في بداية شهر مايو 2011 أعلن الرئيس الأمريكي أوباما أن قوات من وحدات النخبة «سيلز» التابعة لقوات مشاة البحرية الأمريكية صفت أسامة بن لادن في منزل بمدينة أبوت أباد الواقعة على مسافة 80 كيلومتر من العاصمة الباكستانية إسلام آباد. على الصعيد الداخلي الأمريكي أعتبر نجاح إدارة أوباما في تصفية زعيم القاعدة بعد أكثر من عشر سنوات من المطاردة حسبما تلح على ذلك واشنطن نصرا هاما للرئيس + للولايات المتحدة وورقة تؤهله للفوز بفترة رئاسة ثانية في انتخابات نوفمبر 2012. مع نهاية ما سماه البعض في الغرب فيلم عنف مطول، تجدد الحديث وبقوة عن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان وإنهاء هذه الحرب التي ستدخل سنتها الحادية عشرة مع نهاية سنة 2011. كالعادة إنقسمت الأراء أمريكيا حول الانسحاب، هناك من قال أن واشنطن أرسلت جيشها إلى أفغانستان لتضرب القاعدة وتصفي زعيمها، ولما إنجز الأمر لم يعد هناك من مبرر لمواصلة حرب لا تظهر لها نهاية في الأفق وتستنزف الولايات المتحد ماديا وبشريا وسياسيا. وقال ليسلي غلب الموظف الرسمي الكبير السابق في البيت الأبيض في مقالة نشرتها يوم الاثنين 9 مايو صحيفة «وول ستريت جورنال» ان المقاتلين الاجانب من القاعدة قد يكون عددهم اقل من 200 عنصر في أفغانستان. «المهمة انجزت، على الاقل وفقا لما هو لازم وممكن». واضاف «في افغانستان لم يعد الامر يتعلق بمصالح الأمن الحيوية لامريكا. وانما فشل النخب السياسية الامريكية في الاخذ بالاعتبار واقعين بسيطين: وهما ان تهديد القاعدة لم يعد مركزا في ميدان المعركة السابق هذا وان مكافحة حركة طالبان هي امر يجب ان يقوم به الافغان بانفسهم». من جانبه رأى روبرت لامب من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية والمؤيد لمواصلة التدخل الامريكي ان القضاء على بن لادن «سيجعل النقاش حول وتيرة الانسحاب بالتاكيد اكثر حدة». وقال «رغم ان مقتل بن لادن يعتبر حدثا مهما فانه لا يزال رمزيا الى حد كبير من وجهة نظر استراتيجية». واضاف ان «ترك الافغان مع حكومة لا يمكنها ضمان الأمن سيكون مثل تكرار الخطأ الذي حصل في الماضي». وفي نفس هذا الاطار يعارض ابرز مسؤولين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الديمقراطي جون كيري والجمهوري ريتشارد لوغار أي انسحاب «عشوائي» او «متسرع». لكنهما عبرا عن قلقهما إزاء الكلفة المستمرة لحرب يفترض أن تخصص لها واشنطن 107 مليار دولار عام 2012 فيما تواجه البلاد أزمة. مفاوضات يوم 16 مايو بثت قناة «سي.بي.اس» الأمريكية في برنامجها «60 دقيقة» حديثا لوزير الدفاع روبرت غيتس الذي تنتهي مهامه في الثلاثين من يونيو بعد اربع سنوات من ونصف في منصبه، قال فيه إن «من السابق لاوانه» الاسراع في سحب القوات الامريكية من افغانستان. وأضاف «الناس تقوم باستنتاجات تاريخية، واظن أنه من السابق لاوانه».ولم يتطرق غيتس إلا ما كان قد قاله قبل ذلك بأيام عندما اعتبر ان مقتل أسامة بن لادن «سيغير الوضع» في أفغانستان. يوم الثلاثاء 17 مايو 2011 أفادت صحيفة «واشنطن بوست»، بأن الولايات المتحدة كثفت محادثاتها مع حركة «طالبان» الأفغانية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب الدائرة في هذا البلد، والتي يعتبر محللون أنها ستكون أيسر بعد مقتل زعيم تنظيم «القاعدة». ونقل التقرير عن مسئول أفغاني قوله إن «ممثلاً للولايات المتحدة حضر ثلاثة اجتماعات على الأقل في قطر وألمانيا، أحدها قبل ثمانية أو تسعة أيام مع مسئول في طالبان مقرب من زعيم الحركة الملا محمد عمر». وأوردت أن «المحادثات التي دارت من خلال وسطاء غير حكوميين وحكومات عربية وأوروبية لا تزال في مرحلة التمهيد»، موضحة أن «الحركة أصرت على إجراء مفاوضات مباشرة مع الأمريكيين، واقترحت فتح مكتب رسمي محددة قطر مكانا محتملا له لكونها تستقبل على أراضيها المقر الرئيسي للقيادة العسكرية الأمريكية المشرفة على الحرب في كل من العراق وأفغانستان. كما قدمت لائحة مطالب أعلنتها قبل فترة وتتضمن الإفراج عن حوالي 20 من مقاتليها المحتجزين في قاعدة غوانتانامو العسكرية الأمريكية في كوبا، وانسحاب كل القوات الأجنبية من أفغانستان. وأشارت الصحيفة إلى أن واشنطن تأمل بتحقيق تقدم في هذه المحادثات قبل يوليو المقبل، حين يعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تنفيذ وعده الخاص بالجزء الأول من عملية سحب قوات بلاده من أفغانستان في إطار عملية نقل المسؤوليات للقوات الأفغانية والتي ستنجز بحلول عام 2014. في نفس الوقت وفي دعم لفكرة الانسحاب أعلن ثاني أكبر مسئول عسكري أمريكي في أفغانستان العميد ديفيد رودريغرز أن أقل من 100 من أعضاء «القاعدة» لا يزالون في أفغانستان. ولكن رودريغرز أضاف أن الوقت لا يزال مبكرا للقول إن «مقتل بن لادن أثر في طالبان أو في انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية. واعتبر أن رد فعل «طالبان» على تصفية بن لادن كان بطيئاً بخلاف جماعات إسلامية أخرى في أنحاء العالم دعت إلى الانتقام. ويرى محللون أن ذلك يشير إلى أن الحركة تحاول أن تنأى بنفسها عن «القاعدة». تضارب في اليوم الموالي لتقرير صحيفة الواشنطن بوست أضافت صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية عناصر جديدة أن الولايات المتحدة بدأت محادثات مباشرة مع طالبان، مشيرة إلى أن المحادثات بدأت قبل مقتل زعيم القاعدة اسامة بن لادن. ونقلت عن دبلوماسيين أمريكيين وبريطانيين إعتقادهم أن وفاة زعيم القاعدة يمكن أن يعطي زخما إضافيا للمحادثات وأيضاً لإنسحاب قوات حلف شمال الأطلسي. وترى الصحيفة أن الولايات المتحدة وبريطانيا، باتتا متحمستين لفكرة سحب القوات من أفغانستان. وذكرت الصحيفة بانهيار محادثات سابقة مع طالبان إنهارت عندما ضجت وسائل الاعلام الغربية بأنباء عن نقل قيادي مفترض في حركة طالبان من كابول في طائرة لحلف شمال الاطلسي «الناتو» لأن الحركة رأت فيها تضليلا مقصودا يكشف عن عدم وجود نية صادقة للتفاوض. وبعد ذلك إضطرت واشنطن لأن تعترف أنه تبين القيادي المفترض في طالبان صاحب بقالة انتحل هذه الصفة في محاولة لكسب بعض المال. كما أشارت «الديلي تلغراف» إلى تعثر محاولة أخرى عندما قالت واشنطن أنه لم يتم التأكد من صفة المفاوضين بأسم الحركة لأن هؤلاء رفضوا صدور بيان رسمي عن الملا عمر يؤكد تمثلهم له. وذكرت الصحيفة، إن هذه المحادثات اثارت غضب الرئيس حامد كرازي في كابا، الذي يرى أنها تقوض ما سماها «الديمقراطية الأفغانية»، حيث أن أي اتفاق سلام مع حركة طالبان سينطوي على الارجح على نوع من تقاسم السلطة في كابول. في واشنطن رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية مايكل هامر يوم الاثنين 16 مايو التعليق على هذه الاخبار، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة كان لديها «نطاق واسع من الاتصالات عبر أنحاء أفغانستان والمنطقة، على مستويات عدة، ولن نخوض في تفاصيل تلك الاتصالات». الملاحظون أشاروا إلى عامل مشترك بين المفاوضات الأمريكية مع الثوار الفيتناميين خلال عقد السبعينات من القرن الماضي والمفاوضات مع طالبان حاليا. خلال المفاوضات مع الفيتكونغ حرصت واشنطن على القول أن الحكومة الموالية لها في سيغون تشارك فيها وقد انتهى الأمر سنة 1975 بسقوط هذه الحكومة وفرار مسؤوليها إلى الولايات المتحدة. والأن تقول إدارة أوباما كلاما مشابها، فقد ذكر مسؤول أمريكي يوم 16 مايو أن طالبان «ستجري محادثات مع كل من الأفغان والأمريكيين» إذا كان للعملية أن تسير إلى المرحلة التي ستؤثر فيها بشكل كبير على درجة العنف وتقدم ما تعتبره حركة طالبان نصيبا مقبولا من القوة السياسية في أفغانستان». في نطاق اللعبة الدبلوماسية من جانبها الأمريكي، يشار إن بداية المحادثات كانت قبل إعلان مقتل بن لادن. غير أنه في خطاب وجهته يوم 18 فبراير 2011، ذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية لن يصرا بعد ذلك على الإعلان عن الفصل بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان كشرط مسبق لازم لإجراء المحادثات. وبدلا من ذلك، يمكن الإدلاء بهذا البيان في نهاية المفاوضات. موعد الانسحاب في جواب مسئول كبير في إدارة أوباما على سؤال عما يأمل رئيسه في الإعلان عنه في شهر يوليو، أشار إلى أن أوباما لن يدلي بأي تفاصيل عن أي محادثات. وأضاف: «سيكون الأمر أشبه بما يلي: هذه خطتي بشأن القوات وهذه رؤيتي الشاملة لأفغانستان. وقد أوضحت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أننا سنحقق بعض الدبلوماسية ووضعت خطة لتحقيق رغبتنا في الحديث إلى عدونا، أود أن أوضح للشعب الأمريكي أننا نعمل من أجل تحقيق تلك السياسة على أرض الواقع». وأضاف المسؤول الأمريكي لصحيفة «واشنطن بوست» لقد أسهمت الأحداث على مدار الأشهر الستة الماضية في إصرار الإدارة على متابعة المحادثات الأساسية الجارية، بالإضافة إلى ترسيخ اعتقادها بأن هذه المحادثات يمكن أن تثمر عن نتيجة سياسية ناجحة، حتى لو لم تتحقق قبل عدة سنوات». يشار إلى أن واشنطن وحكومات العواصم الأخرى المتورطة معها في الحرب الأفغانية، تواجه ضغوطا كبيرة خاصة من داخلها للإنسحاب من الحرب. وفي اجتماع عقد في نوفمبر 2010، حدد حلف «الناتو» التي تقع جميع دوله تحت ضغط اقتصادي وسياسي نهاية عام 2014 كموعد أخير للانسحاب التام للقوات المقاتلة من أفغانستان. وذكر قادة الحلف أنه بحلول هذا الموعد، سيكون قد تم نشر القوات الحكومية الأفغانية الكافية وتدريبها على النهوض بدورها في تأمين البلاد. أوباما الذي تشكل قواته نحو ثلثي قوات التحالف الدولي في أفغانستان مجبر عمليا إلا إذا وجد عذرا مقنعا، على بدء سحب قواته في يوليو. وقد ألقت أزمة الميزانية التي تعاني منها الولايات المتحدة، والتي تفاقمت بانتخاب جمهوريين زادوا من العجز، ضغوطا سياسية متزايدة على كاهل الإدارة لتقليص الأموال المخصصة للحرب والمقدرة بقيمة 10 مليارات دولار شهريا، أي أكثر ب 13 مليار دولار عن الميزانية المخصصة لسنة 2012. ستيفن بيدل الخبير في مجلس العلاقات الخارجية وهو مركز ابحاث امريكي قال ان «المواقف حول عواقب مقتل بن لادن على النزاع تتوافق مع ما كان يفكر به الناس بالحرب قبل القضاء عليه». ورغم ان 59 في المائة من الامريكيين يعتبرون ان المهمة انجزت ويؤيدون الانسحاب من أفغانستان كما اظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «يو اس ايه توداي» الاربعاء 11 مايو فان باراك اوباما لا يواجه ضغوطا لا من الشارع ولا في الكونغرس ومن غير المتوقع ان يغير استراتيجيته كما رأى بيدل. وقال لوكالة فرانس برس انه «كان لدى الرئيس عدة فرص لاتخاذ قرارات تغير المسار في أفغانستان لكنه كان ثابتا بشكل لافت». واضاف ان الادارة ترغب باعتماد مقاربة تعكس «المصالح المحدودة» للولايات المتحدة في أفغانستان، «لكن المشكلة هي ان ليس هناك اجراء نصفيا». أهداف حرب يقول ملاحظون أن حدة التضارب بين من يطالب بالانسحاب وبين من يطالب بالبقاء، وراءها عدة أسباب ترتبط بالأهداف الحقيقية للحرب في أفغانستان. أولا: أرادت الإدارة الأمريكية في بداية القرن الحادي والعشرين وإنطلاقا من أفغانستان، الشروع في تنفيذ مخطط المحافظين الجدد حول ما سموه رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، عبر إستراتيجية الفوضى الخلاقة. أي تقسيم دول المنطقة الممتدة من الخليج العربي حتى سواحل المحيط الأطلسي إلى ما بين 54 و 56 دولة وذلك على أسس عرقية ودينية وقبلية ومناطقية. وبالتالي يتم محو شيئ أسمه الوطن العربي. وعندما يتحقق ذلك ويتم تقاسم مناطق النفوذ في الكيانات الجديدة في القطاع الآسيوي «مما كان يعتبر شرق المنطقة العربية» مع القوى الإقليمية الكبيرة وفي مقدمتها إيران، يمكن لإسرائيل أن تزدهر إقتصاديا وسياسيا وعسكريا وتصبح فعالة مع غيرها في جعل المنطقة العربية التي تملك 59 في المئة من مخزون النفط العالمي رهن إرادة القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة. ثانيا: سعت واشنطن عن طريق المؤامرات ومختلف أنواع الضغوط على باكستان تجريدها من السلاح النووي. ويوم الاثنين 16 مايو 2011 تحدث عبد القدير خان الذي يعتبر الأب الروحى للقنبلة النووية الباكستانية عن هذا الموضوع فقال أن القنبلة النووية ساعدت في تجنب باكستان مصير بعض الدول مثل العراق وليبيا حيث شهدتا تدخلات عسكرية غربية. وأضاف خان خلال مقابلة مع مجلة «نيوزويك» الأمريكية إن الدول التي لا تمتلك السلاح النووي تتعرض للكثير من التدخلات العسكرية الغربية والاحتلال. وأشار العالم الباكستاني إلى ان السلاح النووي منع وقوع حرب بين باكستان وخصمها التاريخي الهند، رغم تفوق الأخيرة عسكريا وبدرجة كبيرة. ثالثا: عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على استغلال وجودها العسكري في أفغانستان لفرض طوق حصار عسكري على روسيا التي بدأت تحاول استعادة نفوذها وقوتها السابقة، ومنعها من التفكير في تحقيق حلمها القديم للوصول إلى المياه الدافئة. الطوق العسكري الأمريكي كان يستهدف الصين كذلك وتعقيد عملية حصولها على الطاقة عبر خطوط ثابتة من منطقة الشرق الأوسط. ورابعا: قدرت واشنطن أن التمكن من السيطرة على أفغانستان وإضعاف باكستان، سيجعل من مصلحة الهند التحالف مع الولايات المتحدة لمواجهة القوة الصينية المتنامية. وبهذه الطريقة تتم إقامة نظام تحالف آسيوي كبير محسوب على الولايات المتحدة ويضم اليابان وكوريا الجنوبية شرقا وإستراليا والفلبين جنوبا والهتد وأفغانستانوباكستان بعد ترويضها شرقا. متغيرات هذه الأهداف الأربعة الأساسية تعرضت لمتغيرات. مشروع الشرق الأوسط الكبير يبقى متعثرا، ومحدودية القدرة الأمريكية على ركوب حركة التغيير العربية والتدخل عسكريا لتحقيق أهداف معينة، دفعت أوساطا في مراكز القرار الأمريكي إلى تأييد سحب القوات الأمريكية من أفغانستان لتكون لديها القدرات الكافية للتدخل في المنطقة العربية. الرئيس الأمريكي أوبام في الخطاب الذي القاه يوم الخميس 19 مايو 2011 في مقر وزارة الخارجية الأمريكية وروجت له أبواق الدعاية الأمريكية والتابعة لها على أنه مخصص للثورات العربية لم ينجح في تحويل الانظار عن النسخة الحديثة من الفوضى الخلاقة للمحافظين الجدد. رغم محاولة أوباما التمويه على جهود إدارته لركوب حركة التطور في المنطقة العربية وتحويلها إلى أداة للتفتيت والفوضي، كشف عن أجندة إدارته وذلك طبعا تحت غطاء نفس الشعارات حول الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وهي نفس الشعارات التي استخدمت وتستخدم لسلب فلسطين وتدمير وبلقنة وتمزيق العراق والسودان وغيرهما. أكد أوباما أن عجلة التغيير ستستمر، قائلا «زعيمان تنحيا وكثيرون قد يلحقون بهما». وأضاف إن الشرق الأوسط شهد على مدى الشهور الستة الماضية تغيرات استثنائية، مشددا على أن شعوب المنطقة ارتقت للمطالبة بحقوقها السياسية، مركزا على أن «مستقبل أمريكا مرتبط بهذه المنطقة». في بعض دوائر التحليل في واشنطن أخذ على أوباما استخدامه كلمة زعيمين بدلا من رئيسين. وأعلن أوباما أنه ينبغي للولايات المتحدة في الشهور القادمة أن تستخدم كل مواردها لتشجيع ما سماه الإصلاح بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقال إن ما حدث ينبغي ألا يكون مفاجئا فالدول العربية نالت استقلالها لكن الشعوب العربية لم تنل حقوقها. وفي محاولة لنفي الاتهامات الموجهة إلى واشنطن بركوب حركة التحول العربية قال أوباما أن الولايات المتحدة لم تدفع شعوب العربية للخروج في الشوارع والتحرك، وقال «صرخات الكرامة الإنسانية يتردد صداها بالمنطقة». وأضاف الرئيس الأمريكي إن الشعوب تريد الحل خلال أسابيع، لكن الأمر قد يستغرق سنوات حتى يكتمل، مشيرا إلى أن بلاده ستواصل التزامها تجاه أصدقائها وشركائها، وإدعى أن «مصالح أمريكا ليست خطرا على آمال شعوب المنطقة». واشار إلى أن هناك انقساما كبيرا بين الولايات المتحدة والعالم العربي، وهو أمر يحتاج إلى تصويب، لكنه قال إن الوضع الراهن ليس دائما وأن الولايات المتحدة ترحب بتقرير الشعوب لمصيرها». وفي مؤشر على الجهل الأمريكي بالمواقف العربية، رفض أوباما ما وصفه بأنه جهد لعزل إسرائيل في الأممالمتحدة في سبتمبر 2011. وقال «إن جهود تجريد إسرائيل من الشرعية ستنتهي إلى الفشل والتحركات الرمزية لعزل إسرائيل في الأممالمتحدة لن تخلق دولة مستقلة». كما شدد على أن «الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل لا يهتز». فشل تحسين الصورة خطاب أوبام يبين أن مخططي سياسة البيت الأبيض لم يأخذوا درسا مما توصلت إليه دراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث ضمن مشروع اتجاهات الرأي العالمي. الدراسة كشفت عن تراجع في عدد الناس الذين يحملون صورة إيجابية للولايات المتحدة في الأردن وتركيا ولبنان مقارنة بما كانت عليه في العام 2010. ووفقاً للمسح، الذي أجري بين 21 مارس و26 أبريل 2011، فقد تراجعت صورة الولايات المتحدة أيضا في دولتين إسلاميتين من الدول التي شملها الاستطلاع، وهما باكستان وإندونيسيا. وجاء في التقرير أن «كثيرا من المخاوف العديدة التي أدت إلى الإجماع في العداء تجاه الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة مازالت قائمة، مثل التصرفات الأمريكية أحادية الجانب، والسند المطلق لإسرائيل وغزو العراق ومعارضة الحرب على ما يوصف أمريكيا بالإرهاب والخشية من الولايات المتحدة بوصفها تهديدا عسكريا استعماريا». وبحسب دراسة «بيو»، فإن 13 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع في الأردن كان لهم رأي إيجابي تجاه الولايات المتحدة، وهو تراجع عما كان عليه الأمر في العام الماضي، حيث كانت النسبة تصل إلى 21 في المائة. وتراجعت الصورة الإيجابية للولايات المتحدة في تركيا من 17 في المائة إلى 10 في المائة، وفي باكستان من 17 في المائة إلى 11 في المائة، وفي إندونيسيا من 59 في المائة إلى 54 في المائة، وفي لبنان من 52 في المائة إلى 49 في المائة. داخل الإدارة الأمريكية هناك من يرى أن نافذة التدخل الأمريكي في المنطقة العربية توشك أن تنغلق ولذلك يجب التريث في تحديد أولويات سياسة واشنطن. يذكر أنه قبل أن يلقي أوباما كلمته، تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في كلمة لها عن رياح التغيير، وقالت إنها تكتسح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما قالت إن الدور الأمريكي بحاجة لطرق جديدة ومبتكرة. والمعروف أن الخارجية الأمريكية بمفردها تشن هجوما ضخما منذ أشهر على شبكة الانترنت تتضمن مئات ملايين الرسائل الالكترونية التي تشجع حسب المقولة الأمريكية الشباب في الاقطار العربية على الثورة على أنظمة حكمهم، كما أنها تخصص منذ سنة 2005 عشرات ملايين الدولارات شهريا لدعم ما يوصف بالمنظمات غير الحكومية، التي يعمل جزء منها كعيون ولسان الإدارة الأمريكية. مقاييس الفشل والنجاح إذا لم من الممكن في المرحلة الحالية الجزم بأن اللعبة الأمريكية في المنطقة العربية توشك على نهايتها فإن الوضع مخالف مع جار أفغانستان. لم تنجح الضغوط والمؤامرات في تفكيك وحدة باكستان أو نزع سلاحها النووي، بل نجحت إسلام آباد تعزيز تحالفها مع بكين، وفرضت بذلك حالة توازن تشل قدرة واشنطن التخريبية ضدها. وكتب المحلل سيباستيان بلان من بكين يوم 15 مايو تقريرا قال فيه: يرى محللون ان التباعد بين اسلام اباد وواشنطن بعد اتهامات الأخيرة لها حول عدم الإخلاص في التحالف، واحتمال تعجيل الانسحاب الامريكي من افغانستان من شأنهما تعزيز التحالف الصلب اصلا بين باكستان والصين. فخلال استقبالهم رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني الثلاثاء في بكين، أشاد المسؤولون الصينيون بستين عاما من «الصداقة» بين البلدين، معلنة دعمها لباكستان واشادتها ب»جهودها في مكافحة الارهاب. وقال نواز شريف السياسي الذي يحظى بشعبية كبيرة في باكستان «في هذه اللحظة التاريخية المصيرية، لا أرى أي طرف يقف إلى جانب باكستان بإستثناء الصين». ويزداد اقتناع الرأي العام الباكستاني بالتاثير المعكوس للتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة منذ العام 2001 والذي تجلى في انعدام استقرار داخلي واهتزاز مكانة باكستان الدولية. وحرصت الصحافة الصينية الرسمية قبل زيارة رئيس الوزراء الباكستاني على التنديد ب»الغطرسة» الغربية، وكتبت صحيفة غلوبال تايمز ان «وسائل الاعلام الامريكية لا تعتبر باكستان حليفا فعليا يستحق الاحترام بل اداة لتحقيق مصالح الولايات المتحدة». والصين أول مصدر للسلاح إلى باكستان، كما وقعت بكين التي تسعى إلى الحفاظ على توازن القوى في المنطقة عقودا مهمة مع اسلام اباد لبناء مفاعلات نووية. ويعتبر مراقبون ان الصين مقتنعة بان اسلام اباد ستوسع نفوذها في افغانستان بحلول العام 2015، مستفيدة من الانسحاب المنتظر للقوات الأمريكية بعد فشلها المتوقع في هزيمة طالبان. كذلك من مصلحة بكين ان يسود الهدوء المنطقة المتوترة، وخصوصا ولاية بلوشستان الباكستانية. فالصين، المستهلك الأول للطاقة في العالم، تتطلع إلى هذه المنطقة كمعبر للمحروقات التي مصدرها الشرق الاوسط عبر انبوب يربط اقليم شينغيانغ بميناء غوادار الباكستاني. وقد مولت الصين قسما كبيرا من هذا المشروع الذي من شانه تنويع مصادر امدادها بالطاقة. إسلام آباد نجحت كذلك في كسب تأييد مهم من جانب الكرملين، فيوم الاربعاء 11 مايو زار الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري الى موسكو، ورغم أنه لا ينظر الى روسيا في العادة على انها حليفة لاسلام اباد، لاسباب من بينها العلاقات الوثيقة بين روسيا والهند والدعم الذي قدمته ياكستان الى الأفغان الذين قاتلوا القوات السوفياتية خلال الثمانينات، الا ان باكستان تدرك أن مصلحة موسكو تملي تعاونا وثيقا بين الطرفين. زرداري قال ان «روسيا كانت دائما قوة عظمى، واستطيع القول انها لا تزال قوة عظمى، ولكن اليوم اصبحت كذلك جزءا كبيرا من منطقتنا». واضاف ان تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية يخدم مصلحة البلدين. واشار الى ان «روسيا القيصرية كانت تحلم بان يكون لها طريق للوصول إلى البحار الجنوبية .. وباكستان تدعو روسيا الحديثة إلى الاستفادة من وجودها على البحار الجنوبية مما سيزيد بكل تأكيد الازدهار الاقتصادي للدولتين». وفي أغسطس 2010 استضاف مدفيديف زرداري في مسكنه في سوشي في اطار قمة رباعية ضمت كذلك أفغانستان وطاجيكستان، تم خلالها الاتفاق على السعي لتنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة للمساعدة على استقرار المنطقة المضطربة. وقال الكرملين الاربعاء 11 مايو ان روسيا تحرص على التنقيب على النفط والغاز في باكستان وتطويره ومساعدة ذلك البلد على بناء سكك حديدية ومنشات تخزين للغاز تحت الارض. كما تسعى شركة غازبروم الروسية الى الانضمام الى خطة لبناء خط انابيب من تركمنستان إلى باكستان والهند عبر أفغانستان. وتتقرب روسيا أيضا من باكستان ولديها نفس قناعة الصين من أن طالبان ستنتصر وستكون مع إسلام آباد محور قوة كبيرة في المنطقة الموصوفة غربيا ببطن آسيا الرخو. ويقدر خبراء روس أن تحالف باكستاني أفغاني سيحول بين الغرب وإستغلال أراضي أفغانستان لزعزعة أستقرار دول غالبيتها مسلمة في آسيا الوسطى كانت جزء من الاتحاد السوفيتي سابقا. ولا ينسى الكرملين أن الجيش الأحمر خسر نحو 15 ألف جندي سوفيتي قتلوا بين جرح عشرات الآلاف في معارك مع الأفغان قبل انسحاب القوات السوفيتية من البلاد في عام 1989. يكررون نفس الخطأ يوم 15 مايو 2011 قال رئيس الاتحاد الروسي للمحاربين القدامى في أفغانستان في تصريح لا يخلو من شماتة: ان حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة «يكرران مئة في المئة الخطأ ذاته الذي ارتكبناه عندما خاضنا حربا في هذا البلد». وأضاف أنه يتمنى لو كانت الولايات المتحدة استشارت روسيا قبل خوض هذه الحرب لان روسيا لديها خبرة اكثر من 200 سنة في التعامل مع أفغانستان»، وتابع قوله «كان عليهم أن يدعوا خبراء روسيين.. وان يشركوا روسيا.. وأن يدرسوا فعليا كيف بامكانهم الاستفادة من روسيا. لكن للاسف يعتقد الامريكيون أنهم يعلمون كل شيء». في نفس الأسبوع الذي زار فيه رئيس الوزراء الباكستانيبكين حل رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ بالعاصمة الأفغانية كابل، وأعلن من هناك يوم الجمعة 13 مايو ان بلاده تدعم عملية المصالحة التي بدأتها الحكومة الأفغانية مع طالبان، مؤكدا أن القرارات حول مستقبل أفغانستان ينبغي ألا تخضع «للتدخلات الخارجية». وكانت نيودلهي حتى الان حذرة حيال محاولات الحوار التي يطلقها الرئيس الافغاني حميد كرزاي مع الثوار في حركة طالبان الذين يعتبر أنهم يحظون بدعم باكستان. ويؤكد العديد من المحللين ان الهند وباكستان اللتين خاضتا ثلاث حروب منذ استقلالهما في 1947، تخوضان صراع نفوذ حاليا في أفغانستان. ومنذ سقوط حكومة طالبان في كابل في نهاية العام 2001 اثر تدخل القوات الأمريكية، قدمت الهند 5100 مليون دولار في برامج مساعدة لتصبح اولى الدول المانحة في المنطقة. واعلن سينغ الخميس انه قرر صرف مساعدة اضافية لافغانستان بقيمة 500 مليون دولار. كما اعلنت كابل ونيودلهي الاعداد لشراكة استراتيجية ثنائية في مختلف الميادين. سراب النصر مواصلة واشنطن للحرب في أفغانستان إلى حين والهرب من التسليم بإستحالة تحقيق النصر،مرتبط إلى حد كبير بتعثر مشروع الشرق الأوسط الكبير. ولهذا وفي نطاق المناورات السياسية تكثر بموازاة مع أخبار المفاوضات مع طالبان، التصريحات عن قرب أنتصار حلف الناتو الذي له 150 الف جندي في أفغانستان ضمنهم 100 الف جندي أمريكي. هكذا أشار الجنرال ديفيد بترايوس، قائد قوات التحالف العسكرية الذي سيتولى قريبا منصب مدير المخابرات المركزية، إلى زيادة تقدم القوات الحليفة في مواجهة مقاتلي حركة طالبان في الجنوب، رغم أن هناك درجة من عدم الاتفاق مع استنتاج مخابرات القوات العسكرية الأمريكية الذي مفاده أن الخسائر الضخمة قد جعلت حركة طالبان سهلة الانقياد للمفاوضات بدرجة أكبر. يوم 20 مايو إنضم الجنرال البريطاني فيل جونز إلى جوقة المبشرين بالنصر، فصرح خلال مؤتمر صحفي بالفيديو من كابل أن اكثر من 1700 عنصر من طالبان القوا اسلحتهم في افغانستان. وأضاف «حتى الان لدينا حوالي 1740 مقاتلا سابقا انضموا رسميا إلى عملية إعادة التأهيل. وبالاضافة الى ذلك, يفاوض المجلس الأعلى من اجل السلام (هيئة شكلتها الحكومة الافغانية للاهتمام بسياسة المصالحة) مع 40 الى 45 مجموعة في البلاد. قد تمثل هذه المجموعات حوالى الفي مقاتل». واشار جونز الى ان عناصر التمرد الافغاني الذين ينتمون بشكل اساسي الى حركة طالبان وشبكة حقاني, يصل عددهم الى حوالى 25 الف مقاتل. وبالاضافة الى اعادة التأهيل «الرسمية»، اعتبر الجنرال جونز ان عددا كبيرا من عناصر طالبان يلقون السلاح ويعودون للعيش في قراهم ومن دون الاعلان رسميا عن اعادة تأهيلهم. واوضح انه في محافظة هلمند خصوصا هناك شعور بان الاستسلام مع اعادة التأهيل برعاية الحكومة يطال الشرف بالاضافة الى الخوف من الاعمال الانتقامية التي قد يقوم بها المتمردون». صدر في آخر سنة 2009 كتاب يقع في 430 صفحة للباحث الأمريكي سيث ج. جونز تحت عنوان «في مقبرة الإمبراطوريات»، تحدث فيه عن وهم الانتصار الذي راود كل القوى الغازية لأفغانستان عبر أكثر من 24 قرنا. بدأ السرد من سنة 330 قبل الميلاد، حين تكبد الإكسندر الأكبر وجيشه خسائر هائلة في معارك ضارية ضد القبائل الأفغانية. ويضيف بعد تعداد كم من القوى هزمت، إن المسؤولين في الولايات المتحدةالأمريكية من عسكريين ودبلوماسيين، يدركون جيدا أنه لا يمكن تحقيق نصر، وفي أواخر عام 2001 قال الجنرال تومي فرانكس قائد القيادة المركزية الأمريكية: «نحن لا نريد تكرار أخطاء السوفييت... هذه المنطقة احتضنت ثقافة المحاربين الفخورين بصد الجيوش الغازية لأكثر من 2000 سنة».