أولا أوجه تحيتي للرفيق مصطفى بوهو فيما يخص توضيحه حول : "الملاسنات الإلكترونية بين عبد الكريم وشاشا ومن مع عبد الحميد أمين" ، و أود أن أشير بداية إلى معطيين أساسيين : الأول: المكتب المركزي وبتاريخ 11/01/2008 أصدر بيانا تضامنيا مع السيد الرئيس بالنيابة عبد الحميد أمين ليلة انعقاد اللجنة الإدارية فيما اعتبره مسا بشخصه وبالتوجه العام للجمعية انطلاقا من موقعه فيها. الثاني: اللجنة الإدارية بتاريخ 12/01/2008 هي الأخرى أصدرت بيانا تضامنيا ، على اثر بيان المكتب المركزي ليلة انعقاد هذه الأخيرة مع السيد الرئيس بالنيابة ودعت حسب تعبيرها بدعوتها كافة أعضاء الجمعية إلى تركيز طاقاتهم على حماية حقوق الإنسان والنهوض بها وهو ما يتبين من خلال نص البيان. وأطرح التساؤل التالي، لماذا بالضبط تم إصدار البيان المذكور من قبل المكتب المركزي في ذلك التوقيت؟وما غايته؟ وما مآل لجنة التقصي ؟ التي قال المكتب المركزي أنه قام بتشكيلها للنظر في هذا الإشكال أو المشكل المؤطر لما حدت ليلة اليوم العالمي لحقوق الإنسان بين الأخت غزلان ميسور والسيد الرئيس بالنيابة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وما ترتب عنها من نقاشات بما لها وعليها. ألا يعد ذلك استباقا لتقرير وحكم اللجنة المزعومة تشكيلها من قبل المكتب المركزي إن شكلت؟ وإدانة قبلية؟ أو إعلان الانتصار لصالح السيد الرئيس بالنيابة؟ بقدرة الأغلبية العددية بالمكتب المركزي واللجنة الإدارية أو باسم نهاية الريع السياسي بالجمعية كما سماه السيد الرئيس بالنيابة في القنوات الإعلامية الخاصة به؟. ألا يعد الجزء الثاني من البند الخاص بالتضامن مع السيد الرئيس بالنيابة إخفاء لنصف الحقيقة؟ أو محاولة لدبج الوقائع بناء على منطق التأويل المتحكم فيه و الموجه لخدمة مصالح السيد أمين وتنزيهه عن الخطأ بالاعتماد على وضع اعتباري مفترض في ذهنية السيد المعني وزمرته من مريديه. كلها أسئلة تثير كل متتبع لمسار الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قبل المؤتمر السادس الذي أراد أن يؤطر لفلسفة تنظيمية تبتغي مساهمة الجميع، واحتواء كل الصراعات المجانية والابتعاد عن منطق أحادية التدبير أو الهيمنة الأحادية للتنظيم، بإشراك كل مكونات الجمعية الفاعلة فيها لتبليغ رسالتها والدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، إلى حدود عقد المؤتمر الثامن الذي شكل تراجعا نحو الخلف ليس لكون الرئاسة قد أسندت للأخت خديجة الرياضي، أبدا.. ولكن لاتجاه الجمعية نحو الشخصنة بشكل أو بآخر ، وهو ما يجعل الجمعية تسقط في نوع من البيروقراطية التنظيمية، تنتج لنا عقلية الزعيم الأوحد والبريء من كل الأخطاء الممكن ارتكابها مع العلم أن الخطأ سمة إنسانية، تدل على نوع من الممارسة تتحول إلى تجربة نستنتج منها كل الدروس والعبر إن ارتبطت بفلسفة النقد والنقد الذاتي، وهو ما سيجعل الجمعية تفخر بما راكمته ليس فقط في نجاحاتها، وإنما أيضا في الوعي بأخطائها كمدخل لتجاوزها ، وهو ما يقوي لحمتها ويقوي جبهتها النضالية . إنه وبعد ما أثير من زوبعة على المستوى الإلكتروني، كنت شخصيا أنتظر وجهة نظر السيد أمين بشأنها عملا على احتواء كل ذلك، وتكون بادرة غايتها الانتصار للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ليس عن طريق تقديمه لاعتذار ما، أو نفيه لما حصل، وإنما لتجاوز ذلك من خلال وسائل أو أشكال لتقوية الجمعية و تقوية جبهتها الداخلية، لكن ما أثارني شخصيا تلك المحاولة الأرضية أو الورقة التي سماها ب : من أجل نقاشات مثمرة بتاريخ 23 دجنبر 2007 ، حاول فيها أن يبرز صفة المترفع عن الرد على كل ما اتهم به مبرزا لنا- بشكل غير مباشر- أنه فوق أي توضيح أو دفاع، لكون الأجهزة التنظيمية للجمعية - قادرة حسب تعبيره- على إظهار الحقيقة، بعد تأكده من ولائها المطلق له، واعتقاده أن المناضل مصاب، وأن عليه أن يتحمل الضريبة النضالية، وهو في ارتياح تام -حسب تعبيره- لنتائج التحريات، كأننا في مخفر للشرطة أو في دهاليز النيابة العامة، وبعدها استعرض واقع الجمعية الذي يتسم بالقوة بعد المؤتمر الأخير أكتر من ذي قبل حين قال : إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خرجت من المؤتمر الأخير أقوى من أي وقت مضى ، كأن الوضع التنظيمي للجمعية كان ضعيفا وهشا من قبل واستعرض مجموعة من المحطات النضالية للجمعية بعد المؤتمر الأخير،وكأن المسيرة النضالية لم تبدأ إلا بعد المؤتمر الأخير، و أشار إلى دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، وأحال على مجموعة من القضايا التي على الجمعية فتح نقاشات بخصوصها : كالبحث عن سبل تفعيل أرضية التنظيم والتكوين في خدمة جماهيرية النضال الحقوقي، لتنمية العضوية بشكل عام تنظيميا، وحسب الفئات في أفق 2010. و أدرج مطلب الدولة الديمقراطية العلمانية، واعتبره مطلبا حقوقيا بامتياز، بالاستناد إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأن الجمعية متأخرة وبدون مبرر في حسم هذا الموضوع، واقترح تنظيم أو عقد ندوة لمناقشة هذا الموضوع وحسمه لما له من دور- حسب تعبيره - على مساعدة مجمل الحركة الديمقراطية المغربية على وضوح الرؤيا بين السياسة والدين، كأن هذه الحركة تمزج السياسي بالديني أو أنها غير قادرة على استيعاب هذه العلاقة، وهي في حاجة لجمعية مدنية حقوقية مناضلة كي توضح لها هذه العلاقة، وهنا تقع مشكلة التمييز بين الحقوقي والسياسي من جهة، وطبيعة العلاقة بين الأداة السياسية أو الحركة السياسية بالحركة الجماهيرية من جهة ثانية . وفي الأخير تناولت ورقة : من أجل نقاشات مثمرة موضوعين آخرين، عمل السيد أمين على تزكية موقف الجمعية بخصوصهما، وهما: الموقف من الصحراء، والدستور؛ على اعتبار أن ما تم اعتماده يستجيب لطبيعة المرحلة، مضيفا لهما مسألة اعتذار الدولة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، موضحا بخصوصها موقفه. شخصيا لم أتطرق لبعض النقط أو الإشكالات التي طرحتها ورقة أمين، كتنظيم الجمعية بالخارج والشكل الذي يجب أن تتخذه. وفي مساهمتي لتطوير النقاش كما طالب به السيد أمين سأركز على النقط التالية وذلك بقراءتها على ضوء ما ذهب إليه السيد الرئيس بالنيابة على الشكل التالي : ● تفعيل أرضية التنظيم والتكوين في خدمة جماهيرية النضال الحقوقي: الأرضية كما تم تحينها في اجتماع اللجنة الإدارية في أكتوبر 2007 لم تخرج عن السياق السابق، المعتمد على طموحات تسعى الجمعية إلى تحقيقها، بتنمية العضوية عدديا وكميا، غير أن المستجد في هذه الأرضية هو: ربط التكوين بالتنظيم، وهي مسألة منطقية وإيجابية لكن بالرجوع للأرقام المرجو تحقيقها، والمتمثلة في الوصول إلى 15000 منخرط في أفق 2009، ووضع أهداف إستراتيجية ومرحلية تعطي صورة للطابع الاحترافي للعمل بالجمعية -وهذا ما نريد تحققه، إلا أن الهاجس الكمي بات سيد المقاربة، بالرغم من إضافة معطى التكوين، في الوقت الذي يفترض فيه، ربط أية إستراتيجية تنظيمية بواقع الجمعية على مستوى الفروع المحلية والجهوية، باعتبارها اللبنة الأساسية للبناء التنظيمي لها، والذي يفرض علينا تشخيصا علميا، بل افتحاصا علميا وموضوعيا لواقع التنظيمات المحلية والجهوية، لربط التنظيم بأوسع الفئات الاجتماعية، حتى يتسنى لها أداء مهامها؛ وشخصيا لا أومن بمقاربة العدد حيث سيترتب عنها الانفتاح غير المؤمن العواقب، والذي سيهدد الخط النضالي العام للجمعية، ويجعلها قابلة للاحتواء من قبل جهات أخرى، قد تكون معادية لحقوق الإنسان، أو قد تعمل على تغيير منحى الجمعية من بعدها النضالي إلى بعد احتفالي، وإطار لتزكية المخططات الرسمية على المستوى الحقوقي في أمد منظور، وهي خطورة لا يتم استحضارها بشكل جدي؛ وذلك لاطمئنان بعض المكونات بقدرتها على استقطاب الأعضاء الملتحقين سياسيا، وبالتالي التحكم في شكل ممارساتهم حقوقيا عبر الجمعية، غير أن السليم هو كون الأوساط التقدمية المغربية، من إطارات سياسية ومدنية، الفضاء الأنسب لتقوية وتنمية العضوية بالجمعية بشكل أساسي، ومن خلال تشبيك قوي لا يمس باستقلالية الجمعية من جهة، ويقوي هذه المكونات الديمقراطية من جهة أخرى ، دون المس بحق كل مواطن ومواطنة، له أو لها الإرادة والرغبة في المساهمة في النضال الحقوقي عبر الجمعية، على أساس مبادئها ولوائحها التنظيمية. فقوة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تتمثل في ارتباطها بالقوى الديمقراطية و التقدمية من إطارات سياسية ونقابية و جمعوية، ولذلك أقترح فتح حوار هادئ مع هذه المكونات وخاصة الفاعلة بالجمعية المغربية والبحث عن قواعد تنظيمية لا تغتال فيها الديمقراطية الداخلية، ولا تسجل فيها تراجعات مبدئية على مستوى مواقف الجمعية المتوافق حولها، والعمل دوما على تطوير ديناميتها النضالية، وإقرار مبدأ التداول على المهام بشكل ديمقراطي منصوص عليه قانونيا، ومراعيا لتنوع مكونات الجمعية، يحس فيه كل مكون بكرامته النضالية وأحقيته في تحمل المسؤولية. واقتراحي هنا ينصب على تحديد أحقية تحمل مسؤولية رئاسة الجمعية وطنيا وجهويا في ولايتين، دون أن تحق بعدها لرئيس الجمعية المستقيل مجرد العضوية في المكتب المركزي، أوالمكتب الجهوي، إلا بعد ولايتين متواليتين، وقس على ذلك في الفروع أيضا، بحيث يتفرغ بعد ذلك للتأطير، والكتابة، وإسداء المشورة. مازالت الجمعية وطنيا لم تستطع معالجة معيقاتها وضعف بنيات استقبالها، حتى يتسنى لها أداء مهامها بشكل يقوي أداء الجمعية تنظيميا وجماهيريا، ويخلق لها فضاءات مساعدة للتكوين وأطر خاصة لأداء هذه المهام، وهو ما يفترض بذل جهد كبير بشأنه، وأقترح في هذا السياق عقد شراكات مركزية وجهوية مع: وزرة التربية الوطنية، والشبيبة والرياضة، ووزارات أخرى، وحتى مع المؤسسات العمومية إن أمكن، بالاستناد إلى تاريخ الجمعية ومصداقيتها لتوفير قاعات قارة تستغل كمقرات قارة للجمعية، مع الالتزام بتجهيزها على مستوى المكتبة الحقوقية التي يلزم أن تكون مفتوحة لعموم المواطنين للاستفادة منها، وخاصة الشباب من: تلاميذ وطلبة ورجال التعليم وعموم المواطنين، كآلية من الآليات الممكن الاعتماد عليها في نشر ثقافة وقيم حقوق الإنسان وتنمية العضوية على هذا المستوى . وحتى تكون لمؤتمرات الجمعية الفعالية والقدرة على تقدير سلامة مواقفها بابتعادها عن المزايدات السياسوية الضيقة وتكون محطة للنقاش الحقيقي الموضوعي والعلمي المستجيب لإمكانيات الجمعية ومجالات اشتغالها أقترح تعديلات على مستوى القانونين الداخلي و الأساسي وذلك ب : 1-بتطوير التنظيمات الجهوية للجمعية و الاتجاه نحو مؤتمرات جهوية تحدد واقع التنظيم الجهوي وإكراهات أدائه بالمقارنة مع إمكانياته واحتياجاته وتشكيل مجالس جهوية منتخبة تشرف على أداء الجمعية في الجهة أدبيا وتنظيميا على ضوء ما تم إقراره وطنيا، وتوفير المقرات الجهوية من طرف المكتب المركزي مع تجهيزها على مستوى المكتبة الحقوقية والإدارة التدبيرية من موظفين ومتفرغين ومتطوعين ولوجستيك. 2- فصل المحطة الأدبية للمؤتمرات الوطنية عن المحطة التنظيمية وتطوير شكل الأوراق المقدمة للمؤتمر، من أوراق تعتمد شكل البيانات إلى أوراق تحليلية موضوعاتية، لتجسد هذه المحطة المستوى الحقيقي للجمعية فكريا، سواء على مستوى أشكال الحماية والنهوض بحقوق الإنسان، أو على المستوى البرنامجي أو التنظيمي. 3-تنظيميا المؤتمر الأخير اعتمد صيغة الاقتراع السري كآلية تنظيمية مبدئية، في انتخاب اللجنة الإدارية مع المكتب المركزي من جهة وباق الأجهزة المحلية والجهوية، على مستوى المبدئي يعتبر الموقف جريئا بالمقارنة مع طبيعة مكونات الجمعية وقوة هذا الاقتراح المعتمد سيعبر عن قوة الجمعية في حالة إشراك الجميع في تسيير وتحمل المسؤولية في أجهزتها وطنيا و محليا، وكي نعمل على تقوية هذا المبدأ وعدم الإجهاز على حق المستقلين في تحمل المسؤولية تحت ذريعة عدد الأصوات، ونعمل على أن تكون الجمعية للجميع، وأن يجد فيها الجميع دواتهم أقترح أن تكون التمثيلية تعبر حقيقة على طبيعة الجمعية وتنوع مكوناتها، ونبتعد بالتالي عن الهيمنة الحزبوية الضيقة ، وفي هذا الإطار أقترح بالإضافة إلى فصل المحطة التنظيمية عن المحطة الأدبية صيغة الترشح للأجهزة الوطنية بناء على نسبة التمثيلية في المؤتمر ، كيف؟ باعتماد آلية اللوائح المذيلة بتوقيعات المؤتمرين على أساس التوقيع في لائحة واحدة ، وكل توقيع يقع خلاف ذلك يلغى ولا يحتسب في تحديد نسبة تمثيلية اللائحة ، و اللوائح يجب أن تبتعد عن التسميات السياسية و أن تتخذ لها أسماء تعبر عن مجالات اشتغال الجمعية ( كلائحة الحرية ،العدالة،الديمقراطية،الكونية والشمولية أو غيرها ... ) 4-وبخصوص آلية البيان العام أعتقد أنه يمكننا أن نشير إلى مواقفنا في جميع القضايا، وفقا للأرضيات التحليلية التي ستقدم للمؤتمر للتداول فيها، ويجب على الأوراق أن تقسم حسب مجالات اشتغال للجمعية : كمجال التربية على حقوق الإنسان، ومجال تدعيم القدرات التنظيمية التسييرية والتدبييرية لأعضاء الجمعية، بالإضافة إلى تدعيم القدرات التكوينية حقوقيا، والقضايا الحقوقية حسب الموضوعات كالدفاع عن استقلالية القضاء،والحقوق الخاصة، الهجرة،حرية التعبير، الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتتبع الملفات الحقوقية الأخرى... ● مطلب الدولة الديمقراطية العلمانية: سأتناول هذا الموضوع لكون السيد أمين تناوله وأعطى موقفه منه، حيث اعتبر مطلب الدولة الديمقراطية العلمانية مطلبا حقوقيا بامتياز بالاستناد لوثيقتين أساسيتين - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – و أسائل السيد الرئيس بالنيابة ما الغاية من هذا التلويح بهذا المطلب؟ وما علاقة مطلب الدولة الديمقراطية العلمانية بحركة جماهيرية تعمل في فضاء سياسي واجتماعي ذو بعد ثقافي متدين في الغالب؟ هل لغاية فرض العلمانية على المجتمع المغربي من خلال الأغلبية العددية في الأجهزة المركزية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان؟ بعد ما سميته بتنظيم ندوة للنقاش داخل الجمعية تحسم هذه الأخيرة على ضوئها هذا الموقف بالتبني؟ أم لفرض الموقف في الجمعية ضدا على إحدى المكونات الأساسية للجمعية؟ والتي لا ترفض سياسيا ومبدئيا مبدأ فصل الدين عن الدولة دون تسمية ذلك بالعلمانية أو غير ذلك من المسميات. وبالرجوع للوثيقتين المستند إليهما، فأي مادة تنص على هذا المطلب: المتعلق بالدولة الديمقراطية العلمانية؟ وهل الأممالمتحدة كان غائبا لديها هذا المطلب لما كانت تصوغ جل وثائق الأممالمتحدة بشكله النصي؟ أم أن الأممالمتحدة كانت ضعيفة أو عاجزة عن ذلك التنصيص؟ أم تأويل السيد أمين جعله يكتشف هذا المطلب من خلال النصوص المستند إليهما؟ أو أن غايته كانت أبعد من ذلك، وتروم تصفية حسابات مع من انتقدوا ممارساته أثناء تحمله للمسؤولية في محطة تنظيمية وهي المؤتمر الأخير للجمعية ؟ بعدما تأكد من قدرته على فرض ما يشاء كما فعل في الموقف من دسترة اللغة الأمازيغية وباسم أغلبيته التنظيمية . شخصيا ليس لدي أي عداء مع الأمازيغية، سواء كلغة رسمية أو وطنية، وإن كنت أعتبرها هوية وطنية تفرض علينا حمايتها وحماية جميع المواطنين المغاربة الأمازيغ الذين لا يجيدون العربية من اشتطاط الإدارات المغربية عبر المس بحقوقهم واستغلال ضعفهم، بالإضافة إلى حماية الهوية الوطنية بشتى أشكالها العربية و الأمازيغية والصحراوية أيضا، وهذه ليست مهمة الجمعية المغربية لوحدها بل الدولة المغربية بمؤسساتها ووزاراتها المعنية. إن النقاش الدائر على هذا المستوى وشخصيا أنطلق من معطى أساسي أن كل مكونات الجمعية تؤمن بهذا المبدأ وكل ما هناك اختلاف حول التنصيص عليه لاعتبارات أساسية، من بينها أن المجتمع المغربي لا يتقبل هذا المفهوم ويربطه بالإلحاد الديني ميكانيكيا بالرغم من كون العلمانية شكل من أشكال التنظيم السياسي المنبثق من فلسفة الفصل بين الدين والسياسة بناء على المقولة المأثورة ما لقيصر لقيصر وما لله لله ، في فصل بين الدين و السلطة أو الدولة التي يجب أن ترتكز على مشروعية شعبية تمكن الشعب من اختيار حكامه كما تمكنه من محاسبتهم قانونيا وسياسيا دون أن يدعي فيها الحاكم مشروعية فوق الشعب مستمدة من المجهول، أي السماء أو الرب في إحالة لفلسفة التفويض الإلهي للسلطة، التي تستغل جهل الشعب لنهب ثرواته واستغلاله سياسيا واقتصاديا. وهذا مبدأ سياسي محض يطرح إشكالية الفصل الديني عن السياسي ليس بشكل ميكانيكي لكن بشكل موضوعي، بتبني العلمانية سياسيا من قبل الدولة، إذا تحققت لها الشروط الموضوعية والذاتية، وحقوقيا بتجليات العلمانية من خلال إقرار كافة حقوق الإنسان لكل أدمي، يجب أن يتصف بطابع المواطن بغض النظر عن أي شكل من أشكال التميز المحددة في المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن : " لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. " وهذه المادة لم تذكر مطلب الدولة الديمقراطية العلمانية لكنها نصت على مشمولات العلمانية أي على روحها وذلك ليس عجزا منها أو قصر نظر لديها ، وإنما قراءة الإشكال كان أعمقا و ابتغت الأممالمتحدة ضمان شروط الوحدة و التكتل حتى يتم الاعتراف بهذا الإعلان وسارت كل المواثيق الدولية على هذا المنوال، وللدول كامل السيادة في وصف أنظمتها بالعلمانية، أو ما شابه ذلك، لتقتصر علاقة الأممالمتحدة بهذه الدول على مدى احترامها بنود الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، فيما تسمية نظام ما بالعلماني قد لا يؤدي إلى احترام حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، وهناك نماذج كثيرة في هذا المستوى ولعل الولاياتالمتحدةالأمريكية أفصح نموذج على ذلك، وهناك دول أخرى تدعي العلمانية ومستوى انتهاك حقوق الإنسان في دولتها يعرف تزايدا وخاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي ترزح تحت وطأتها، ألم تقم فرنسا بخرق هذا المبدأ عندما منعت تداول الرموز الدينية في مؤسساتها العمومية، في إشارة مبطنة لمسلمات محجبات بفرنسا؟ والسيخ بالهند؟؟؟ ألا يعد ذلك انتهاكا لحق الإنسان في حرية الفكر والوجدان والمعتقد وفقا للمادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ؟ حتى في الدول الإسلامية التي تبنت فلسفة الدولة العلمانية في نظامها السياسي كتركيا و تونس، فإلى أي حد ساهم هذا الموقف في تعزيز حقوق الإنسان لهذين البلدين؟ كلنا نعرف طبيعة النظام الديكتاتوري التونسي ومدى استبداديته بسحقه للحقوقيين والأصوليين، مثلما أراد النظام التركي استئصال الأكراد من خريطة العالم. الإشكال أعمق في نظري من تبني مطلب الدولة الديمقراطية العلمانية ، لكون الإشكال الحقيقي يتمثل في طبيعة النظام السياسي المغربي المتسم بالطابع الاستبدادي للحكم، والوثائق الدستورية المغربية الممنوحة من قبل نظام الحسن الثاني أكبر دليل على ذلك، و أكثر من هذا المستوى فحتى الحقوق المعترف بها سياسيا من خلال القوانين القائمة و التي أقرها الحكم ذاته، لا يقوم باحترامها ، فبالأحرى أن تطالب جمعية حقوقية بإقرار مبدأ لا يعترف به أصلا، باعتماده منطق التفويض الإلهي عبر الفصل التاسع عشر . الساحة الاجتماعية أو المجتمع المغربي هو الآخر لا يتقبل هذا المبدأ، ويربطه بالإلحاد ميكانيكيا، فهل للجمعية المغربية لحقوق الإنسان القدرة على مواجهة الشعب المغربي وإقناعه بهذا المبدأ ؟ وتقنعه أيضا بأنه يمكن لأي مواطن الحق في تبني أرائه ومعتقداته بكل حرية كما يحق له أن يغير معتقداته تلك بشكل حر؟ كما يمكن له أن يكون ملحدا؟ و هل يمكنها أن تصمد بهذا المبدأ -وبالنظر لطبيعة تكوينها التنظيمي- أمام القوى اليمينية السائدة بالمغرب ؟ شخصيا لا أعتقد ذلك. إن الصراع أكبر مما يمكن للجمعية أن تتصوره فلا يمكنها أن تنوب عن الأحزاب السياسية أو اليسار المغربي بشكل واضح باختلاف تلاوينه وتعبيراته السياسية ، فمهام الإطارات السياسية تظل لهذه الإطارات ، تحملت مسؤوليتها أم لا هذا إشكالها،غير انه لا يمكن للجمعية أن تنوب عنها، كما لا يمكنها أن تنوب عن النقابات حتى باسم الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية ، وعلى السيد أمين أن يعي ذلك جيدا كما على الجمعية هي الأخرى أن تعي ذلك و ألا تبعثر الأوراق كما يحلو لها، فالنضال السياسي سيظل سياسيا ولن يحسم إلا سياسيا، على اعتبار أن الصراع في المغرب صراع ضد الاستغلال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي يرتكز على أساس مادي، وكل طرف سياسي يساهم فيه حسب المصالح الاجتماعية التي يعبر عنها، وبتكتيكاته المرحلية والإستراتيجية في أفق تحقيق الهدف المنشود لديه، والقوى التقدمية الديمقراطية لها كامل الحق والحرية في اختيار طبيعة مواقفها و التعبير عنها، لكن ليس باسم إطارات جماهيرية تعتمد دعاية حزبوية ضيقة . حتى نحافظ على استقلالية الإطارات الجماهيرية ، على المناضلين في هذه الإطارات أن يربطوا نضالهم بتقوية الحركة التقدمية والديمقراطية، وألا يخلقوا نوعا من الإنفصامية فيما بين المجالين، كالفصل الميكانيكي بينهما بدعوى الاستقلالية، فالعلاقة بينهما علاقة الجزء بالكل. وفي آخر هذا المستوى من النقاش أود أن أطرح تساؤلا، أتمنى ألا يفهم على أساس أنه يندرج في إطار بوليميك سياسي: ألا يعتبر مطلب ديكتاتورية البروليتاريا مطلبا حقوقيا بامتياز؟ استنادا لروح المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بما فيها ميثاق الأممالمتحدة الذي يقر بحق الشعوب في تقرير مصيرها، و المادة الأولى للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية تنص على أن: 1- لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهى بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. 2-لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة. 3-على الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسئولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأممالمتحدة. فهل للجمعية المغربية لحقوق الإنسان القدرة على تبني هذا المطلب أيضا خاصة وأن الأغلبية العددية ( وليست هي الوحيدة) هي الأخرى تتبنى هذا الطرح - على الأقل تصريحا - ؟ لا أعتقد ذلك . عود على بدء إذا كان ما وقع ليلة اليوم العالمي لحقوق الإنسان بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أدى إلى هذا النقاش، فشخصيا ألتمس استغلال كل الفرصة لتحصين الجمعية من أي ممارسات قد تمس بسمعتها ومبدئيتها وعلى الجميع تحمل المسؤولية و الاعتراف بالخطأ كيفما كان شأنه ومصدره، بما لا يعني أن السيد أمين كان رئيسا سابقا للجمعية ونائب رئيستها حاليا منزه عن أي خطأ، وعلى الآخر أن يتحمل كل المسؤولية في ذلك فقط لكون المعادلة التنظيمية تستوجب الانتصار دائما للقائد، ألا يعد ذلك ترسيخا لثقافة الزعيم أو القائد البريء والمنزه من كل الأخطاء؟ وبغض النظر عن المسؤول عما حدث، هل المشاكل التي تعرفها الجمعية حاليا يمكن احتوائها بمنطق ابتزازي مبطن كما قام به السيد أمين من خلال الورقة المذيلة بالنقاش المثمر؟ وهل فرض تصور حزبوي معين على الجمعية بمنطق الأغلبية العددية في الأجهزة الوطنية، سيقوي الجمعية؟ وهل ما مارسه الرفيق وشاشا عبد الكريم من نقد أو تقدير شخصي يتنافى و القيم الحقوقية التي تدافع عنها الجمعية؟ وإن أراد السيد أمين وبكل صدق فتح نقاش ما لتقوية مسار الجمعية، فعلى أي نقاش في هذا الاتجاه أن يستهدف سبل تدعيم الجبهة الداخلية للجمعية، قبل اتخاذ أي موقف ما، لسبب بسيط كون أي موقف في حاجة لمن يدافع عنه، ويعمل على فرضه واقعيا، وإن متانة الجبهة الداخلية للجمعية إنما هي البوابة الأساسية لذلك، إلا إذا تأكد السيد أمين ومعه تياره النهج الديمقراطي -الذي لا ينتمي إليه تنظيميا حسب تصريحاته- أن له القدرة على تحقيق أهداف الجمعية لوحده دون المكونات الأخرى . إنه من السهل التلويح بالمواقف حتى بإقرارها، لكن من الصعب تبنيها مبدئيا وواقعيا، ولا أعتقد أن هناك تيار سياسي أو نقابي أو حقوقي معين قادر لوحده على خوض صراع، أو حتى قيادة معركة بالمغرب سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حقوقية، وكل تصريح خلاف ذلك لا يخرج من خانة المزايدات السياسية التي لا تولد غير انتهازية سياسية سرعان ما تنكشف، فالوحدة البرنامجية على أرضية حد أدنى إنما هي الآلية الموضوعية التي يجب أن تؤطر دينامية كل الإطارات، بما فيها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي تشكل واجهة نضالية لمجموعة من الإطارات التقدمية الديمقراطية اليسارية باختلاف مشاربها بناء على حد أدنى متوافق عليه، على الجميع تطويره وتقويته وضمان شروط استمراريته. [email protected] ""