من يدّعي أنه يفهم ما يجري اليوم في العالم فهو مضروب في رأسه.دول غربية عظمى تلتفّ حول عنقها حبال الدّيون المفتولة بعد أن كانت تلفّها على رقاب الدّول السائرة في طريق التخلّف. لا أحد كان يتخيّل أن الإمبراطورية الأمريكية تغرق بدورها اليوم حتى الأذنين في الدّيون رغم أنها تفتح خزائن "صندوق العجب"، صندوق النقد الدولي، حبّا في تلك الدول التي تتركّل من الجوع والجهل. قروضها تتسلّق أشجار غابات الأمازون وتأكل جمهوريات من الموز. في جنوب الأرض تعلن الشعوب العربية أخيرا أنها حيّة لا ترزق. الملايين خرجت من جلدها مطالبة بإسقاط الصمت، الحكام أثبتوا للعالم أنهم عندما يجلسون على الشعب لا يقومون حتى تقوم الساعة، أما الشعب فعليه أن يبقى واقفا في صالة انتظار محروما من الجلوس مدى الحياة. حكام لا يشبهون البشر، هم فوق أي شبهة بشرية. لا يخطئون ولا يعتذرون عما اقترفوه في حق التاريخ والإنسانية. الغريب أن أغلبهم مصاب بأمراض مزمنة، هل هذا مجرد صدفة؟ كلهم مُسَرْطنون ويطيرون إلى ألمانيا لعلاج مرض البروستات من فرط الجلوس عقودا على قلب شعوبهم. طبيعي أن تصبح الديمقراطية ممسوخة الوجه، هي ببساطة ديمقراطية البروستات العربية. الكبار يسقطون الآن تباعا, حكاما وأنظمة، لكنهم مثل طائر العنقاء يحترقون ثم يولدون من رمادهم مرة أخرى. المشكلة أن تأخذ شعوبهم صفاتهم السّوءى، وهذا ما تحدّث عنه يوما المصلح السلفي المتنوّر جمال الدين الأفغاني في كتابه " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" حيث أورد تعريفات للمستبدّ بالقول:" المستبدّ عدوّ الحق، عدوّ الحرية وقاتلهما، والحق أبو البشر، والعوام صبية نيام لا يعلمون شيئا، والعلماء هم إخوتهم الراشدون، إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبّوا وإلّا يتصل نومهم بالموت ". شعوبنا مريضة هي أيضا، لكن بداء الاستعباد، والمستعبَد يصير مستبدّا صغيرا على أشباهه، لننظر إلى شوارعنا كيف يستبدّ بعضنا ببعض ويطمح لاستعباد الآخرين. كيف يصير الوقوف أمام إشارات المرور استبدادا صغيرا؟ الجميع تزعق كلاكسونات سياراتهم بقوة. الجميع يتخيّل أن سيارته بجناحين للطيران. الجميع يريد أن يسبق الآخرين. الجميع يقفز على الطوابير وعلى رؤوس العباد ليكون في المقدّمة. الجميع لا يتسامح ويفرّغ عنفه في الأقرب منه. هذه هي شعوب الاستبداد والاستعباد، شعوب تائهة بلا قيم ولا بوصلة تغرق في المتناقضات. هنا أتذكّر المغنّي المصري الشهير شعبولا الذي يجسّد فعلا الثقافة الشعبولية. فقد أعلن هذا المغنّي الطيّب والمحبوب رغم سذاجته عن فيلم جديد بعنوان "شعبولا هو الحل"، وهو بالمناسبة يترشّح اليوم لرئاسة مصر لأنه يعتبر نفسه ملهم الثورة فهو الذي تحدّث عن غلاء المعيشة يقول : "أنا بتاع الشعب، ومطرب الحدث. وعلى فكرة، أنا اللي تسببت في ثورة 25 يناير؛ لما السكر زاد سعره وغلى، غنيت ورفضت الأسعار، وقلت إن إحنا انتخبنا الريس والحكومة عشان يدافعوا عننا، ولما ما يرخصوش الأسعار يبقى مالهومش لازمة". شعبولا هو صورتنا الملتبسة جميعا، يتكلّم في كل شيء، ويغنّي عن كل شيء، فقد كان بالأمس بوقا لحسني مبارك وأصبح اليوم يكرهه في أغانيه، بل ويرشّح نفسه مكانه. شعبولا مع الرابح دائما، كان حاكما أو شعبا، وتبقى "الإييييه" التي يردّدها كلازمة في كل أغانيه هي الأكثر عمقا في فلسفته الشعبولية. عندما ننظر إلى الأحزاب السياسية اليوم بلا برامج مجتمعية واضحة، و تركض خلف الكراسي، سنعذرها لأنها لا تفعل سوى ترديد لازمة شعبولا السياسية العميقة. شعبولا رمزنا جميعا، وسنردّد لحن "الإييييه" خلف الساسة والأحزاب، خلف المدراء والوزراء، خلف منتخبينا الأوفياء. شعبولا هو الحلّ وعلينا أن نصدّق هذا العبقري، إيييييييه. *الشروق المغربية