في الوقت الذي حافظ المجتمع المغربي على رفضه لظاهرة الشذوذ وهجمة الشواذ وداعميهم خلال الفترة الماضية، خرجت جهات حقوقية على هذا الإجماع وطالبت من داخل المجتمع المدني بالتطبيع مع الشذوذ الجنسي، معتبرة إياه -وعلى اختلاف أشكاله- حرية فردية وميولات شخصية ليس من حق أي أحد مصادرتها. "" ورغم أن هذه الجهات بقيت نشازا واستثناء، وقوبلت آراؤها بانتقادات حادة، إلا أن بروزها إلى العلن بهذا الشكل يشكل أساسا يستند عليه الشواذ في الترويج لأفكارهم، كما أنه يخفي اختلافات جوهرية بينه وبين جل مكونات المجتمع في القيم المرجعية المؤطرة للسلوكيات العامة والخاصة. استقواء خارجي وتعليقا منه على هذه الخروجات المعلنة لهذه الجهات، رأى المفكر المغربي المقرئ أبو زيد الإدريسي أنه "لم يقع هناك أي تطور في مواقفها، بل فقط خرجت إلى العلن بشكل أكثر سفورا وحدة"، معزيا ذلك إلى "استقوائها بمنظمات خارجية أمام تباطؤ الجهات الرسمية"، لكنه اعتبر أن هذه الجهات "أقلية -حتى في العالم- ولا تشكل ما يسمى بالمرجعية الكونية، بل إنها هي الخصوصية"، على حد قوله. وقد سجل المتتبعون أن الدفاع عن الشذوذ من قبل أطراف مختلفة محسوبة على المجتمع المدني كشف عن وجهه بشكل أكثر وضوحا، ومن أبرز هذه الأطراف: الإعلامي "رضا بن شمسي" مدير مجلتي "تيل كيل" و"نيشان"، و"عبد الصمد الديالمي" أستاذ الفلسفة بجامعة فاس، و"المنظمة المغربية لحقوق الإنسان"، و"الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" المعروفتان بدعوتهما إلى ملاءمة القوانين المغربية مع القوانين والاتفاقات الدولية، وتجاوز جميع "التحفظات التقليدية". ودفاع هذه الجهات عن ظاهرة الشذوذ بهذا الشكل يعتبر هو الثاني من نوعه؛ مما يؤشر على استمرارها في مسار التطبيع المتدرج مع الظاهرة وأصحابها؛ إذ سبق لكتاب وإعلاميين ومثقفين أن أصدروا بيانا "من أجل الدفاع عن الحريات الفردية"، طالبوا فيه اعتبار "الشذوذ حرية شخصية متهمين الإسلاميين بمصادرة هذه الحرية"، وذلك عقب ما عرف في المغرب أواخر 2007 بحدث القصر الكبير، إثر حادثة زواج شاذين، وخروج سكان المدينة في تظاهرات استنكارية لذلك. في الخفاء والعلن وفي تصريحاته للصحافة المغربية، أقر "سمير بركاشي" منسق جمعية "كيف كيف" لشواذ المغرب، والتي تنشط من العاصمة الإسبانية مدريد، أنهم يتلقون دعما سياسيا من جهات داخل البلد وخارجه؛ مما شكل حرجا حقيقيا للسلطات المغربية، والتي تأخرت في ردها على الخروج العلني لهذه الجمعية وغيرها، والذي يناقض قيم البلد وقانونها. وفي الوقت الذي تدعم فيه عديد من الجهات في الخفاء هذه الجمعية ومطالبها، منها -حسب تقارير إعلامية- قنصليات وتمثيليات أجنبية في المغرب، وعلى رأسها السفارة الإسبانية، انتقلت أطراف أخرى مغربية للدفاع المعلن والواضح عن هذه الظاهرة، وطالبت ب"الاعتراف بحق أصحابها في الوجود ما دام الجنس مسألة شخصية"، أو دعت إلى ما اعتبرته "نقاشا عقلانيا لهذه الظاهرة". واعتبرت "خديجة الرياضي"، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريحات إعلامية سابقة على إثر بلاغ وزارة الداخلية الذي قال إنه سيتعامل بحزم مع الشواذ "أن بلاغ وزارة الداخلية فيه نوع من التهديد والوعيد، وتضييق على حرية التعبير، ويتدخل في الحرية الفردية للشخص". وأشارت خديجة الرياضي إلى أن "الجمعية تعارض اعتقال المثليين بمجرد الاشتباه بهم في الشارع، وليس ضبطهم في وضعية تلبسية بأفعال الشذوذ"، وطالبت بإلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي. وسبق فعلا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن أصدرت هي ومنظمة "هيومن رايت وتش"، في فبراير 2008 عريضة لمطالبة الحكومة بإلغاء هذا الفصل الذي يجرم الشذوذ الجنسي. ويجرم القانون المغربي الشذوذ الجنسي في باب انتهاك الآداب في الفرع السادس من القانون الجنائي المغربي، والذي تنص مادته "489" على أنه "يعاقب بستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 درهم إلى 1200 درهم فقط كل من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي"، وعرف القانون المغربي الشذوذ الجنسي بأنه "ممارسة الشخص للجنس مع شخص من جنسه". وأضافت خديجة الرياضي بأنهم في الجمعية الحقوقية "لا يمكن لهم أن يكونوا ضد تأسيس جمعية وفق ما ينص عليه القانون المنظم لتأسيس الجمعيات بالمغرب"، وفي ذلك في إشارة إلى حق جمعية "كيف كيف" للشواذ المغاربة في التأسيس والوجود والنشاط. وفي نفس الاتجاه، دفعت "أمينة بوعياش"، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وإن كان بلغة أكثر تحفظا؛ حيث اعتبرت أن الذي حدث ما هو إلا مجرد "خروجه من بوتقة الغرف المظلمة إلى النور، ومن السر إلى العلن، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الناس المتحدث عنهم، الذين لهم تركيبة فسيولوجية خاصة، وهم أيضا لهم حقوق وواجبات"، مشددة على "أن المرجعية الحقوقية العالمية تعطي الحق لهؤلاء في أن يكونوا متواجدين، وأن يعرف الجميع ميولهم". وهو نفس المسار الذي تدافع عنه كتابات الإعلامي الفرنكفوني "رضا بن شمسي"، والأستاذ الجامعي "عبد الصمد الديالمي"، والكاتب المغربي المقيم في فرنسا والذي يجاهر بشذوذه "عبد الله الطايع". فكر ضائع وتفسيرا منه لهذا البروز نفى أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة الدارالبيضاء "المقرئ أبو زيد" أن يكون قد وقع تحول ما في المجتمع المدني المغربي، واعتبر أن هذه الجهات "هيئات وأشخاصا لها فكر علماني متطرف معاد للدين، وجاهل بالإسلام، ومعتد على القيم الوطنية والأصيلة، ومواقفه معروفة وليست جديدة، لكنه في كل مرة يجد نفسه في مفترق طرق يعبر بوضوح عن مواقفه هذه، فقط ربما هذه المرة الجرأة غير معهودة". يستطرد الرجل مفسرا: "فالديالمي مثلا معروف منذ 30 سنة بدافعه المستميت عن الجنس والانحلال الأخلاقي، ودعوته لتغيير عدد من المفاهيم في هذا الإطار للتطبيع معها لاحقا غير خاف، أما الجمعيات الحقوقية فجلها تستند إلى المرجعية الغربية، هذه المرجعية التي ليس لها أي مستند قيمي ورباني، بل هي مرهونة فقط بفكر بشري نسبي ضائع". وربطا لهذه الجهات بمن يدعمها على المستوى الدولي قال "أبو زيد": "التيار اللاأخلاقي له نفوذ دولي قوي إعلاميا وسياسيا وثقافيا وماليا.. إنه استطاع أن يصل إلى مراكز تأثير ونفوذ على المستوى العالمي، ومن ثم التأثير في صياغة هذه المرجعية، وبالتالي التطبيع مع الشذوذ وسائر السلوكيات المنحرفة، ومن ثم تلتحق به جمعياتنا هنا.. كل ما حدث تغيير ما هناك". خط أحمر وهنا وقف عند مثال لمفارقات هذه الجمعيات الدولية التي تدافع عن حقوق الإنسان بقوله: "هذه الجمعيات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان لا نجد صوتها عاليا في القضية الفلسطينية، ولكنه ليس كذلك في دارفور"، ليجزم بالقول: "هذه الجهات تناضل ضد المرجعية الإسلامية القاطعة الرأي في مسألة كالشذوذ، وهو ما لا يمكن لمسلم أن يقبله مهما كان مستوى تدينه". وفي هذا السياق انتقل "المقرئ" للحديث عن المسألة من الزاوية الثقافية؛ حيث رأى أنه "ليس هناك ما يسمى بعولمة ثقافية؛ فهذا خط أحمر.. الثقافات في العالم قائمة على التعدد والاختلاف والتباين، وإحدى تفاهاتهم أنهم يريدون قولبة العالم بشكل واحد، ونمط معين". وفيما يخص نشاط هذه الجهات العلمانية داخل المملكة قال: "هذه الجهات في المغرب تجرأت حين رأت تواطؤا أو صمتا، أو تباطؤا من جهات رسمية، وتوهمت أيضا أن التيار الإسلامي الذي يتصدى لها في ترهاتها قد ضعف بعد الحملة الاستئصالية التي شنت ضده بعد 16 مايو الإرهابية، فالتجأ يستعصم بالسفارات الأجنبية في زمن أصبح فيه الرؤساء مستهدفين، ومطالبين من جهات دولية وجنائية؛ وذلك للضغط على الجهات الرسمية للصمت". تصحيح المعادلة وحديثا عما بات يعرف بتعارض المرجعيتين الكونية -القوانين الدولية- والخصوصية -الإسلامية- أعاد المفكر المغربي النقاش من البداية بهدف تصحيح هذه المعادلة "من أعطاهم حق تمثيل الكونية وجعلنا في زاوية الخصوصية، فديننا دين الفطرة وهو دين العالمين، ويعتنقه مليار ونصف المليار، ونحن إما أمة دعوة أو أمة استجابة، فهم من يمثل الخصوصية وليس نحن"، ويسترسل بالقول: "هم أقلية الأقلية في العالم، وسلوكهم شاذ، ومعتقدهم خاطئ، وفهمهم منحرف، وعددهم لا يتجاوز 1 في المائة، فهم الخصوصية إذن". مشددا على "أنهم أقلية، ولكن بحكم تحكمهم ونفوذهم يضخمون في ذاتهم، ويحاربونا بالتلاعب بالمصطلحات الضخمة، ويقولون بأن خصوصيتنا ترفض كونيتهم وهذا محض افتراء". وأضاف موضحا بخصوص الإشكالات التي تثيرها هذه العلاقة بين المرجعيتين: "ثم إن مرجعيتنا الإسلامية ليست ضد أي تشريعات وقوانين دولية تدافع عن الحقوق، وتحترم الحريات، وتساهم في البناء الحضاري والعمران البشري، وحتى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا نعترض عليه إلا في مادتين أو ثلاث تغتصب حقنا في التشريع بما يلائم ثقافتنا"، مذكرا بأن "الإسلام أسهم في تطوير البشرية على مختلف المستويات، سواء من خلال تجربته في 14 قرنا، أو على المستوى النظري والفكري". وعن بعض التداعيات الواقعية لهذه العلاقة في المغرب قال: "الجمعيات الحقوقية عندنا لم نعارضها قط، وهي تدافع عن المعتقلين والحريات السياسية وسائر الحقوق، ولكن طبيعي أن لا نقبل منها، ولا يقبل منها كل مسلم هذا الدفاع عن الشذوذ الجنسي، أو نظرتها لقضايا المرأة من زاوية وحيدة وهي القوانين الدولية". أما بخصوص الواجب على مختلف مكونات المجتمع المغربي لمواجهة هذه الدعاوى المنحرفة ومن يقف وراءها فشدد "المقرئ أبو زيد" على "حقنا في أن نطالب بالحرية والديمقراطية الحقيقية؛ فهذه الكائنات الميكروسكوبية مدعومة من جهات مختلفة، ومسموح لها بالعمل والحركة، مقابل التضييق على الجمعيات والمؤسسات الجادة، والتي تمثل المجتمع المدني الحقيقي، خاصة منها المعروفة بتعبيرها عن الحركات الإسلامية والتوجه الإسلامي، فلو سمح لها وفتح أمامها المجال فسوف يعرفون حقيقة الشعب المغربي من خلال هذه الجمعيات". ثم يخلص إلى القول: "فإشكالنا ديمقراطي وليس ثقافيا؛ لأن ثقافتنا المغربية الإسلامية معروفة ومحسومة، لكن الديمقراطية الغائبة هي التي تفتح الباب لهذه الأقليات الشاذة، وتغلقه دون الفئات الممثلة لهوية الشعب وحقيقته". مسار الشذوذ بالمغرب هذا وعرف الشذوذ في المغرب مسارا تصاعديا أصر أصحابه على الظهور رغم ثقافة المجتمع المغربي المسلم، وانتزاع ما يعتبرونه "حقا في الوجود". ففي أبريل 2007 قرر الشواذ المغاربة الخروج للعلن، والاحتفال بزواج شاذين في موسم "سيدي علي بن حمدوش"؛ وهو الأمر الذي صادف وجود الصحافة، فصوروا المظهر المعلن، وتناقلت الموضوع الصحافة المغربية، ووصل إلى قبة البرلمان، غير أن وزير الداخلية "شكيب بن موسى" نفى أن يكون قد وقع ذلك؛ معللا بعدم توصل السلطات المحلية بأي شكاية تدل على وقوع مثل هذه الممارسات المخالفة للقانون. وفي نوفمبر من نفس السنة أثيرت ضجة كبيرة وسخط عارم حول حفل زواج شاذين بمدينة القصر الكبير؛ حيث خرج سكان المدينة في مظاهرة لثلاثة أيام، وتناقلت بعض الجوانب من الحفل عبر الهواتف النقالة، ووصلت موقع يوتيوب العالمي للفيديو، وحكم القضاء على المتهم الرئيسي "فؤاد فريرط" بعشرة أشهر و1000 درهم إثر إدانته بجنحة "الانحراف الجنسي، والمتاجرة في الخمور بغير ترخيص"، غير أنه برَّأه من تهمة المس بالأخلاق العامة، وحكم أيضا على آخرين بأحكام مخففة نسبيا. وقبل أسابيع قام "سمير بركاشي" رئيس جمعية "كيف كيف" لشواذ المغرب بزيارة من إسبانيا إلى المملكة، والتقى فعاليات حقوقية وتمثيليات أجنبية في البلد، وأدلى بأربعة تصريحات صحفية أثارت كثيرا من الجدل والصدمة في أوساط مختلفة في المغرب. (إسلام أونلاين)