1 صحيح أنه من المبكر جدا الحديث عن شرق أدنى جديد خرج من رحم "الربيع العربي"، لكن علامات تحوّل جدري في المنطقة بدأت ترتسم الآن، سواء نجحت الديموقراطية، أو سيطر الجيش أو أنظمة إستبدادية، الكل سيضع رأي أغلبية شعبه في الإعتبار. وهذا سيغير قواعد الصراع في الشرق الأوسط على مستويين: على المستوى الإسرائيلي/الفلسطيني وعلى المستوى الإسرائيلي/العربي. فمعاهدات السلام مع مصر والأردن وإتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين بقيت وبشكل يدعوا للدهشة على مدى عقود سارية المفعول، رغم الحروب المتكررة على لبنان، وغزة ورغم الإنتفاضة في المناطق الفلسطينيةالمحتلة. 2 "الربيع العربي" هو الذي يقف وراء تحريك هذه الصفائح التَكْتُونيِّة في الشرق الأوسط، لكن الفاعلين في العالم العربي وفي صراع الشرق الأوسط لا يمكن حصرهم فقط في بلدان المنطقة. إن أمريكا وأوروبا وتركياوإيران إلى حد ما يلعبون دورا بشكل مباشر أو غير مباشر في الشرق الأوسط. ولنبدأ بالإتحاد الأوروبي الغارق في الوقت الراهن أساسا في مشاكله الذاتية، الأوروبيون بقيادة أنجيلا ميركل وساركوزي أغلقوا باب الإتحاد الأروبي بكل ما للكلمة من معنى في وجه تركيا، الشيء الذي دفع هذه الأخيرة إلى تغيير بوصلتها في اتجاه العرب، حيث أن أولوية السياسة الخارجية للعثمانيين الجدد باتت هي المنطقة العربية قبل القوقاز وقبل آسيا الوسطى وقبل البلقان. لكن بغض النظر عن ذالك، ليس لأنقرة إختيار آخر غير الإهتمام و بشكل مكثف بجيرانها الجنوبيين، ويجب أن تعمل على أن لا تعم الفوضى. تركيا الملتزمة أوروبيا كان عليها، أن تواجه طبعا نفس مشاكل أوروبا، لكن أولوياتها كانت ستكون مختلفة عما هي عليه اليوم. فرصة إذا فوتها الأوروبيون على أنفسهم. 3 أما أمريكا ومن خلال خطاب القاهرة لأوباما وموقفه من الصراع في الشرق الأوسط، أيقظت إنتظارات كبيرة، لكنها لم تحقق منها إلا القليل، إن لم نقل لا شيء منها. هكذا تركت واشنطن فراغا، قوَّته سياسة الجمود لحكومة نتنياهو بشكل حاسم. جاء من تمَّ "الربيع العربي"' ليملأ هذا الفراغ. 4 تركيا وفي ظل سياسة أوروبا المتسمة بقصر النظر، قررت بشكل عملي أن تلعب دور قوة إقليمية و ضد الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي. هذا هو المنطق في خطوتها هاته و خلف ما يسمى التحول العثماني الجديد، تجمع في ذالك بين المصلحة والإديولوجية. فمن ناحية تريد أنقرة، أن تصبح قوة إقليمية في طريقها إلى لعب دور عالمي، ومن ناحية أخرى ترى نفسها كنموذج ناجح لدمقرطة الشرق الأوسط على أساس إسلامي ديموقراطي. إن طموح تركيا في السيطرة على المنطقة سيجرها عاجلا أم آجلا إلى صراع شديد حول المصالح مع إيران. لأنه، إن كتب النجاح لسياستها، فستكون إيران و المتشددين في المنطقة في صف الخاسرين. و طهران تعرف هذا. صحيح أن حكومة أردوغان تحاول الحفاظ على علاقات جيدة مع الجارة إيران، لكن طموحات القيادة التركية السُّنية سواء في العراق، أو في سوريا أو في فلسطين ستقوض مع الوقت تأثير الشيعة من طهران إن لم تقضي عليه. و هذا يعني: النزاع. 5 التدهور الكبير في علاقات تركيا مع إسرائيل مرتبط بالتنافس المتزايد بين تركيا و إيران، الشيء الذي يضم في ثناياه و بلا شك عناصر إيجابية (كإضعاف طهران والمتشددين) و ليس سلبية فقط. المشكلة أن تركيا كقوة جهوية تنافس إيران على المنطقة، ستضع مصالح الفلسطينيين في عين الإعتبار أكثر من علاقاتها مع إسرائيل. و "الربيع العربي" سيكون عامل دفع أكثر في هذا الإتجاه. و ما يدل على ذالك هذا التغير التقليدي لحلفائها. بسبب هاته التحولات تجد إسرائيل نفسها في وضع صعب يزداد تعقيدا مع الوقت، يدفعها إلى تغير إستراتيجيتها بشكل مُلح، إن هي أرادت، أن لا تعزل دوليا. يبقى هذا التوجه محفوف بالمخاطر في ظل هذا النظام الدولي المتقلب بشكل كبير وسريع. والرد الأنسب من الجانب الإسرائيلي لن يكون إلا تقديم عرض مفاوضات جديد لحكومة عباس يضع نصب عينيه معاهدة سلام شاملة وكاملة. التحجج بالأمن، شيء لا يمكن أخذه إلا مأخذ الجد، لكنه يشكل عائقا، خصوصا أنه ما بين الإمضاء على إتفاقية السلام و تطبيقها الكامل على الأرض وقت كثير و كاف لحل هاته المسألة على مبدأ التوافق. الموقف السلبي الراهن لإسرائيل و عواقبه سيبقى قائما مادام نتنياهو يعتبر بقاء الإتلاف الحكومي أهم من معاهدة سلام حقيقية. 6 دور الفلسطينيين و تحت ضغط الثورات العربية يتنامى بشكل قوي. فحماس، فبسبب الأزمة في سوريا والسقوط الوشيك لنظام الأسد، و بسبب الضغط الناتج عن الثورة المصرية و دور الإسلام السياسي في المنطقة في فترة ما بعد الثورة سيدخل تحالفها مع طهران في مشاكل جمَّة، والقادم من الأيام سيكشف لنا إن كان النموذج التركي سيفرض نفسه على المتشددين أم لا؟ مجمل القول أن على حماس إتخاذ قرارات محفوفة بمخاطر كبيرة. هذا الأمر سيفرض نفسه أكثر، إذا ما نجح النهج الهجومي لدبلوماسية الحكومة الفلسطينية في أروقة الأممالمتحدة، فأوباما وعد بدولة فلسطينية بعد مرور سنة، وهذا الوعد هو أيضا الذي يستند إليه عباس في مطالبه. والمهم هو ماذا سيحدث من بعد. هل سينجح عباس في الحفاظ على الدينامية في المسار الديبلوماسي أو ستنقلب هذه الحركية إلى عنف و من تم من جديد إلى كارثة ؟ وإلى ما سيؤل إليه ذهاب الفلسطينيون من أجل السلام إلى نييورك؟ بكلمة الشرق الأدنى أمامه أيام و أسابيع حاسمة. * (عن الخضر)، 63 سنة تولى في عهد شرودر ما بين 1998 و 2005 منصب وزير خارجية ألمانيا و كذالك منصب نائب المستشار. بتصرف عن جريدة""زويد دويتشو تسايتونغ" الألمانية بتاريخ العاشر من أكتوبر 2011.