إذا كان عدد كبير من مخططي سياسة الولاياتالمتحدة يشعرون بالاغتباط نتيجة ما يعتبرونه نجاحا أمريكيا في ركوب حركات التحول في منطقة الشرق الأوسط الكبير، فإنهم في نفس الوقت يشعرون بالقلق لأن الأزمة التي يتخبط فيها إقتصادهم منذ سنة 2007 والمتواصلة حتى الآن قد تنسف كل مشاريعهم المستقبلية حول بناء الامبراطورية العالمية وتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي يقوم على تفتيت دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة متنازعة. يقدر عدد من الخبراء الاقتصاديين أنه نتيجة ترابط خيوط الاقتصاد الدولي، وسقوط نظام القطبية الثنائية وتحول النظام الدولي إلى هيمنة القطب الواحد على الأقل مرحليا، فإن الأزمات والنكسات الاقتصادية التي قد تصيب دولة أو مجموعة من الدول يمكن أن يحول جزء كبير من الخسائر المتولدة عنها إلى مكاسب لدى طرف آخر. هذا الأمر حدث سنة 1997 عندما انفجرت أزمة مالية حادة في إقتصاديات ما سمي النمور الآسيوية مولدة خسائر بمئات مليارات الدولارات، فقد حصدت الولاياتالمتحدة في المقام الأول ثم دول غربية في أوروبا في المقام الثاني مكاسب موازية. على حساب من ؟ يرى عدد من الاقتصاديين أن حصد مكاسب على حساب أزمات الآخرين، هو الإفراز الطبيعي لتمكن كيان اقتصادي سياسي عسكري من التحكم في النظام المالي الدولي والازدهار على أسس قائمة على الاستدانة من السوق الدولية، والاستغلال غير المتوازن لثروات المواد الأولية خاصة تلك التي تأتي من الدول الموصوفة بالنامية. بعد إتفاقيات «بريتون وودز» سنة 1944 عوض الدولار الأمريكي الجنيه البريطاني في هيمنته على النظام النقدي والمالي العالمي باعتباره عملة تدوال عالمية، ووسيلة دوليةلقياس القيمة إلى جانب كونة العملة الأساسية في الإحتياطات النقدية في العالم. ومنذ ذلك الحين ترسخت سلطة الدولار في النظام النقدي والمالي العالم. وقد أصبحت الإحتياطات النقدية العالمية في أغلبها في شكل دولار الذي صار يمثل 77 بالمائة من تلك الإحتياطات. وهذا يعني أن الغالبية العظمى من المعاملات المالية والمبادلات التجارية تتم بواسطة الدولار ويقع ضبط أسعار المواد الأولية و خاصة النفط بواسطة الدولار كمعيار. لذلك فإن كل دولة أو شركة ترغب في شراء بضاعة ما من السوق الدولية تتجه غالبا إلى الدولار لتقدمه مقابلا. وهكذا فإن الحاجة إلى الشراء من السوق الدولية تخلق الحاجة إلى الدولار. وتوفر البنوك الأمريكية تمويل الإستيراد و التصدير في شكل دولارات لنسبة كبيرة جدا من المعاملات و المبادلات الخارجية. هذا الدور الذي يقوم به النظام النقدي البنكي الأمريكي يمكنه من الحصول على «ما بين 5 و 10 بالمائة من قيمة التجارة في العالم. وذلك بأن يوفر تمويل الإستيراد والتصدير، وهذا ما كان يعرف بالأرباح غير المرئية». ولأن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي التي تتحكم في الدولار فهي بالتالي تتحكم في التجارة التي تتم بواسطته وخاصة تجارة النفط، وهذا ما جعل الدولار»عَصَب وقبضة هيمنة الولاياتالمتحدة على العالم». الولاياتالمتحدة غدت منذ عقود تستورد من السلع من الخارج أكثر مما تصدر، وهكذا تضخمت ديونها تجاه بقية دول العالم، زيادة على ذلك وعن طريق الدولار وسندات الخزينة أصبحت واشنطن مديونة للعالم بآلاف مليارات الدولارات. وهذه المديونية تضخمت خاصة بسبب آلاف مليارات الدولارات التي انفقتها واشنطن على حروبها في العراق وأفغانستان. هذه الوضعية الشاذة فرضت معادلة تفيد أنه إذا واجه الاقتصاد الأمريكي أزمة فإنها تنتشر عالميا وتكون أثارها السلبية متدرجة في حدتها مع درجة الترابط مع الاقتصاد الأمريكي. والواقع أنه من أجل تصحيح هذا الاختلال على سكان الولاياتالمتحدة وهم أكثر من 300 مليون نسمة، أن يعملوا وينتجوا ويصدروا وبدون أن يستهلكوا لمدة تصل إلى عشر سنوات ليسددوا ديونهم لبقية دول العالم. الأزمة بدلت من شكلها فقط رغم كل اللغط الذي إثير منذ سنة 2010 عن نهاية الأزمة الاقتصادية العالمية، تظهر التطورات أن الأمر ليس صحيحا. فقد جاء في تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية صدر في يونيو 2011 «إن تراكم المخاطر والمشاكل المالية المستمرة في أمريكا واليابان وأوروبا قد يوقف النهوض الاقتصادي العالمي». وقالت المنظمة في تقريرها حول «ان النهوض العالمي بدأ فعلا، لكنه يبقى محاطا بمخاوف»والازمة» لم تبلغ ربما نهايتها بعد». وأضاف الامين العام للمنظمة انخيل غوريا لدى عرض هذا التقرير «ان الازمة لم تنته، لقد بدلت من شكلها فقط». وتبقى المانيا محرك النهوض الاوروبي الاول بينما تقبع فرنسا في المرتبة الوسطى في منطقة اليورو. اما بالنسبة الى الدول الواقعة ضحية ازمة الديون، مثل اليونان والبرتغال، فستعاني كثيرا لاخراج نفسها من الانكماش الذي سيمتد إلى 2012. وحذر كبير الاقتصاديين في المنظمة بيار كارلو بادوان من»ان غالبية المخاطر سلبية». وحذر من العودة المحتملة لتدهور اسواق العقارات»، وتطرق ايضا الى ازمة المنطقة اليورو. وبحسب انخيل غوريا، فان «المرحلة دقيقة بالنسبة الى الاقتصاد العالمي»لأنه اذا «ما تعززت مخاطر التدهور هذه في هذه الجهة او تلك، فان انعكاسها المتراكم» قد «يضعف النهوض الاقتصادي بشكل كبير، حتى انه قد يؤدي الى مرحلة كساد في بعض الاقتصاديات المتقدمة». وحذرت المنظمة نادي الدول الغنية بالقول «اخيرا وخصوصا، لقد اتسعت مجددا فجوة الخلل في الموازين مع النهوض الاقتصادي العالمي». ديون لا تسدد بينما تتفاعل وتتقاطع في واشنطن متطلبات الهيمنة مع المشاكل الاقتصادية برزت إمكانية التخلف عن سداد الديون. يوم 8 يونيو 2011 قال مستشار للبنك المركزي الصيني ان نوابا جمهوريين بالكونغرس الامريكي «يلعبون بالنار» عندما يبحثون التخلف عن سداد ديون ولو لفترة وجيزة. وكانت وكالة رويترز قد أوردت يوم الثلاثاء 7 يونيو أن فكرة تأخير سداد مدفوعات الفائدة تكتسب تأييد عدد متنام من الجمهوريين. لكن مسؤولين حكوميين ومستثمرين حذروا من أن أي تخلف عن السداد قد يزعزع استقرار الاقتصاد العالمي ويكدر العلاقات المتوترة بالفعل مع دائنين كبار للولايات المتحدة مثل الصين. وقال لي داوكوي وهو مستشار لبنك الشعب الصيني «البنك المركزي» ان التخلف عن السداد قد يقوض الدولار الامريكي وان على بكين أن تثني واشنطن عن مثل هذا المسار. وأبلغ لي الصحفيين على هامش منتدى في بكين «أخشى أنه قد يحدث تخلف أمريكي عن السداد .. النتيجة ستكون خطيرة جدا وامل حقا أن يكفوا عن اللعب بالنار». والصين هي أكبر دائن أجنبي للولايات المتحدة اذ تظهر بيانات أمريكية أن قيمة سندات الخزانة التي في حوزتها قد تجاوزت التريليون دولار في مارس 2011. ويحجم الكونغرس الامريكي عن زيادة سقف قانوني للانفاق الحكومي بينما يتجادل المشرعون بشأن سبل كبح عجز من المتوقع أن يصل الى 1400 مليار دولار في السنة المالية الحالية. وقال بن وستمور محلل اقتصادات السلع الاولية لدى ناشونال أستراليا بنك «ستكون له تداعيات وخيمة على الاقتصاد في وقت تظهر فيه بيانات الاقتصاد الكلي ضعفا»، «انها فكرة مروعة». وذكر مسؤول كبير بالبنك المركزي العماني يوم الأربعاء إن أي تخلف أمريكي عن سداد ديون قد يتسبب في زعزعة لاحتياطيات دول الخليج العربية من الأصول الأجنبية. وأبلغ المسؤول وكالة رويترز مشترطا عدم كشف هويته «نناقش الأمر داخل البنك المركزي». وأضاف «قلقون بشأن احتمال عجز الولاياتالمتحدة عن السداد وربما يؤدي ذلك إلى هزة في الاحتياطيات في منطقة الخليج وليس في عمان فقط لأن اقتصاداتنا ترتبط بدرجة كبيرة بالتطورات المالية الأمريكية». وتربط معظم دول الخليج العربية عملاتها بالدولار الأمريكي وهي من كبار حائزي السندات وسائر الأصول الأمريكية كما أن النفط الذي يسعر بالدولار هو مصدر دخلها الرئيسي. ويحذر محللون من أن تنفيذ التهديد الأمريكي ولو لفترة وجيزة سيكبد خاصة الصين ودول الخليج العربي خسائر فادحة. وإذا كانت بكين تملك وسائل مساومة هامة مع واشنطن لتقليص خسائرها فإن الآخرين ليس لديهم نفس القدرات. بعد ساعات من تحذيرات المسؤول الصيني تراجع الدولار لادنى مستوى في شهر أمام سلة من العملات. كان رئيس ادارة المدفوعات الدولية بالهيئة المنظمة لسوق الصرف الصيني قد حذر بدوره من مخاطر الافراط في حيازة الدولار. وقال ادم مايرز خبير العملات لدى كريدي أغريكول «زادت الصين حيازاتها من الاوراق المالية الامريكية بقوة في الفترة الماضية والتهديد ببيع تلك الحيازات قائم بشكل مستمر. لكن ذلك ليس تهديدا جديا نظرا لان من شأن موجة بيع أن تدفع العائد الامريكي لهبوط حاد الأمر الذي سيضر الولاياتالمتحدة والصينيين الذين يعتمدون على الاقتصاد الامريكي. لكني أعتقد أن الدولار سيتراجع على الامد البعيد». وقد حذرت مؤسسة التصنيف الائتماني «فيتش» الولاياتالمتحدة من فقدان تصنيفها الائتماني الممتاز إذا لم تتمكن من سداد التزاماتها المالية ومواجهة «الإفلاس المالي الفني». وجاء تحذير المؤسسة الدولية بعد نحو شهر من تحذير مماثل أطلقته مؤسسة التصنيف الأخرى ستاندرد أند بورز عندما قالت شهر مايو 2011 إنها قد تخفض تصنيفها الائتماني للدين الحكومي الامريكي البالغ 14.3 تريليون دولار. وتحتاج الولاياتالمتحدة إلى زيادة سقف الدين العام حتى تتمكن من اقتراض المزيد من الأموال لسداد الأقساط المستحقة على سندات الخزانة الأمريكية. تعويض الخسائر تعويض الخسائر والديون الأمريكية على حساب الآخرين لا يقتصر على دول الخليج العربي وأطراف غيرها تملك سندات الخزينة أو أرصدة ورقية بالعملة الأمريكية، بل يتسع ليشمل البنوك. لم تلتئم بعد جراح بنوك الاستثمار العاملة في الشرق الأوسط من الأزمة المالية العالمية بل هي في الواقع تزداد سوءا. وأظهرت مثلا جداول رابطة بنوك الاستثمار التي يهيمن عليها لاعبون أجانب تراجع ايرادات الرسوم الى 48.8 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام أي أقل من نصف 116.3 مليون دولار سجلتها الرسوم قبل عام وفقا لبيانات تومسون رويترز متأثرة بالاضطرابات السياسية التي تجتاح المنطقة. وفي ظل صفقات محدودة وتراجع أسواق الأسهم وتقلص الاقبال على رؤوس الاموال الجديدة الى أدنى مستوياته يبدو مستقبل أغلب البنوك قاتما ولا توجد افكار جديدة للتعامل مع فترة الركود حتى أن بقاء هذه البنوك أصبح معرضا للخطر. ويقول انتوني ماليس الرئيس التنفيذي لشركة الاوراق المالية والاستثمار «سيكو» في البحرين «السؤال هو كم من بنوك الاستثمار هذه يمكنها البقاء خلال الفترة الصعبة التي تشهدها المنطقة». وأضاف «عمل بنوك الاستثمار ينطوي على مخاطر عالية وفرص عائدات كبيرة». ويضم الشرق الاوسط عددا من البنوك المحلية والدولية تتطلع كلها الى حصة من ايرادات الرسوم التي تقلصت بدرجة كبيرة في الاعوام الثلاثة الماضية. وفي حين تمكنت البنوك العالمية من البقاء بسبب ميزانياتها الضخمة وقدرتها على التكيف مع مناخ الاعمال المتغير تضررت بدرجة أكبر البنوك المحلية ذات التعرض الكبير لاسواق العقارات ونماذج الاعمال الراكدة. وسجل بنك شعاع كابيتال ومقره دبي الذي كان يوما بنكا رائدا في المنطقة أخذ شركات عملاقة مثل موانئ دبي العالمية المسجلة في لندن الى السوق خسائر فصلية قدرها 7.2 مليون دولار وخفض عشرة بالمئة من عمالته. وخفض بنك المجموعة المالية المصرية هيرميس المكافات لخفض النفقات أكثر من 20 بالمئة. ويضيف اقتصاديون أن الاضطرابات في مصر وتونس خلفت خسائر حتى الأن لدى البلدين بأكثر من 70 مليار دولار وهي بالتالي ربما انتقلت كمكاسب لدى أطراف أخرى. زيادة على ذلك سيحتاج الطرفان لعشرات الملايير من الدولارات لترميم الاقتصاد، وبالطبع ستأتي هذه الأموال إذا توفرت الإرادة السياسية على شكل قروض وبشروط وفوائد ثقيلة. في الأول من شهر يونيو 2011 أظهرت دراسة لمجموعة بوسطن الاستشارية أن قطاع ادارة ثروات الاثرياء في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا نما بنسبة 8.6 بالمئة في 2010 وان من المنتظر ان يرتفع اجمالي الاصول المدارة الى 6.7 تريليون دولار بحلول 2015 مدعوما بصعود أسعار النفط. وأفادت الدراسة ان من المتوقع أن ينمو قطاع ادارة الثروات في العالم بمعدل سنوي مجمع قدره 5.9 بالمئة من نهاية 2010 حتى 2015 ليصل الى نحو 162 تريليون دولار بفعل أداء أسواق رأس المال والنمو الاقتصادي في الاسواق الصاعدة. وسيدعم الاسواق الصاعدة نمو الثروة العالمية مع نمو سنوي مجمع للصين والهند من المتوقع أن يبلغ 18 و14 بالمئة على الترتيب. 160 مليار دولار ذكر صندوق النقد الدولي يوم الخميس 26 مايو 2011 أن الدول العربية تحتاج إلى 160 مليار دولار لترميم اقتصادها خلال الاعوام الثلاثة القادمة. وأضاف الصندوق أنه على مدى الثمانية عشر شهرا القادمة فان الجزء الاكبر من احتياجات التمويل سيتعين أن يأتي من المجتمع الدولي نظرا لان الاسواق تواجه غموضا فيما يتعلق بالتحولات السياسية والاقتصادية في الدول. وتابع انه بالاضافة الى ذلك تواجه دول مثل مصر والاردن ولبنان والمغرب وتونس وسوريا ضغوطا تضخمية نظرا الى الارتفاع الكبير في أسعار الاغذية والطاقة العالمية. وتوقع خبراء الصندوق أن تكون مصر فقدت نحو 15 مليار دولار من احتياطيات النقد الاجنبي على مدى أربعة أشهر حتى نهاية أبريل. وذهبوا الى تقدير العجز التمويلي الذي قد تشهده مصر من تسعة مليارات دولار الى 12 مليارا في السنة المالية 2011-2012. وبالنسبة لتونس يتوقع خبراء الصندوق احتياجات تمويل للميزانية تبلغ نحو 3.7 مليار دولار في عام 2011 أي ثمانية في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد. ومن المرجح أن تصل احتياجات التمويل الخارجي بعد الاستثمار الاجنبي المباشر وتدفقات الاموال على الامد القصير 4.4 مليار دولار هذا العام أي حوالي 9.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. لا لزيادة الأجور أو الدعم في تناقض مع ما يروج له من حرص الغرب على تحسين احوال الشعوب في منطقة الشرق الأوسط اقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا، نجد أن المؤسسات المالية الدولية المتحكم في غالبيتها من طرف الغرب تقدم طلبات في عكس التيار المعلن. يوم الأربعاء 8 يونيو 2011 ومن عاصمة النرويج أوسلو أكد روبرت زوليك رئيس البنك الدولي ان الدول النامية ومن بينها مصر وتونس بعد التحولات ينبغي عليها أن تقلص الاعانات الاجتماعية وأن تواجه اختناقات السوق لكبح جماح التضخم. وأضاف زوليك ان السلطات ينبغي أن تقاوم الضغوط لزيادة الأجور أو الإعانات حتى مع ارتفاع أسعار الغذاء واستمرار غموض الاوضاع الاقتصادية بعد الاحتجاجات الشعبية. وتابع «عندما نجري محادثات مع تونس ومصر اللتان تحتاجان الة سياسات اجتماعية شاملة فان أول ملاذ لمصر كما هو الحال في الماضي يتمثل في زيادة الاجور وتوسيع نطاق الدعم.»هذا طريق المضي فيه باهظ التكاليف. استعمار جديد في الوقت الذي تلوح فيه واشنطن بالتوقف عن سداد ديونها، وفي انتظار تحقيق مكاسب اقتصادية وعد بها الساسة المتعاقبون على البيت الأبيض، من نفط العراق وثروات أقطار عربية تجري زعزعة استقرارها والتمهيد لإحتلالها أو تحويله إلى محميات، تنكشف خيوط عملية ضخمة لسلب ثروات أفريقيا. يوم الأربعاء 9 يونيو 2011 أفاد تقرير أصدره معهد أوكلاند وهو مركز دراسات في كاليفورنيا، أن مستثمرين أمريكيين وأوروبيين اثرياء يجمعون مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية في افريقيا في صفقات لا تخضع للمساءلة وتعطيهم سيطرة أكبر على امدادات الغذاء لفقراء العالم. وأضاف التقرير ان من بين المشاركين في فورة الاقبال على الاراضي صناديق تحوط ومضاربين وبعض الجامعات الامريكية وصناديق المعاشات وهم يتطلعون الى عائد على الاستثمار يتراوح ما بين 20 و 40 بالمئة.ويؤكد التقرير أنه في حين يجد المستثمرون عائدا كبيرا من أراضي افريقيا الصالحة للزراعة تنطوي بعض الصفقات على تهجير للسكان المحليين في مجتمعات افريقية فقيرة. وجزء كبير من صفقات الاراضي يخصص لانتاج الوقود الحيوي وهو ما يأتي على حساب انتاج المواد الغذائية، أي زيادة معدلات الجوع ورفع أسعار الغذاء. وبعض الصفقات تحمي المستثمرين من المساءلة حتى مع امتلاكهم أراض عالية القيمة بمقابل بخس. وذكر انورادا ميتال المدير التنفيذي لمعهد أوكلاند «هذا أمر مفزع جدا». وأمضى باحثون من معهد أوكلاند أكثر من عام يعملون سرا بتمويل من مؤسسات مثل مؤسسة هاورد بافيت في جمع المعلومات عن صفقات الاستثمار في الاراضي الزراعية في سبع دول افريقيا هي اثيوبيا ومالي وموزامبيق وسيراليون وجنوب السودان وتنزانيا وزامبيا. وقالوا ان اشتراطات توفير فرص العمل في العديد من هذه الاستثمارات اما متراخية أو غير منصوص عليها اصلا. وحقوق المياه تمنح دون قيود والعديد من المستثمرين الاجانب غير مطالبين بالالتزام بحقوق العمال أو المعايير البيئية. ارهاب وطرد ويقول التقرير ان مؤسسة ماليان لتشجيع الاستثمار على سبيل المثال تعمل على تسهيل وصول المستثمرين للاراضي وتحويل الارباح الى خارج البلاد، وهو ما يعتبر استغلالا استعماريا. وقال التقرير ان معدل شراء الاراضي في افريقيا أصبح مذهلا. في عام 2009 وحده تم شراء أو استئجار نحو 60 مليون هكتار. وذكر المعهد أن أغلب الأراضي التي حصلت عليها شركة أجريسول في تنزانيا والتي يبلغ حجمها نحو 325 ألف هكتار يقطنها لاجئون بورونديون يزرعونها منذ 1972. وقد أجبر هؤلاء بالعنف والارهاب على ترك الاراضي وجاءت الشركة بمديري مزارع بيض من جنوب افريقيا. وفي أغلب الاحيان يحصل المستثمرون على الاراضي بأسعار زهيدة. وفي مالي يقول التقرير ان شركة استثمار تمكنت من الحصول على مئة ألف هكتار من الاراضي الخصبة لمدة 50 عاما دون مقابل. رياح خارجية رغم كل جهود واشنطن سياسيا وعسكريا وإقتصاديا للحفاظ على هيمنتها وبناء الامبراطورية العالمية تشعر إدارة البيت الأبيض أنها مثل من يحاول السير على حبل ممدود فوق واد عميق. يوم الجمعة 3 يونيو 2011 حذر الرئيس الأمريكي من مخاطر اسعار الوقود وزلزال اليابان والوضع المالي الأوروبي على اقتصاد بلاده، ملقيا بجانب من اللوم في تباطؤ تعافي الاقتصاد المحلي على تطورات خارجية. وأظهرت بيانات حكومية صدرت في نفس اليوم تراجع أعداد العمال الذين حصلوا على وظائف في ثمانية أشهر وارتفاع نسبة البطالة الأمريكية الى 9.1 بالمئة. وفي خطابه الاسبوعي عبر الاذاعة والانترنت عمد أوباما الى تسليط الضوء على «رياح معاكسة» تهب على الولاياتالمتحدة. بعد أيام قليلة من كلمة أوباما التبريري، ويوم الاثنين 6 يونيو اعلن اوستن غولسبي وبعد عام تقريبا على تعيينه في منصبه، انه سيتخلى عن رئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في الرئاسة الامريكية كي يعود الى وظيفته استاذا للاقتصاد في جامعة شيكاغو. القرار اعتبر مؤشرا عن فقدان ثقة هذا المستشار المقرب من الرئيس في إمكانية الخروج من الأزمة. نبأ محبط آخر اثقل البيت الأبيض في الثلث الأول من شهر يونيو 2011 حيث قررت دول الأوبك خلال مؤتمرها في فيينا عدم رفع انتاجها وبالتالي دفع الأسعار إلى الانخفاض. يوم الأربعاء 8 يونيو قال مايكل فرومان نائب مستشار الامن القومي للبيت الابيض أن الولاياتالمتحدة قلقة من أثر أسعار النفط على الاقتصاد وتحتفظ بكل الادوات المتاحة لديها للتعامل مع الاسعار، لكنه لم يعقب على نتيجة المؤتمر. مقامرة ومغامرة تحذر أوساط رصد أوروبية من أن تراكم المشاكل التي تواجه الاقتصاد الأمريكي وعدم التمكن من جني سريع للمكاسب السياسة المحققة في منطقة الشرق الأوسط، وترجمتها اقتصاديا قد تدفع البيت الأبيض إلى مغامرات جديدة غير محسوبة العواقب. ويشار إلى أن استطلاعا للرأي اجرته صحيفة واشنطن بوست وشبكة تلفزيون «ايه.بي.سي.نيوز» نشر يوم الثلاثاء 7 يونيو ان عدم رضا الامريكيين عن طريقة معالجة الرئيس باراك اوباما للاقتصاد الامريكي والعجز المتزايد في الميزانية وصل الي مستويات مرتفعة جديدة وسط شعور واسع بالاحباط لبطء وتيرة الانتعاش الاقتصادي. حيث قال 49 بالمئة انهم غير راضين عن ادائه. وكانت شعبية اوباما قد قفزت الي 56 بالمئة عقب إعلان واشنطن مقتل ابن لادن. وأعطى 59 بالمئة من الامريكيين «وهو مستوى مرتفع جديد» تقييما سلبيا لاوباما عن معالجته للاقتصاد ارتفاعا من 55 بالمئة في استطلاع اجري قبل شهر. وتشكل حالة الاقتصاد تحديا ضخما للرئيس الامريكي الذي ربما يعتمد اعادة انتخابه في 2012 على قدرته على اقناع الناخبين بان سياساته الاقتصادية ناجحة. وذكر 89 بالمئة ان الاقتصاد في حالة سيئة في حين قال 57 بالمئة ان الانتعاش لم يبدأ بعد وقال 66 بالمئة ان الولاياتالمتحدة تسير في المسار الخاطيء. وقد أظهر تقرير ان معدل البطالة ارتفع الي 9.1 بالمئة في مايو من 9 بالمئة في ابريل. ولم يحدث قط أن أعيد انتخاب رئيس أمريكي مع معدل للبطالة أعلى من 7.2 بالمئة منذ فرانكلين روزفلت اثناء الحرب العالمية الثانية. مسار لا مفر منه حكام البيت الابيض يحاولون تعديل مسار التطور التاريخي ويرفضون القبول بنهاية عصر الامبراطورية. يوم 25 أبريل 2011 فجر صندوق النقد الدولي مفاجأة كبرى للمرة الأولى في أحدث تقاريره، حيث قام بتحديد نهاية «عصر الولاياتالمتحدة» في عام 2016، حيث قدر أن إقتصاد الصين سيتجاوز الإقتصاد الأمريكي من حيث القيمة الحقيقية. وطبقا لتوقعات صندوق النقد فأياً كان من سيفوز في الإنتخابات الأمريكية عام 2012، فإنها ستكون الفترة الرئاسية الأخيرة التي تتربع فيها الولاياتالمتحدة على قائمة أكبر الإقتصادات العالمية. وقد استخدام محللو الصندوق مصطلح «تعادل القيمة الشرائية» في حساباتهم والتي تقارن ما يقوم الناس بكسبه وانفاقه بالقيمة الحقيقية في إقتصاداتهم المحلية. وطبقا لهذا المصطلح فإن الإقتصاد الصيني سوف يتوسع من 11.2 تريليون دولار عام 2011 إلى 19 تريليون دولار في عام 2016، في الوقت الذي سيرتفع فيه الإقتصاد الأمريكي من 15.2 تريليون دولار إلى 18.8 تريليون دولار في ذلك العام. وهذا يعني ان حصة الإقتصاد الأمريكي ستتراجع عالميا إلى 17.7 في المائة بينما سترتفع حصة نظيره الصيني إلى 18 في المائة. في ساحة الصراع على النفوذ هناك ترابط وثيق بين القدرات السياسية والعسكرية والاقتصادية للقوى المتنافسة. بينما تعاند واشنطن المسار الذي سبقته اليه الامبراطورية البريطانية حيث كانت تميز بأن الشمس لا تغرب عنها، نجد بعض حلفاءها يقرون عمليا بأن عهدا جديدا قد حل. يوم الخميس 9 يونيو 2011 قال حلف شمال الاطلسي أنه قرر خفض عدد قواعده الرئيسية من 11 الى سبع لتقليل التكاليف. وستشمل الخطوة اغلاق قيادة القوات المشتركة في لشبونة وهي واحدة من ثلاثة مواقع قيادة وتحويل القاعدة الجوية بمدينة ازمير التركية الى قيادة برية. وهذا الاجراء يعني الاستغناء عن أكثر من أربعة الاف وظيفة. وستغلق قاعدتان بريتان في هايدلبرغ بألمانيا وفي مدريد وكذلك قاعدة بحرية في مدينة نابولي الايطالية. وذكر مسؤولون في الحلف أن البرتغال ستضم قاعدة بحرية لتعويضها عن اغلاق قاعدة لشبونة. وسيظل مقر القيادة المشتركة لحلف شمال الاطلسي في مدينة برونسوم بهولندا وفي نابولي بايطاليا بينما سيصبح المقر البحري الرئيسي في مدينة نورثوود ببريطانيا والقيادة الجوية الرئيسية في رامشتاين بألمانيا. وذكر بيان صادر عن الحلف أن التعديلات ستعني خفض الوظائف في مقار الحلف من 13 ألف الى 8800 وظيفة. وتشمل الاصلاحات أيضا تقليل عدد وكالات حلف شمال الاطلسي المسؤولة عن مجالات محددة مثل المراقبة البرية والنقل الجوي الاستراتيجي من 14 الى 4 بينها ثلاث في بلجيكا وواحدة في لوكسمبورغ. وتأتي التعديلات في وقت تتعرض ميزانيات الدفاع في كل أنحاء العالم الغربي لضغوط بسبب الازمة الاقتصادية. يوم الخميس 9 يونيو 2011 جاء في تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» أن الشركات الأمريكية تلجأ إلى أسواق المال الخارجية مع «جفاف منابعها» داخل الولاياتالمتحدة. واتبعت شركة واحدة تقريبا من بين كل 10 شركات أمريكية طرحت أسهمها للاكتتاب عام 2010 الإجراء نفسه خارج الولاياتالمتحدة. فإلى جانب أستراليا، تحولت تلك الشركات إلى أسواق الأوراق المالية في بريطانيا وتايوان وكوريا الجنوبية وكندا، وفقا لبيانات من شركتي الاستشارات المالية «غرانت ثورنتون» و»ديلوجيك». السقوط جاء في كتاب سقوط الامبراطورية الامريكية ليوهان غالتونغ: ان الامبراطوريات لها اشكال مختلفة. والامبراطورية الامريكية لها هيكل يشرحه احد مخططي البنتاغون: «ان دور القوات المسلحة للولايات المتحدة هو المحافظة على استقرار العالم من اجل اقتصادنا والانفتاح على غزونا الثقافي. ومن اجل هذين الهدفين سنقوم بمقدار لا بأس به من القتل». بكلمات اخرى ، عنف مباشر من اجل حماية العنف الهيكلي المتأصل في ثقافة عنف. ان المركز هو الولاياتالمتحدة و الاطراف هي اجزاء كبيرة من العالم. ومثل كل نظام فإن للامبراطورية دورة حياة عضوية: تلقيح وحمل وميلاد وطفولة ومراهقة وبلوغ وشيخوخة وموت. فبعد ان لقحتها الامبراطورية البريطانية ، نضجت المستعمرة الامريكية ومارست ما تعلمته من مهارات امبريالية على المواطنين الاصليين ثم خرجت الى العالم بتدخلات عسكرية وهي تحدد مناطق منافعها واستولت على الامبراطورية الاسبانية وتوسعت في ارجاء العالم وحتى هيمنت على الفضاء كهدف وهي الأن في طور الشيخوخة وتنوء بمهام الحفاظ على الهيمنة مما تعجز عن المزيد من التوسع. ان الانحدار والسقوط شيئان متوقعان كما يحدث لكل شيء بشري.من الواضح ان الامبراطورية الامريكية حقيقة حيوية فاعلة وليست بناء جامدا ميتا، وهي نظام معقد جدا بهذه المتناقضات الكامنة فيها. في مثل هذا النظام لاتجد خطوطا مستقيمة، والسلاسل السببية تنقطع وتتحد، اما المنحنيات فموجودة طوال الوقت. وستكرر القفزات الكمية عندما يجتمع عنصران احدها يتغير والاخر يبقى ثابتا. ولكن يظل الانهيار متوقعا خلال عشرين عاما للانواع الاربعة من التبادل غير المتكافيء. لا تريد الإمبراطورية الأمريكية ان تبدو كإمبراطورية وإنما تريد ان ينظر إليها بأنها شيء مدعوم من قبل المجتمعات المتقدمة والمتمدنة ضد المجتمعات الشريرة والفوضوية والارهابية. ان هذا التناقض وغيره لم يطفو على السطح بأوضح صورة كما حدث مع الحرب على العراق. ولكن كان هناك توتر أيضا فيما يتعلق بعمليات يوغسلافيا وأفغانستان. ان الرأي العام ليس متغيرا مهما هنا. فواشنطن تتعامل مع حكومات ولهذا السبب كانت مهتمة بنوعية الأعضاء. وافضل طريقة لممارسة السلطة والاقناع والصفقات والتهديد هو ان يكون خلف ابواب مغلقة لئلا يسمع الجمهور شيئا مثل ملاحظة وزير الخارجية الألماني الذي قال لوزير الدفاع الأمريكي في فبراير 2003 «في الدولة الديمقراطية يجب ان تعرض حججا لمواقفك وحججك غير مقنعة إذا كان الجمهور يعرف ما يجري خلف الأبواب المغلقة مثل دعم حرب العراق مقابل إدراج منظمة على قائمة الإرهاب لزادت مناهضة الحرب.