكاليتين: أولا إشكالية الحضور من ناحية زمن وتاريخ حضور الأمازيغية في الكتابة النسائية، ثم نوعية الحضور، وتشمل الأجناس الكتابية الأكثر إنتاجا، ثم حجم الحضور، وأعني بها وتيرة الإنتاج وإن كانت وتيرة وصلت إلى مستوى التراكم. أما الإشكالية الثانية فحول مدى فعالية هذا الحضور في الكتابة النسائية المغربية. أولا إشكالية الحضور: من أي ناحية؟ هل هي حاضرة كذات نسائية تحمل حمولة ثقافية أمازيغية بغض النظر عن لغة الكتابة، أم هو حضور لذات لغوية بالأساس، لغة لها خصائص وتيمات تجعل لهذا الحضور قيمة نوعية؟. حضور الأمازيغية كذات نسائية في الكتابة النسائية المغربية يعود إلى تاريخ بعيد. كانت هذه الذات النسائية الأمازيغية من المؤسسات للكتابة باللغة العربية والفرنسية، ولم يكن حضور الأمازيغية كلغة إبداع، ولكن كثقافة وجذور وذاكرة ومحيط اجتماعي عبرت عنها الذات النسائية الأمازيغية بلغات أخرى، كمثال لذلك: أول رواية بالعربية كانت للروائية ليلى أبو زيد، التي عبرت فيها عن حياتها بين جبال الأطلس المتوسط إبان عهد الاستقلال. كانت تلك أول روائية مغربية أصدرت باللغة العربية، لكنها لغة محملة ببيئة أمازيغية أطلسية. نجد أيضا القصاصة فتيحة أعرور، التي نهلت من الميثولوجيا الأمازيغية لتعبر عن هواجس المرأة المغربية كما في مجموعتها "تانيت". سيكون هذا الحضور الأمازيغي الثقافي قويا أيضا في الكتابة باللغة الفرنسية، نجد أسماء بصمت الكتابة الفرنكفونية المحملة بالذات الثقافية الأمازيغية كمثال: الروائية حليمة بن حدو، أماسين داميا، مريم أحرضان، والشاعرة فاطمة شهيد التي قالت في ديوانها Imago: "Je suis l'insoumise, l'indomptable berbère". "أنا المتمردة، الأمازيغية التي لا تقهر". هذه أمثلة بين نماذج نسوية عديدة تدل على الحضور المبكر للأمازيغية في الكتابة النسائية المغربية، بل ومؤسسة للعديد من أجناسها الإبداعية بالعربية والفرنسية. من هنا نفهم أن تأخر حضور اللغة الأمازيغية في الكتابة النسائية المغربية لا يعني أن الكاتبة الأمازيغية لم تكن حاضرة، وإنما هذا التأخر راجع إلى مجموعة من الظروف الذاتية والموضوعية. وقد 0ستغرق الأمر 22 سنة منذ أن أصدر الشاعر محمد الموستاوي أول ديوان بالأمازيغية ليظهر أول كتاب نسائي باللغة الأمازيغية للشاعرة عائشة بوسنينة، وديوانها "غاذ ثخفيثرزود"، بمعنى سوف تبحث عني. ومن ثم توالت إصدارات عززت من حضور الأمازيغية كلغة في الكتابة النسائية المغربية، كما تعددت مناحي الإبداع في الشعر والقصة والرواية، والمسرح والحكاية وأدب الأطفال. كما تظهر سمات هذا الحضور بتعدد الخصائص الجمالية للغة الأدبية الأمازيغية، وتعدد التيمات. ونجد تيمة الهوية كقاسم مشترك بين جميع هذه الكتابات، كما نجد تيمة الكرامة والذاكرة والتاريخ وتيمة الوطن والهجرة، عند الشاعرة فاطمة متوكل في ديوانها "أسرار النجوم"، ولدى الشاعرة زهرة فقهي في ديوانها "دوران". كما نجد الشاعرة رشيدة بوكليج تتغنى بتيمة المرأة في أعالي جبال سوس، بينما تتغنى الشاعرة سعيدة فرحات من أزرو بين قمم الأطلس المتوسط بوطن الشهداء الثائرين على الاستعمار، في حين تنسج الشاعرة صفية عزالدين قصائدها "تافسوت ن أوسنان" كما تنسج زرابي واحات درعة حيث تنتمي باعتزاز. بينما تتغنى فاضمة الورياشي بتباريح الشوق للذات الحرة الأبية المفعمة بالأنفة والانتماء المتجذر في الروح كما تتجذر الجذور في التربة الغناء. أما جميلة إريزي فكتبت مسرحية "تدير"، تلك المرأة التي لا تموت، مستوحاة من جداتها الأمازونيات. أما فاطمة متوكل فكتبت عن حياتها في المهجر، ووصفت في قصائدها اعتزازها بأرضها المغربية لدرجة أن النجوم في سماء فرنسا لا تشبه جمال نجوم سماء المغرب. بينما تلك النجوم تعاني الوحدة في ديوان "تامتانت أكنس ن أوسفرو" للطيفة المودن، حيث أرسلت الشاعرة وادي من الرسائل إلى النجوم تدعوها للهبوط لأنها تملك الدواء الذي سيشفيها. أما مايسة رشيدة ففي ديوانها "أصهينهن ن إيزوران" وقصصها "تاسليت ن أوزرو" عروس من حجر، وصفت كيان المرأة الأمازيغية حيث تمتزج الهوية بكل أبعادها في صور جميلة لكيان أنثوي شبيه بالبحر الأزرق، وبنسيم الربيع وبحب إنساني كوني لا يتعارض مع خصوصية الانتماء. ومع كل هذه التيمات المتعددة تظل تيمة التاريخ تيمة مشتركة في هذه الكتابات، حيث نجد التغني بروح الأسلاف، وتمجيد عظماء من التاريخ المغربي القديم، كالملك يوبا وماسينيسا، وهي سمة حاضرة بقوة في الكتابة الأمازيغية التي ليس فقط تحمل هم التعبير عن غنى وجمال اللغة الأدبية الأمازيغية، بل وأيضا الارتباط بالجذور العميقة للثقافة الأمازيغية التي لا تتجزأ مراحلها التاريخية، فالافتخار بالتاريخ في هذه الكتابات النسائية يمتد إلى قرون عميقة كأنها البارحة فقط، وذلك ناتج عن الرؤية والإحساس العميقين إلى الانتماء المتجذر في الأرض المغربية. رغم كون حضور الأمازيغية كلغة حديث العهد في الكتابة النسائية المغربية، إلا أنه في ظرف وجيز 0ستطاع أن يفرض نفسه في ساحة الإبداع؛ فرغم قلة الإصدارات لكنها ذات قيمة كيفية عالية. لقد حققت الكتابة الأمازيغية إضافة جمالية في المشهد الثقافي المغربي، وعملت على تأسيس آفاق كتابة نسائية مغربية منفتحة على التنوع. *كاتبة