أزاح المحتوى الخبري المتصاعد على الانترنت اشهر الصحف الورقية الفرنسية من المكتبات في اضافة جديدة للسباق بين الورقي والالكتروني، وأعلنت صحيفة "فرانس سوار" الشهيرة التوقف عن طبع نسخ ورقية منها وستحاول الصمود كنشرة إلكترونية. وستصبح الصحيفة التي تأسست في نونبر 1944 باسم "فرانس سوار دفاع فرنسا" وسميت "فرانس سوار" بعد الحرب العالمية الثانية، أول صحيفة فرنسية تتخلى عن النسخ الورقية لتكون محصورة بالإنترنت فقط. ويأتي الخبر في وقت تمر الصحافة اليومية الفرنسية التي يواظب عليها ثمانية ملايين قارئ بأزمة حادة تشهد عليها المصاعب التي تواجهها صحيفة "ليبيراسيون" اليسارية ويتحتم عليها اجراء تحول عميق للاضطلاع بتحديات الانترنت والنشرات المجانية. وحمل الأمر الكاتب جاك اتالي على القول في مجلة "ميديا" ان "الصحافة اليومية ماتت كصحافة مدفوعة الثمن، وذلك ببساطة لان الانترنت فرض على الإعلام المكتوب أسلوب الإذاعة". وتعكس الارقام وضعا صعبا لهذه الصحافة اليومية الوطنية اذ تشير الى تراجع في حجم اعمالها على مدى 15 عاما بين 1990 و2005 بنسبة 7.15%، الى 875 مليون يورو. وتراجع عدد الصحف الوطنية من 28 صحيفة تبيع اكثر من ستة ملايين نسخة عام 1946 الى 11 صحيفة توزع مليوني نسخة يوميا حاليا. وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن "فرانس سوار" قد تعلن قرارها يوم الجمعة بعد اجتماع لممثلي مالكيها والموظفين. وكانت الصحيفة أصبحت من أكثر الصحف توزيعاً في فرنسا والقارة الأوروبية عام 1955 حين طبع منها 1.5 مليون نسخة، ولكنها بدأت بالتراجع في القرن الواحد والعشرين بسبب تغيّر مالكيها وانخفضت نسخها إلى 50 ألف في الاعوام الأخيرة. ونفذ موظفو الصحيفة في ذلك العام إضراباً احتجاجاً على خطة المالك بخفض التكاليف وتحويل الصحيفة إلى صحيفة تابلويد، وتوقفت الصحيفة عن الطبع لمدة شهر ونصف بسبب الفوضى الإدارية آنذاك. وعام 2009 قرر ألكسندر بوغاتشيوف، نجل الملياردير الروسي السابق سيرغي بوغاتشيوف شراء الصحيفة وتم إطلاقها مجدداً عام 2010. ووعد بوغاتشيوف الإبن بأن تبلغ الصحيفة 200 ألف نسخة مطبوعة، إلاّ أن هذا لم يتحقق وقامت الصحيفة مؤخراً بالتخلي عن 89 موظفاً. يشار إلى أن "فرانس سوار" كانت أحياناً تطبع أكثر من نسخة يومياً إذا كانت التطورات والأحداث كثيرة ووصلت أحياناً إلى سبع نسخ. ورأت هيئة تطوير وسائل الإعلام (هيئة حكومية) انه "يمكن التكلم عن أزمة" تطاول "الصحف الوطنية والمجلات الإخبارية على حد سواء" ومن تراجع مداخيل الإعلانات، تراجعت أيضا حركة توزيع الصحف اليومية الوطنية عام بمعدل 1.95% بحسب أرقام مكتب مراقبة التوزيع ولم تظهر بوادر تغير في هذا التوجه خلال العام الماضي. وأشارت أرقام شركة توزيع الصحافة الباريسية الى تراجع في مبيعات صحيفة ليبيراسيون بنسبة 10.5% وصحيفة "لو فيغارو" بنسبة 6.4% و"لوموند" بنسبة 5.5%. وفي المقابل، بقيت مبيعات صحيفة "لا تريبون" الاقتصادية مستقرة بصورة اجمالية (-0.2%)، فيما ازدادت المبيعات بنسبة 6.4% لصحيفة "لي زيكو" و7.5% لصحيفة "ليكيب" الرياضية و7.8% لصحيفة "اوجوردوي آن فرانس" الشعبية. وذكرت هيئة تطوير وسائل الإعلام انه "بالرغم من إقدام بعض الناشرين على تغيير الصيغة المعتمدة لاجتذاب القراء او إضافة منتوجات جانبية إلى إعدادهم (مثل الاقراص المدمجة والكتب)، لم تتمكن اي وسيلة من وقف تدهورهم"، في إشارة إلى الصيغ الجديدة التي اعتمدتها صحف مثل "لو موند" او "لو فيغارو". وانتقلت صحيفة "فرانس سوار" بعد ان كانت في الماضي من ابرز الصحف الفرنسية، الى رجل الاعمال جان بيار برونوا قبل ان يستحوذ عليها الثري الروسي، بعد الغاء مائة وظيفة، فيما تعاني صحيفة ليبيراسيون من خسائر وصلت الى خمسة ملايين يورو خلال النصف الاول من السنة وسرحت 56 من موظفيها. ووصلت خسائر "لو موند" بين الصحيفة والمطبعة الى سبعة ملايين يورو والهدف هو خفض هذه الخسائر الى النصف. واوضح معهد "مونتانيه" الليبرالي للدراسات اخيرا ان كلفة الطباعة والورق والتوزيع تمثل حوالى "50% من الكلفة الاجمالية لصحيفة ما" في فرنسا مشيرا الى هذه النفقات هي "من الاعلى في العالم الغربي". وبموازاة ذلك تراجع عدد نقاط البيع بمقدار 4600 نقطة من اصل ثلاثين الفا بين 1995 و2003. وما يساهم في حدة هذه الازمة ايضا انتشار صحف مجانية مثل "20 مينوت" و"مترو" اللتان اطلقتهما مجموعات اسكندنافية عام 2002 وتوزع الاولى حوالى 800 الف نسخة يوميا في باريس وسبع مدن اخرى. وتجتذب وسائل الاعلام هذه شبان "الجيل الرقمي" الذين يختلف تماما عن الجيل السابق له من حيث نمط استهلاكه لوسائل الاعلام، ما يحمل صحف مثل "لو موند" و"ليبيراسيون" على الاستثمار بشكل متزايد في مواقعها على الانترنت لزيادة قرائها. ولا تقتصر الازمة على الصحافة الفرنسية بل تمتد الى الصحف الاميركية والبريطانية، وتركز أغلب الصحف البريطانية حاليا على تطوير مواقعها الالكترونية على الانترنت، بعد الانخفاض الحاد في عدد القراء للصحف الورقية.