دي ميستورا يبحث تطورات قضية الصحراء المغربية مع خارجية سلوفينيا    المغرب والسعودية يعززان التعاون الثنائي في اجتماع اللجنة المشتركة الرابعة عشر    المملكة العربية السعودية تشيد بجهود جلالة الملك رئيس لجنة القدس من أجل دعم القضية الفلسطينية    المملكة العربية السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    الوقاية المدنية تتدخل لإنقاذ أشخاص علقوا داخل مصعد بمصحة خاصة بطنجة    إجهاض محاولة تهريب دولي للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 107 كيلوغرامات من الشيرا    أوزين: عدم التصويت على قانون الإضراب مزايدة سياسية والقانون تضمن ملاحظات الأغلبية والمعارضة    وزيرة التنمية الاجتماعية الفلسطينية تُشيد بمبادرات جلالة الملك محمد السادس لدعم صمود الفلسطينيين    تعرف على برنامج معسكر المنتخب المغربي قبل مواجهتي النيجر وتنزانيا في تصفيات كأس العالم 2026    لهذه الاسباب سيميوني مدرب الأتليتيكو غاضب من المغربي إبراهيم دياز … !    صرخة خيانة تهز أركان البوليساريو: شهادة صادمة تكشف المستور    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    سلا: حفل استلام ست مروحيات قتالية من طراز 'أباتشي AH-64E'    الاستثمار السياحي يقوي جاذبية أكادير    الكاف يشيد بتألق إبراهيم دياز ويصفه بالسلاح الفتاك    فيفا يكشف جوائز مونديال الأندية    المغرب يستقبل أولى دفعات مروحيات أباتشي الأميركية    "حماس" تؤكد مباحثات مع أمريكا    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وزخات مطرية رعدية قوية الأربعاء والخميس    فاس تُضيء مستقبل التعليم بانضمامها لشبكة مدن التعلم العالمية    إقليم الحسيمة .. أزيد من 17 ألف أسرة مستفيدة من عملية "رمضان 1446"    3 قمم متتالية تكرس عزلة النظام الجزائري وسط المجموعة العربية وتفقده صوابه ومن عناوين تخبطه الدعوة إلى قمة عربية يوم انتهاء قمة القاهرة!    المغرب..البنك الأوروبي للاستثمار يسرّع دعمه بتمويلات بقيمة 500 مليون أورو في 2024    دنيا بطمة تعود لنشاطها الفني بعد عيد الفطر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    تداولات بورصة البيضاء بأداء سلبي    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    "أونسا" يطمئن بشأن صحة القطيع    وكيل أعمال لامين يامال يحسم الجدل: اللاعب سيمدّد عقده مع برشلونة    مونديال الأندية.. "فيفا" يخصص جوائز مالية بقيمة مليار دولار    قصص رمضانية.. قصة بائعة اللبن مع عمر بن الخطاب (فيديو)    مطار محمد الخامس يلغي التفتيش عند المداخل لتسريع وصول المسافرين    هذه مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الخميس    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر من الرجال    العثور على أربعيني ميتًا نواحي اقليم الحسيمة يستنفر الدرك الملكي    حدود القمة العربية وحظوظها…زاوية مغربية للنظر    «دلالات السينما المغربية»:إصدار جديد للدكتور حميد اتباتويرسم ملامح الهوية السينمائية وعلاقتهابالثقافة والخصائص الجمالية    «محنة التاريخ» في الإعلام العمومي    القناة الثانية تتصدر المشهد الرمضاني بحصّة مشاهدة 36%    تحذير من حساب مزيف باسم رئيس الحكومة على منصة "إكس"    طنجة تتصدر مدن الجهة في إحداث المقاولات خلال 2024    النيابة العامة تتابع حسناوي بانتحال صفة والتشهير ونشر ادعاءات كاذبة    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    كسر الصيام" بالتمر والحليب… هل هي عادة صحية؟    اليماني: شركات المحروقات تواصل جمع الأرباح الفاحشة والأسعار لم تتأثر بالانخفاض في السوق الدولية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    هذه أبرز تصريحات ترامب في خطابه أمام الكونغرس    أبطال أوروبا.. قمة ألمانيا بين البايرن و ليفركوزن واختبار ل"PSG" أمام ليفربول    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    الصين تعلن عن زيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 7,2 بالمائة للعام الثالث على التوالي    المنتخب المغربي يدخل معسكرا إعداديا بدءا من 17 مارس تحضيرا لمواجهة النيجر وتنزانيا    اجتماع بالحسيمة لمراقبة الأسعار ومعالجة شكايات المستهلكين    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصيح بدرخان : الإسلام والأرثوذوكسية عاشا في اختلاط دائم
نشر في هسبريس يوم 07 - 10 - 2008

في حوار مع د. فصيح بدرخان، نائب رئيس المركز العلمي للحوار الروسي- العربي في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية: إن الإسلام والأرثوذوكسية عاشا دائما ليس في تجاور فحسب، وإنما في اختلاط دائم... ""
-الحلقة الثانية-
محاورة د. فصيح بدرخان فيه نكهة فكرية متفردة وعمق دلالي خاص. فهو الباحث المتطلع إلى فكر علمي رصين، و الراغب في شق طريق الاجتهاد، في قضايا الفكر وتاريخ الحضارات و التصوف. د. بدرخان، يشغل إلى جانب عمله كباحث، منصب نائب رئيس المركز العلمي للحوار الروسي- العربي في معهد الاستشراف التابع لأكاديمية العلوم الروسية ، وهو من بين الباحثين المرموقين في روسيا والعالم العربي. التقيناه في موسكو، وأجرينا معه هذا الحوار:
في نظرك ما هي خصائص العلاقة التي تربط العرب بالشعب الروسي ؟
هناك خصائص كثيرة مشتركة تطبع العلاقات بين الروس والعرب، لعل أهمها القرب الحضاري، حيث أن الإسلام والأرثوذوكسية عاشا دائما ليس في تجاور فحسب، وإنما في اختلاط دائم، والكثير من الأرثوذوكسيين يعيشون في العالم العربي- الإسلامي، مقابل المسلمين الذين يشكلون من حيث العدد الديانة الثانية في روسيا، وبهذا الشكل فقد جرى بينهما تعايشا تاريخيا طبعهم بالكثير من الصفات المتقاربة. ولو أخذنا التاريخ، لوجدنا مفارقات مثيرة حيث أننا أثناء إطلاعنا على تاريخ المسلمين الروس (هم كانوا مسلمين قبل أن تصبح روسيا أرثوذوكسية) ، لوجدنا أنهم كانوا على مدى القرون الطويلة يعانون من أن مناطقهم وخصوصا في القوقاز، كانت مكانا لمعارك طاحنة بين ثلاثة إمبراطوريات: العثمانية والروسية والفارسية، والمثير في الأمر أنهم كانوا يتطلعون دائما إلى الجهة التي يأتيهم منها الظلم الأقل، والمفارقة، أن الظلم الأقل كان من الجانب الروسي، بالرغم من أن الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية كانتا إسلاميتين، والدليل على ذلك أنني كنت قد درست تاريخ المعارك، وتبين أنه بالنسبة للعثمانيين والفرس كان الجانب القومي – الإمبراطوري يطغى على الجانب الديني. ومن هنا يتبين لنا عاملا هاما جدا في التقارب الروسي المسيحي والإسلامي، وهو أن روسيا تاريخيا كانت من الناحية السياسية دولة ديكتاتورية، أما من النواحي الدينية والقومية والاجتماعية، فقد كانت ليبرالية لدرجة عالية، ويبدوا أن هذا العامل كان سببا في نجاح الشيوعيين في نشر أفكارهم الأممية فوق القومية والدين. ومن هنا كان المسلمون الروس، والذين هم أيضا يضعون الأولوية للجانب القومي قبل الديني، قد وجدوا اللغة المشتركة مع الشعوب التي تقطن تاريخيا الإمبراطورية الروسية. وكانت القسوة التي عانى منها سكان المنطقة المسلمين وللأسف من طرف الإمبراطوريتين المسلمتين، أكبر نسبيا من ما هو الحال مع الروسية (وفيما يخص موضوع حرب المريدين ضد الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر والذي يعرفها المؤرخون بحرب القوقاز، فانها حالة خاصة تدخل في نطاق الدسائس التي كان يقوم بها المشروع الجيوسياسي الأنكلوساكسوني ضد الإمبراطورية الروسية). وقد كنت قد ركزت دراساتي حول حروب الشاه الفارسي المعروف بنادر شاه، والذي كان قد استولى على مناطق واسعة من آسيا والشرق الأوسط، وجاء نحو القوقاز في طريقه إلى روسيا وأوروبا، وقاومه االشعب الداغستاني وحده لمدة عشرة سنوات حتى جرى الاتحاد الكبير للقبائل الداغستانية، وحطموا جيشه في منطقة تشوخ الجبلية وقتلوا منه خلال خمسة أيام، 45 ألف عسكري، مما اضطره للهرب ملقيا أسلحته الشخصية والتي توجد اليوم في المتحف الوطني في جمهورية داغستان.
أما لو نظرنا إلى تاريخ العلاقات السياسية بين روسيا والعالم العربي، لوجدنا هناك الكثير من العناصر و الخصائص المتميزة، حيث لا يعرف تاريخ العلاقات العربية- الروسية الحرب والمواجهة المباشرة فيما بينهما، وكان الحج الروسي إلى الأماكن المقدسة قد بدأ من القرن الخامس عشر، وكانت الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية الروسية الارثوزوكسية، قد لعبت دورا كبيرا بين روسيا والعالم العربي، عداك عن تداول الأفكار التنويرية بين مسلمي روسيا والعالم العربي، ومراسلات الكاتب الروسي الشهير ليف تولستوي صاحب "الحرب والسلام" مع المفكر المصري الكبير محمد عبده. وفيما يخص المرحلة السوفييتية، فكانت صادقة مع العرب منذ بدايتها حيث منذ انتصار الثورة الاشتراكية، كانت روسيا قد قدمت للعالم العربي المعلومات السرية حول اتفاقيات الدول الأوروبية حول تقسيم المستعمرات في كل العالم العربي، مثل اتفاقيات سايكس بيكو وغيرها، وكان الاتحاد السوفييتي قد قدم مساعدات كبيرة للدول العربية في مرحلة التحرر الوطني، وبعدها أثناء بناء اقتصادياتها الشابة، حيث بنى الكثير من المشاريع الضخمة الحيوية، والتي مازالت حتى اليوم رمزا للصداقة والتعاون في تلك المرحلة، لكن الاتحاد السوفييتي سقط وبدأت مرحلة جديدة من العلاقات، والتي كانت في التسعينات قد عانت من القصور، لكنها عادت إلى مجراها من انتخاب الرئيس بوتين في عام 2000 ، حيث أصبحت روسيا عضوا مراقبا في منظمة المؤتمر الإسلامي وفي جامعة الدول العربية، وأصبحت سياستها متوازنة تماما تجاه جميع القضايا العربية من القضية الفلسطينية إلى أزمة الشرق الأوسط عموما، بما فيها العراق ودارفور والصومال وغيرها. وأود الإشارة هنا إلى أن القضية الفلسطينية تعكس واقعا عالميا يتطور طيلة الفترة بعد الحرب العالمية الثانية، نظمته الأمم المتحدة اعتمادا على الواقع الدولي الذي تشكل بعد مؤتمر يالطة وبدأ صراع القطبين الرأسمالي والاشتراكي. أما اليوم فالبشرية تمر في مرحلة مخاض، تشير إلى أن المستقبل الدولي سيحكمه نظام تعددية الأقطاب، بالرغم من أن الدولة التي تسمي نفسها العظمى الوحيدة تحاول تأكيد فرادتها ونظام القطب الواحد، لكن من الواضح، أنها لن تستطيع من فرض هيمنتها، لأنها تفهمت أنها لم تعد تتفوق اقتصاديا ومن هنا السلوك العدواني العسكري باعتباره الجانب الوحيد الذي تتفوق به قياسا للدول العظمى الأخرى، وهي بلا شك ستتابع ذلك ولا أستبعد أنها ستوجه الضربة العسكرية إلى إيران بدون الاجتياح البري كما حصل ذلك في العراق وأفغانستان ، حيث أن إسرائيل بلا شك تهتم بهذه الضربة. وعلى ضوء التطورات العالمية السريعة الجارية، يمكننا أن نستخلص الدور الروسي على المستوى الدولي وبالتالي دورها في حل القضية الفلسطينية، باعتبارها إحدى رعاة العملية السلمية. ولا أعتقد هنا ضروريا الحديث عن تاريخ الموضوع، لأنه معروف بالرغم من أنه شائك ومعقد والصراع العربي الإسرائيلي بلا شك يلقي بظلاله على قضية السلام في العالم، وحل هذه القضية لا يرتبط فقط بالتعقيدات التي تمر بها الساحة العربية والفلسطينية، لأنها ناتجة أيضا عن تعقيدات عالمية جيوسياسية، تزيد من حدتها وتُبعد الحلول المطروحة لهذه الأزمة الى مرحلة جديدة وللأسف إلى زمن غير معروف. إن الموقف الروسي عموما، يتناسب مع المواقف العربية في حل الأزمة، ومن أجل فهم الموقف الروسي، من المفيد القيام بتحليل السياسة الأمريكية باعتبارها ليست فقط إحدى رعاة السلام، وإنما الدولة التي تؤثر عمليا بشكل مباشر على السياسة الإسرائيلية، لأن إسرائيل تتخذ قراراتها الهامة بمباركة أمريكية باعتبارها حليفا استراتيجيا تاريخيا، كما أنها تؤثر على الكثير من اللاعبين القريبين أو البعيدين في المنطقة، ومن هنا فان تحليل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يحمل الأهمية الخاصة لفهم عمق ما يجري واستخلاص السياسة الروسية في هذا الإطار. إن الخطوات العملية التي تتخذها الولايات المتحدة تشير أحيانا بوضوح، وأحيانا أخرى بشكل غير مباشر، إلى عدم وجود الاهتمام الفعلي من جانبها بالتوصل إلى الحل والتقدم الواقعي في عملية التسوية في الشرق الأوسط، وعدم قدرة البيت الأبيض على حل القضية بشكل منفرد، حيث أن التوجه الواضح من قبل البيت الأبيض هو في صالح إسرائيل ولا يسمح بأن نعتبر الجهة الأمريكية وسيطا معتدلا ونزيها في عملية الشرق الأوسط، وهو الشيء الحادث تاريخيا حيث أنها تدعم كليا النهج الذي تقوم به إسرائيل، في الوقت الذي تعرضت هيبة الولايات المتحدة في العالم العربي- الإسلامي للضرر الكبير نتيجة لقيامها بما يسمى "بالحرب ضد الإرهاب" في العراق وأفغانستان إضافة إلى سياستها تجاه إيران. والأكثر من ذلك كان الإسرائيليون قد تقبلوا وبكل سرور تصريح الرئيس الأمريكي حول دعمه لفكرة "دولتان للشعبين"، وأهمية الحفاظ على يهودية الدولة الإسرائيلية، مما يشير بوضوح إلى موقف الولايات المتحدة الموجه نحو عدم السماح لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة، وهذا يعني أيضا الموافقة على المخططات الإسرائيلية بإخراج الفلسطينيين- المواطنين الإسرائيليين، البالغ عددهم مليون ونصف من إسرائيل إلى الدولة الفلسطينية القادمة. ومن الجوانب الهامة في السياسة الأمريكية، هو أن اقتراح الرئيس الأمريكي حول تشكيل آلية دولية لدفع التعويضات للفلسطينيين لقاء الملكيات التي فقدوها ورفض العودة، يهدف إلى تخليص إسرائيل من المسؤولية المالية في توفير الظروف اللازمة للاجئين، وتحميل هذه المسؤولية على المجتمع الدولي. إضافة إلى ذلك، إن عدم وجود اعتراض وردود الفعل السلبية من طرف الولايات المتحدة بخصوص تصريح أولمرت حول عدم السماح بتسوية الوضع الحقوقي لمدينة القدس الشرقية والمستوطنات التي تحمل الأهمية المبدئية بالنسبة للإسرائيليين في (معالي وأدوميم وأرييل وغوش- ايتسيون) مع المستوطنات الأخرى في الضفة الغربية، يشير إلى أن البيت الأبيض يقدم الضوء الأخضر للسياسة الاستيطانية التي تقوم بها تل أبيب والبداية بعملية إعادة النظر بكل القاعدة الدولية الحقوقية لقضية الشرق الأوسط بشكل يتناسب مع المصالح الإسرائيلية. إن الموقف الذي صرح عنه بوش حول عدم وجود الرغبة لدى الولايات المتحدة في الضغط على أطراف الأزمة، وتقديم الحرية لهما في التوصل إلى الاتفاق المتبادل حول مقاييس التسوية، يسمح الآن لإسرائيل من حيث المضمون ممارسة الرقابة والاتجاه نحو تطور عملية المحادثات مع العرب في التسوية على أساس الشروط المناسبة لها، وبدون التدخل من الخارج، وفي هذا الوضع، فان عامل الوقت في صالح الإسرائيليين، لأن العرقلة الدائمة في التسوية تسمح للإسرائيليين بتشكيل الوضع المناسب لهم في الأراضي الفلسطينية والذي في المستقبل سيحدد إمكانيات التأثير على الإتفاق النهائي. ومن المثير في هذا الاتجاه، هو التصريح الذي أطلقه بوش حول ضرورة تعديل وتصحيح "الخط الأخضر" لعام 1949 مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الحالي (اي إدخال الأماكن السكنية الكبيرة في الأراضي الواقعة حول القدس إلى الأراضي الإسرائيلية). إن المحاولات الإسرائيلية في إخراج سوريا وإيران وحركة حماس من العملية متهمة إياهم بالارتباط بالإرهاب، يشير إما إلى عدم تفهم البيت الأبيض لما يجري في المنطقة من عمليات هامة وعميقة والترابط المتبادل فيها وإما التطلع المقصود نحو تأزيم الوضع في الشرق الأوسط. إن اتهام القوى المذكورة والدعاية الدائمة ضدها واتهامها بتعطيل المخططات الأمريكية السلمية، يؤدي إلى إيجاد السبب والأسس الدعائية اللازمة لتنفيذ المخططات العسكرية لواشنطن وتل أبيب في المنطقة. ويبدو أن هذا هو المطلوب حيث ما يشير بشكل غير مباشر إلى ذلك هو الاتفاقيات الأمريكية الإسرائيلية حول تقديم الأسلحة الحديثة إلى إسرائيل، ومنها القنابل الضخمة التي تقذفها الطائرات والتي يمكن استخدامها للقضاء على زعماء حماس أثناء سير العمليات العسكرية ضد الإسلاميين في قطاع غزة ومن أجل تدمير المواقع النووية في الأراضي الإيرانية. إن الخطوات الأمريكية أحادية الجانب ومع أنها تنعش أحيانا العملية السلمية في الشرق الأوسط، لكنها لا تستطيع تقديم النبض اللازم والجاد للمحادثات العربية- الإسرائيلية، وقبل كل شيء، بسبب عدم وجود لدى إدارة بوش "الوصفة" اللازمة للحل الحقيقي للأزمة الأساسية بين الطرفين. ومن هنا فان مستقبل توقيع المعاهدة الفلسطينية- الإسرائيلية حول التسوية النهائية خلال مرحلة حكم الرئيس بوش ليس له أي أساس واقعي. وحتى لو تم تحضير هذه الاتفاقيات فهي ستبقى شكلية- حبرا على ورق ولن تتابع حسب اعتقادي السيدة ليفني المحادثات مع الفلسطينيين إلا من أجل المحادثات وليس من أجل التوصل إلى الحلول. وتتخذ الولايات المتحدة الخطوات الموجهة نحو تشويه وتفريغ دور "الرباعية الدولية" الوسطاء في التسوية السلمية في الشرق الأوسط، كما تقوم بتعطيل المحاولات التي يقوم بها المشاركون الآخرون لإيجاد المخرج من الأزمة وهي تتطلع لاحتكار الحق في حل أزمة الشرق الأوسط، وتحاول منح الرباعية الدولية دور المساعد وتحديد نشاطات الأعضاء الآخرين فيها لتكون فقط مساعدة في خدمة نشاطات الوساطة التي تقوم بها الولايات المتحدة. وكما تشير الخارجية الأمريكية أن الاتحاد الأوروبي يقوم اليوم بتنفيذ مهمة مثل هذه بتقديمه المساعدة المالية- الاقتصادية لتحسين الوضع في أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني. إن كل ذلك يثير روسيا التي ترى بأن الحل يجب أن يكون عادلا بالدرجة الأولى وشاملا بالدرجة الثانية وصادقا بالدرجة الثالثة، حيث من المخجل أن تعلي صوت الحق وبنفس الوقت تضع العراقيل أمام ذلك بالممارسات التي لم تعد تدخل في أي منطق، والأمر لا يقتصر فقط على القضية الفلسطينية، وإنما ينتشر على مساحات واسعة من العالم، ومن هنا كما قلت في بداية حديثي إن الوضع أصبح أكثر تعقيدا ومن الصعب حتى التنبؤ بالزمن اللازم للحل. ونأمل من الإدارة الأمريكية القادمة الوضوح الأوسع والصدق في المداخل لحل هذه القضية التي تؤثر فعلا على العلاقات الدولية بشكل مباشر.
في رأيكم، ماهي أبعاد و خلفيات ما حدث في منطقة القوقاز مؤخرا ؟
فيما يخص بؤرة التوتر الجديدة التي ظهرت في القوقاز فهي ليست جديدة، بل لها تاريخ طويل يمتد كما قلت في بداية حديثي، إلى كل تاريخ النزاع في المنطقة على الأقل منذ القرن السادس عشر، عندما وصلت أول قوة روسية لتنقذ جورجيا من الهجمات التي تعرضت لها من اتجاهات مختلفة. وبعد قرنين من الزمان بنى الجورجيون تمثالا للصداقة الأبدية، اعترافا لروسيا بالجميل باعتبارها المنقذ الوحيد في تلك الحقبة، لكن جورجيا لم تكن دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة حتى القرن العشرين، وكان ذلك أيضا بفضل روسيا . ويشير الاختصاصيون إلى أن جورجيا خلال وجودها كدولة مستقلة في القرن العشرين في بداية المرحلة السوفييتية وما بعد الإتحاد السوفييتي، قامت بسبعة حروب ضد جيرانها. ومن هنا فان الأبخاز والأسيتينيون لم يدخلوا أبدا بإرادتهم ضمن جورجيا، بل أنه في مرحلة تاريخية معينة كانت جورجيا نفسها تابعة لأبخازيا. ولا أريد الإطالة في التاريخ، وأشير الى أننا دُهشنا من الآلة الإعلامية الغربية في بداية الأحداث، والتي بدأت تتحدث عن المعتدي الذي كان هو الضحية وتعرض عمليا للإبادة الجماعية حيث دُمرت خلال عدة ساعات مدينة بكاملها قتل خلالها أكثر من 2000 شخص من الأسيتيين. وكانت الآلة الإعلامية الغربية قد ضللت العالم بما فيه العالم الإسلامي، بأن الأسيتيين في البداية وبعد ذلك الروس هم الذين بدأوا الحرب. ويجب أن يعرف العالم بأن ساأكاشفيللي، هو من صُنع الولايات المتحدة ووصل إلى السلطة عن طريق "ثورة ملونة" ليس من أجل ازدهار شعبه، لأن ازدهار الجورجيين تاريخيا كان بالواقع بفضل روسيا إنما لإشعال القوقاز وخلق بؤرة توتر إضافية في هذا العالم في مصلحة الفوضى التي تنشرها الولايات المتحدة في العالم، وأن ساأكاشفيللي نفسه ومن يقف وراءه، يعرفون تماما بأن الأسيتين والأبخاز لن يعودا تحت السيادة الجورجية أبدا، طالما تتوجه السياسة الجورجية ضد وجودهم كشعب وهم تمكنوا من الوقوف أمام القوات الجورجية في بداية التسعينات، وأكدوا استقلالهم بقوة السلاح. جورجيا هي التي دفعت هذه الشعوب من أراضيها. وبالرغم من أن روسيا كانت تقف دائما مع الشرعية الدولية، وحاولت الكثير من أجل أن لا يتم الاعتراف بكوسوفو، لكن الولايات المتحدة والبعض من الدول الغربية الأخرى لم تستمع لأحد وتم الاعتراف، لكن ما أن قامت روسيا بنفس الشيء حتى عادت الولايات المتحدة لسياسة الكيل بمكيالين، حيث الاعتراف بكوسوفو ممكن، أما بالجمهوريتين اللتين تعرضتا عدة مرات للإبادة من طرف جورجيا فلا يجوز، وهذا يعتبر خرقا للشرعية الدولية التي لم تُبقي منها الولايات المتحدة الا القليل والتداعيات على المستوى الدولي والإقليمي ستكون كبيرة . ويمكن أن أقول خطرة وكأن الأمر قد بدأ ليس اليوم وحتى ليس من الحرب اليوغوسلافية، وهذا موضوع يحتاج إلى حديث طويل وخاص. ولو عدنا إلى الحديث عن الوضع في جورجيا، فان الخبراء يشيرون إلى جانب هام جدا، وهو عدم الموضوعية الواضحة من قبل موظفي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تجاه الجانب الأسيتيني، حيث أن المعطيات تشير إلى أن بعض ممثلي هذه المنظمة كانوا قد قدموا المساعدات المعلوماتية لجورجيا قبل هجومها على مدينة تسخينفالي، إضافة إلى ذلك أن هؤلاء الموظفين لا يمكنهم أنهم لم يكونوا لاحظوا التحضيرات العسكرية للقوات الجورجية من أجل القيام بالهجوم العدواني، حيث أنه قبل القيام بعملية "الأرض النظيفة" (والعنوان هنا يشير إلى التطهير العرقي) كانت جورجيا قد حشدت العدد الكبير من القوات ومنها المدافع الثقيلة والدبابات والعربات المدرعة، لكن لم يتم تنبيه لا ممثلي أسيتيا الجنوبية ولا قوات حفظ السلام الروسية ، عن مقاييس التحضير للعدوان وبالنتيجة قتل العدد الكبير من السكان الآمنين وعشرات من قوات حفظ السلام الذين تواجدوا في منطقة الأزمة وعلى أساس قرار الأمم المتحدة. ومن هنا فان اتهام روسيا باستخدام القوة بشكل غير متوازي، لا أساس لها حيث التاريخ المعاصر يعرف الكثير من الحالات التي أدت إلى التطهير العرقي نتيجة لتهاون قوات حفظ السلام. ومن المعروف أنه بسبب عدم حزم قوات حفظ السلام في أوكراينا الصربية وسيريبرينتسا، تبعه عمليات التطهير العرقي والكوارث الإنسانية في أراضي يوغوسلافيا السابقة، وكان ذلك ينتظر سكان أسيتيا الجنوبية أيضا، لكن قوات حفظ السلام الروسية وقفت أمام القضاء الكامل على شعب أسيتيا الجنوبية. ومما يثير غرابتي هنا هو أن مخطط أختيساري حول استقلال كوسوفو لم يجلب السلام للمنطقة في البلقان، وهو يحمل طابعا أحادي الجانب وأهدافه تتعارض تماما مع الأحداث الحقيقية التي جرت وتجري في البلقان، ومع كل ذلك يتم ترشيح السيد أختيساري لجائزة نوبل للسلام التي سيتم منحها قريبا. إن ذلك سيجعل المخطط العدواني الأمريكي على المنطقة شرعيا، وهذا ما ترغبه الجهات التي وقفت وراء ذلك، والأهم من ذلك ان منح هذه الجائزة "للإختصاصيين" المأجورين يسيء جدا إلى سمعة لجنة جائزة نوبل للسلام، حيث أن الأحداث في البلقان وفي القوقاز، ليست إلا حلقات من سلسلة واحدة للسياسة الخارجية الأمريكية، ومن هنا إذا كانت هناك ضرورة للمحاكمة الدولية لقيادات يوغوسلافيا السابقة، فلماذا لا يتم الاعتراف أيضا بالمحاكمات ضد القيادات التي أشعلت الحرب ضد السكان الآمنين في أسيتيا الجنوبية، كما صرح عن ذلك المفوض بحقوق الإنسان في روسيا فلاديمير لوكين. ومن الجدير بالذكر، أن الوضع من الناحية العرقية في الأزمتين متشابه، لكن وسائل الحل للقضية والقاعدة الحقوقية التي يتم الاعتماد عليها يختلف تماما وهذا ما يسمى بوضوح سياسة الكيل بمكيالين، وهذا ينطبق على الكثير من الأزمات في العالم. وطالما أننا نتحدث عن أختيساري، فإنني أريد الإشارة إلى أنه معروف سابقا من حيث الانحياز في تنفيذ مهماته، وليس في كوسوفو إنما في اندونيسيا وناميبيا ، وخصوصا في اندونيسيا أين عمل جاهدا لتقديم الحكم الذاتي للمنطقة الغنية بالنفط في هذه الدولة، مما يعني بلا شك بداية تحطيمها، ومن هنا نرى أن القوى التي تهتم بالحفاظ على استمرار الأوضاع المتأزمة، إما بحالة خامدة أو نشطة ترسل إليها السيد أختيساري. ولا أدري كيف يفكر الأوروبيون حول هذه القضايا، لكنني أعرف تماما أن الهجوم الأمريكي على يوغوسلافيا يهدف إلى عدة أهداف، منها محاولة تفجير الوضع في أوروبا نفسها، حيث هناك حوالي 14 منطقة مُختلف عليها، ويمكن في حالة تفتت يوغوسلافيا أن تنتقل العدوى إلى كل أوروبا التي تقترح أحد صناع الأحداث البلقانية- السيد أختيساري للحصول على جائزة نوبل للسلام.
وهناك من يقترح من بين السياسيين الأمريكيين والأوروبيين عزل روسيا، لكن ذلك لا يفيد وقبل كل شيء للغرب، لأن روسيا عموما دولة ذات اكتفاء ذاتي، وكما يشير بعض الخبراء أنه قد تستخدم تلك العزلة بعض دول الشرق في مصلحتها ومنها من يمكن أن يقترح تقديم أراضيها لنشر القواعد العسكرية، وأنظمة الدفاع الجوي إضافة إلى أن المواجهة بين روسيا والغرب والحرب الباردة الجديدة، مفيدة للقوى الإرهابية في العالم، ومنها في العراق وأفغانستان، وبهذا الشكل فان وقف التعاون الروسي- مع الناتو في أفغانستان سيضعف مجموعة قوات التحالف في هذه الدولة ويشكك في نجاح مهمتها هناك. إضافة إلى ذلك أن الإرهابيين ينظرون جديا بموضوع القيام بالعمليات الإرهابية في أراضي الدول الداخلة في حملة الناتو في العراق وأفغانستان، والذي يمكن أن يدفعهم لذلك هو إخراج القوات الجورجية من العراق بسبب توتر الوضع في منطقة الأزمة الجورجية الأسيتيسنية، وبهذا الشكل فإن جورجيا أظهرت للمتطرفين أن عدم الاستقرار في دولة من الدول المشاركة في التحالف يمكن أن يؤدي إلى إخراج القوات من منطقة معينة من قبل دولة معينة من العراق أو أفغانستان. وأخيرا أن الغرب يحتاج إلى الدعم الروسي، باعتبار أن روسيا عضوا دائما في مجلس الأمن وارتباطه بعدد من القضايا الهامة، مثل البرنامج النووي الإيراني ومكافحة الإرهاب وغيرها.
http://falsafa.maktoobblog.com/

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.