توطئة لا بد منها هناك قانون خلقته لنا الطبيعة، ومفاده أن كل فعل له رد فعل، مساوٍ له في الحركة، ومخالف له في الاتجاه. وقبل الخوض في موضوع تطبيق ما يسمى ب"شرع اليد" في المغرب، أرى أنه لا مناص لي من نفي وتأكيد واستدراك. فأما النفي، فأجد نفسي مضطرا بادئ ذي بدء إلى نفي أي تضامن مع من يقومون بالافتئات على عمل السلطات المكلفة دستوريا وقانونيا بالسهر على تطبيق القانون وحماية الأنفس والممتلكات. وفي السياق نفسه أؤكد على عدم تضامني مع أي من الأفعال الرئيسية التي أدت بالأصل إلى التدخل واستعمال شرع اليد، حيث لا أجد أي مبرر للتضامن مع أشخاص مارسوا أفعالا ماسة ومخلة بالحياء العلني، أو ممارسة السرقة بالإكراه في واضح النهار، وأخيرا يلزم أن أستدرك أن دور من يسمون أنفسهم جمعيات حقوق الإنسان في هذا المقام ما هو إلا ركوب على الموجة. وسنوضح كيف كذلك. الافتئات على السلطة والتجرؤ على ولي الأمر لا يوجد أي مبرر على الإطلاق يمكن أن يتمسك به من يقومون بتطبيق شرع أيديهم، ولو كانت الحجة محاربة الفساد. وعندما أقول لا مبرر لهم، فإني أعني تماما ماذا أقول؛ فبالإضافة إلى التجريم القانوني، الذي يعتبر أن إجراءات الضبط والاعتقال والتحقيق والإدانة في مختلف المخالفات والجنح والجنايات هي من صميم اختصاص ضباط الشرطة القضائية والنيابة العامة والقضاء، فإن الدين نفسه يعتبر ذلك من قبيل الافتئات على ولي الأمر، الذي له وحده سلطة معاقبة المذنب، فكل ما على من يعاين أو يضبط أي أمر مخالف للقانون، إلا التبليغ فقط، لا غير، ثم تقديم شهادته فيما بعد أمام الجهات المختصة. ونرى أن إطلاق العنان لتطبيق شرع اليد والتساهل معه سيؤدي بنا إلى دوامة من العنف والعنف المضاد؛ وهو ما سيحول مجتمعنا إلى غابة حقيقية، خارجة عن نطاق الضبط القانوني. الجريمة جريمتان مما لا شك فيه أن تطبيق شرع اليد مُدان ومستهجن بكل أشكال وأنواع وأساليب الإدانة؛ ولكن، وفي الإعراب لكن حرف استدراك، ولا ينبغي علينا تناسي الجريمة الرئيسية، والتركيز فقط على من حاولوا (سواء بنية سيئة أو طيبة) التصدي لتلك الجريمة، فلولا وجود مثلا الزنا أو مقدماته أو السرقة بالإكراه أو الشذوذ الجنسي في أماكن عامة يرتادها المواطنون، لما كنا أمام شرع اليد. وهنا نلوم على الانتقائية في التعاطي مع الحدث إعلاميا وحقوقيا، حيث يتم تسليط الضوء على الفعل والتغافل التام لرد الفعل، والواقع أن كلا الأمرين لا ينبغي التساهل معهما. ويكفي إلقاء نظرة على الشواطئ والغابات وقاعات السينما والحدائق العمومية ليلاحظ المرء أننا تجاوزنا الحضيض بمراحل، وأننا بتنا أمام "أزمة أخلاق" و"أزمة شرف" دنست وتدنس المجتمع المغربي، وتضرب في الصميم قيمه وأمنه الروحي والعقائدي وبُعده الإيماني. نعم، يا سادة يا كرام، لا ينبغي أن نغطي الشمس بغربال أو ندفن رؤوسنا في الرمال. إننا نغرق شيئا فشئيا، ويتحول بلدنا إلى ماخور أو حانة كبرى بسبب الدعارة والشذوذ الجنسي والاغتصاب والتحرش والنخاسة في لحوم الأطفال لفائدة الأجانب...، ويتم ارتكاب هذه الكوارث في كثير من الأحيان تحت غطاء ومسمى الحريات الفردية. نوايا مشبوهة كثيرا ما سمعنا وقرأنا وعاينّا خرجات وصولات وجولات من يسمون أنفسهم زوراً وبهتانا جمعيات حقوق الإنسان في المغرب - وما أراها إلا دكاكين جرّت على مجتمعنا ذي الأغلبية المسلمة الساحقة كل أنواع البلاء- فيما يخص الدفاع عن حقوق المرأة والحريات الفردية؛ ولكننا في المعارك الأخلاقية الكبرى لا نكاد نسمع لهم حسا، ولا نسمع جعجعتهم، بالرغم من أنه وكما قال لوثر مارتن كينغ إن أسوأ مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية الكبرى، ماذا فعلت تلك الحركات والجمعيات دفاعاً عن حقوق المرأة المغربية التي تتهم بالسحر والدعارة في مختلف الأعمال التلفزيونية والسينمائية الخليجية والمصرية؟ وكان آخر هذه الأعمال مسلسل سعودي يبين أن السعودي تتنافس عليه عشر مغربيات. لماذا لم ينتفضون غيرة على شرف وسمعة المغربيات؟ لماذا لم يفعلوا ذلك من قبل عندما مسح فيلم "الزين اللي فيك" الأرض بكرامة المغربيات وسمعتهن، وزاد الطين بلة فيما يخص نظرة الغير إلى بنات وطننا؟ ألم تقتضِ الواقعية التي صدعوا رؤوسنا بها أن يناقشوا مشاكل أكثر واقعية وأكثر تأثيرا على المواطن من حجم الصحة والتعليم والتشغيل والجريمة وغيرها؟ ما المقصود من هذه التحركات غير استدرار عطف وتمويل جهات خارجية مشبوهة معروفة من قبيل "مؤسسة أميريكان فريدوم هاوس" ومن يدور في فلكها من منظمات مشبوهة وسمعتها في الحضيض، بسبب ارتباطها بمؤسسات ماسونية ولوبيات صهيونية، لا غرض لها إلا تدمير المجتمعات الإسلامية من الداخل، وبأيدٍ أناس منهم؟ لماذا مجال نضالكم أيتها الجمعيات لا يخرج عن السرائر وما بين الأفخاذ؟ لماذا دفاعكم المستميت عن الزنا واللواط وتحويل الجنس والتخنث والعري؟ لماذا لا تناضلون من أجل وطن أرقى وإدارة أكفأ واقتصاد أرفع وأداء سياسي أحسن ونمو اجتماعي أجود؟ ملاحظة خارج سياق المقال طالعت مؤخرا إعلان "كوبل" مغربي نصراني الاعتقاد –لا أقول مسيحي- عن زواج كنسي في مدينة الرباط إن لم تخنِ الذاكرة. ولا أرى في هذه التصرفات أكثر من كونها إلا تمنيات ورغبات غير مفهومة في تثبيت هوية وهمية.. فإذا كانت الأغلبية الساحقة تقريبا 98 في المائة من المغاربة مسلمين، سنيين، مالكيي المذهب، أشعريي العقيدة، فما جدوى هذه المحاولات "الصبيانية" للظهور بمظهر الفئة التي تمتاز بعدد يعتبر، وتطالب بحقوق، والكثير من التهويل الإعلامي والتوسل بخطاب المظلومية؟ لا سيما أن عددا من يسمون أنفسهم نصارى عددهم لا يكاد يرى بالمجهر، وقد أوضح الأستاذ السروتي في دراسة له عن التنصير بالمغرب أن عددهم لا يتجاوز 1000 فرد، فأين لألف أن تظهر وسط قرابة الأربعين مليون؟ إننا حقا في عصر فوضى المفاهيم. *باحث في القانون والإعلام ومقاربة النوع الاجتماعي.