قرأت وسمعت أن هناك ثلاث قضايا تقسم جسم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي: الصحراء والشذوذ الجنسي والعلمانية. كواحد من أصدقاء هذه الجمعية ومن المعجبين بمسارها النضالي والحقوقي الطويل، وكواحد من المتحمسين لرؤية الجمعية أكثر قوة وأكثر حضورا في مشهدنا الحقوقي، ورغم أني لا أقاسم جل أعضائها انتماءهم الإيديولوجي، ولكنني أشترك معهم في الدفاع عن حقوق الإنسان بدون تمييز ولا تصنيف ولا سقف سياسي... كواحد من أصدقاء الجمعية أبعث "كارط بوسطال (carte postale) خاصا إلى مؤتمرها، وعلى ظهره الرسالة الآتية: أيها الرفاق.. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان شمعة مضيئة في مشهد مظلم، ولحظة استثنائية في زمن مغربي "رديء"، لهذا، رجاء حافظوا على تماسكها ووحدة صفها الداخلي. عندما تدخلون إلى قاعة المؤتمر، اتركوا انتماءاتكم السياسية عند الباب، وحسابات بعضكم التنظيمية في مقرات الأحزاب التي تنتمون إليها، فالجمعية دار جميع الحقوقيين، ومن الخطأ والعيب وحتى "الحرام" إضعاف هذه الأداة النضالية... في زمن جزر حقوقي ناعم، يأكل "بالفن" مكتسبات عدة، مات واعتُقل واضطهد وعُذب وهُجر من أجلها الكثيرون... رجاء، ضعوا أمامكم كل هذا الرصيد، ثم بعد ذلك افعلوا ما شئتم. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مِلكية عامة لهذا الشعب، وليست رسما عقاريا للبعض دون الآخر... في ما يخص القضايا الثلاث التي تختلفون فيها أو عليها، فالاختلاف رحمة وهو أمر طبيعي، فطالما كانت الجمعية إطارا مفتوحا للاختلاف، ولم تكن ثكنة عسكرية للانضباط، لكن، مع ذلك، أستميحكم عذرا بأن أدلي برأي متواضع بخصوص موضوعي الصحراء والشذوذ الجنسي، وأترك موضوع العلمانية لحيز آخر. بخصوص الموضوع الأول، منكم من يدعو إلى تبني رأي صريح باعتبار الصحراء مغربية، ومنكم من يقول لا، فالجمعية تناصر الحل الديمقراطي لهذا الملف، والذي يراعي الشرعية الدولية... وهذا نقاش سياسي ليس جديدا وسط اليسار الراديكالي. هذا موضوع سياسي اتركوه للأحزاب السياسية. وإذا كان لا بد من أخذ موقف منه، فأنا من دعاة تبنيكم لموقف الأغلبية الساحقة للشعب المغربي. لماذا؟ ليس لأن بعضكم يعارض النظام سيعارض مغربية الصحراء. ثانيا: موقفكم "الداعي إلى الحل الديمقراطي" موقف مثالي من جهة، ومستحيل التطبيق من جهة ثانية، وهذا نزاع إقليمي وراءه مصالح دول، وأطماع دول، وحسابات دول.. لم يوجد ولن يوجد شيء اسمه "حل ديمقراطي في الصراع ما بين الدول. هل تتصورون أن حقوق الإنسان في الصحراء ستكون بخير إن انفصل هذا الإقليم عن المغرب ودخله البوليساريو تحت جناح العسكر؟ أستطيع أن أجزم بأن أول ضحايا المخابرات العسكرية الجزائرية سيكونون هم الصحراويين. موضوع الدفاع عن الحريات الفردية لا إشكال فيه، فهذا من صميم ثقافة حقوق الإنسان، وحق الأفراد في الاختيار ماداموا لا يمسون حقوق الآخرين، لكن موضوع الشذوذ الجنسي، ومطالبة أصحابه بحيز في الفضاء العام -وهذا هو مربط الفرس هنا- هذا إشكال معقد جدا جدا، وأنا أتعجب من السهولة التي يُتناول بها الموضوع، سواء عند المعارضين أو المؤيدين. الشذوذ ظاهرة قديمة في كل المجتمعات، ويمكن أن نلحظ ظلالها في الشعر القديم والحديث وكتب التاريخ وأخبار العرب والعجم، المسلمين واليهود والنصارى. ورغم أن هذه الممارسة محرمة في كل الأديان، فإنها ظلت تعيش في الظل، وقلما اضطُهد أصحابها، بل أكاد أجزم بأن هتلر مثلا كان أكثر عداء تجاه الشواذ من خلفاء بني العباس. وإذا اختارت الثقافة الغربية اليوم أن تجعل من الشذوذ الجنسي جزءا من حرية الاختيار والحق في الاختلاف، وقيمة إنسانية، فإننا كعرب وأمازيغ ومسلمين وأفارقة، كما المسيحيين واليهود، لسنا مطالبين بأن نجعل من الميولات الجنسية لكاتب مثلا قيمة أدبية، ولا من "مثلية" شخص مبررا للحضور الإعلامي والثقافي والسياسي. هل لأنك تنام مع رجل أنت أفضل من الذي ينام مع امرأة!؟ الاختيارات الجنسية مسألة خاصة جدا، وفي نفس الوقت الذي لا يمكن أن يسمح أحد بتعليق الشواذ على أعمدة المشانق، لا يمكن أن نفرش لهم البساط الأحمر فقط لأن لهم أصواتا مسموعة في الغرب. نعم مرجعية حقوق الإنسان اليوم عالمية، لكن فيها الكثير من بصمات الثقافة الغربية، وهذا طبيعي لأن الثقافات الأخرى ليس لها نفس الحضور على المستوى العالمي لكي تؤثر في المرجعيات الكبرى التي تحكم العالم، لكن أنا أقول لأصدقائنا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن هناك قضايا، كالإجهاض، مثلا -وهو مسألة أقل بكثير من الشذوذ- تثير الكثير من ردود الفعل، ففي أمريكا هناك ولايات في الجنوب لا تحظر فقط الإجهاض، بل فيها متطرفون يقتلون الأطباء لأنهم يجرون عمليات إجهاض لنساء اخترن ألا يكنّ أمهات. في أمريكا التي قطعت أشواطا كبيرة، ثقافيا وفكريا واقتصاديا، يقع هذا، فهل من الممكن في المغرب أن يقع تطبيع مع الشذوذ؟ مع ذلك أقول مرة أخرى إنه نقاش معقد، وفي هذه الفترة مطلوب من الجمعية أن تركز اهتمامها وتفكيرها ونضالها على خروقات حقوق الإنسان في مراكز الشرطة وفي سلوك الدولة، وأن تحمي الفئات الأكثر عرضة للخطر، سواء أكان معارضا، أو صحافيا، أو عاملا، أو مستهلكا، أو طفلا، أو مواطنا مازال أمامه شوط طويل ليصل إلى دولة الحق والقانون.