من المنتظر أن تعقدوا المؤتمر الوطني التاسع للجمعية في ماي المقبل، هل يمكن اطلاعنا الى أين وصل التحضير للمؤتمر الوطني كمحطة تنظيمية هامة في مسار الجمعية؟ قد تكون الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الإطار المغربي الوحيد الذي لم يتخلف عن تنظيم مؤتمراته في موعدها القانوني منذ مؤتمرها الثاني سنة 1989 . والمؤتمر المقبل الذي سيعقد من 20 إلى 23 ماي 2010 ببوزنيقة، لا يخرج عن هذه القاعدة. وقد انطلق الإعداد له بنفس المنهجية التي تم بها الإعداد للمؤتمرات السابقة وبنفس الوتيرة. فقد اتخذت اللجنة الإدارية، كأعلى هيأة تقريرية بعد المؤتمر في اجتماعيها في 11 يوليوز و 9 أكتوبر 2009 ، عددا من القرارات التي تهم تنظيم المؤتمر ومنها: تحديد عدد المؤتمرين في حوالي 450 مؤتمرا ومؤتمرة (سينتخب منهم 358 ينضافون لأعضاء اللجنة التحضيرية واللجنة الإدارية المؤتمرين تلقائيا بموجب القانون ) مما سيجعل نسبة المشاركة في المؤتمر هي مؤتمر(ة) لكل 50 منخرط (ة) على أن تشكل النساء منهم الثلث على الأقل،وعلى أن يشكل الشباب 20% من المشاركين والمشاركات في المؤتمر على الأقل. وشكلت اللجنة الإدارية لجنة تحضيرية كلفتها بإعداد وثيقة تحضيرية قبل متم دجنبر 2009، وهو ما تم فعلا. وبعثت الوثيقة للفروع في 31 دجنبر وناقشتها عدد منها ومازالت موضوع نقاش في فروع أخرى. وتتضمن الوثيقة كما جرت العادة 4 أجزاء : تحليل للمحيط العام وأوضاع حقوق الإنسان محليا جهويا ودوليا، تقييم لأداء الجمعية في مختلف جوانبه وجزء يتعلق بمرجعية الجمعية ومبادئها وانشغالاتها الأساسية خلال السنوات الثلاث الأخيرة ثم جزء مخصص للمهام المستقبلية وآفاق العمل كما تضمنت ملحقا بأفكار أولية حول الضوابط التنظيمية للجمعية وإشكالات تنظيمية للتفكير والنقاش. ونظم المكتب المركزي يومي 6 و7 فبراير ندوات في الجهات الثمانية التي تنتظم فيها فروع الجمعية وتم تجميع خلاصاتها لتقدم كملحق للوثيقة التحضيرية للندوة الوطنية التي ستنعقد يومي 20 و 21 مارس والتي سيستدعى إليها، إضافة إلى أعضاء اللجنة التحضيرية واللجنة الإدارية، رؤساء وأمناء فروع الجمعية. وسيلحق التقرير حول أشغال هذه الندوة بدوره إلى مشاريع المقررات التي ستهيؤها اللجنة التحضيرية إلى ملف المؤتمرين والمؤتمرات. وقررت اللجنة التحضيرية أن تنظم، في 27 مارس، ندوة ستشارك فيها فعاليات ديمقراطية مختلفة في إطار الانفتاح على محيط الجمعية لمناقشة الوضع الحقوقي وموقع الجمعية فيه وانتظارات المجتمع منها وأيضا الانتقادات والاقتراحات التي ستساهم في تطوير أدائها. وفي 20 فبراير انطلقت عملية انتخاب المؤتمرين والمؤتمرات حيث نظمت، في 20 و 21 فبراير انتخابات في 26 فرعا وأجلت في أربعة فروع لعدم توفر النصاب القانوني. وقد مرت هذه الانتخابات في جو من الديمقراطية والشفافية كما جرت العادة في مختلف مؤتمرات الجمعية. وستستمر عملية الانتخابات في الفروع ال 60 المتبقية إلى غاية مارس القادم. يؤاخذ عليكم من داخل الجمعية على أن هناك خلطا بين ما هو حزبي و ما هو حقوقي؟ ما هي وجهة نظركم كرئيسة للجمعية؟ لا أدري ماهي أوجه هذا الخلط لأجيب عن السؤال بدقة وأفند هذا الادعاء. لكن بشكل عام ما أود أن أقوله بهذا الصدد هو أن المؤتمر الأخير للجمعية حقق قفزة نوعية نحو استقلالية الجمعية عن الأحزاب التي تعمل فيها. فقد كان العديد من المناضلات والمناضلين ينتقدون التوافقات السياسية التي كانت تتم قبل المؤتمر بين الأحزاب والتي كانت تترجمها لجنة الترشيحات داخل المؤتمر. وكانت هناك العديد من الأصوات تنادي بالتخلي عن هذا الأسلوب لفرز الأجهزة خاصة داخل جمعية حقوقية. وفي المؤتمر الأخير صوت كل المؤتمرين والمؤتمرات بالإجماع وبحماس وبدون استثناء على قرار اعتماد الاقتراع السري المباشر لانتخاب اللجنة الإدارية، وهو ما تم فعلا. وهي الآلية الأكثر ديموقراطية لحد الآن. ورغم ذلك فمازال النقاش داخل الجمعية مستمرا بشأن المزيد من تحسين آليات انتخاب الأجهزة بما يشرك الجميع دون المس بالهوية الحقوقية للجمعية. وقد تضمنت الورقة التحضيرية للمؤتمر آلية التمثيل النسبي عبر الاقتراع السري المباشر مما يتطلب الترشيح باللوائح وهو ما لم يستحسنه عدد من أعضاء وعضوات الجمعية خلال النقاش الجاري في إطار التحضير للمؤتمر. أما على مستوى المواقف، فالجمعية مرجعيتها معروفة وهي المرجعية الكونية لحقوق الإنسان المتضمنة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وإن كل مواقف الجمعية تنبني على هذه المرجعية والجميع حريص داخل الجمعية على الفصل بين انتمائه الحزبي وانتمائه للجمعية يعيب عليكم البعض، تغييب المبادئ الأساسية التي تأسست عليها الجمعية كالاستقلالية والديمقراطية، والفصل فيما بينها، واللجوء لحسم كل القضايا بالتصويت العددي بدل الحوار العميق المبني على الاقناع والتوافق؟ يمكن الرجوع بصدد استقلالية الجمعية إلى العديد من المقالات و التقارير التي تنشرها الهيآت الصحافية الدولية ومختلف المنظمات والمتتبعين لحقوق الإنسان بالمغرب التي يستتبع فيها أصحابها دائما « الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» بكلمة «مستقلة»، ولم تنعت الجمعية أبدا بجمعية تابعة لإطار سياسي كما سبق وعانت في التسعينات من القرن الماضي من تهمة التبعية لحزب معين خاصة في التقارير الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان وقام مسؤولوها بمجهودات كبيرة لرفع تلك التهمة. أما بالنسبة للديموقراطية فأول ضمانة للديمقراطية هو اجتماع الأجهزة في آجالاها القانونية دون أي استثناء، وفي هذا المستوى يحق للجمعية أن تعطي دروسا في هذا المجال. وفي مستوى فرز الأجهزة فالاقتراع السري المباشر واحترام إرادة المنخرطين والمنخرطات هو أرقى مستوى الديمقراطية لحد الآن وهو الآلية التي أصبحت معتمدة في الجمعية. وفيما يخص الإشراك والتمثيلية فبالرجوع للمؤتمر الأخير يمكن ملاحظة أن اللجنة الإدارية المنتخبة هي أكثر اللجان الإدارية تنوعا من حيث الانتماءات السياسية حيث تمثلت فيها كل الحساسيات السياسية التي ساهمت في المؤتمر كيفما كانت نسبة حضورها، كما هي اللجنة التي تمثل فيها، مقارنة مع السابق، أكبر عدد من المؤتمرين والمؤتمرات غير المنتمين تنظيميا. أما فيما يخص آلية حسم القرارات فقد اعتمدت الجمعية باستمرار آلية النقاش والاقناع والاقتناع في القضايا الخلافية داخلها. وهذا مازال معمولا به وأذكر بعض الأمثلة في القضايا التي عرفت جدلا وسط الجمعية. مسألة الامتداد التنظيمي للجمعية في الخارج: طرحت هذه المسألة لأول مرة إبان التحضير للمؤتمر الوطني السابع أي في بداية 2004 . ونوقشت من جديد في المؤتمر الثامن في 2007 ثم في 4 اجتماعات للمكتب المركزي ثم في ثلاثة اجتماعات للجنة الإدارية ولم يتخذ فيها القرار إلا في اجتماع اللجنة الإدارية المنعقد في نهاية 2008 أي بعد 5 سنوات من النقاش. وفي مسألة العلمانية مثلا بدأ النقاش حولها في 2004 أيضا وطرحت على المؤتمر السابع ثم الثامن ونظمت بعده العديد من الندوات منها العمومية ومنها الندوات الداخلية وهناك ندوات نظمها المكتب المركزي وأخرى نظمتها الفروع ونشرت مقالات لمناضلي الجمعية في التضامن وفي النشرة الداخلية للجمعية ولحد الآن لم تصدر الجمعية بعد موقفا رسميا وعلنيا بشأن العلمانية ومازالت في إطار النقاش الداخلي. علما أن للجمعية مواقف في العديد من القضايا منذ تأسيسها وأخرى اتخذت في مؤتمرها السابع انطلاقا من مرجعيتها الكونية وتصب كلها في مضمون العلمانية كحرية العقيدة والفصل بين السياسي والديني في الدستور وسمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على التشريع المحلي وإلغاء عقوبة الإعدام ومساواة الرجال والنساء في الإرث وفي كل الحقوق وغيرها لا يمكن أن يختلف عليها من يعتمد المرجعية الدولية لحقوق الإنسان. انتم متهمون بتحويل الجمعية إلى منظمة موازية لحزب النهج الديمقراطي؟ أستغرب لهذا الاتهام لأنه إذا افترضنا أنه صحيح، فهذا يعني أن المئات من مناضلي ومناضلات الجمعية المنتمين لمكونات سياسية مختلفة ومتعددة و الآلاف من أعضاء الجمعية غير المنتمين، كلهم يعملون الآن في منظمة موازية للنهج الديمقراطي. إن مثل هذا الاتهام هو احتقار واستبلاد لكل هؤلاء المناضلين والمناضلات. إنها اتهامات مجانية لا أدري ما لدى أصحابها من حجج يقدمونها كدليل. أما بالنسبة للانتماء السياسي لأعضاء الجمعية أو عدم الانتماء فهذا حق تكفله المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ولا يمكن أن تتدخل أجهزة الجمعية في اختيارات مناضليها ومناضلاتها، فكل حر في عدم الانتماء أو الانتماء لحزب يريد أن ينخرط فيه، سواء من ضمن تلك التي يشتغل مناضلوها في الجمعية أو غيرها، لأن الأساسي هو الالتزام بمبادئ الجمعية ومرجعيتها ومواقفها. وغالبا ما يستعمل هذا الاتهام بارتباط بموقف الجمعية من ملف النزاع في الصحراء، فهنا لا بد من التذكير أن الموقف الذي تتبناه الجمعية والمسطر في بيانها الصادر عن المؤتمر الأخير هو نفس الموقف الذي تبنته الجمعية منذ المؤتمر الوطني الخامس ولم يتغير منذ ذلك الحين وهو موقف متوازن لا يميل لأي موقف من المواقف المتباينة التي يتبناها هذا الحزب أو ذاك من الأحزاب السياسية التي ينتمي لها عدد من مناضلي ومناضلات الجمعية. وللتذكير فقبل ذلك كانت الجمعية تطالب بتنظيم استفتاء حر ونزيه في الصحراء، وهو موقف كان أقرب إلى مطلب حق تقرير المصير لكنه تغير في 1998 وأصبحت الجمعية تطالب باعتماد حل ديمقراطي لهذا النزاع واستنكار انتهاكات حقوق الإنسان التي تنتج عن استمراره كيفما كان مصدرها سواء الدولة المغربية أو البوليزاريو. يرى متتبعون بأنكم تتخذون مواقف غريبة في بعض الأحيان عن المجتمع المغربي مثلا كقضية أمينتو حيدر، الصحراء المغربية، دعم «الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية (إفطار رمضان يشكل علني بالمحمدية)» ؟ كما قلت سابقا لا تعتمد الجمعية في مواقفها إلا المرجعية الدولية لحقوق الإنسان. وهذا يضعها في العديد من الأحيان في موقع ضد التيار لأننا في مجتمع مازالت تنتشر فيه ثقافة مناهضة لحقوق الإنسان. ومبدأ كونية حقوق الإنسان وهو مبدأ أساسي وجوهري يعتبر أن حقوق الإنسان هي للجميع وبدون تمييز بأي سبب كان ولا يمكن للخصوصيات الثقافية والمجتمعية أن تقدم كمبرر للحد من الحقوق أو الانتقاص منها. كما أن مبدأ الشمولية، الذي هو بدوره مبدأ جوهري وأساسي مثل مبدأ الكونية، يفرض العمل من أجل احترام كافة حقوق الإنسان ولا يتم التفضيل بينها أو استثناء بعضها. فكما نناضل ضد الفقر وضد خرق حرية التعبير يجب أن نناضل أيضا من أجل حرية العقيدة والمساواة التامة بين الجنسين، فهي كلها حقوق منصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. نحن نعرف أننا نمشي ضد التيار السائد في مجتمعنا في بعض المواقف لكننا متأكدون أننا نمشي في اتجاه مجتمع تحترم فيه حقوق الإنسان في شموليتها كما نمشي في الاتجاه الذي تمشي فيه الحركة الحقوقية العالمية التي تتبنى مثل الجمعية مرجعية واحدة ووحيدة وهي المرجعية الكونية، ذلك أن عددا من المواقف التي تجد الجمعية نفسها وحيدة فيها على الساحة المغربية تلتقي فيها مع المنظمات العالمية ذات المصداقية العالية كمنظمة العفو الدولية و»يومان رايت ووتش» وبعض الشبكات الحقوقية العالمية. وبالرجوع للأمثلة التي جاءت في السؤال مثل قضية أميناتو حيدر، فقد أبانت الأحداث صحة الموقف الذي تبنته الجمعية لوحدها وهو مطالبة الدولة بالتراجع عن طردها وتمكينها من الرجوع لبلدها وهو ما طالبت به منظمة العفو الدولية والعديد من المنظمات الأخرى وهو ما تم فعلا واتضح أن القرار التعسفي للسلطات المغربية كان بالفعل قرارا تعسفيا وخاطئا. في ما يخص الصحراء فقد أوضحت تطور موقف الجمعية من المطالبة بتنظيم استفتاء في الصحراء إلى موقف الحل الديمقراطي. وأشير هنا إلى موقف الجمعية الصادر في بيانها الختامي الصادر عن مؤتمرها الأخير والذي صودق عليه بالإجماع : « إن المؤتمر يعبر عن استيائه لاستمرار هذا النزاع منذ عشرات السنين مع ما نتج عنه من ضحايا ومن إهدار للطاقات الاقتصادية ومن عرقلة لبناء الوحدة المغاربية المنشودة. ويؤكد المؤتمر موقف الجمعية بشأن الحل الديمقراطي للنزاع حول الصحراء وبشأن التصدي لكافة الانتهاكات الناتجة عن النزاع مهما كان مصدرها». أما الحركة البديلة من أجل الحريات التي انفردت الجمعية أيضا بالمطالبة بإطلاق سراحهم فقد تبين أن خروقات المساطر القانونية التي واكبت تعامل السلطات معهم متعددة، وقد تعرضوا لكل ذلك فقط لأنهم عبروا عن رأي بشأن موقفهم من حرية ممارسة الشعائر الدينية ومطالبتهم بعدم معاقبة من أفطر علنا خلال رمضان وهم لم يقوموا بعد بأي شيء يعتبر خرقا للقانون. و من جهة أخرى فإن الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الذي صادق عليه المغرب ينصان على حرية العقيدة وهو ملزم بتطبيقه ونطالبه بذلك ولا يمكن لمن يتبنى المرجعية الدولية لحقوق الإنسان فعليا أن يسكت عن تصرف السلطات مع أولئك الشباب. ولا يمكن في هيئة حقوقية أن تتحكم في مواقفها موازين القوى السياسية داخل المجتمع وإلا ستسقط في المقاربة السياسية، والجمعية ليست حزبا يخاف من المواقف التي قد يخسر بها الأصوات الانتخابية،لأنها متناقضة مع الثقافة السائدة فهذا مثله مثل الانتقادات التي وجهت لموقف الجمعية من مسألة عدم الإفلات من العقاب ومطالبتها بمساءلة المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والادعاء أنها مواقف سياسية بينما هذه الانتقادات ...